الحداثة تؤمن بالمدلول المتعالي.
- ما بعد الحداثة تتصدى لتفكيك المدلول المتعالي.
- التردد الدائم بين المدلولات يخضع المدلولات لتأثير علاقات الاختلاف difference والإرجاء deferral داخل أي نظام لغوي.
- ما بعد الحداثة ترى أن المعنى لا يتحقق أبداً بصورة كاملة.
- ما بعد الحداثة تدعي بأنها تقيم علاقة جديدة مركبة مع الماضي.
- ما بعد الحداثة تختلف مع الحداثة في ادعائها بأن العمل الفني يمتلك هويته الخاصة التي يحددها بنفسه.
- ما بعد الحداثة لها موقف من الأسلوب؛ لذلك تعمل على تفكيكه.
من أساليب التفكيك: تناول نص معروف وطرح أبنية مختلفة له واستخدام قصص متعارضة وأحداث متناقضة وتبني أسلوب التناقص أي عدم تقديم خط رئيسي للعمل/ موضوع التفكيك/ وتوظيف لغة التصوير الفوتوغرافي وتوظيف المفارقة في سرد قصص متناقضة- العشوائية في التوظيف الفني لعناصر خليطة من فنون متباينة والانتقالات المفاجئة من خيط سردي إلى آخر واستخدام طريقة المونتاج في عرض الفقرات بقراءة معكوسة ومقاطع مسرحية مسجلة ومقاطع من أفلام مسجلة وتجريب نوع من السرد يقوم على تشابك قصص متعددة تحكي من مناظير مختلفة متداخلة بما فيها منظوره هو كمؤلف عن حادثة معينة.
ذلك متحقق في مسرحية (راشامون) وهي مسرحية مترجمة وقد أخرجها من قبل في مسرح الطليعة (حسن عبد السلام).
وكذلك استخدام الشفرة المزدوجة/ التورية الساخرة/ الغموض/ التناقض/ المفارقة/ الاتساق القائم على التنافر (هارمونية النشاز)/ الإسهاب والتضخيم/ التعقيد والتناقض/ الاقتباس الانتقائي/ قلب الترتيب المألوف للكلمات في الجملة عكس ترتيب الكلمات في جملتين متوازيتين/ حذف حروف من الكلمات أو الجمل/ التعرية/ الشظى/ التفتيت.
- ما بعد الحداثة يعلن ارتباطه بالماضي.
- الحداثة تحاول إضفاء الشرعية على رفضها للماضي.
- الحداثة تستهين بالخيارات التي يطرحها الماضي والحاضر على السواء.
- تتميز طبيعة كل من الحداثة وما بعدها بالتناقض والتشظي.
- ما بعد الحداثة تكتفي بالحد الأدنى من المفردات في التشكيل والتصوير الفني وترفض بوضوح التعامل مع الأشكال والصور التقليدية.
- ما بعد الحداثية تستثير اللغات والصور الفنية ضد بعضها البعض، وتقوم على تحدي عدد من المفاهيم السائدة لتقويضها مستعينة بتلك المفاهيم نفسها مع تفجيرها في آن واحد حيث تبدأ بترسيخها ثم تخربها مع وعي تام بالسياق التاريخي والعملية التاريخية اللذين ينشأ من تزاوجهما نوع من الأعمال الفنية التي تتناول التاريخ تناولاً أدبياً.
- الوظيفة عند الحداثة تفرض الشكل الفني وتحدده، والزخرف جرم لا يغتفر في محاولة الوصول إلى لغة الشكل البحت.
- عمل ما بعد الحداثة في المسرح يقوم على نصوص قابلة للتفكيك.
- الحداثة تسعى إلى اكتشاف أسس مطلقة للإبداع الفني، وهذا ضد العلم في رأيي لأنه نسبي.
- ما بعد الحداثة ترفض وجود أي أسس نهائية مستقرة للفن.
- ما بعد الحداثة تمثل نقدا أو إجهاضاً للسعي الحداثي نحو إعادة اكتشاف القواعد المنظورة للإبداع.
وهكذا وجدنا نك كاي في نقده للنقد الذي تعرض لما بعد الحداثة في الفنون الأدائية يركز على التفريق بين الحداثة وما بعدها.
