انهيار الأيديولوجية الصهيونية
14 - 12 - 2010
د. نضال الصالح
تقوم الأيديولوجية الصهيونية على ثلاث مقولات متخيلة وهي:
أولا: الادعاء بالنقاء العرقي اليهودي وبأن اليهود في جميع أنحاء العالم هم قومية واحدة ذات أصول عرقية واحدة تعود إلى (إسرائيل) وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . وهذا يعني أن اليهودية قومية كغيرها من القوميات الأخرى المعروفة في هذا العالم بغض النظر عن الدين أو العقيدة ، بمعنى أن اليهودي الصيني و الروسي و اليمني واليهودي الفلاشا الأفريقي وغيرهم ينتمون جميعا لقومية واحدة وأصول عرقية واحدة، ترجع أصولها إلى "الإسرائيليين" التوراتيين الذين أقاموا ، حسب الأسطورة التوراتية ،في فترة تاريخية معينة في منطقة "الشرق الأوسط" وبنو لأنفسهم في فلسطين تاريخا وكيانا أسطوريا وحضارة أسطورية. بل إن زعماء الصهيونية يدعون بأن اليهود هم أكثر الأعراق نقاوة في العالم.
ثانيا: الإدعاء بأن اليهود طردوا من بلدهم الأصلي فلسطين في عهد الإحتلال الروماني ومن ثم بعد الإحتلال الإسلامي لفلسطين، وعاش اليهود في المنفى أو ما تدعوه الصهيونية الديسبورا منعزلين عن المجتمعات التي عاشوا فيها في غيتوات غير مختلطين ولا متزاوجين مع أهل هذه المجتمعات، منتظرين العودة إلى الوطن الأم فلسطين.
ثالثا: الإدعاء بأن الديانة اليهودية هي ديانة غير تبشيرية لم يدخلها ولم ينتم إليها على مر العصور إلا العنصر اليهودي ولذلك بقي العنصر اليهودي نقي النسل وبقيت اليهودية حكرا على هذا العنصر.
لم يجر في التاريخ الحديث تزويرا لتاريخ أي جماعة كما جرى تزوير تاريخ اليهود وتاريخ فلسطين والفلسطينيين وكافة تاريخ "الشرق الأدنى". لقد جرى صرف ملايين بل مليارات الدولارات من أجل زرع بذور الأيديولوجية الصهيونية ومقولاتها السابقة الذكر في العقول. لقد إستخدمت آلة رهيبة من الدعاية الإعلامية اشتركت فيها صناعة السينما في هوليود و مجموعات ضخمة من الكتاب والسياسيين و رجال الدين إلى جانب المؤرخين وعلماء الجينات الذين وضعوا أسماءهم تحت هذا التزوير المشين، ضاربين عرض الحائط بالأمانة العلمية المحايدة. لقد قام الصهاينة ووأصدقاءهم بتلفيق تاريخ منطقتنا وحملت وسائل الإعلام المسيسة هذا التلفيق وزرعته في الوعي البشري حتى صار دارجا على ألسنة العامة والمختصين. لقد وصل هذا التزوير إلى فكر كثير من الأحزاب اليسارية والشيوعية التي كانت تعتبر الصهيونية حركة تحرر وطني وكنا نواجه معهم في هذا الموضوع جدالات عقيمة، وكانت التنظيمات الشيوعية التابعة للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، حيث كانت إقامتي، مثل إتحاد الطلاب ونقابات العمال وإتحاد الشبيبة ترفض أن توقع معنا على بيانات مشتركة تستنكر الإمبريالية الغربية وعميلتها (إسرائيل).
تغير هذا الموقف بعد إحتلال (إسرائيل) للأراضي العربية في عام 1967 ورفضها لقرارات الأمم المتحدة بالإنسحاب من الأراضي المحتلة. كان بيان الإتحاد السوفيتي الذي صدر بهذه المناسبة واستنكر الإحتلال "الإسرائيلي" بإعتبارة إحتلالا إستعماريا نقطة الإنطلاق لجميع الحكومات و الأحزاب الشيوعية في الدول الإشتراكية لإعتبار الصهيونية فكرا عنصريا وقد أقرت هيئة الأمم المتحدة بذلك وجرى إلغاء القرار بعد سقوط المعسكر الإشتراكي وإرضاءً لأمريكا الحليف الأساسي للصهيونية و(إسرائيل).
يعتمد الصهاينة في صياغة أيديولوجيتهم، مع أنهم يدعون العلمانية، على القصة التوراتية، و لقد قام المؤرخون الصهاينة وأصدقاءهم من علماء الآثار الغربيين بتأويل المكتشفات التاريخية والأثرية تأويلا يتلائم مع القصة التوراتية، ولقد جرى في كثير من الأحيان إجبار اللقى الأثرية على النطق بما ليس فيها وصل حد تزوير تاريخ المنطقة من أجل أن يتطابق منطوقها مع أحداث الرواية التوراتية.
يؤكد المؤرخون اليوم أن "التوراة " ليس تاريخا على الاطلاق. التوراة، تصنع تاريخا رديئا، فما نعرفه حول هذا التاريخ وما يمكننا إعادة بنائه من الأدلة الأثرية يظهر تاريخا لسورية الجنوبية مختلفا جدا عن القصص " التوراتية". إن قصص "التوراة" وأناشيده لا تخبرنا عن ما حدث في فلسطين في أي عهد، بل تخبرنا كيف كان الناس في هذه المنطقة يفكرون ويكتبون إنه مليء بالأمثولة وقصة العبرة، إنه لاهوت. ويمكننا أن نقول الآن بثقة كبيرة أن " التوراة " ليست كتابا تاريخا لماضي أحد . (توماس طومسون الماضي الخرافي: التوراة والتاريخ، ترجمة عدنان حسن ، راجعه زياد منى، نشر : قدمس للنشر والتوزيع، دمشق ، ط1، 2001 ).
إن التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير لا يذكر في وثائقه على الإطلاق، ولو إشارة لنبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع. كما لا يوجد اي إشارة أو ذكر لخروج موسى على رأس الآلاف من الإسرائيليين من مصر إلى سيناء.
التاريخ كعلم بوثائقه المتنوعة في مصر و بين الرافدين و في فلسطين و"الشرق الأدنى" لا يعرف عظيما باسم ( شاؤول ) وحد القبائل الاسرائيلية و أقام لإسرائيل مملكة في فلسطين . وهذا العلم لا يعرف شيئا عن محارب أو ملك أو نبي باسم ( داود ) أقام لإسرائيل مملكة عظيمة أو حتى صغيرة، ولم ترد في وثائق هذا العلم على كثرتها في المنطقة أي إشارة لملك حكيم حاز شهرة فلكية باسم ( سليمان ) كان من أشهر ملوك العالم ، وكان الملوك يأتونه من جميع أرجاء الأرض ولا عن مملكة أسطورية عظمى في المنطقة باسم دولة أو مملكة سليمان التي بلغت مساحة أراضيها حسب الرواية التوراتية من الشام إلى مصر والاردن.