الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام 111010
العمل : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام Unknow10
الحالة : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام Mzboot11
نقاط : 17675
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام 13156210

نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام Empty
مُساهمةموضوع: نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام   نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام I_icon_minitime1/3/2010, 06:49

نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام



بادئ ذي بدء أود أن أشير إلى أن اختياري لهذه المقاربة له علاقة بالجدل الدائر في الساحة حول الانتقال أو التحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي، منطلقاً من فرضية أساسية مفادها أن ليس هناك نقد أدبي بمعزلٍ عن الثقافة، ومؤكداً أن ضبط المفاهيم ضرورة ملحة لضبط الحوار حتى لا ينزلق في متاهات بيزنطية لا تفضي إلى شيء، ولهذا فإنني سأبدأ مقالتي هذه بتحديد عناصر الموضوع الأساسية ثم أنتقل إلى منهج المقاربة وأحدد موضوعها وفرضيتها التي سأعمل على استقرائها من خلال الشواهد النصية والتاريخية مرتبطة بالحقول المعرفية التي سأضطر إلى ملامستها، ومما لا شك فيه أن مثل هذا المشروع لا يمكن إنجازه من خلال مقالة واحدة، لذا ستكون هذه المقاربة أولية تُلم برؤوس الموضوعات ولا تعالج تفصيلاتها بل تكتفي بما يخدم الفرضية الأساسية في صياغتها الأولى.
ضبط المفاهيم:

ابتداءً لابد من بيان معنى النظرية بشكل عام، ثم المقصود بالنظرية في هذه المقالة، فثمة تفاوت في مفهوم النظرية فثمة تفاوت في مفهوم النظرية على المستوى التاريخي، وعلى المستوى الآني المعاصر، فالمفكرون الإغريق كانوا يطلقون لفظ النظرية على مجموعة من الملاحظات والتأملات التي كانت تشغلهم في التطلع إلى معرفة طبيعة بعض الظواهر الكونية، وأنتقل هذا المفهوم بنصه إلى اللاتينية، بينما لم تشع لفظة نظرية في الفكر الفلسفي الغربي القديم، ، وكانت كلمة " النظر " بمعنى التفكير والتأمل والتدبر والتثبت أقرب المصطلحات الدالة على الحقل المعرفي الذي تنتمي إليه النظرية، وقد شاعت كلمة النظر في كتابات أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ودلت على التفكير أو ما سبقه أو ما يعتوره فهو أولج في مجاله، وأدخل في مضطربه، ولم يعثر الباحثون على لفظة نظرية في التراث، حيث غابت الياء الدالة على تبلور المصطلح في دلالته على ما يسمى " العلمائية " أي تَّشَكُّلِ علمٍ قائم بذاته، ولم يكن هذا الغياب بلا مدلول، بل دل على غياب الصياغة المتكاملة لمفهوم العلم في صيغته المتكاملة ليبقى مفتوحاً على أشتات مجتمعات من الملاحظات والاجتهادات والأفكار، فغاب الاتساق والتّثبّت كعنصرين من عناصر هذا التكامل المعرفي الذي وسم النظرية في دلالتها المعاصرة.
أما النظرية في المفاهيم الفلسفية الغربية المعاصرة التي تبناها المحدثون من كُتاب العربية فهي مجموعة من الأفكار والمفاهيم المجردة المنتظمة على نحو ما التي تطبق على ميدان المعرفة بشكل خاص، وهي مجموعة من الموضوعات القابلة للبرهنة، والقوانين المنتظمة الخاضعة للفحص التجريبي، وتكون غايتها وضع حقيقة لنظام علمي، فثمة افتراض واتساق وتثبت يقوم على برهان (1).