حول النقد النسوي
خلص جون شلوتر في استعراضه لثلاث عشرة مقالة نقدية نسوية جمعها في كتاب الدراما الأمريكية الحديثة: قراءة نسوية إلى ما يأتي:
- إن هذه المقالات ركزت على صورة المرأة في الكتابات المسرحية الأمريكية من خلال إعادة قراءة نصوص رئيسية في الدراما الأمريكية من خلال مقاربة نسائية.
- إن تلك النصوص المسرحية لم تخرج وفق القراءات النقدية النسوية عن دائرة التراث الأدبي المعتمد.
- ركزت القراءات النسوية في هذا الكتاب على مسرحيات لأونيل وتينسي ويليامز وآرثرميللر وسام شيبرد وألبي.
- تسعى تلك القراءات النقدية إلى تأكيد حقيقة مفادها أن طرائق القراءة والمقاربات المختلفة لم تستنفد بعد الطاقة التي تنطوي عليها الدراما والثقافة الأمريكية المعاصرة.
- كما تؤكد دور الحركة النقدية النسوية المساهمة في إزاحة توجه ظل حتى وقت قريب يقنع بفرضية مفادها أن التراث الأدبي قد اكتملت دائرته وانغلق على ذاته.
- أن ناقدات الحركة النسوية قد التفتن إلى نصوص أبدعها النصف الآخر من منظور عالم الذكورة.
- يقوم هذا النمط من النقد النسوي في جوهره على الاستعادة والاسترجاع.
- يطرح النقد النسوي مسألة الجنس الثاني في الأدب والحط من شأن النساء في الأدب وفكرة امتياز الذكر، ودور المرأة في بعث الحركة لدى الآخرين دون وجود باعث يدفعها مع ما ينتاب المرأة من نشوة مراوغة.
- هناك مقالات تستبعد ما أشيع عن عداوة أونيل للمرأة وأخرى ترى أنه عدّد حصارها وحرمانها من الحقوق.
- أن السمة المعمارية السائدة في كتابة أونيل- فيما تخلص إحدى الناقدات- تتمثل في شخصية نسائية غير مستقرة.
- يرى شلوتر أن الأعمال النقدية النسوية تتصل بأكثر المناهج رسوخاً: النقد الأسطوري/ النقد الأنثروبولوجي والنقد القائم على التحليل النفسي والتفكيكية والسيميوطيقا، ونظرية استجابة القارئ.
- تكمن جاذبية النقد النسوي- من جهة نظر شلوتر- فيما يمكن تسميته بالتناقص النقدي.
الخلاصة
من الواضح أن النقد السيميولوجي يتوجه إلى العرض المسرحي وعناصره (ومنها النص) أكثر مما يتوجه إلى النص. وهو بهذا المعنى يعد نقداً فنياً وليس نقداً أدبياً. فالنظر إلى الكتابات السيميولوجية في مجال الدراما والمسرح وقراءتهما يحيلان إلى الأداء وإلى عناصر العرض من سينوجرافيا وعلامات في مستويات تشكيل الفراغ المسرحي والعملية المسرحانية كلها، حيث أن الحوار هو لغة الشخصيات في المسرح بينما في الإرشادات فإن المتكلم هو المؤلف.
العلامات في المسرح لا يمكن إدراكها كل على حدة منفصلة ومتمايزة فكل علامة هي جزء من كل عضوي متفاعل يدعم بعضه بعضاً لخلق معان جديدة من خلال المفارقة أو التوتر الداخلي بين علامتين أو أكثر يتم بثها في وقت واحد. والمعنى الكامل للعرض الدرامي ينشأ دائما عن التأثير الكلي لهذه البنى المعقدة والمتعددة الطبقات التي تتألف من نسيج الدوال التي يتوقف بعضها على البعض الآخر.
الحاجة إلى قراءة سيميولوجية نقدية تستلزم من المتفرج تنظيم العلامات المتعددة والمتعاقبة تنظيماً جمالياً ومكانياً. كما تستلزم من الممارس المسرحي تحويله للعلامات غير اللغوية عن طريق المضاهاة لأن العرض يتضمن سلسلة معقدة من المراسلين يرتبط بعضهم البعض بعلاقات حميمة وسلسلة من الرسائل ترتبط برباط وثيق ومعقد وفقاً لشفرات شديدة التحديد، ومن المتلقين المتواجدين في نفس المكان، وتداركه لا يتحقق بنفس السهولة التي يتحقق بها أدارك النص المسرحي الذي تتطلب قراءته تتبع الترتيب الزمني. وهنا يصدق قول آن أوبر سفلد إذ ترى أن المسرح ليس لغة وأنه لا وجود لما يمكن أن نطلق عليه لغة مسرحية.
