ذكري الحرامية

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواًقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)

العلم:
1. "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ":
· إضافة "القوم" إليه لبيان أنه عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقول لهم إلا ما فيه خير؛ لأن الإنسان سوف ينصح لقومه أكثر مما ينصح لغيرهم .
2. "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ":
· صدَّر الأمر من الله؛ لم يقل: آمركم، ولا قال: اذبحوا؛ بل قال: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة "؛ ليكون أعظم وقعاً في نفوسهم، وأدعى إلى قبوله، وامتثاله.
· تعظيم الله عزّ وجلّ، حيث أسند الأمر إليه بصيغة الغائب .
· لم تعين البقرة بوصف؛ فلو ذبحوا أيّ بقرة كانت لكانوا ممتثلين .
3. "قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً":
· استهتار بني إسرائيل، فلم يحملوا هذا محمل الجدّ مع أنه أمر من الله عزّ وجلّ..
· جمعت بني إسرائيل بين سوء الأدب مع نبي الله وجهلهم ؛ إذ لم يكن لهم أن يظنوا ذلك بنبي الله ، وهو يخبرهم أن الله هو الذي أمرهم بذبح البقرة.
4. "قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ":
· برأ موسى عليه السلام نفسه مما ظنوا به من أن يكون من السفهاء الذين يروون عن الله الكذب والباطل.
· لا ينبغي أن يكون من أنبياء الله - فيما أخبرت عن الله من أمر أو نهي - هزؤ أو لعب .
· صدق الأنبياء والرسل وأنهم معصومون .
· الاستهزاء بالناس من الجهل وهو الحمق، والسفه ،و نوع من العبث .
· الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه وهو الذي يستهزئ بالناس .
· العاقل يرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزاءه بمن هو آدمي مثله وإن كان قد فضل عليه فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه والرحمة لعباده .
· جميع الخلق محتاجون إلى الله تعالى، وإلى الاعتصام به عزّ وجلّ؛ فإن موسى صلى الله عليه وسلم كان من أولي العزم من الرسل؛ ومع ذلك فهو محتاج إلى ربه تبارك وتعالى .
· الاستعاذة عبادة لا تكون إلا بالله عزّ وجلّ؛ وقد تكون بالمخلوق فيما يقدر عليه .
العمل:
1. تعظيم الله عزّ وجلّ وتعظيم أوامره ،وتعظيم رسله صلوات الله وسلامه عليهم .
2. عدم الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه .
3. عدم الاستهزاء بالناس .
4. ينبغي سلوك الأسباب التي تؤدي إلى قبول الأمر، أو الخبر .
5. الاعتصام بالله عزّ وجلّ ، و الاستعاذة به من كل محظور .


قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَقَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ(68)



العلم:
1. "قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ":
· تخصيصهم له بالإضافة غاية في الجفاء .
· بيان ما كان عليه قوم موسى من بنى اسرائيل من العجرفة وسوء الأخلاق .
2. "قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ":
· هذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمره الله به ولو تركوا التعنت والأسئلة المتكلفة لأجزأهم ذبح بقرة من عرض البقر ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم .
· هذا تعنيت منهم وقلة طواعية .
· حرمة الاعتراض على الشارع ووجوب تسليم أمره أو نهيه ولو لم تعرف فائدة الأمر والنهى وعلتها.
3. "يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ":
· هذا الطلب ليس له وجه؛ لأن اللفظ بين: فالبقرة معلومة، والمطلق ليس مجملاً يحتاج إلى بيان ؛لوضوحه.


4. "قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ":
·أي لا هي صغيرة ولا هي مسنة، أي هي عوان : أي النّصَفُ ؛ وسط بين المسنة والصغيرة.
· في هذا دليل على جواز النسخ قبل وقت الفعل، لأنه لما أمر ببقرة اقتضى أي بقرة كانت، فلما زاد في الصفة نسخ الحكم الأول بغيره .
5. "فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ":
· تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تركوه وهذا يدل على أن مقتضى الأمر الوجوب .
· الندب الى الأخذ بالمتيسر وكراهة التشدد فى الأمور .
العمل:
1. عدم التعنت والأسئلة المتكلفة ، وعدم التشدد .
2. عدم الاعتراض على الشارع و التسليم لأمره و نهيه ولو لم تعرف فائدة الأمر .
3. الأخذ بالأيسر فى الأمور كلها .
4. الإسراع بالاستجابة لأوامر الله تعالى وعدم التباطؤ في تنفيذيها.


