المنازعات الدولية والخطوات اللازمة لتسويتها
المنازعات الدولية والخطوات اللازمة لتسويتها عبدالله بن راشد السنيدي يصل عدد الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة حوالي (130) دولة وهناك دول أخرى وإن كانت قليلة ليست أعضاءً في المنظمة الدولية، وبسبب كثرة عدد الدول في العالم وتضارب مصالحها وأهدافها فإن النزاع بين دولة وأخرى أوبين عدد من الدول أمر وارد في كل وقت وذلك أن العلاقات بين الدول ليست دائماً مستقرة وهادئة وكثيراً ما يؤدي تعارض المصالح والتوجهات إلى قيام النزاع، والحكمة المتوخاة حسب الشرائع السماوية والمواثيق الدولية عند قيام النزاع بين دولتين أو أكثر هو اللجوء إلى لغة العقل بأن تسعى هذه الدول المتنازعة إلى حل النزاع بالطرق الودية أو السلمية وألا يتم اللجوء إلى أسلوب العنف أو الحرب في حل النزاع إلا في حالات الضرورة القصوى. وقد حرص المجتمع الدولي على ضرورة الأخذ بالخيار الأول وهو السعي لحل الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية حيث تم تأكيد ذلك في مؤتمر (لاهاي) الذي عُقد سنة 1899م، الذي حضره محبو السلام من ساسة العالم حيث أسفر هذا المؤتمر عن مجموعة من المبادئ لتسوية المنازعات الدولية إضافة إلى ما ورد فيما بعد في عهد عصبة الأمم التي أنشئت سنة 1919م وما ورد في ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت سنة 1945م. ويستخلص مما ورد في هذه المواثيق الدولية أن حل الخلافات والمنازعات الدولية بالطرق السلمية يتم حسب الخطوات الآتية: * المفاوضات، وتعني تبادل الرأي بين الدولتين المتنازعتين بهدف الوصول إلى تسوية للنزاع الذي حصل بينهما، وتتم المفاوضات في الغالب عن طريق المبعوثين الدبلوماسيين أو عن طريق مندوبين مخصصين لهذا الغرض إذا كان النزاع ذا أهمية خاصة ويكون تبادل الآراء بين المفاوضات شفهياً أو كتابياً، وقد يتطلب الأمر إضافة فنيين لكلا الفريقين المتفاوضين إذا كان النزاع مثلاً يتعلق بالخلاف حول الحدود ومن أمثلة القضايا التي حُلت عن طريق المفاوضات انسحاب إسرائيل من صحراء سيناء الذي تم بعد مفاوضات طويلة بين مصر وإسرائيل. * الوساطة، وهي الخطوة الثانية لحل النزاع الناشب بين الدول في حال فشل المفاوضات المباشرة بين الدولتين المتنازعتين، وفي هذه الخطوات تقوم إحدى الدول وخاصة إذا كانت ترتبط بعلاقة صداقة بين الدولتين المتنازعتين بالتوسط بينهما إما من أجل العودة للمفاوضات بينهما ويطلق على هذا الأسلوب (الخدمات الودية) أو أن تشترك الدولة الوسيطة في المفاوضات بصورة فعلية ومباشرة ويعرف هذا الأسلوب (بالوساطة) حيث تقوم الدولة الوسيطة حسب هذا الأسلوب بالتوفيق بين المطالب المتعارضة للدول المتنازعة والتخفيف من حدة الجفاء بينهما وبدون صفة ملزمة، وتنتهي مهمة الدولة الوسيطة في هذه الحالة إذا تبين لها أن وساطتها غير مقبولة من كلا الطرفين المتنازعين أو أحدهما، أو إذا قرر أحد الطرفين المتنازعين عدم قبول هذه الوساطة، ومن أمثلة القضايا التي حلت بالوساطة رفع الحظر الاقتصادي عن ليبيا الذي استمر لمدة سبع سنوات بسبب الجهود التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - ورئيس جنوب أفريقيا السابق نيسلون مانديلا. وهناك أسلوب آخر للوساطة لحل المنازعات الدولية يطلق عليه (الوساطة المزدوجة) وهي خاصة بالمنازعات الخطيرة التي تهدد السلم العالمي وفيها تقوم إحدى الدولتين المتنازعتين باختيار دولة أجنبية لتتولى عنها المفاوضة بشأن النزاع القائم حيث تعمل الدولتان المختارتان في البداية على عدم قطع العلاقات السلمية بين طرفي النزاع، ثم تقومان بالمفاوضات لتسوية النزاع وفي حدود (30) يوماً يمتنع خلالها طرفا النزاع من الحديث حوله، فإذا لم تنجح المساعي حول ذلك وتوتر الوضع بين الدولتين المتنازعتين بقطع العلاقات السلمية بينهما فإنه مطلوب من الدولة الوسيطة في هذه الحالة استغلال الفرصة المناسبة للعمل على إعادة السلم بين طرفي النزاع. * لجان التحقيق الدولية، حيث يلجأ إليها طرفا النزاع إذا كان الخلاف بينهما على وقائع معينة حيث تقوم هذه اللجان بإيضاح حقيقة الوقائع المختلف عليها حتى تكون المناقشة فيما بعد لحل النزاع مستندة إلى وقائع صحيحة، وتقوم لجان التحقيق بأعمالها في جلسات سرية وتتخذ قراراتها بأغلبية الآراء وتعلن تقاريرها في جلسات علنية إلا أن الرجوع للجان التحقيق لحل المنازعات بين الدول ليس ملزماً بل يتم باتفاق الأطراف المتنازعة. * لجان التوفيق، وهي تشبه لجان التحقيق في السعي لحل النزاع بين الدول إلا أن لجان التوفيق يكون من مهامها أيضاً اقتراح حل للنزاع يمكن أن يقبله الطرفان المتنازعان. * التحكيم، ويعرف بالتسوية القضائية للمنازعات الدولية وهو يتصف بالإلزام لأطراف النزاع حول ما يصل إليه من قرارات إلا أنه لا يلجأ إليه إلا باتفاق الأطراف المتنازعة، وقد يتم التحكيم عن طريق لجان تحكيم خاصة، وتتألف لجنة التحكيم الخاصة من خمسة محكمين يعين اثنان منهم من قبل الدولتين المتنازعتين ويعين الثلاثة الباقون بمَنْ فيهم رئيس اللجنة باتفاق الطرفين على أن يكونوا من دول أجنبية. وقد يتم التحكيم بلجوء الطرفين المتنازعين إلى (محكمة العدل الدولية) التي أُنشئت سنة 1920م وفصلت في كثير من المنازعات الدولية، وهي تتألف من خمسة عشر قاضياً معينين بمعرفة الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة وهي تتميز عن لجان التحكيم بأن أطراف النزاع لا يتدخلون بتعيين قضاتهم لحل النزاع بينهم، وتنظر هذه المحكمة في القضايا المعروضة أمامها في جلسات سرية إلا أن الحكم يُتلى في جلسة علنية وتفصل المحكمة في قضايا المنازعات برأي الأكثرية من قضاتها وإذا تساوت الأصوات رجح الجانب الذي فيه رئيس المحكمة، أما القضاة الذين يخالفون رأي الأغلبية فيوضح رأيهم في بيان مستقل، وحكم محكمة العدل الدولية