إن كل الكتابات السيميولوجية حول المسرح تهتم بالمتفرج بوصفه صانع المعنى (معنى العرض المسرحي) لأن المسرح وإن قام على النص لا يتحقق إلا من خلال العرض.
يتعارض النقد المسرحي السيميولوجي مع النقد التفكيكي الذي لا يهتم بوجود وحدة عضوية أو وحدة نوع أدبي في العمل موضع النقد ويحض على نفيها.
ثالثاً: في تأمل أحوال الفكر النقدي الحديث والمعاصر
- تأرجحت اتجاهات النقد بين الموضوعية والذاتية والشكلانية، وهو أمر قديم حديث.
- تأرجحت مصادر الأدب في معايير النقاد بين (الإلهام الأفلاطوني والمحاكاة الأرسطية والانفعال الووردزورثي والخيال الكوليردجي والتعويض النيتشهوي والجرح والقوس الشوبنهاوري والانعاكسية الماركسية والإشارة البيرسية والشكلانية الشكلوفسكية والبنيوية والتفكيكية الدريداوية والتجريبية الريتشاردزوية والتوليدية الكروتشهوية).
- إن تباين نظرة النقد راجع إلى تبنيه لتباينات النظرة الفلسفية للمعرفة الفنية، فهي مغايرة حيناً للمعرفة الحسية وللمعرفة العقلية وهي مناقضة حيناً للموقف العلمي منها، وهي مطابقة للواقع الاجتماعي والطبيعي، وهي مغايرة له حيناً وعاكسة لطبيعة النفس. وهي متغيرة ولا ثبات فيها لتغير التلقي وعدم ثباته، وهي ذاتية، وهي شكلية، وهي موضوعية، وهي جمعية.
- إن ما يعرفه أوسكار وايلد بالنقد الخالق (نقد الإبداع بإبداع آخر) هو في رأيي نوع من المعارضات الأدبية والفنية.
- إن تفسير إليوت لعملية الإبداع بوصفة فروضاً تأملية مضاد لما نادى به حول الموضوعية، ويرد النقد إلى العامل الذاتي.
- إن طلب إليوت للمعادل الموضوعي للعاطفة في العمل الأدبي يقف ضد مناداته بالموضوعية واقتصار النقد على العمل الأدبي نفسه، ولأن عاطفة الكاتب تقع خارج إطار العمل الأدبي نفسه.
- إن رفض أصحاب نظرية الانعكاس أن تكون العاطفة والانفعالات هي المحور الرئيسي للأدب لا ينفي اعترافهم بأهمية العاطفة والانفعالات في تشكيل الأعمال الأدبية. لأن رفضهم هو رفض لفكرة المطلق في الذاتي وفي الأدب والفن وفي الوظيفة الأدبية والوظيفية النقدية.
- يطمح الشكلانيون إلى أن يصبح الشكل هو ما يحول التعبير اللغوي إلى عمل فني.
- إن المحتوى عند بعض الشكلانيين ما هو إلا أحد مظاهر الشكل. ويرى البعض الآخر أن الشكل هو الذي يحدد المعنى عن طريق تشويه الأديب للكلام العادي عن طريق العنف المنظم وهو أمر عرفته نظرية النظم عند الجرجاني في التراث النقدي العربي، كما أن المسرح الملحمي قد أشار إلى المشوه في الرائع والرائع في المشوه في الصورة المسرحية.
- لما كان الأدب عند الشكلانيين هو "مجموع حيله" فإن الشكل عندهم يسبق المحتوى ويخلقه.
- تلقي البنيوية بعبء استخلاص المعنى على قدرة المتلقي على اكتشاف قواعد التركيب وآليته في تشكيل معنى النص في فرديته ونظامه الكلي ونسقه الخاص ونسقه النوعي، وما كانت خلافاتهم إلاً دوراناً حول المنظم للعلاقات بين الوحدات الصغرى داخل النص.
- ينطلق منهج البنيوية في النقد من السطح إلى البنى التحتية، فهو يبدأ بالجزئيات لينتهي تحليله لها إلى الكليات (الأنظمة الحاكمة للإبداع) وهو منهج قديم في الفلسفة التجريبية عند فرنسيس بيكون (1561/ 1626 م).
