يبدو أن الصناعى السويدى الفريد نوبل مخترع الديناميت لم يستطع أن يمحو من ذاكرة العالم قيامه بهذا الاختراع، الذى لم يزل يؤذى البشرية حتى اليوم، رغم أنه نذر ثروته لمكافأة كل الأفذاذ فى شتى المجالات.
فحتى اليوم لم تزل تهمتا التخوين والعمالة تلاحق كل الفائزين بجائزة نوبل، وعلى الأخص الفائزين بها فى فرعى الآداب والسلام.
بعد إعلان جائزة نوبل للأدب أمس، الخميس، بفوز الروائى البيرونى "ماريو بارجاس يوسا" بدأت الانتقادات وتوزيع الاتهامات الجاهزة تتوارد مثل كل عام حول حيثيات حصوله على الجائزة، وعدم الحيادية فى منح الجائزة بشكل عام، ومنذ بدأ منح جائزة نوبل عام 1901 وحتى الآن تطرح هذه الإتهامات سنوياً.
البعض يقول: إن التمرد هو طريق الحصول على نوبل، حيث إن هناك عدد كبير من الكتاب الذين تمردوا على أوضاع سلبية مثل: الظلم والفقر والسياسة ونظام الحكم قد فازوا بالجائزة، فى الوقت ذاته نجد كتاباً كبار تمردوا على الجائزة ورفضوها حينما عرضت عليهم، ومن هؤلاء: برنارد شو وتولستوى.
الأديب الأيرلندى الشهير "جورج برنارد شو" أحد أهم الكتاب الذين رفضوا جائزة نوبل، حيث قال"إننى أغفر لنوبل إنه اخترع الديناميت لكننى لا أغفر له أنه اخترع جائزة نوبل؟".
فى الوقت ذاته وصف الكاتب الأمريكى إيرفينغ ووليس جائزة نوبل بأنها فضيحة عالمية تتحكم بها الرشوة والجنس والجاسوسية السياسية والمصالح الاقتصادية وفساد الضمير، وقال الأديب اليونانى العظيم كزنتزاكيس: "لم أفهم كيف يتاجر رجل فى الديناميت ثم يدعو للسلام وينشئ جائزة عالمية لمَن يسهمون أو يساهمون فى خدمته؟".
الأديب ليو تولستوى عملاق الأدب الروسى رفض قبول جائزة نوبل الأدبية مرتين، لأنه كان يرى أن النقد الأدبى المجامل مثله مثل الجوائز والمكافآت الكبيرة تؤدى إلى فساد الخلق الفنى والأدبى للمبدع وابتذاله، فتنازل عن أراضيه لأقاربه، وعن أرباح كتبه لزوجته، وارتدى ثياب الفقراء وعاش فى الحقول المحيطة ببلدته.
والفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر تمرد على جائزة نوبل عام 1964، ورفضها، معللاً رفضه بقوله "إن حكم الآخرين علينا ما هو إلا محاولة تحويلنا إلى موضوع وتشييئنا، بدلاً من النظر إلينا كذوات إنسانية".
كما رفض الشاعر الروسى بوريس باسترناك مؤلف رواية "الدكتور زيفاجو" جائزة نوبل عام 1958، لأنه رأى أن نوبل مجرم فى حق البشرية باختراعه للديناميت، وظلت روايته ممنوعة من النشر فى الاتحاد السوفييتى حتى أيام ميخائيل سيرجيفيتش جرباتشوف، والذى شغل منصب رئيس الحزب الشيوعى السوفيتيين عامى 1985 و1991 ، بسبب الانتقاد الشديد الموجه للنظام الشيوعى.
ولم يجد باسترناك حينذاك ناشرًا يقبل بنشر روايته فى الاتحاد السوفيتى، ولذلك سعى لتهربت روايته عبر الحدود إلى إيطاليا، ونشرت فى عام 1957، مسببةً أصداء سلبية فى الاتحاد السوفياتى وإيجابية فى الغرب.
جابرييل جارثيا ماركيز الأديب اللاتينى العظيم والذى مُنح جائزة نوبل عام 1982 قال: "يعنى سامحونى إذا قلت إننى أخجل من ارتباط اسمى بجائزة نوبل، ثم قال إنه لمن يعنى لمن عجائب الدنيا حقاً أن ينال شخص مثل بيجن جائزة نوبل فى السلام تكريما لسياسته الإجرامية التى تطورت فى الواقع كثيرا خلال السنوات الماضية".
وعلى الجانب الآخر هناك قائمة طويلة من الكتاب المتمردين على واقعهم حصلوا على نوبل من أهمهم: الألمانية هيرتا مولر التى تمردت على النظام الرومانى، وهاجرت إلى برلين أما الكاتب التركى أورهان باموق فقد تم ملاحقته قضائياً، حيث اعتبره البعض أهان مصطفى كمال أتاتورك وهى الجريمة التى يعاقب عليها القانون، وعفى أتاتورك من الملاحقة أخيراً عام 2006.
وفى مصر والوطن العربى، اتهم البعض نجيب محفوظ بالكثير من التهم، بعد حصوله على جائزة نوبل فى الآداب عام 1988، ورماه البعض بأفظع الأوصاف، ولا يمكن أن ننسى واقعة محاولة اغتياله من إحدى الشبان المتطرفين، وظلت روايته "أبناء الجبلاوى" ممنوعة كثيراً من التداول داخل مصر، إلى أن صدرت طبعتها الرسمية ضمن الأعمال الكاملة التى أعادت طبعها دار الشروق قبل رحيله.