(أقم الصلاة لدلوك الشمس0000

قال تعالي: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلي غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً" "الإسراء 78".
تذكر كتب التفسير أن قرآن الفجر في هذه الآية الكريمة هي صلاة الفجر. وسميت قرآنا لأن من أركانها قراءة القرآن. كما سميت مشهودة لبيان فضلها وعظيم شأنها وكبير أجرها. فهي في وقت يصعب علي الإنسان القيام فيه من نومه الهنيء ودفء فراشه المريح. ولكن المؤمنين تتجافي جنوبهم عن المضاجع اللينة ويستيقظون في أعماق الليل متقربين لخالقهم بالدعاء والصلاة خوفاً وطمعاً. كما وصفهم الله تعالي في قوله: "تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون" "السجدة 16". وفي قوله: "والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما" "الفرقان 64". وكذلك في قوله ترغيبا في التهجد: "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا" "المزمل 6" وناشئة الليل هي القيام بعد النوم.
وسميت صلاة الفجر مشهودة كذلك لأنها في وقت يكون الإنسان فيه علي أحسن حال. بعد نومه الليل وراحة بدنه وعقله وأعصابه وسمعه وبصره من متاعب النهار ومشاغل الحياة. فالإنسان يستعيد في وقت النوم قواه البدنية والعقلية والعصبية. فيصفو عقله وتهدأ أعصابه وتتجدد خلايا بدنه. فيتجدد نشاطه وحيويته بعد ما كف لفترة مناسبة عن الحركة والتفكير وقضي الليل في هدوء وسكون. ولا شك في أن الذهن المستريح يكون أكثر استعداداً للفهم والخشوع من الذهن المرهق بالعمل. وليس من المعقول أن تكون حال العقل والجسم قبل النوم كحالهما بعد استغراقهما في نوم عميق طويل.
من ناحية أخري. تحث آية "قرآن الفجر" علي تنظيم الحياة الإسلامية بالمحافظة علي الوقت والتبكير في بدء العمل بصدر منشرح وعزم مكتمل. وإنه لمن الغفلة أن يألف أقوام النوم حتي الضحي فتطلع عليهم الشمس وهم يغطون في نومهم علي حين تطلع علي آخرين وهم منهمكون في سعيهم من أجل معاشهم ورزقهم. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "الله بارك لأمتي في بكورهم" "أخرجه أحمد في المسند 3/416".
ويأتي دور العلم الحديث ليلقي بعض الضوء علي الإعجاز القرآني في دعوته إلي الاستيقاظ المبكر فيبين جانباً من الفوائد التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر. ويكشف عن المزيد من معني آية كريمة حجبه أولاً ذلك النطاق العلمي الضئيل المعروف عند عرب الجاهلية. وما تكذيب الكفار للقرآن وقت نزوله إلا لأنهم اعتزوا بما علموا. وما أنفه علمهم آنذاك. فعدوا كذباً كل ما لم يتفق مع علمهم. فشهر القرآن الكريم بجهلهم وعاب ذلك عليهم في قوله تعالي: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله.." "يونس 39". ويمكن إجمال رأي العلم في بيان فوائد يقظة الفجر وبركة البكور فيما يأتي:
1- تكون أعلي نسبة لغاز الأوزون في الجو عند الفجر. وتقل هذه النسبة تدريجيا حتي تضمحل عند طلوع الشمس. ولهذا الغاز في حدود النسبة الطبيعية المقدرة له تأثير مفيد للجهاز العصبي. ومنشط للعمل الفكري والعضلي. بحيث يجعل الإنسان في الصباح الباكر في ذروة نشاطه الفكري والعضلي. ولعل الإنسان قد استطاع بخبرته العملية أن يستشعر نشوة لا مثيل لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل عندما يستنشق نسيم الفجر العليل.
2- تكون نسبة الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس أكبر ما يمكن عند الشروق. وهي الأشعة التي تحث الجلد علي تكوين فيتامين "د" اللازم لنمو العظام وتقويتها. والاستيقاظ الباكر يتيح للإنسان الفائدة القصوي من هذه الأشعة بالاستعداد لاستقبالها. ناهيك عن منظر شروق الشمس ذاته وما يبعثه لون الأشعة المائل إلي الحمرة من إحساس جميل في النفس.
3- تبين أن النوم علي وتيرة واحدة لساعات طويلة يعرض الإنسان للإصابة بأمراض القلب. لأن النوم ما هو إلا حالة سكون يؤدي استمرارها طويلاً إلي ترسيب المواد الدهنية علي جدران الأوعية الشريانية. ولا شك أن الاستيقاظ الباكر وقطع النوم الطويل فيه وقاية للإنسان من أمراض أوعية القلب.
4- من الثابت علميا أن أعلي نسبة الكورتيزون في الدم تكون وقت الصباح. وأقل نسبة تكون في المساء. ومن المعروف أن الكورتيزون يزيد من فعاليات الجسم وينشط أجهزته لعمليات التمثيل الغذائي بوجه عام.
وإذا ما أضفنا هذه الفوائد إلي تلك التي يجنيها المسلم من الوضوء والصلاة نجد أن حكمة الإسلام لا مثيل لها في دعوة الإنسان إلي الاستيقاظ مبكراً واستقبال اليوم الجديد بجد ونشاط حيث تكون إمكاناته الذهنية والنفسية والعضلية علي أعلي مستوي في الساعات الأولي من النهار. مما يؤدي إلي مضاعفة الإنتاج في عالم ملؤه الرضي والصفاء والسرور. ولو تصورنا أن ذلك الالتزام بتعاليم الإسلام أخذ طابعا جماعياً فيسغدوا المجتمع المسلم مجتمعاً مميزاً فريداً تدب فيه الحياة منذ البكور

بقلم الأستاذ الدكتور: أحمد فؤاد باشا
.