- ارتكز البنيويون على ما يسمي بالثغرة في النص gap في مقابل ارتكاز التفكيكيين على فكرة الفراغ space. وهو نفسه ما يعرف عند كلا الاتجاهين بالمسكوت عنه.
- لا يتمتع القارئ البنيوي بحرية القارئ التفكيكي الذي يتمتع بحرية كتابة النص عبر قراءته في مقابل تعدد القراءة عند البنيويين، وإن استهدفت القراءة عند الاتجاهين البحث عن معنى النص وأثره خلال المسكوت عنه.
- يرى البنيويون أن معنى النص متعدد بتعدد حالات التلقي، فمعنى النص المسرحي عند كل قارئ له مختلف باختلاف القراء والعرض متعدد المعاني بتعدد كل متفرج يتلقاه.
- فشلت البنيوية في تحقيق منهجها حول معنى النص ونجحت في منهج تحليلها اللغوي- في نظر نقادها.
وخلاصة القول
هي أن اتجاهات نقد الحداثة ونقد ما بعد الحداثة قد تمحورت حول سمات النص الأدبي وحول سمات العرض المسرحي لكشف حقائق الإبداع وكيفية عملها فيه ورؤية العمل الإبداعي (الأدبي والمسرحي) بوصفه جزءاً من تاريخ تطور الأدب أو الفن وتطور أشكاله وسماته لتمييز وظيفة الحيلة وفهمها في كل حالة بمفردها، من خلال نزع الألفة بين المتلقي ومنهجه الأدبي الأثير لديه، مما أوجد لكل منها حدوداً ودوراً، يستهدف تحقيق أثرها، حتى مع رفض التفكيكية الاعتراف بأن ما اجتهدوا فيه يشكل اتجاهاً.
مع أن كل نظرية هي فاصل بينها وبين غيرها من النظريات، إلا أنه لا يتيسر لعصر أدبي أن يذيب الفواصل الفنية بين الأجناس الأدبية، ويطمس معالمها، لأن الأجناس الأدبية تستعير خصائص بعضها البعض. ولئن كان هذا التوجه يشكل أساس مسرح ما بعد الحداثة إلا أن خلط الأجناس الأدبية والفنية في العمل المسرحي التفكيكي (ما بعد الحداثي) هو هدف أسمى عند أصحاب هذا الاتجاه حيث يخلطون في أدبهم بين الأنواع الأدبية والفنية من سرد انعكاسي وحوار وقصة وقصيدة وأغنية وفن تشكيلي وموسيقى مع الإحالة إلى نصوص أخرى وتجميع ذلك كله كذرات وشظايا فيما يمكن أن يطلق عليه (التوليفة).
إن النص المسرحي الحداثي في تعبيره عن حيرة الذات المعاصرة وشكها وسلبيتها وعدم سعيها نحو إعادة التوازن للحياة يرخي العلاقة الوثيقة بين الشكل والواقع ويتأرجح بين تمثيل الواقع وعدم تمثيله ويستعين بأشكال التجريد والخيال المكثف ويعمل على تغيير فلسفة المكان والزمان ويرسم المكان في الحدث ضيقاً تبعاً لضيق المجال النفسي للشخصيات الدرامية، ويعمل على بتر التسلسل الزمني ويستبدله بالإشراقات الداخلية وبقع الأزمنة المتناثرة وبناء الشخصيات بناء هندسياً لغوياً اعتماداً على الأسطورة وارتكازاً على المفارقة وميل اللغة نحو الإشارة.
والتمرد على أساليب الربط وتكوين العلاقات المألوفة، وذلك كله ما زال بعيداً عن حساسيتنا الأدبية والفنية.
الهوامش
80) سبق ذكره.
81) سبق ذكره.
82) لاجوس أجري، فن كتابة المسرحية، ترجمة دريني خشبة، مكتبة نهضة مصر، 1982م.
83) أنظر: محمد أديب السلاوي، "الاحتفالية في المسرح المغربي الحديث"، الموسوعة الصغيرة، 134 بغداد، منشورات دائرة الشؤون الثقافية والنشر، 1983م.
84) الفريد فرج، دليل المتفرج الذكي إلى المسرح، كتاب الهلال 179، شوال 1385هـ فبراير 1966م.
أ. د. أبو الحسن عبد الحميد سلام
نشر بتاريخ 01-02-2007