عوامل ازدهار شعر الطبيعة في الشعر الأندلسي:
• ازدهار الحضارة العربية في الأندلس ازدهارا كبيرا وهذا الازدهار الذي شمل جميع جوانب الحياة الأندلسية .
• جمال الطبيعة الأندلسية التي افتتن بها شعراء الأندلس وتعلقوا بها وفصَّلوا في وصفها والتغني بمفاتنها .
• ازدهار مجالس الأنس والبهجة واللهو حيث كانت هذه المجالس تُعقدُ في أحضان الطبيعة .
خصائص شعر الطبيعة
• أفرد شعراء الطبيعة في الأندلس قصائد مستقلة ومقطوعات شعرية خاصة في هذا الغرض بحيث تستطيع هذه القصائد باستيعاب طاقة الشاعر التصويرية وخياله التصوري , غير الالتزام الذي تسير عليه القصيدة العربية فلم يترك الشاعر زاوية من زوايا الطبيعة إلا وطرقها .
• يعتبر شعر الطبيعة في الأندلس صورة دقيقة لبيئة الأندلس ومرآة صادقة لطبيعتها وسحرها وجمالها فقد وصفوا طبيعة الأندلس الطبيعية والصناعية مُمَثَّلة في الحقول والرياض والأنهار والجبال وفي القصور والبرك والأحواض .
• تُعد قصائد الطبيعة في الأندلس لوحات بارعة الرسم أنيقة الألوان محكمة الظلال تشد انتباه القارئ وتثير اهتمامه .
• أصبح شعراء الطبيعة نظراً للاهتمام به يحل محل أبيات النسيب في قصائد المديح , بل إن قصيدة الرثاء لا تخلو من جانب من وصف الطبيعة .
• أصبحت الطبيعة بالنسبة لشعراء الأندلس ملاذاً وملجأ لهم يبثونها همومهم وأحزانهم وأفراحهم وأتراحهم إلا أن جانب الفرح والطرب غلب على وصف الطبيعة فتفرح كما يفرحون وتحزن كما يحزنون .
• وصف الطبيعة عند شعراء الأندلس مرتبطاً ومتصلاً بالغزل والخمر ارتباطاً وثيقاً فوصف الطبيعة هو الطريق إليها فكانت مجالس الغزل والخمر لا تعقد إلا في أحضان الطبيعة .
• المرأة في الأندلس صورة من محاسن الطبيعة , والطبيعة ترى في المرأة ظلها وجمالها فقد وصفوا المرأة بالجنة والشمس , بل إنهم إذا تغزلوا صاغوا من الورد خدوداً ومن النرجس عيوناً ومن السفرجل نهوداً ومن قصب السكر قدوداً ومن ابنة العنب ( الخمر ) رضابا
أصناف من الوصف في شعر الطبيعة:
هنا سنعرض بض الاصناف التي امتاز الشعراء في وصفها وتصويرها حتى ان قارئ القصيدة يسلتهم جمالها وكانه يراها امامه, وقد استقراء الشعراء مجال البئة وتضاريسها ومعطيات الحيات الكونية فيها.
وسنستهل تلك الاصناف بمايلى:-
ــ الروضيات:
وهو الشعر المختص في الرياض وما يتصل بها.
سنستهل الكلام عن الروّضِيات بهذه الأبيات الرائعة للقاضي أبو الحسن بن زنباع التي يصف قصة الطبيعة وفعل السحاب والأمطار في الأرض التي تتسربل بعدهما بحلتها الجميلة فتتفتح أزهارها وتنضج ثمارها حيث قال:-
أبدت لنا الأيامُ زهرة طيبها وتسربلت بنضيرها وقشيبها
واهتزعِطف الأرض بعد خشوعها وبدت بها النعماء بعد شحوبها
وتطلعت في عنفوان شبابها من بعد ما بلغت عتيَّ مشيبها
وقفت عليها السحبُ وقفة راحم فبكت لها بعيونها وقلوبها
فعجبتُ للأزهار كيف تضاحكت ببكائها وتبشرت بقطوبها
وتسربلت حللاً تجر ذيولها من لدمها فيها وشق جيوبها
فلقد أجاد المزن في إنجادها وأجاد حرُّ الشمس في تربيبها
وهذه أبيات جميلة للشاعر الوزير عبدا لله بن سماك والذي يقول فيها:
الروض مخضرٌ الربى متجملٌ للناظرين بأجمل الألوانِ
وكأنما بسطت هناك شوارها خودٌ زهت بقلائد العقيانِ
والطير تسجع في الغصون كأنما نقرُالقِيان حنت على العيدانِ
والماء مطَّردٌ يسيل لعابه كسلاسلٍ من فضةٍ وجمانِ
بهجات حسنٍ أُكملت فكأنها حسن اليقين وبهجة الإيمانِ
ــ الزهريات :
الشعر المختص بالأزاهير .
