ليلى إبراهيم شلبي
فى فصل الشتاء يعلو قدر الطعام، فلا يقف عند حدود المتعة، إنما يتخطاها
إلى ما هو أكثر أهمية.. الوقاية من الأمراض.. وجلب الدفء للأطراف الباردة.. وتحفيز
الدم فى الشرايين على الدوران بسرعة أكبر، كلها مهام يواجه بها الجسم قسوة الشتاء
الجهم.. فهل تمهلت لمراجعة قائمة طعامك هذا الشتاء استعدادا لمواجهة البرد بالدفء
والطاقة؟
درجة حرارة الإنسان الطبيعية تدور فى فلك الرقم 37 درجة مئوية إذا ارتفعت كانت
الحمى وإذا انخفضت انحسرت معها معظم وظائف الجسم العضوية فانخفضت معدلات التمثيل
الغذائى وتباطأت معدلات النشاط.
يحتفظ الجسم بدرجة حرارة داخلية دافئة مترفقة تتيح لأعضائه المختلفة أن تعمل فى
دأب ونشاط وتوافق يحفظ على الإنسان عافيته ونشاطه.
أهم الأمثلة عملية الهضم التى تتم من خلال عمليات حيوية متتابعة تبدأ بهضم
الطعام فى المعدة ثم امتصاصه فى الأمعاء. يجب أن يتوافر لتلك العمليات الحيوية
مفردات كثيرة أهمها درجة حرارة مثالية هى درجة 37 مئوية.
حرارة الجسم تأتيه من داخله بصورة أكبر مما تصل إليه من خارجه، لذا فارتداء
الملابس الثقيلة فى الشتاء يحفظ للجسم حرارته لكنه لا يصنعها.
رغم قصر فترة الشتاء فى بلادنا مقارنة ببلاد أخرى يمتد فيها على مساحة من الزمن
تقارب نصف العام وتنخفض درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر إلا أن البرد لدينا له
خصوصية. لم نبن مساكننا لتقاوم البرد، لذا كان لنا أن نحاول مقاومته بوسائل أخرى
تبدأ بالغذاء.
الماء ترمومتر الجسم
على عكس ما درجنا على اعتقاده، فالماء يدفع بالدفء إلى الأطراف فى الشتاء، إذ
إنه الوسط الذى تتم فيه كل العمليات الحيوية فى الجسم بلا استثناء. تناول الطعام
يتيح حصول الجسم على الطاقة من عمليات حيوية يلزم لها الماء. شرب الماء باستمرار فى
كميات إضافية يتيح وسطا مثاليا لعمليات إنتاج الطاقة، لذا فالحرص عليه هو حرص على
إنتاج طاقة ودفء يسرى فى الأطراف.
المدهش فى الأمر أن الماء هو الوسيلة الوحيدة الطبيعية لتبريد جسم الإنسان فى
وقت الصيف، إذ هو الذى يتولى تعويض ما يفقده الإنسان بالتعرق، الأمر الذى يلجأ إليه
الجسم عبر مسام الجلد ليوازن حرارته الداخلية خشية ارتفاعها أكثر مما يحتاج.
تناول قدر من الماء كاف فى الشتاء حتى بدون رغبة حقيقية فى الشرب يدفع بالدفء فى
الأوصال.
الخيار بين الدفء
والطاقة
الدهون والسكريات لا شك أول ما تبادر إلى الذهن كمصدر للطاقة، فهى بلا شك تحقق
المتعة فى الطعم، وإن حملت أيضا ملامح الخطر. الطاقة من الدهون والسكريات تنذر
باحتمالات تصلب الشرايين وأمراض القلب والسكتة الدماغية لذا فالقدر اليسير منها قد
يحقق المعادلة الصعبة أو استبدالها مما يحقق الفائدة ويبعد شبح الخطر.
● اختيار الكربوهيدرات بديلا للسكريات يضمن معادلة الدفء والوقاية.
فالكربوهيدرات مواد نشوية من سكريات معقدة التركيب يحتاج الجسم طاقة ليتمكن من
تكسيرها فى عمليات حيوية معقدة متعددة ينتج عنها أيضا طاقة هى ما نسعى إليها لتدفئ
أجسادنا.
