آَدَابُ الْابْنُ مَعَ الْوَالِدَيْنِ
==================
لَمْ يُقْرَنُ الَلّهَ تَعَالَىْ الَىَّ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ شَيْئا سِوَىْ الْإِحْسَانِ الَىَّ الْوَالِدَيْنِ، وَلَمْ يَعْطِفْ شَكَرَ أَحَدٌ الَىَّ شَكَرَهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ كُلَّ نِعْمَةَ وَخَيْرٌ وَفَضْلٍ وَعَطَاءٍ سِوَىْ شَكَرَ الْوَالِدَيْنِ:
قَالَ تَعَالَىْ: وَاعْبُدُوا الْلَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا الْنِّسَاءِ 36.
وَقَالَ تَعَالَىْ: أَنِّ اشْكُرْ لِيَ وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيْرُ (14) لُقْمَانَ.
وَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ الْشَّرَفَ الْعَظِيمَ، وَالْوِسَامُ الْكَرِيْمِ، وَالْحُكْمَ الْالَهِيّ الْحَكِيْمُ تَفْصِيْلِ لْمُتَكَلِّمِ، وَلَا تَعْقِيْبْ لمُعَقّبُ، وَلَا زِيَادَةٌ لِمُسْتَزِيْدٍ.
إِنَّهَا وَصِيَّةَ الْلَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنَا الْعَنْكَبُوْتِ 8.
وَوَصِيَّةٍ نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ الْقَائِلُ:
الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِالْلَّهِ، وَعُقُوْقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ الْنَّفْسِ وَالْيَمِيْنُ الْغَمُوسُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمَنْ وَاقَعَ الْحَيَاةِ نَنْظُرْ الَىَّ الْمَوْقِفَيْنِ الْصَّالِحِيْنَ الْمَحْبُوْبِيْنَ الْمَرْزُوْقِيْنَ فَنَجِدُهُمْ بَارَّيْنِ بِوَالَدِيْهُمْ وَنَنْظُرُ الَىَّ الْأَشْقِيَاءُ الْمَحْرُومِيْنَ وَإِلَىَ غِلَاظٌ الْقُلُوْبُ وَالمَرْذُوَّلِينَ فَنَجِدُهُمْ عَاقِّيْنَ لِوَالِدِيْهِمْ.
وَمَنْ طَرَائِفَ مَا يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ أَعْرَابِيا حَامِلا أُمِّهِ فَيِ الْطَّوَافُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُوْلُ:
إِنِّيَ لَهَا مَطِيَّةٌ لَا أُذْعَرْ **** إِذَا الرِّكَابُ نَفَرَتْ لَا أَنْفَرَ
مَا حَمَلَتْ وَأَرْضَعَتْنِيْ أَكْثَرُ **** الْلَّهَ رَبِّيَ ذُوْ الْجَلَالِ أَكْبَرُ
ثُمَّ الْتَفَتَ الَىَّ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: أَتُرَانِي قَضَيْتَ حَقَّهَا؟
قَالَ لَا وَلَا طَلْقَةً مِنْ طَلَقَاتِهَا، وَلَكِنَّكَ أَحْسَنْتَ، وَالْلَّهُ يُثِيْبَكِ عَلَىَ الْقَلِيْلِ كَثِيْرَا. وَهَذِهِ بَاقَةٌ مِنْ الْآدَابِ الْإِسْلامِيَّةُ مَعَ الْوَالِدَيْنِ.
1 »» الْعِلْمِ بِأَنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ أَوْصَى بِبِرِّهِمَا، وَحَسُنَ صُحْبَتَهُمَا، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَقَرْنَ ذَلِكَ بِعِبَادَتِهِ، وَتَعْظِيْما لِشَأْنِهِمَا، وَتَكْرِيْما لِقَدْرِهِمَا، وَأَنَّ الْنَّبِيَّ أَوْصَى بِصِلَتِهِمَا وَطَاعَتِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا، وَجَعَلَ عُقُوْقِهِمَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
قَالَ تَعَالَىْ: وَقَضَىَ رَبُّكَ أَلَا تَعْبُدُوَا إِلَا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَّهُمَا قَوْلَا كَرِيْمَا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الْرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا (24) الإِسَّرَاءً.
وَعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ الَىَّ رَسُوْلِ الْلَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ: مَنْ أَحَقُّ الْنَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكِ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِيْ بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ : أَلَّا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ( ثَلَاثا). الَشِّرْكُ بِالْلَّهِ، وَعُقُوْقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الْزُّوْرِ وَشَهَادَةُ الْزُّوْرِ .
2 »» الْسَّلَامُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْدُّخُوْلِ عَلَيْهِمَا وَالْخُرُوْجِ مِنْ عِنْدِهِمَا، وَقَرْنَ الْسَّلَامُ بِتَّقْبِيْلِ يَدَيْهِمَا.
3 »» تَعْظِيْمِ قَدْرِهِمَا، وَإِكْرَامَ شَأْنِهِمَا وَإِجْلَالَ مَقَامَهَا، وَالْوُقُوْفِ لَهُمَا احْتِرَاما عِنْدَ دُخُوْلِهِمَا.
4 »» الْتَأَدُّبِ عِنْدَ مُخَاطَبَتِهُما، وَلِيَنُ الْقَوْلِ لَهُمَا، وَعَدَمِ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِمَا.
5 »» تَلْبِيَةِ نِدَائِهُما، وَالْمُسَارَعَةِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمَا، وَطَاعَةِ أَمَرَهُمَا، وَتَنْفِيْذُ وَصَايَّاهُما، وَعَدَمِ الِاعْتِرَاضُ عَلَىَ قَوْلِهِمَا، إِلَا إِذَا أَمَرَا بِمَعْصِيَةٍ فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوْقٍ فِيْ مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
قَالَ تَعَالَىْ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنَا عَلَىَ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِيْ عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِيَ وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيْرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَنْ تُشْرِكَ بِيَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِيْ الْدُّنْيَا مَعْرُوفَا وَاتَّبِعْ سَبِيِلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ (15) لُقْمَانَ.
6 »» إِدْخَالُ الْسُّرُوْرِ عَلَىَ قَلْبَيْهِمَا بِالْإِكْثَارِ مِنَ بِرَّهُمَا، وَتَقْدِيْمُ الْهَدَايَا لَهُمَا، وَالتَّوَدُّدُ لَهُمَا بِفِعْلِ كُلِّ مَا يُحِبَّانِهِ وَيُفَرْحَانَ بِهِ.
7 »» الْمُحَافَظَةِ عَلَىَ أَمْوَالِهِمَا وَأَمْتَّعَتِهُما، وَعَدَمِ أَخَذَ شَيْءٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا.
8 »» الْمُحَافَظَةِ عَلَىَ سَمِعْتُهُمَا، وَالْحَذَرُ مِنَ الْتَّسَبُّبَ فِيْ شَتْمِهِمَا.
عَنْ عَبْدِالْلَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ مَا أَنْ النَّبِيِّ قَالَ: مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الْرَّجُلِ وَالِدَيْهِ. قَالُوْا: وَهَلْ يَشْتُمُ الْرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الْرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
9 »» تَفْقِدُ مَوَاضِعَ رَاحَتِهُما، وَتَجَنُّبِ إِزِعاجَهُما أَثْنَاءِ نَوْمِهِمَا، أَوْ الْدُّخُوْلُ عَلَيْهِمَا فِيْ غُرَفَتِهُما إِلَا بِإِذْنِهِمَا.
10 »» تَجَنَّبْ مُقَاطَعَتِهُما فِيْ كَلَامِهِمَا، أَوْ مُجَادلْتِهُما، أَوْ مُعانِدَتِهُما، أَوْ لُوَمْهُما، أَوْ السُّخْرِيَةِ مِنْهُمَا، أَوْ الْضَّحِكِ وَالْقَهْقَهَةُ بِحَضْرَتِهِمَا.
11 »» تَجَنَّبْ مُدَّ الْيَدِ الَىَّ الْطَّعَامَ قَبْلَهُمَا، أَوْ الْاسْتِئْثَارَ بِالْطَّيِّبَاتِ دُوْنِهِمَا.