وقد وصف الأندلسيون الأزهار وأكثروا في هذا النوع من الوصف فوصفوا الورد والنرجس والشقائق والنيلوفر والياسمين والقرنفل واللوز وغير ذلك مما وقعت عليه عيونهم في تلك الطبيعة الخلابة من زهريات وسنستعرض بعض
الأمثلة الجميلة التي قيلت في بعض منها,فهذا ابن حمديس يرثي باقة ورد أصابها الذبول فتحرق حزناً وأسى عليها فقال هذين البيتين
يا باقة في يميني بالردى ذبلت أذاب قلبي عليها الحزن والأسفُ
ألم تكوني لتاج الحسن جوهرةً لما غرقتِ،فهلاَّ صانك الصدفُ
وهذه أبيات في زهرة الياسمين للمعتضد بالله عباد بن محمد بن عباد يصفها مشبهاً إياها بكواكب مبيضة في السماء ويشبه الشعيرات الحمراء التي تنسرح في صفحتها بخد حسناء بدا ما بدا فيه من آثار فيقول:
أنما ياسـميننا الغضُّ كواكبٌ في السماء تبيضُّ
والطرق الحمر في جوانبه كخد حسناء مسه عضُّ
ويقول ابن حمديس في وصف النيلوفر:
ونيلوفرٍ أوراقه مستديرةٌ تفتَّح فيما بينهن له زهرُ
كما اعترضت خُضر التراس وبينها عواملُ أرماحٍ أسنَّتُها حُمرُ
هو ابن بلادي كاغترابي اغترابه كلانا عن الأوطان أزعجه الدهرُ
وهذه أبيات رقيقة جداً ومن أروع ما قيل في وصف الشقائق لابن الزقاق:
ورياض من الشقائق أضحى يتهادى بها نسيم الرياحِ
زرتها والغمام يجلد منها زهرات تروق لون الراح
قلت ما ذنبها ؟ فقال مجيباً سرقت حُمرةَ الخدودِ الملاح
وهذا أيضاً وصف بديع لشجرة لوز قاله أبو بكر بن بقي:
سطرٌ من اللوز في البستان قابل نيما زاد شيءٌ على شيءٍ ولا نقصا
كأنما كل غصنٍ كُمُّ جاريةٍ إذا النسيم ثنى أعطافه رقصا
وهذا وصف جذاب لزهرة ألأقاح للأسعد ابن إبراهيم بن بليطة ويقول:
أحبب بنور الأقاح نوَّاراعسجـــده في لجينــه حارا
أي عيون صُوِّرْنَ من ذهبرُكِّبَ فيها اللجينُ أشفارا
إذا رأى الناظرون بهجتها قالوا نجومٌ تحـــفُّ أقمارا
كأن ما اصفرَّ من مُوسِّطه عليلُ قومٍ أتوه زوارا
ــ الثمريات:-
المختص بالأثمار,والبقول,وما يتصل بها.