● البقول مثل الفول والعدس والفاصوليا واللوبيا الجافة وحمص الشام والفواكه
المجففة مثل المشمش والقراصيا والبلح ثم الخبز خاصة الأسمر منه والحبوب الكاملة مثل
الشوفان والقمح ثم المكرونة خاصة المصنوعة من القمح الكامل «حبات القمح غير
المقشورة بالكامل».
● من أفضل ما يمكن تناوله فى صباحات الشتاء الباردة البليلة الساخنة باللبن
خالى الدسم أو شوربة العدس أو حمص الشام بالليمون والشطة. فالمعروف أن الأطعمة
السائلة يتم امتصاصها أسرع من تلك الصلبة التى تحتاج وقتا إضافيا لهضمها وإعدادها
فى صورة تسمح بامتصاصها.
إضافة مسحوق الكاكاو للبن الساخن تدعيم لأثره المضاد للأكسدة نظرا لاحتوائه على
الفلافو نويدات ذات الأثر الداعم لشرايين القلب التاجية فى مواجهة الالتهابات.
تناول الكاكاو بدون اللبن على عكس ما يتوقع من يفضل مشروب الشيكولاتة الساخنة إذ
إنه يحتوى على الكافيين الذى له أثر عكسى يعادله اللبن وما فيه من سكر
اللاكتوز.
ماذا عن البروتينات؟
الطعام الغنى بالبروتين مثل اللحوم والدجاج والأسماك والبيض بلا شك له فائدته
الجمة إذا تحدثنا فى سياق آخر. أما إذا بحثنا عن طعام يدفئ من برد الشتاء فستأتى فى
موقع متأخر نسبيا نتيجة لانخفاض كفاءة احتراقها، الأمر الذى معه يشعر الإنسان
بالدفء ينسحب من أطرافه بعد تناولها، فيلجأ لفنجان من مشروب ساخن بعد تناولها.
دفء التوابل
يلجأ الجسم إلى موازنة ما بداخله من حرارة مع ما يحيط به من جو بارد أو ساخن.
يغلق الجسم مسامه فى مواجهة برد الشتاء، الأمر الذى معه أيضا يحدث انقباض فى
الشعيرات الدموية الرقيقة المنتشرة تحت سطح الجلد بهدف توجيه الدم نحو الأعضاء
المهمة من جسم الإنسان مثل القلب والمخ ليحفظ عليها دفأها الذى يمكنها من العمل
بكفاءة.
لذا وحينما يقل الدم الوارد إلى الأطراف مثل الأيدى والأرجل والأنف والأذن يزداد
الشعور بالبرد. الأمر الذى يتكرر عند شرب المثلجات المحببة فى أوقات الصيف
الحارة.
يتكرر الأمر لسبب آخر عند شرب الشاى والقهوة وكل ما يحتوى من كافيين لأثره
القابض للأوعية الدموية. الشاى الدافئ له أثر ملطف فى الصيف قد لا يحصل عليه فى
الشتاء إلا إذا أضف إليه اللبن.
التوابل مثل الشطة والفلفل الحار فى قدر معقول، لها أثر هاضم ومنشط للدورة
الدموية، الأمر الذى يزيد من معدلات عمليات التمثيل الغذائى ويدفع الدفء فى
الأطراف.
الأثر المدفء للشطة وغيرها من التوابل قد ينتهى خلال تسعين دقيقة لكنه بالفعل
قوى ويمكن أن يعادل أثر الكافيين فى الشاى فى تلك المشروبات التى يضاف فيها الريحان
والقرنفل والنعناع والزنجبيل والقرفة.
للتوابل خاصة الشطة والفلفل الحار خواص مطهرة للأمعاء واقية من الميكروبات،
الأمر الذى يجعلها محببة فى فصل الشتاء.
المتعة والفائدة فى مشروبات
الشتاء
● القرفة: أحد مشروبات الشتاء المدهشة التى تبعث الدفء فى الجسم إلى جانب ما
تحققه أيضا من فائدة، نظرا لاحتوائها على مضاد الأكسدة «تشاكلون» الذى يحفز خلايا
البنكرياس على إفراز الأنسولين، الأمر الذى يحافظ على مستوى السكر فى الدم والخلايا
بصورة مفيدة للأصحاء ومرضى السكر.
● الزنجبيل: لا يخطئ الإنسان أثره السريع فى دفع الدم للأطراف الباردة الذى
يتناسب تماما وحدة طعمه ومذاقه الحريف.