أما لفظة النقد ـ بغض النظر عن التعريفات المختلفة لها ـ فإن المقصود به ـ هنا ـ ما كان مقولات نظرية منتمية إلى فلسفة محددة في النظر إلى النصوص أو ما كان إجراءً مستثمراً في تحليلها، فالجانب التنظيري الفلسفي لا ينفصم عن الإجراء التطبيقي، وإن حاولت بعض المدارس الإيغال فيه وصبغ بصبغة تجريدية خالصة فإنه في نهاية المطاف لابد أن يترجم إلى قواعد قابلة للتطبيق حيث يتحول إلى " وساطة بينية " (2) أو " فن لتمييز الأساليب " (3) على المستوى الإجرائي الخالص، وهو مرتبط ـ وفقاً لمناهجه ونظرياته ـ بكثير من الحقول المعرفية التي تتحدد علاقته بها تبعاً لرؤية النظرية أو المنهاج ومحددات كل منها، ولكن صلته الرئيسة تظل وثيقة بحقله الأدبي مهما تعددت وشائجه المعرفية، وسواء كان هذا النقد متعلقاً بالنصوص الإبداعية أو بالمقولات النظرية (نقد النقد) فإنه يظل في إطار مفهومه العام الذي حاولنا ضبطه في السطور السابقة في حدود حقله المعرفي الرئيس.
أما الخطاب فمن الألفاظ التي أصبحت شائعة في حقل العلوم الإنسانية، غير أنها تستخدم ـ أحياناً ـ استخداماً يفتقر إلى الدقة، الأمر الذي أفضى إلى لون من ألوان الاضطراب التعبيري الناجم عن خلل في التفكير، ولو رجعنا إلى الجذر اللغوي للكلمة في العربية نجد أنه يدور حول الملفوظ أو الكلام الذي يراد به البيان، فالخطاب ـ كما جاء في لسان العرب ـ مراجعة الكلام، وفصل الخطاب: الحكم بالبينة أو اليمين (4)، وهو ليس بعيداً عن المعنى المعجمي والاصطلاحي في اللغات الأجنبية الحيّة فمعنى الخطاب في اللغة الإنجليزية كل كلام تجاوز الجملة الواحدة سواء كان مكتوباً أو ملفوظاً، ولعل أقرب التعريفات للخطاب ذلك الذي يشير إلى أنه مجموعة دالة من أشكال الأداء اللفظي حيث تشكل الجمل نظاماً متتابعاً تسهم به في نسق كلي متغاير ومتحد الخواص ويتضمن جملة من الأفكار التي تعبر عن رؤية لها منطقها الخاص (5).
أما الثقافة بمعناها العام فتدل على أنساق معرفية مستقرة ومتطورة في آن، ولا تقتصر على الفكر النظري والمعارف العامة فحسب بل يندرج في إطارها الخبرة والممارسة والعادات والتقاليد والفنون الشعبية بكافة أشكالها، وهذه الأنساق المتناسجة بطيئة التحول ولكنها قابلة للتغير وفق قوانين خاصة مرتبطة بجملة عوامل اجتماعية وتاريخية وأخرى تنتمي إلى الحقل الثقافي نفسه.
وأما الثقافة بمفهومها الخاص فالمقصود بها ـ هنا في هذه المقالة ـ كل ما يتصل بأدبيات الخطاب في سيرورته ذات الطابع الفكري والعلمي والتاريخي وخصوصاً مدوّناته ذات الأنساق المعرفية المنسجمة التي لها تجلياتها الفلسفية والأدبية والاجتماعية والسياسية دون الذهاب بعيداً وراء ما هو قار في الوجدان الشعبي ومنغرس في الممارسات المتصلة بالخبرة العملية والسلوك ذي الطابع البرجماتي، وهذا ما أقصده بالثقافة تحديداً لكي تكون الإحالة إليه واضحة.

موضوع المقاربة:

النظرية النقدية القديمة عند العرب تحديداً، وأقصد بذلك جهود النقاد العرب الأقدمين منذ أن تبلور لديهم خطاب نقدي ابتداءً من الملاحظات الجزئية التي كان يبديها الشعراء النقاد من أمثال النابغة الذبياني وانتهاء بحصيلة التنظير المنظم الذي مارسه عبد القاهر الجرجاني ومن عاصره ولحق به ممن يعتد بهم من المشتغلين بالنقد مروراً بالمدوّنات النقدية سواء ما كان منها جهداً نقدياً خالصاً أو مشوباً بالمرويات والأخبار الأدبية أو متقوقعاً على القواعد البلاغية المدرسية، وربما كان تركيزنا على بعض البؤر المضيئة في هذا الخطاب من باب الانتقاء المحكوم برؤية خاصة أفرزتها المنطلقات النظرية التي اقتنعنا بها في مجال الفرضية التي افترضناها حتى نتجنب الوقوع في خلل منهجي يتشتت معه نسق الخطاب الذي نحن بصدد مقاربته.