وصف الأندلسيين للثمرة نفسها فقد وصفوا التفاحة والسفرجل والرمانة والعنب وحتى الباذنجان !! وأبدعوا في ذلك كثيرا فقال أبو عثمان ألمصحفي وقد تأمل ثمرة السفرجل الأبيات التالية الرائعة المحبوكة في نسيج رائع, ولفظ رقيق ومعنى أنيق موشى بلوعة حب وشكوى صب رغم إنه شطح في آخرها قليلاً ( وزودها ) حتى نسي إن ما بين يديه ما هو إلا حبة من السفرجل!!ويقول:
ومصفرَّةٍ تختال في ثوب نرجس وتــعبق عن مسك زكيِّ التنفس
لها ريح محبوبٍ وقسوة قلــــــبه ولونُ محبٍ حُلَّةَ السُــقم مـكتسي
فصفرتها من صفرتي مستعارةٌ وأنفاسها في الطيب أنفاسُ مؤنسي
فلما استتمت في القضيب شبابها وحاكت لها الأنواء أبراد سندس
مددت يدي باللطف أبغي قطافها لأجعلها ريحانتي وسـط مجلسي
وكان لها ثوبٌ من الزغب أغبرٌ يرف على جسم من التـبر أملسِ
فلما تعرَّت في يدي من لباسها ولـــم تبق إلا في غلالة نرجسِ
ذكرتُ بها من لا أبوح بذكره فأذبلـــها في الكف حرّ تنفس
وهذا أحمد بن محمد بن فرح يقدم صورة بهية لثمرة الرمان فيقول:
ولابسة صدفاً أحمرا أتتك وقد ملئت جوهرا .
كأنك فاتح حُقٍّ لطيفٍت ضمَّن مرجانَه الأحمرا
وكذلك كأن للعنب نصيب عند شعراء الأندلس فقال فيه الشاعر أحمد بن الشقاق ما يلي:
عنب تطلَّع من حشى ورق لنا صُبغت غلائل جلده بالإثْمدِ
فكأنه من بينهن كواكبٌ كُسفت فلاحت في سماء زبرجدِ
ــ المائيات:
الشعر المختص بوصف الأنهار,والبرك, والسواقي.
كانت الأنهار الكثيرة الوفيرة المياه،وما يتشعب عنها من برك،وخلجان,وغدران،وما ينبت على شواطئها,من حدائق،ورياض،وما يصاحبها من ظواهر طبيعية كمد,وجزر,وفجر,ونهار,وليل,وشمس,وأصيل من مظاهر الطبيعة الخلابة في بلاد الأندلس؛وكانت أكبر المدن مثل قرطبة وأشبيلية وغرناطة تقع على تلك الأنهار,التي كانت ترفد الأرض بالخصب,والعطاء فاتخذ الأندلسيون من ضفافها مراتع للمتعة,واللهو,ومن صفحاتها ساحات تمرح عليها زوارقهم,وأشرعتهم,وهم في هذه وتلك يعزفون أعذب الألحان,ويتغنون باعذب الشعر وأرقه....
وهذه الأبيات الرائعة لابن حمديس في وصف بركة من الماء في أحد القصور وقد احتوت على تماثيل لأسود تقذف الماء من أفواهها...
ولعل لفن النقش والنحت والزخرفة الذي كأن سائداً آنذاك أثر كبير في جمال هذه الصورة التي رسمها الشاعر بكل براعة:
وضراغمٍ سكنت عرين رياسة ٍتركت خرير الماء فيه زئيرا
فكأنما غشَّى النُّضارُ جسومَها وأذاب في أفواهها البلورا
أُسْدٌ كأن سكونها متحركٌ في النفس،لووجدت هناك مثيرا
وتذكَّرت فتكاتِها فكأنما أقْعت على أدبارها لتثورا
وتخالها والشمس تجلولونها ناراً ،وألسنَها اللواحسَ نورا
فكأنما سَلَّت سيوفَ جداولٍ ذابت بلا نارٍ فعدُنَ خريرا
وكأنما نسج النسيمُ لمائهِ درعاً، فقدَّر سردَها تقديرا
وبديعة الثمرات تعبر نحوها عيناي بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجريةٍ ذهبيةٍ نزعت إلى سحرٍ يؤثر في النُّهى تأثيرا
قد سَرَّحت أغصانَها فكأنما قبضت بهن من الفضاء طيورا
الأمثلة على وصف المائيات كثيرة جداً .