وبدلا من أن يلتزموا الأمر عادوا إلى التعنت والتشديد ؛فسألوا عن لونها ؛ فقال تعالى :


قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَاقَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)

العلم:
1. "قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا":
· سألوه عن اللون مع أن أيّ لون يمكن أن يكون في البقرة لا يمنع من إجزائها..
· كل هذا من باب التعنت، والتشدد .
2. "قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ":
· لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ؛ فصار التضييق من ثلاثة أوجه: صفراء؛ والثاني: فاقع لونها؛ والثالث: تسر الناظرين..

ورغم هذا الوصف البين إلا إنهم زادوا في التعنت والتشدد ؛فقال تعالى :


قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
العلم:
1. "قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا" :
· إثبات تعنت وسفاهة وجهل اليهود ؛ إذ سألوا سؤالا رابعا، ولم يمتثلوا الأمر بعد البيان.
· في الحقيقة ليس في هذا اشتباه؛ إذ ذُكر لهم أنها بقرة، وذكر لهم سنها؛ وذكر لهم لونها؛ فأين التشابه؟! لكن هذا من عنادهم، وتعنتهم، وتباطئهم في تنفيذ أمر الله..
2. " وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ":
· بيان فائدة الاستثناء بتقديم المشيئة ؛ فقد قال بعض السلف: "لو لم يقولوا: " إن شاء الله " لم يهتدوا إليها أبداً" . وهذا فيما إذا كان قصدهم تفويض الأمر إلى الله عزّ وجلّ؛ ويحتمل أن يكون قصدهم أنهم لو لم يهتدوا لاحتجوا بالمشيئة، وقالوا: "إن الله لم يشأ أن نهتدي"! وما هذا الاحتمال ببعيد عليهم..
العمل:
1. تقديم مشيئة الله في الأمور كلها .



فشدد الله عليهم أكثر لأن الجزاء من جنس العمل ؛ فقال تعالى :


"قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ "(71)

العلم:
1. "قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا":
· تشديد الله عليهم جزاءا من جنس عملهم، حيث أمرهم بذبح بقرة موصوفة بهذه الصفات التي يعز وجودها في بقرة واحدة؛ وذلك بأن تكون متوسطة في السن لا فارضاً ولا بكراً؛ وأن تكون صفراء فاقعاً لونها تسر الناظرين؛ وألا تكون ذلولاً تثير الأرض وتسقي الحرث؛ وأن تكون مسلَّمة ليس فيها شيء من العيوب..
· استعمال البقر في الحرث والسقي كان قديماً معروفاً بين الأمم، ولا يزال إلى وقتنا هذا قبل أن تظهر الآلات الحديدية..
· بني إسرائيل أرادوا أن يتقهقروا عن تنفيذ أمر الله عزّ وجلّ على درجات؛ الدرجة الأولى: ما سبق من قولهم: { أتتخذنا هزواً }؛ الدرجة الثانية: قولهم: { ادع لنا ربك يبين لنا ما هي }، الدرجة الثالثة: قولهم: { ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها }؛ الدرجة الرابعة: قولهم: { ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } مرة أخرى
2. قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ":
· إثبات جهلهم وسوء أدبهم ؛ إذ لم يعلموا أن الأنبياء لا تأتي إلا بالحق أولا وأخرا ظاهرا وباطنا .
·ذم بني إسرائيل وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت فلهذا ما كادوا يذبحونها ؛ إذ أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد و كادوا أن لا يفعلوا .
· أن الإنسان إذا لم يقبل هدى الله عزّ وجلّ من أول مرة فإنه يوشك أن يشدد الله عليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الدين يسر؛ ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" ..
العمل:
1. قبول هدى الله عزّ وجلّ من أول مرة .
2. عدم التشدد والمغالاة في الدين .
3. ينبغي تحاشي الكلمات التى قد يفهم منها انتقاص الأنبياء مثل قولهم الآن جئت بالحق، اذ مفهومه أنه ما جاءهم بالحق إلا فى هذه المرة من عدة مرات سبقت!!
4. ينبغي أخذ حكم الله ، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، على العموم الظاهر ، دون الخصوص الباطن ، إلا أن يخص ، بعض ما عمه ظاهر التنزيل بدليل صحيح .
المراجع :
ابن كثير -القرطبي -ابن عثيمين -أيسر التفاسير للجزائري- فتح القدير