تشهد السوق المصرية حالة من التناغم بين الشركات العالمية والمصرية من أجل خلق كيانات كبرى لها القدرة على تحدي الأزمات الاقتصادية، فقد شهدت السوق منذ بداية عام 2010 خمس عمليات استحواذ كبرى، وسط توقعات بتضاعف هذا الرقم خلال عام 2011، فما عوائد هذه الاستحواذات ودوافع الشركات الأوروبية والأمريكية في البحث عن شركات مصرية للاستحواذ عليها؟
وقال خبراء اقتصاديون وماليون لـ"العربية نت" إن هناك منافسة قوية بين الشركات الأوروبية والأمريكية بالإضافة إلى شركات شرق آسيا لغزو منطقة الشرق الأوسط التي تمثل أكبر مستهلك بالنسبة لهذه الشركات، فضلاً عن تميزها كمنطقة ناشئة لها القدرة على تحقيق أكبر نسبة أرباح لتلك الشركات.
أبرز الصفقاتوكان عام 2010 قد شهد عدداً من عمليات الاستحواذ، بدأت باستحواذ المجموعة المالية "هيرمس" على بنك الاعتماد اللبناني بحصة تبلغ 65% بقيمة بلغت 542 مليون دولار، بالإضافة إلى حق الخيار في شراء حصة إضافية قدرها 25% بنفس السعر قابلة للتنفيذ خلال العامين القادمين.
والثانية لصالح شركة السادس من أكتوبر "سوديك" التي حصلت على 40% من شركة "بالميرا" وذلك عبر شرائها حصة شركة "بالحصا الدولية" وجزءاً من حصة السيد فراس طلاس, ليتم بعدها رفع رأسمال شركة "بالميرا" عبر ضخ مباشر للاستثمار من قبل "سوديك" لتصبح نسبتها 50% ونسبة السيد فراس طلاس 50%.
أما الاستحواذ الثالث فكان من نصيب شركة "الكترولكس" السويسرية بحصولها على حصة شركة "باراديس كابيتال" المصرية في مجموعة "أوليمبك غروب" بنسبة تبلغ 52%، مقابل نحو 250 مليون دولار، حيث شملت الصفقة حصص "أوليمبك" في شركتي "نماء" للتنمية العقارية البالغة 51% و"بي تك" للتجارة والتوزيع المقدرة بنحو 49%.
كما شهدت السوق المصرية خلال العام الحالي عملية استحواذ للشركة العربية للاستثمارات والتنمية "إيه سي أي" على عمر أفندي بنسبة بلغت 85% بقيمة بلغت نحو 60 مليون دولار، بالإضافة إلى اندماج شركة "فيمبلكوم" الروسية مع شركة "ويدز انفستمنت" بقيمة بلغت 6.6 مليار دولار.
نقطة دفع للبورصةوقال المستشار المالي والفني لعدد من الشركات المقيدة بالبورصة المصرية ياسر الدمرداش إن عمليات الاستحواذ التي شهدتها السوق خلال هذا العام أدت إلى تدفق سيولة كبيرة نظراً لقيام هذه الشركات بعمليات إعادة هيكلة لتلك الشركات التي تم الاستحواذ عليها وتطوير خطوط إنتاجها ما أدى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية وارتفاع الطلب على الأيدي العاملة.
وأكد أن أنباء الاستحواذات كان لها أكبر الأثر على دفع مؤشرات البورصة نحو الارتفاع بقوة، لافتاً إلى أن أي أخبار إيجابية يكون لها دور إيجابي في رفع الحالة النفسية للمتعاملين، خاصة الأفراد باعتبارهم أكبر المتأثرين بالأخبار الإيجابية أو السلبية.
حكومة الاستثمارأما الخبيرة المالية بشركة "إتش سي" للأوراق المالية ولاء حازم فأكدت أن ما ساعد على توجه الشركات الغربية لدخول السوق المصرية عبر عدد من عمليات الاستحواذ هو قيام الحكومة المصرية بجولات مكوكية بين الدول والشركات وقيامها بتنظيم العديد من المؤتمرات للتعريف بأهم الفرص المتاحة الاستثمار سواء صناعية أو زراعية أو سياحية.
وأضافت أن الحكومة وضعت خطة تهدف لقيام الاقتصاد على الاستثمارات الخاصة بنسبة كبيرة، لافتة إلى أن الاستثمارات الخاصة بلغت خلال العام المالي الحالي أكثر من 26 مليار دولار ساهمت في الناتج المحلي بنسبة 11.6%، موضحة أن الاستثمارات الأجنبية تسهم بنسبة 15% تليها الاستثمارات العربية بنسبة 13% من جملة رؤوس أموال الشركات القائمة في مصر.
وأشارت إلى أنه حدث تطور إيجابي أدى إلى تحسين مناخ الاستثمار ما ساهم في تحسن التصنيف الدولي لمصر في عدد من التقارير الدولية المهمة مثل تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية والذي أشار الى تقدم مصر 59 مركزاً في التصنيف الدولي منذ عام 2007 إلى عام 2010.
وشددت أن هذه العوامل تدفع المزيد من الشركات العالمية للدخول في استحواذات مماثلة لها في مصر من أجل نقل أنشطتها الرئيسة لهذه المنطقة، لافتة إلى أن هذا المناخ يعتبر من أكثر الأماكن الصالحة للاستثمار في شتى المجالات خاصة في الصناعات الثقيلة والعقارات والبحث عن المعادن والبترول.
وأوضحت أن الشركات الأوروبية والأمريكية بدأت تبحث عن موارد جديدة لها والدخول في نشاطات لها القدرة على تحقيق أرباح، خاصة بعد أن بدأت تواجه منافسة شرسة مع الشركات الصينية والهندية والكورية التي بدأت تغزو إفريقيا بشكل كبير مستحوذة على ما يقرب من 60% من هذه الاستثمارات في إفريقيا.
حرب الاستحواذاتمن جانبه، قال الخبير الاقتصادي نور المحمدي إن الأزمة المالية العالمية وضعت الشركات في مفترق طرق من أجل إعادة صياغة استثماراتها التي أصبحت مهددة بالانهيار نظراً لفقدانها نحو 80% من قيمة أسهمها السوقية بالبورصات العالمية.
وأضاف أن أغلب الشركات بدأت تبحث عن بدائل من أجل خلق كيانات جديدة ناشئة لها القدرة على تحقيق أرباح كبيرة من أجل تعويض خسائرها التي منيت بها إثر الأزمة المالية العالمية بحيث تكون نقطة انطلاق لها في أسواق أخرى وفي مقدمتها إفريقيا التي أصبحت الملاذ الآمن لهذه الشركات نظراً لما تتمتع به هذه المناطق من ثروات معدنية وسوق استهلاكي كبير.
وأشار المحمدي إلى أن الفترة القادمة سوف يطلق عليها حرب الاستحواذات، بعد أن أصاب الكيانات الكبرى الأوروبية والأمريكية الشيخوخة ما جعلها تبحث عن شركات تجدد شبابها، حيث وصلت السوق الأوروبية لمرحلة التشبع في جميع أسواقها خاصة في صناعة السيارات.
وتوقع أن يشهد قطاع الأغذية المصري خلال الفترة القادمة عمليات استحواذ من شركات خارجية، على غرار استحواذ شركة "المراعي" للصناعات الغذائية على 100% من شركة "هني ويل" للصناعات الغذائية المصرية كما استحوذت على الشركة الدولية لمشروعات التصنيع الزراعي "بيتي" المصرية بنسبة 100% بقيمة 645 مليون جنيه.