شكّل صدور الديوان الشعري "ديوان الشجرة" للشاعرة التونسية
جنات البخاري حدثا ثقافيا في تونس هذه الصائفة. وتعود أسباب اكتسابه لهذه
الأهمية إلى أنّ صاحبة الديوان تجاوز عمرها السبعين سنة. وبذلك تعدّ أول
مبدعة تصدر عملا إبداعيا في مثل هذا السنّ.
وعلّق الإعلامي والروائي حسن بن عثمان على هذا الحدث في تقديمه لهذا
الديوان بقوله: "لا نشكّ في أن مسيرة خالتي جنّات البخاري الحياتية تكشف
عن معدن صلب لامرأة قوية الإرادة، شديدة الشكيمة، تنازل الصعاب والعقبات
بروح كفاحية عالية وعزيمة فذّة لا تلين، بما يليق بالشعر كممارسة لا تعرف
المستحيل، وبما يليق بها كقدوة من القدوات المثلى، لنا ما نتعلّم منها".
وصدر الديوان عن "منشورات كارم الشريف" وكتب مقدمته الإعلامي والروائي التونسي حسن بن عثمان.
وجاء الديوان الذي أشرف على تنفيذه فنيا الفنان التشكيلي التونسي حسين
مصدق بمشاركة حسن بن عثمان وإبراهيم بن هقي، في طبعة أنيقة جدا من الحجم
المتوسط، تضم 88 صفحة، متضمنا 43 قصيدة تناولت مختلف الأغراض الشعرية.
ونذكر من قصائده: "العنكبوت" - "الناس" - "الكلام" - "انتشاء"- "الظلّ" -
"امرأة ما" - "الرّحلة" - "الرسّام" - "زخات الشتاء" - "طفولة قديمة" -
"النّعناع" - "صفصافة" - "لحظتان وحيدتان غامضتان" - "امرأة الوقت" -
"حوارية الحمامة وابنها".
وتضمن الغلاف الخلفي للديوان صورة للشاعرة مع الشاعرين الكبيرين محمود درويش وسعدي يوسف.
وعرف عن الشاعرة جنات البخاري تعلّقها الشديد بالأدب وخاصة الشعر، وهي
مولعة بالأمسيات الشعرية وحريصة على متابعة كل ما يستجد على الساحة
الشعرية من أشغال وندوات.
وكتب حسن بن عثمان في مقدمته التي اختار لها عنوان "حكاية هذا الديوان":
"هناك في كل كتاب يُكتب ويُنشر، خصوصا الكتاب الأدبي، ما هو خارج عن
السيطرة وممّا لا يمكن التنبؤ به، شيء غير متوقّع، صدفويّ، سرّي، ولا يخطر
على بال لكل كتاب قصّة غير مرويّة، والنادر من الكتب من سُرِدت قصّة وجوده
في حياة الكتب، مع أنه، في بعض الأحيان، تكون قصّة وجود الكتاب أهم من
القصّة أو المضمون الذي يتمحور حوله الكتاب".
وأضاف حسن بن عثمان متحدّثا عن مضمون الديوان: "إنه جعلني مشدوها أمام
العديد من السوانح واللفتات والتألقات الشعرية، التي هي من صميم الشعر
المتشكّل في قصيدة النثر، التي من أخصّ خصائصها خروجها عن المألوف
والاشتغال على المفارقة في اللغة وفي المعنى، وذلك حسب نماذجها الأساسية،
كلّما نسيت أنها قصيدة تفكير وتنظير وافتعال، وعادت إلى العفوية والذهول
وطفولة الأشياء والعلاقات والكون، بما يسمح للشعر، مهما كانت صياغته
وقوالبه، بأن يكون شعرا، وإلاّ صار الفن مجرد فن إدارة الفن، في حين أن
الشعر هو دوما خروج عن الإدارة لتأكيد فنون الخروج.
قراءة هذه القصائد، هذه الشذرات، هي مما يحيي في النفس أنفاسها. شيء
مفاجئ، شعري بحصر المعنى، فيما لو تخلصنا من ذاكرة ما نعرفه من شعر. لحظة
تتعرّف اللغة على نفسها، بصفتها كائنا هشّا، ورغم ذلك تقول ما يتفوق على
الهشاشة.
ديوان الشجرة، كأنه يعيدنا، من حيث شاء أو أبى إلى الأرحام المكررة، رحم
الأمهات ورحم الأرض، مرتان أو مرارتان أو شهوتان، مما لا غنى ولا فقر
هناك. كأن هذا الديوان هو ديوان حياة مضاعفة، ديوان كبار وصغار، وما في
ذلك من جدّية وسخرية في بداية تكوين ما. كأننا كبار لم نعرف أننا صغار، في
لغة لم تدرك بعد في وجودها الراهن معنى الكبار ومعنى الصغار، فلها هدية
الكبار والصغار، إليها، جنّات البخاري التارزي، التي تذكّرُنا بكل ذلك".
وكما قال حسن بن عثمان إن "قصّة كتاب (ديوان الشجرة) للخالة جنّات البخاري
لها بعض الأهمية التي ربّما تضيء نصوص الديوان وتضعها في سياقها الاجتماعي
والثقافي والشعري". و هذا ما لن يكتشفه القارئ إلا بعد قراءته للديوان.
صفصافة
على شَارِعِ العُمُر
ِ وَحْدِي
صَفْصَافَةٌ مُتْعَبَةٌ
أغْصَانُها تَتَفَتّحُ
مِنْ أعْمَارٍ أُخْرَى.
• الرسّام
ظَنّ أن المَشَاهِدَ بين يديْهِ
رَسَمَ الدّمُوعَ حِبْرًا
حِينَ أعادَ مُشَاهَدَةََ رُسُومِهِ
لم يرَ غيْر وجْهِهِ
في اللّوْحَة!