منهج المقاربة:

تعددت مناهج القراءة في التراث وقد أحصى بعض النقاد منها ما يقارب العشرين منهجاً أو يزيد، ولعلنا لو دخلنا في الفرعيات لتشعبت بنا السبل وتفرقت وأصبح من غير الممكن الاعتماد على التجديد الرقمي الضيق، لذا فلعله من المفيد أن نمس مساً رفيقاً بعض هذه المناهج التي نرى أنها الأكثر شيوعاً، وقد عمد واحد من ألمع نقادنا المعاصرين إلى مقاربة هذه المناهج فأشار إلى القراءة الاستعادية التي تريد أن تؤكد حضور الماضي في الحاضر كأنموذج ومثال، وتلك القراءة الإحيائية، فهي ليست من أكثر إعادة لإنتاج هذا التراث بكافة مشخصاته، ثم القراءة الإسقاطية التي سادت في العصر الرومانسي الذي أسماه الباحث عصر " الوجدان " من 1914 ـ 1945 م ومداره نظرية التعبير، حيث استعار دارسو التراث ذاتهم القارئة من الآخر الغربي، وهي قراءة إسقاطية تقوم على تأويل معطيات التراث النقدي مع منظور الناقد الرومانسي حيث " الذوق والإحساس والشعور " أو " الفردية والتجربة والأصالة " هي الأقانيم الخاصة بنظرية التعبير على حد قول الناقد المذكور، وقد انطوت هذه القراءة الإسقاطية على عملية تقويم حادة أعلت من شأن تلك الأقانيم السالفة الذكر مما قلص المشهد النقدي التراثي إلى الحدود التي يمكن في إطارها إسقاط تلك الرؤية عليها، أما منهج القراءة الوضعية فيتمثل في " تأكيد تاريخية القراءة ونفي الحكم " من منظور وضعي يرى " أن التراث النقدي إنجاز إنساني متطور ومتغير خاضع في نشأته وتطوره وتغيره إلى شروط معرفية واجتماعية وثقافية وتاريخية " فهو غير قابل للاستعادة أو الإسقاط بل هو رهن بشرطه التاريخي، وهو ما يؤكد أن النقد لا يقاس بمعيار التقويم المألوف وإنما في إطار الاتساق الممكن في منهج صاحبه.
أما النمط التالي له في السياق التاريخي فهو ما أسماه الناقد القراءة الانتقادية أو التثويرية، ومنطلق هذه القراءة " الفاعلية اللغوية للأدب والتسليم بقدرة هذه الفاعلية على تحطيم القوالب المتحجرة الثابتة لمنظومات القيم البالية في العالم " كما يقول الناقد.
ثمة نمط آخر من أنماط القراءة يتم في ضوء المكتسبات المنهجية الجديدة في علم اللسانيات وتنظر إلى التراث على أنه موجود لغوي قائم بذاته باعتباره كتلة من الدوال المتراصفة يمكن تفكيك شفرة النص منها باعتبارها رسالة يفككها كل مستقبل حسب جداوله اللغوية فيتم استجلاء الأبعاد النظرية فيه واستنباط مظاهر المعاصرة فيه حيث تتعدد قراءة التراث بتعدد القراءة المحكومة بالشروط التاريخية.
والقراءة التنويرية تدخل في إطار النمط السالف الذكر فهي تركز على البنية التكوينية حيث البحث عن تكوين العقل العربي وعن مستويات الخطاب في الفكر العربي، هناك محاولة للكشف عن الأنظمة المعرفية الأساسية التي تشكل بنية العقل ثم الفكر والخطاب، وتحاول هذه القراءة أن تبحث عن البنية اللا شعورية منفصلة عن تيار الزمن.