وتبقى الطبيعة وحدة متكاملة من الصعب تجزيئها والدارس لشعر الطبيعة عند الأندلسيين لا بد وإن يستغرب من هذا الكم الهائل من الأشعار التي قيلت في هذا المجال ولا أظن إن أمة من الأمم قد برعت في تصوير الطبيعة بمظاهرها وظواهرها المختلفة كما برع الأندلسيون.
الثلجيات:-
الشعر المختص في الثلج والبرد...
ننتقل الآن إلى الثلج الجميل الذي يكسو الأرض والسطوح والسفوح والأغصان العارية,بغلالة بيضاء نظيفة ناصعة وطاهرة,وكإنه قطن مندوف فيبعث في النفس بهجة ما لها مثيل, وعلى كل حال يبقى ما قيل في الثلجيات أقل مما قيل في الروضيات والمائيات حيث بدأ هذا النوع من الوصف متأخراً في بلاد الأندلس كمثيله في الشرق ومن الأبيات الرائعة التي قيلت في الثلج تلك التي قالها أبو جعفر بن سلام المعا فري المتوفى عام 550م وقال فيها:
ولم أر مثل الثلج في حسن منظر تقر به عينٌ وتشْنَؤه نفسُ
فنارٌ بلا نور يضيء له سناً وقطرٌ بلا ماءٍ يقلِّبه اللمسُ
وأصبح ثغر الأرض يفترُّ ضاحكا فقد ذاب خوفاً أن تقبِّله الشمس
وهذه أبيات للشاعر الرقيق ابن زمرك يمدح فيها السلطان ويصف الثلج في نفس الوقت فيقول:
يا من به رتب الإمارة تُعتلى ومعالمُ الفخر المشيدةُ تَبتنِي
ازجر بهذا الثلج حالاً إنه ثلج اليقين بنصر مولانا الغني
بسط البياض كرامة لقدومه وافترَّ ثغراً عن كرامة مُعتني
فالأرض جوهرةٌ تلوح لمعتلٍ والدوح مُزهِرةٌ تفوح لمجتني
سبحان من أعطى الوجود وجوده ليدل منه على الجواد المحسن
وبدائع الأكوان في إتقانها أثرٌ يشير إلى البديع المتقن
وهذه أبيات جميلة لابن خفاجة في وصف الثلج يقول فيها:
ألا فَضَلتْ ذيلَها ليلةٌ تجرُّ الربابَ بها هيدبا
وقد برقع الثلجُ وجهَ الثرى وألحف غصنَ النقا فاختبى
فشابت وراء قناع الظلام نواصي الغصون وهامُ الربى
وما دمنا نتحدث عن الثلج فلا بد من الإشارة إلى البَرَد أيضاً والذي كأن له نصيب في شعر الأندلسيين ومنهم عبد الجبار بن حمديس الصقلي الذي كتب قصيدة تزيد عن العشرين بيتاً وصف فيها السيول والغدران والبرق والروض وخصص بعض أبياتها للبرد فشبهه بدرر على نحور فتيات حسان أو بلؤلؤ أصدافه سحاب أو بدموع تتساقط من السحاب وغير ذلك من الصور المألوفة وغير المألوفة ويقول فيها:
نثر الجوُّ على الأرض بَرَدْ أي درٍ لنحورٍ لو جمدْ
لؤلؤٌ أصدافه السحْب التي أنجز البارق منها ما وعدْ
ذوَّبتْهُ من سماء أدمعٌ فوق أرض تتلقَّاه نَجَدْ
وهذان بيتان جميلان في وصف البرد وهو يتساقط من السماء والريح تعبث به فتبعثره قالها أبو بكر عبد المعطي بن محمد بن المعين:
كأن الهواء غديرٌ جَــمَد بحيث البرود تذيب البَرَدْ
خيوطٌ وقد عُقدت في الهوا وراحةُ ريحٍ تحل العُقد
وهذه الأصناف التي صنفها علما الأدب ,لتمثيل وليست للحصر وإنما لوضع منهج لشعر الطبيعة وتقسيمات يمكن من خلالها تسهيل دراسة الشعر.