لا شك في ان الكاتب والمفكر اسامة اسامة انور عكاشة, الذي رحل امس عن عالمنا,
كان له تاثير كبير على اجيال مصرية وعربية عاشت وتابعت الدراما التي اثرى بها
التلفزيون المصري والعربي لسنوات طويلة.
يبرز اسم عكاشة كواحد من اهم المؤلفين وكتاب السيناريو مقدما اعادة قراءة
للتاريخ المصري المعاصر في مسلسلاته التي صنعت العصر الذهبي للدراما المصرية قبل
انتشار القنوات الفضائية وما تبعها من زيادة في الانتاج ادت الى ركاكة وهشاشة
العديد من المسلسلات.
فمن اهم ما يميزه عن غيره من كتاب الدراما انه صاحب موقف في اعادة قراءة التاريخ
المصري بعيدا عن رؤية المؤسسة الرسمية ليقدم جيلا عاش على الهامش وحمل احلاما كبيرة
وعاني ايضا من هزائم كبيرة طبعت شخصيته بمزيج من الفرح والمرارة لكنها لم تفقده
الرغبة في السعي الى تحسين ظروفه.
يتجلى ذلك في شخصياته الدرامية مثل شخصية "علي البدري" (قدمها على الشاشة ممدوح
عبد العليم) في مسلسل "ليالي الحلمية" الشهير حيث تشاهد الاحلام الكبيرة والهزائم
القاسية وضياع بوصلة جيل النكسة بين الحلم والهزيمة.
ومن خلال شخصياته المختلفة في هذا المسلسل مثل نازك السلحدار (صفية العمري)
وسليم البدري (يحي الفخراني) والعمدة سليمان غانم (صلاح السعدني) يقدم برؤية جديدة
تاريخ مصر منذ الملكية وموقف كل طبقة من الطبقات والشرائح الاجتماعية بكل تناقضاتها
بطريقة تنصف هذا الماضي الملكي وتقدمه كمرحلة تطور اجتماعي وسياسي.
فهذا المسلسل, الذي قدم على مدار خمس سنوات في شهر رمضان وشكل معلما من معالم
الاسرة العربية التي كانت تحدد زياراتها ونشطاتها تبعا لمواعيد عرضه, قدم
الانتقالات السياسية منذ الحرب العربية الاسرائيلية الاولى قبل عام 1948 وما اعقبها
من اعلان قيام الدولة اليهودية واثرها على تطور المجتمع المصري مرورا بحرب اكتوبر
وصعود التيار الديني وسياسة الانفتاح الاقتصادي الذين غيروا نهائيا وجه المجتمع
المصري لتفقد اللحظة دفئها وانسانيتها في اطار الجماعة وليصبح الفرد هو المركز حسب
الرؤية التي قدمها عكاشة في هذا العمل.
وعكاشة الذي ولد عام 1941 في مدينة طنطا وسط الدلتا لم يكن يحلم ان ياتي يوما
يكون فيه من اشهر كتاب الدراما العربية وان يكون من اكثر المؤلفين قدرة على فهم
طبيعة الشخصية المصرية كما ظهر في نماذج اعماله.
ومن هذه النماذج شخصية حسن النعماني في مسلسل "ارابيسك" التي قدمها الفنان صلاح
السعدني وما حملته ايضا من احلام مذبوحة وهزائم متكررة وكذلك شخصية بشر في
"زيزينيا" التي قدمها الفنان يحي الفخراني والتي تطرق من خلالها الى الوضع السياسي
والاجتماعي والتعددية الحضارية التي ميزت مجتمع مدينة الاسكندرية في ظل الصراع بين
الوطني وبين الاجانب الذين مثل بعضهم بعدا استعماريا فيما اندمج اخرون منهم ولا
سيما اليونانيون في المجتمع المصري ليصبحوا جزءا لا يتجزأ منه.
ولم يكتف عكاشة بذلك بل حاول ان يخلق الشخصية الايجابية التي تحارب الشخصية
السلبية التي سادت بعد سياسة الانفتاح الساداتية مثل شخصية الفنانة فاتن حمامة في
"ضمير ابلة حكمت" ومحاربتها كل مظاهر الفساد التي تبعت سياسة الانفتاح.
ومن اهم اعماله التي لم تكتمل للاسف اعادة كتابة تاريخ مصر في مسلسل "المصراوية"
انطلاقا من الريف والصراع بين الحركة الوطنية المصرية مع الاتراك ومع الاستعمار
الاجنبي والاندفاع اتجاه استقلال مصر.
وقد بقي الراحل الذي شيعت جنازته ظهر امس الجمعة وفيا لموقفه السياسي المطالب
بقيام مصر بدورها على الاساس الاقليمي العربي والعودة الى موقعها الريادي في قيادة
المنطقة بعد تراجع دورها الاقليمي بشدة.
فهو لم يهادن اصحاب الفكر الديني الذين يسعون الى ردة تعود بالبلاد الى الوراء
مهاجما بلا هوادة اصحاب الفكر الوهابي المستورد من السعودية.
يشار الى ان اسامة انور عكاشة بدأ حياته ككاتب قصص قصيرة بعد تخرجه من جامعة عين
شمس عام 1962 وعمله في مناطق مختلفة من الريف الى المدينة كما كتب الرواية
والمسرحية والمقال.
ترك عكاشة حوالي اربعين مسلسلا اهمها "ليالي الحملة" "زيزينيا" و"ارابيسك" اضافة
الى "الشهد والدموع" و"المشربية" و"الراية البيضا" و"عصفور النار" و"مازال النيل
يجري" و"كناريا وشركاه" و"الحب واشياء اخرى" و"رحلة السيد ابو العلا البشري".
اضافة الى سهرات درامية تجاوز عددها ال15 وعدد من الافلام من بينها "كتيبة
الاعدام" و"الهجامة" و"تحت الصفر" و"دماء على الاسفلت" و"الطعم والسنارة"
و"الاسكندراني".
كذلك كتب عكاشة عددا من المسرحيات اهمها "القانون وسيادته" و"الناس اللي في
الثالث" و"البحر بيضحك ليه".
وفي القصة القصيرة كتب عكاشة "خارج الدنيا" و"مقاطع من اغنية قديمة" الى جانب
روايات "احلام في برج بابل" و"منخفض الهند الموسمي" و"وهج الصيف" و"اوراق مسافر"
و"همس البحر" و"تباريح خريفية".
___________