تقع مدينة سبتة في أقصى شمال المغرب على الساحل، وتبلغ مساحتها 19 كيلو مترًا، وطولها من الشرق إلى الغرب 1000م، ومن الشمال إلى الجنوب 1500م، مقابل شبه جزيرة جبل طارق تمامًا، يبلغ عدد سكانها 74 ألف نسمة، وقد تمتعت سبتة بموقعٍ إستراتيجي متميز لذلك سيطر عليها الرومان في عام 42 بعد الميلاد، وهم الذين أنشأوها على أصح الروايات، وبعد ذلك بنحو 400 عام طردت قبائل الوندال الرومان من المدينة ثم سيطر عليها البيزنطيون ثم القوط الغربيون القادمون من إسبانيا، ثم فتحها المسلمون وانطلقوا منها لفتح الأندلس. وسبتة ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان بأنها بلدة مشهورة من بلاد المغرب ومرساها أجود مرسى على البحر، وهي مدينة حصينة تشبه مدينة المهدية في تونس، ومن الرَّحالة الذين زاروها ابن بطوطة وابن جبير، ويذكر الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق" أن سبب تسميتها بهذا الاسم لأنها جزيرة منقطعة، والبحر يُحيطها من جميع جهاتها إلا من ناحية الغرب. وساهمت سبتة من خلال علمائها في خدمة الفكر الإسلامي، فكانت خلال القرنين السادس والسابع الهجري من أهم مراكز الحركة العلمية في السواحل المغربية، وبخاصة أن هذه المدينة أنجبت أكبر شخصية علمية مغربية هو القاضي عياض الذي وُلد سنة 476هـ، وقال عنه المؤرخون لولا القاضي عياض لما ذُكر المغرب، كذلك الشريف الإدريسي السبتي المتوفي 562هـ، أول شخصية علمية في تاريخ الجغرافيا، وهو الذي وضع أول خريطة رسم فيها العالم، ومن أهم مؤلفاته كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، ونسب إليها ياقوت الحموي جماعة من أهل العلم منهم ابن مرانة السبتي الذي كان من أعلم الناس بالحساب والهندسة والفقه. ومما يؤكد هذا الازدهار العلمي والحضاري والتجاري الذي شهدته المدينة في العصر الإسلامي وقبل الغزو البرتغالي، هو الإحصائيات التي استُخرجت من كتاب "اختصار الأخبار عمَّا كان بثغر سبتة من سني الآثار" لمحمد بن القاسم الأنصاري السبتي الذي ذكر أن المدينة اشتملت على: 1000 مسجد، و62 خزانةً علميةً، و47 رباطًا وزاويةً، و22 حمامًا، 174 سوقًا، 24000 حانوت، و360 فندقًا، و360 فرنًا، إضافةً إلى أنواع الفواكه والورود، وهذا كله يدل على الازدهار الفكري والحضاري الذي وصلت إليه مدينة سبتة في عصرها الإسلامي، قبل أن تسقط بيد البرتغال، ثم تصبح بعد ذلك مدينة إسبانية في أرض عربية مسلمة.
مدينة مليلة
تقع مليلة على الساحل الشمالي الشرقي للمغرب على البحر المتوسط، وقد ذكرها الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق" بأنها مدينة حسنة متوسطة ذات سور منيع وبها عمارات متصلة وزراعات كثيرة، ويذكر حسن الوزان في كتابه "وصف أفريقيا" أن المدينة كانت تشتهر بإنتاج كمية كبيرة من العسل ومنه اشتق اسمها مليلة الذي يعني العسل في لغة الأفارقة، وهناك مَن يذكر أن العسل باللغة البربرية يعني تامنت. ومليلة تحريف عربي لكلمة تامليلت بمعنى موقع مدرج، وقد كانت مليلة مبنية على منحدر مدرج. وكما كان الحال بالنسبة إلى سبتة، شهدت مليلة مرور الفينيقيين والقرطاجيين والرومان وتديرها إسبانيا منذ عام 1497، ومنذ عام 1992م ومليلة تعتبر بمثابة إقليم يتمتع بالحكم الذاتي، وتاريخ مليلة في اضطرابه أو استقراره أو تبادل السيادة عليه بين القوى المحلية والإقليمية مماثل إلى حد كبير لتاريخ سبتة.
دور سبتة ومليلة في الفتوحات الإسلامية في الأندلس
لعبت المدينتان دورًا مهمًّا في تاريخ الفتوحات الإسلامية، فكانت مدينة سبتة إحدى أهم المدن التي فتحها المسلمون الأوائل، وانطلقوا منها إلى الأندلس، فعندما فتح المسلمون بلاد المغرب بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، تحوَّلت سبتة إلى قلعة للجهاد، ومنها انطلق الجيش الإسلامي نحو الأندلس فقاد طريف بن مالك في عام 91 هجرية أول سرية إسلامية إلى الأندلس، وعن طريقها مر القائد المسلم طارق بن زياد للأندلس عبر الجبل الذي يحمل اسمه حتى اليوم- جبل طارق- عام 92 هـ (الموافق 711م)، وبعده بعام واحد نزل موسى بن نصير أيضًا بها قبل أن يدخل الأندلس عبر الجبل الذي يحمل اسمه حتى الآن (جبل موسى). نالت المدينة حظوةً كبيرةً زمن المرابطين، وأصبحت مدينة سبتة خلال عصرهم من أهم مراكزهم الحربية، وأقام فيها يوسف بن تاشفين مدةً من الزمن، ليتمكَّن من أن يتابع بنفسه الإشراف على الجيش الإسلامي ونصرة إخوانهم في الأندلس، ومنها هبَّ يوسف بن تاشفين لإغاثة ملوك الطوائف عندما اشتدَّ عليهم قتال الصليبيين عام 430 هـ/ 1083م، كما مر منها عبد المؤمن بن علي الموحدي- صاحب الفضل في توحيد المغرب الإسلامي- عام 556هـ/1161م، وأبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن عام 580 هـ/1191م في طريقهما إلى الأندلس، وأقام فيها الموحدون أسطولاً بحريًّا قويًّا، ثم استمرت هذه المدينة مركز الجهاد تؤدي دورها كثغرٍ من ثغور الإسلام.
الوتر الحزين شخصيات هامة
العمر : 57عدد الرسائل : 18803بلد الإقامة : مصراحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 32784ترشيحات : 121الأوســــــــــمة :