وينتهي الباحث إلى الحديث عن طبيعة القراءة مشيراً إلى ما يسمى القدرة الأدبية تلك التي تميز القارئ الذي يتضمن عقله مخططات تنطوي على أنساق معرفية خاصة به حيث يواجه المقروء الذي يتضمن بدوره أنساقه الخاصة، ولكنها ليست مقفلة بل تستدرج تلك المخططات وتتشابك معها، هناك متوسطات قرائية تتمثل في القراءات السابقة ذات علاقة بأنساق المقروء في عصور التراث أو أنساق القارئ في العصر الحديث تتوسط ما بين القارئ والمقروء كما تتوسط عدسات الرؤية ما بين العين وموضوعها على حد تعبير الدكتور جابر عصفور الذي يرى أن من الممكن أن نمتلك أدوات إنتاج معرفتنا الجديدة بالتراث ليست من صنعنا تماماً، ولكن يمكن أن نمتلكها تماماً بالفحص الدقيق لسلامتها والمراجعة المستمرة لأصولها والانتباه اليقظ إلى ما تتضمنه استعارتها المعرفية من سلب وإيجاب، والتذكر الفطن لمغزى ما يقوله عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز من ضرورة " تجاوز حد العلم بالشيء مجملاً إلى العلم به مفصلاً والنظر في زواياه والتغلغل في مكانته ومعرفة الجوهر والمنبت ومجرى العروق " مشبهاً بذلك العلم بالشجرة، وبرؤى الناقد أن تراثنا وتراث الآخر ليس جوهراً نقلياً وإنما هو بعض خبرة النوع الإنساني المرتبطة بشروطها التاريخية التي تقبل احتمالات الزيادة أو التطور، فعلينا أن نبدأ مما قاله القدماء السابقون علينا على سبيل " تتميم ما لم يقولوا فيه قولاً تاماً علة مجرى عادة اللسان وسنة الزمان " بادئين من " عادة اللسان " الذي ننطقه و " سنة الزمان " الذي نعيشه عندئذ " وفق ما يقول ابن سينا يمكن أن نبتدع بحسب عادة هذا الزمان " ونكون امتداداً حياً وليس نهاية جامدة (6).
وليس ثمة قول فصل فيما يتعلق بهذه المناهج، كما أن ما يقترحه الناقد المذكور ليس منهجاً مغايراً للمناهج السابقة التي استعرضها وإنما هي إطار عام تتشكل داخله أنماط مختلفة من القراءات تأخذ بمبدأ التتميم والتكميل بعد الفحص الدقيق المعمّق، وربما كان تشخيصه لحال القراءة ما يمكن أن يفسر طبيعتها ويقودنا إلى نتيجة مفادها أن ثمة سلطة تحكم الخطاب وتحدد منهج قراءته، وأن المتوسطات القرائية تمثل جانباً من هذه السلطة، لكنها لا تكتمل إلا بأبعاد أخرى فلسفية واجتماعية لذا كان هذا التنوع القرائي في تتابعه التاريخي خاضعاً لتلك السلطة، وكما هي قراءتنا التي تشكل ذلك الخطاب المهيمن الآن، فإننا يمكن أن نكون أكثر دقة وموضوعية لو التمسنا تلك العناصر السلطوية، المهيمنة داخل الخطاب التراثي في مختلف عصوره.

الفرضية الأساسية:

فيما سبق أشرنا إلى أن الخطاب دال ينطوي على فضاء دللي رحب ومعقد، فإنتاجه في أي حقل معرفي تحكمه منظومة من القواعد تتجاوز طبيعته اللسانية، إذ تتداخل فيها شبكة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية، ثمة قيود ثقافية تحيط بهذه الشبكة، فإنتاج الخطاب ليس حراً، بل هو محكوم في كل حقل من حقوله بما يكفل للمهيمنين عليه السيطرة والتوجيه، وربما كان المثال الأكثر وضوحاً ما أشار إليه الدكتور إدوارد سعيد في دراسته الشهيرة عن الاستشراق التي نشرت عام 1978 م، إذ يقرر أن الخطاب الاستشراقي بوصفه " سلطوياً غربياً تنامي حول الشرق واكتسب مؤسساته وقواعده ومتخصصيه، ومن الصعب لأي شخص خارج هذا الخطاب أن يدّعي المقدرة على التحدث عن الشرق على نحو علمي مقبول لدى المختصين وضمن المؤسسة " التي فرضت قواعدها الخاصة على هذا الخطاب، وهي قواعد تضمن لها الهيمنة والتوجيه، فقد أعادت تصوير الشرق سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وأيدلوجياً وعلمياً وخيالياً وفق قواعد هذا الخطاب الذي يخدم مصالحها كما يرى الباحث (7).