12 »» تَجَنَّبْ الْتَّقَدُّمِ فِيْ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا، أَوَ الْدُّخُوْلِ أَوْ الْخُرُوْجُ أَوْ الْجُلُوسِ قَبْلَهُمَا.
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَىَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: مَا هَذَا مِنْكَ؟ قَالَ: أَبِيْ. فَقَالَ: لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ.
13 »» تَجَنَّبْ الِاضْطِجَاعِ أَوْ مُدَّ الْرِّجْلِ أَمَامَهُمَا، أَوْ الْجُلُوْسِ فِيْ مَكَانٍ أَعْلَىَ مِنْهُمَا.
14 »» اسْتْشَارَتِهُما فِيْ جَمِيْعِ الْأُمُوْرِ، وَالاسْتِفَادَةِ مِنْ رَأْيِهِمَا وَتَجَرَبَتِهُما وَقَبُوْلِ نَصائِحُهُما.
15 »» الْإِكْثَارِمِنَ الْدُّعَاءِ لَهُمَا، وَالْطَّلَبِ مِنْ الْلَّهِ تَعَالَىْ أَنْ يُجْزِيْهِمُا كُلِّ خَيْرٍ عَلَىَ فَضْلَهُمَا وَإِحْسَانَهُمَا وَتَرْبِيَتِهِمَا.
16 »» الْإِكْثَارِمِنَ زِيَارَةِ قَبْرَيْهِمَا إِنَّ تُوُفِّيَا، وَالْإِكْثَارِمِنَ ذَكَرَهُمَا وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِمَا.
17 »» الْعَمَلِ بِوَصَيَّتِهُما، وَصِلَةِ أَرْحَامِهِمَا، وَخِدْمَةِ أَحْبَابِهُما مِنْ بَعْدِهِمَا.
عَنْ مَالِكِ بْنِ رَبِيْعَةَ الْسَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُوْلِ الْلَّهِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِيَّ سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَار لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وُصْلَةً الْرَّحِمِ الَّتِيْ لَا تُوَصَّلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامَ صَدِيْقِهِمَا . رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ.
18 »» تَجَنَّبْ الْأُمُورِ الْمُؤَدِّيَةِ الَىَّ الْعُقُوقِ وَمِنْهَا:
الْغَضَبِ مِنْهُمَا، وَالْنَّظَرِ شَزْرٍ لَهُمَا، وَالْإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ عَنْهُمَا، وَالْتَّأَفُّفَ مِنْ قَوْلِهِمَا أَوْ فِعْلِهِمَا، وَالْتَّضَجُّرَ مِنْهُمَا، وَرَفَعَ الْصَّوْتِ عَلَيْهِمَا، وقَرَعْهُما بِكَلِمَاتِ مُؤْذِيَةِ أَوْ جَارِحَةٍ، وَجَلَبَ الْإِهَانَةِ لَهُمَا، وَالِاسْتِعْلَاءُ عَلَيْهِمَا، وَاعْتِبَارُ الْوَلَدِ نَفْسِهِ مُسَاوِيا لِأَبِيْهِ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ وَالِدَيْهِ، وَالْحَيَاءُ مِنْ الانْتِسَابِ الَيْهِمْا لِفَقِرْهُما بَعْدَ أَنْ يُصْبِحَ ذَا مَرْكَزِ أَوْ نِعْمَةٍ أَوْ جَاهٍ، وَالْبُخْلِ عَلَيْهِمَا وَنِسْيَانِ فَضْلَهُمَا، وَتَفْضِيْلُ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا، وَمُصَاحَبَةِ إِنْسَانٍ غَيْرَ بَارٍّ بِوَالِدَيْهِ.
قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ الْلَّهُ وَجْهَهُ: لَوْ عَلِمَ الْلَّهُ تَعَالَىْ شَيْئا فِيْ الْعُقُوقِ أَدْنَىَ مِنْ كِلَّةٌ (أُفٍّ) لِحَرَمِهُ. فَلْيَعْمَلْ الْعَاقُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلِيَعْمَلَ الْبَارُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ يَدْخُلَ الْنَّارَ.