منذ سبعة آلاف سنة ومصر تمارس إدارة الدولة بكل معانيها سواء تقسيمات إدارية وعسكرية وزراعية وتجارية وصناعية وسياسية دقيقة ناهيك عن بناء وتشييد المدن والمشاريع ( القومية ) العملاقة مثل تجفيف بحيرة كبيرة لإقامة مدينة كاملة مكانها ( الفيوم ) أو إنشاء قناة تربط مابين النيل والبحر الأحمر ( قبل قناة السويس بآلاف السنين ) . أما عن السياسة فحدث ولا حرج فمازال الحاكم في مصر حوله كوكبة من الكهنة
( كهنة القانون والإقتصاد والسياسة والعسكرية .. إلخ ) ولا أقصد بالكهنة هنا وصف معيب بل أقصد أن الكهنة عند الفراعنة هم خلاصة المجتمع الفكرية وهذا ما جعل أمريكا عملاق العالم العسكري والإقتصادي يتخبط غاية التخبط في في إدارة الأزمة المصرية سياسيا . فما اندلعت المظاهرات بمصر حتي أعلنت أمريكا بشكل مباشر عن ثقتها في مبارك قائلة وأن مسألة التغيير بيد الشعب وحده . ولكم ما إن حمي وطيس الأحداث والتهبت حتي تراجعت أمريكا في سياسة التأييد وعدم التدخل واستخدمت لهجة أخري مفادها أن التغيير قد حان وأنه لابد من التغيير الفوري ولابد أن يترك مبارك الحكم بأسرع وقت دون ابطاء . ولكن مع إلتفاف ( الكهنة ) بهدوء و بأكثر من طريقة وفي أكثر من اتجاه لإحتواء المظاهرة وآثارها وقنوع الكثير من المتظاهرين بما تم تحقيقه من مكاسب وخوفا من أن تنجر البلاد لهاوية تخطط لها أمريكا هدأت حدة التظاهرات فما كان من أمريكا إلا أن تغير موقفها دون حياء لتعلن أن هناك عراقيل أمام مسألة التغيير الفوري بمصر وأن المسألة تحتاج لوقت . ثم تسارعت الأحدث مرة أخري فأعلنت أمريكا أن مصر تشهد الآن لحظة تاريخية ( إشارة لإنتقال السلطة في هذه اللحظات ) وأعلنت أن التغيير في مصر يتم الآن حتي أن جهاز المخابرات الأمريكي ( شخصيا ) قال أن مبارك سيتنحي اليوم في خطابه عن السلطة فكانت المفاجأة المدوية وهي أن مبارك لم يتنحي وأن ( السي أي إيه ) ما هو إلا مجرد طفل يلعب في ( التراب ) فقال الأمريكان أن مبارك خيب أمالهم في خطابه .. ما كان ينبغي لدولة عظمي مثل أمريكا أن تؤيد وتتراجع ثم تؤيد ثم تتراجع ثم تطالب ثم تتراجع ثم تقول بلهجة الواثق أن التنحي تم إلا أنها دولة عظمي اقتصاديا وعسكريا ولكنها مازالت ناشئة سياسيا وأعجبني ( دون تقييم للتنحي من عدمه ) . أقول أعجبني جدا الهدوء والثبات السياسي المصري في التعاطي ( خارجيا ) مع هذه المسألة والتشديد الدائم من الجميع في أن مصر لا تسمع للإملاءات الخارجية . ولكن للأسف فات هؤلاء الكهنة الجبهة الداخلية والتي استعلوا عليها . وغاية ما أعجبني هو ثقة الجيش في نفسه وإدارته للأمور بحرفية وهدوء شديدين ... دائما عظيمة يا مصر