فللخطاب في أي حقل من حقوله بنية ظاهرة وأخرى باطنه تخفي أسرار الهيمنة والتسلط التي توجه هذا الخطاب وفق جهاز معرفي خاص، لذا لا يمكن فهم الخطاب إلا في هذا الإطار، وإذا كان للخطاب الاستشراقي طبيعته الخاصة بوصفه موظفاً ومنتجاً وفق شروطه الخاصة حيث يبرز النسق المعرفي المنتج له، إذ يعكس الثقافة المنتجة أكثر مما يعكس الواقع، فهو أسلوب في التعبير مراقب ومنتقي ومنظم ومعاد توزيعه بشكل مسيطر عليه وموجه على نحو ما يفهم من تعريف " ميشال فوكو " الذي يعتبر عمدة في هذا المجال، فإن النظرية النقدية القديمة يمكن أن تدرس في إطار الخطاب الثقافي العام لعصرها من خلال المفهوم الأوسع والأشمل للعناصر المهيمنة عليه، فهي ليست عناصر تنتمي إلى الآخر الغربي الذي يخضع الظواهر لمفاهيمه واستراتيجيته وأغراضه، ولكنها وليدة الواقع تولّدت طبيعياً عبر الحركة المتنامية في بعدها التطوري الذي يخضع للسنن والنواميس الكونية، وربما كان درسنا لهذه النظرية أجدى لو أننا انفصلنا بخطابنا المعاصر عنه ولو إلى حين دون أن نعزل أدواتنا المعاصرة بل استثمارها إلى أقصى حد.
من هنا سأحاول أن أحصر منهجي في التعامل مع هذه النظرية في حدود النقلات الإدراكية المنتظمة في نسق تطوري يأخذ بعين الاعتبار أن الأمم كالأفراد تمر بأطوار متعاقبة (Cool، ولكنها تخضع لملابسات ذات سلطان قادر على توجيه الخطاب الثقافي لها وإخضاعه لمقتضياتها.
سيتضح للدارس أن الطور الأول الذي سبق عصر التدوين يمثل مرحلة من مراحل الإدراك وأن الخطاب الثقافي فيه منسجماً مع طبيعة الحياة والواقع الذي تعيشه الأمة التنقل في مضطرب الصحراء والبحث عن مستقر لها فيه، حيث الشفاهية أداة الاتصال.
الخطاب الشفاهي خطاب فطري ينبثق عفوياً منسجماً مع جملة من المفاهيم البسيطة عن الولاء للقيم العامة وللقبلية ثم يتسع مفهوم الولاء فتتسع دائرة الهيمنة، لقد كان الخطاب الإبداعي في هذه المرحلة هو أبرز عناصر الخطاب الثقافي إن لم نقل هو الذي يجسد هذا الخطاب، فكان يتكئ على السليقة الصافية والبديهة الحاضرة ولا يصطنع قواعد أو أصول، وكان الخطاب النقدي متفاعلاً معه يتخذ نفس خصائصه ويخضع لذات العناصر المهيمنة، عرف القبيلة وقيمها والولاء لها، وكان ذلك الخطاب لا يتجاوز الخبرات الفردية والتجارب ذات الطابع الحسي المرتبط بالوقائع.
وفي محلة تالية خضع الخطاب لسلطة التقعيد والتأصيل حيث كان لابد من مواجهة الجدل السياسي الذي دار في أعقاب مقتل عثمان (رضي الله عنه)، برزت مشكلات جسيمة تمثلت في القضايا الكبرى التي شغلت الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية: الخلافة ومرتكب الكبيرة والجبر والاختيار وبروز الأحزاب التي كانت لها رؤيتها الخاصة حول هذه المسائل كالخوارج والمعتزلة والمرجئة في مقابل أهل السنة والجماعة، خضع الخطاب الثقافي لسلطة إدراكية جديدة تتجاوز تلك الأحكام الجزئية المتناثرة، كما خضع لعناصر أخرى ذات طابع عقدي فتعددت أشكال الخطاب الثقافي الأم وكذلك الخطاب الإبداعي والنقدي، وخضعت في مجملها للعناصر الجديدة المهيمنة كما سنرى، وكانت الحاجة ملحة للتقعيد فرضتها تلك الثنائيات المتصارعة التي قدحت زناد الفكر العربي الإسلامي وأدت إلى ذلك الجدل الدائر بين المعتزلة والخوارج حول مرتكب الكبيرة، وبين المعتزلة وأهل السنة حول الصفات، وبين القدرية والجبرية حول الإرادة الإلهية ثم الإرادة الإنسانية.