يضاف إليه اللبن إذا ما كان لاذعا، الأمر الذى قد لا يستسيغه من لم يتعوده، يضاف
أيضا إلى القرفة والشاى مع الحبهان والقرنفل ليصنع مشروبا مثاليا يجلب الدفء ويحقق
الفائدة.
● الحلبة: مشروب الحلبة الساخنة مع اللبن منزوع الدسم أو محلى بالعسل مشروب خاص
يحقق الدفء. وتشير دراسات متعددة لأثره الجيد فى تخفيض معدل الكوليسترول إذا ما تم
تناوله باستمرار إلى جانب أثره الملطف لتقلصات الأمعاء.
الأنيميا وبرد
الشتاء
أنيميا نقص الحديد أحد أهم العوامل التى تزيد من الإحساس ببرد الشتاء لذا يجب
الانتباه إلى أن علاجها يجلب الدفء للأطراف التى تبدو شاحبة أو حتى مرتعشة مائلة
للزرقة.
أهم ما يعالج أنيميا نقص الحديد تناول طعام غنى بالحديد والفيتامينات خاصة ب12،
وب2، حمض الفوليك ومعادن النحاس والزنك التى يمكن الحصول عليها من أمثلة من الطعام
كالآتى:
● المنتجات الحيوانية مثل اللحوم الحمراء والأعضاء خاصة الكبد «للحيوانات أيضا
الدواجن» والبيض ومنتجات الألبان.
● البقول مثل اللوبيا الجافة والفاصوليا والخضراوات الداكنة مثل السبانخ والرجلة
والخبيزة ويحسن إضافة الحمص لها أثناء الطبخ مع اللحم.
● كل ما يحتوى فيتامين ج مثل الفلفل الأخضر الطازج والطماطم والبرتقال واليوسفى
ويحسن أيضا الحصول عليه من عصير الفاكهة ومراعاة إضافة قطرات من الليمون الطازج
كلما أمكن «مع الفول على سبيل المثال».
● بعض الملاحظات الغذائية الصغيرة قد تبدو بالغة الأهمية مثل تأجيل كوب الشاى
الذى تعودناه قبل الانتهاء من الطعام إلى ما بعده بساعتين على ألا يكون مغليا نظرا
لتدخل الشاى فى امتصاص الحديد.
سحر فيتامين ج الشتوى
لم يعد خافيا أن فيتامين ج هو فيتامين الشتاء الذى معه ينخفض معدل الإصابة
بنزلات البرد وإن كان التأكيد على أفضلية الحصول عليه من مصادره الطبيعية يشير إلى
أن فى ذلك تفاديا لتكوين حصوات الكلى أو المعاونة فى ترسيب الحديد فى أنسجة
الجسم.
● من أفضل مصادر فيتامين ج الطبيعية البرتقال واليوسفى والجريب فروت والفلفل
الملون والبصل والبقدونس والجرجير.
● فيتامين ج مركب بالغ الحساسية للضوء، لذا يجب الحفاظ على الأطعمة التى يحتويها
بعيدا عن الضوء والحرارة فى مكان بارد متجدد الهواء خاصة الملوخية والسبانخ والكرنب
وغيرها من الخضراوات الورقية.
● الحفاظ على فيتامين ج يقتضى تقطيع الخضراوات قبل طهيها مباشرة مع استخدام أقل
قدر من الماء فى أوان غير حديدية أو نحاسية.
السيلينيوم فى طعام
الشتاء
السيلينيوم من المعادن الغذائية التى تكفى كمية ضئيلة منها يوميا «70
ميكروجراما» لدعم مناعة الجسم فى مواجهة أمراض الشتاء وأهمها الإنفلونزا ونزلات
البرد.
أهم مصادر الحصول على السيلينيوم الثوم والبصل الطازج والأسماك عامة وصفار البيض
وزيت الزيتون والعدس والبرتقال.
فليكن طعام هذا الشتاء هنيئا جالبا الدفء للأطراف والبدن، مقاوما للمرض. فالدفا
عفا من العافية. كما يحب أن يتندر أهل هذا البلد.
رد الفضل لأهله: الكثير من المعلومات الواردة فى الموضوع مصدرها محاضرة قيمة
حضرتها للدكتور مصطفى عبدالرازق نوفل، أستاذ علوم وتكنولوجيا التغذية، رحمه الله
رحمة واسعة، بعد أن رحل تاركا علما ينتفع به.