وفي موازاة ذلك برزت حركة عقلية تسعى إلى تقنين علوم اللغة استجابة لضرورة فرضها الواقع إذ بدأ كل شيء يتموضع في إطار مقنن بما في ذلك الحياة الاجتماعية والاقتصادية وفي سياق هذه الحركة وضع علم العروض وعلم النحو وعلم أصول الفقه وما إلى ذلك وضمن هذا السياق ـ أيضاً ـ برز لون آخر من ألوان الثنائيات المتقابلة القياس والسماع، والعقل والنقل. . الخ، وهي " ثنائيات تتصل بالمنهج غير أنها ليست منبتة الصلة بسلطة مهيمنة توجه كل منهج في إطار رؤيتها الفكرية وموقعها السياسي والاجتماعي، فالأنساق المعرفية المستقاة من المنطق اليوناني كانت تنتظمها المناهج المتكئة على القياس وعلى العقل، وكانت تمثلها مدرسة البصرة، وتلك التي ترتبط بالنسق التراثي تعتمد على السماع والنقل وتمثلها مدرسة الكوفة، وهاتان المدرستان لم تكونا ـ في التحليل الأخير ـ مدرستين نحويتين فحسب، بل هما مدرستان فكريتان، لكل منهما خطابه المستقل الذي يخضع لهيمنته قوى ذات مصالح متضاربة: مدرسة الكوفة العروبية الاتجاه، فأهلها معظمهم من العرب الخلّص، وولاؤهم للتراث العربي يفرض عليهم التمسك بالسماع والنقل، وأهل البصرة جلّهم من العجم يقفن في وجه ذلك التيار العروبي ويحجمونه، فضلاً عن أنهم يعملون على تسريع وتيرة مرحلة الإدراكية المتجهة إلى التأصيل والتقعيد.
وسنجد أن هذه المرحلة تتطور لتأخذ طابعاً أكثر تعقيداً حيث تتناسخ الثقافات وتتداخل خيوطها فتظل منسجمة مع الجوهر العقدي للشريعة الإسلامية، وتنحرف عنه حيناً آخر، وفقاً للعناصر المهيمنة عليه، لذلك يبرز الخطاب الفلسفي ويشتد الجدل بين الفلاسفة من جهة والفقهاء من جهة أخرى، كما يحتدم الصراع بين الفلاسفة والمتصوفة، وتتعدد أشكال الخطاب الثقافي وتتكاثر معه أشكال الخطاب الإبداعي والنقدي لنصل في نهاية المطاف إلى تعددية متباينة ومتمايزة تسود هذا الخطاب وتنعكس على التفكير النقدي كما سيتضح لنا من استعراض سريع لتطور هذا التفكير.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام 111010
العمل : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام Unknow10
الحالة : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام Mzboot11
نقاط : 17675
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام 13156210

نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام   نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام I_icon_minitime1/3/2010, 06:51

وإذا كان ثمة من يرى أن هناك ثلاثة نظم معرفية تسود الخطاب العربي التراثي منذ عصر التدوين ممثلة في النظام المعرفي البياني الذي تحمله اللغة العربية وقد كان يؤسس الحقل المعرفي للفكر العربي منذ صدر الإسلام، وتقنن رؤيةً ومفاهيم ومنهجية من خلال نشأة العلوم العربية الإسلامية وأصبح يكرس رؤية للعالم قائمة على الانفصال، ومنهاجاً في إنتاج المعرفة قوامه قياس الغائب على الشاهد أو الفرع على الأصل على حد تعبير الجابري، ونظام عرفاني انتقل من الموروثات السابقة للأمم التي دخلت الإسلام منذ أوائل العصر العباسي في الفكر الباطني والصوفي والفلسفي والتيارات الإشراقية الأخرى، ويكرس رؤية خاصة للعالم قوامها الاتصال والتعاطف ويعتمد منهجاً في إنتاج المعرفة يعتمد على المعرفان (الاتصال الروحي المباشر بالموضوع)، ونظام برهاني يقوم على رؤية للعالم مبنية على الترابط السببي ويكرس منهاجاً في إنتاج المعرفة يقوم على الانتقال من المقدمات إلى النتائج (9)، فإن أصحاب هذا التحليل يخلطون بين الأشكال النوعية للخطاب في الثقافة العربية الإسلامية ونظمها المعرفية فليس النظام المعرفي البياني خصيصة من خصائص الخطاب الثقافي الشامل مستقلاً عن النظام البرهاني، بل هو سمة من السمات النوعية للخطاب الإبداعي والعلوم التي ارتبطت به، فأي علم ذلك الذي ينهض دون برهان ؟ أما الرؤية الإشراقية فهي منسربة في كل عمل إبداعي، لكن المسألة تخرج عن الإطار العام الذي حددناه وفقاً لتطور عملية الإدراك داخل الخطاب الثقافي العربي مرتبطة بالعناصر التي توجه هذا الإدراك وتمنح الخطاب الناجم عن خصائصه، وإذا كان النظام المعرفي الغنوصي قد ساد في مرحلة من المراحل التاريخية فقد ارتبط بشرط تاريخي أتاح له هذه السيادة وفي حقل بعينه وإن أرتبط بالخطاب ولكنه لم يستأثر بكل أشكال الخطاب، وإنما كان في إطار التعددية الناجمة عن مخاض حضاري عسر وعن غياب المرجعية الواحدة ذات السلطة القادرة على تشكيل خطاب واحد. ولابد من التأكيد أن تصارع النظم المعرفية المشار إليها في الخطاب الثقافي التراثي كان أمراً طبيعياً في تلك المرحلة، ولم يكن بمنأى عن الصراع الذي كان بين أصحاب السلطة المهيمنة على هذه الخطابات وربما تصطنع كل طائفة كافة النظم المعرفية المتاحة لتأكيد وجودها. أما الاختلاف فكان في الخصائص النوعية لكل نظام ومدى قابليته للتوظيف في هذا الاتجاه أو ذاك.
وإذا كانت فرضيتنا الأساسية تنهض على وحدة الخطاب التصوري والإبداعي فإن هذا لا يعني بحال ملائمة الأنساق المعرفية لكافة أشكال الخطاب، فقد يغلب نظام معرفي بعينه في شكل بعينه تحت سقف العناصر المهيمنة على الخطاب الثقافي العام.

النظرية النقدية العربية القديمة:

من الواضح أن الملاحظات الجزئية الشفهية التي كانت تشكل الخطاب النقدي في عصر ما قبل التدوين في " الجاهلية " لدى الذبياني وأضرابه خضعت للأعراف القبلية السائدة ولعناصره المهيمنة التي تكرس منطق النظر الجزئي للأشياء والأحياء أما النقد الذي ظهر فيما بعد فقد أحتكم إلى سلطة دينية أخلاقية مستقاة من الخطاب الإسلامي العام، ولم يكن خطاباً مضمونياً، بل كان لغوياً أيضاً لأن الثقافة العربية الإسلامية لم تكن لتفصل بين اللفظ والمعنى، فالدلالة نابعة من السياق التركيبي اللغوي في بعديه الأفقي والعمودي، بمعنى أن التداعيات التي تثيرها اللفظة المفردة تتفاعل مع معناها الناشئ عن الصياغة النحوية، من هنا كانت استراتيجية التفسير لا تقتصر على سطح المعنى في مستواه الأول بل تغوص بعيداً فيما تثيره اللفظة من تداعيات، وقد أثّر ذلك في لغة النقد، ويمكننا أن نقترب أكثر من هذا المفهوم حينما نتأمل الرواية التالية:
" يُروى أن عمر بن الخطاب سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: هل تروي لشاعر الشعراء ؟ فقال ابن عباس: ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر: ابن أبي سلمى. قال ابن عباس: وبم صار كذلك ؟ قال عمر: لأنه لا يتبع حوشيّ الكلام ولا يعاظل من المنطق، ولا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه "
فهذا نقد يقوم على المعيارين: الفني والأخلاقي، ولو أردنا أن نتبين حجر الزاوية فيه لوجدنا أن المنطق فني في الدرجة الأولى. ففي عبارتين من ثلاث عبارات كان التركيز على فن القول بما يمكن أن يقودنا إلى اعتبار الثالثة منهما نتيجة وليس مقدمة تنبني عليها نتائج، فنبذ حوشيّ الكلام سمة دلالية فضلاً عن كونها سمة جمالية، والخطاب الذي ينهض على تجنب هذا اللون من ألوان الكلام إنما ينبذ التكلف والتوعر ويعمد إلى الصدق الفني والأخلاقي، كذلك المعاظلة في المنطق تجمع بين السمات النفسية والفكرية والجمالية في بوتقة واحدة، فليس ثمة ادعاء أو تصنُّع، مما يؤكد الصفات الأخلاقية، ومن كانت هذه خصائص حديثة فإنه لابد أن يكون صادقاً وبالتالي لا يمتدح الرجل إلا بما فيه. وهذه العبارات الثلاث تكرس سمات الخطاب النقدي الخاضعة لهيمنة السلطان الديني.
وبعد مضي بعض الوقت استبدَّ بالخطاب النقدي العربي سلطة جديدة هي سلطة اللغويين والرّواة، ففي أواسط القرن الثاني الهجري عندما هب علماء اللغة والأدب لجمع الشعر القديم وتدوينه بدأ النقد يتشكل في نسق علمي له خطابه الخاص. احتفل بالجوانب النحوية واللغوية والعروضية على أسس واضحة.
ولكننا قبل أن نعرض للخطاب النقدي في هذه المرحلة لابد أن نشير أنه كان في مجمله خاضعاً لنمط الحياة القبلية السائدة من كافة جوانبها كما أسلفنا، وكان سلطان قريش هو المهيمن لذا نجد حماداً الراوية يقول إن العرب كانت تعرض شعرها على قريش، مما قبلوه منها كان مقبولاً، وما ردوه منها كان مردوداً، وكانت آية الجودة القوة والتماسك والإحكام والأتساق، فالصحة في المعنى والتماسك في التركيب هما المعياران الرئيسان، وهما قوام الخطاب الثقافي الكلي في ذلك العصر، فالناقة توصف بقوة الخلق والمتانة، وكذلك الفرس، والأحلاف، والقبائل، فإن نمط الحياة في الصحراء لا يحتمل التفكك أو الوهن، وحتى بيت الشعر إذا كان فيه خلل بنائي فإنه لا يصمد لقسوة الطبيعة، من هنا كانت عيوب البيت الشعري مستلة من عيوب بيت الشعر، ولما كانت قبيلة قريش من أكثر القبائل تماسكأً وسلطاناً كانت صاحبة الكلمة الفصل في شئون الحياة المختلفة: . السياسية والاقتصادية والأدبية، واستناداً إلى مبدأ القوة والإحكام نجد النَقَدة لا يخرجون في أحكامهم عن عبارات بعينها تدور حول هذا المحور فشعر عبدة بن الطبيب قوي الأسر، متين النظم، متماسك متلاحم، أما التلمس فهو فاسد المعنى لأنه أسند صفة الناقة للبعير، فليس ثمة أتساق مما يؤدي إلى ضعف البناء، وليس من وكدى هنا تتبع مظاهر الإحكام ومواطن الضعف ولكن حسبي أن أشير إلى طبيعة الخطاب النقدي وارتباطه بالسلطة المهيمنة.
ولم يكن النقد في تلك المرحلة خالياً من الضوابط التي تُحكمه، وإن كانت الإحكام موجزة مقتضبة تصدر عن فكرة سليمة، ذلك أن هذه المرحلة لم تكن تمثل طفولة الأمة حقيقة، فقد كانت هناك حضارات في اليمن بلغت الذروة، ، ولكن ذلك العصر ظل بمنأى عن وجود سلطة مركزية بعد أن انهار سد مأرب وتفرقت العرب العاربة وبدأت تعيد صياغة الحياة العربية في الشمال متكيفة مع الأوضاع القبلية السائدة. لهذا فإن ثمة قواعد أولية ضمنية وصريحة كانت تحكم الخطاب النقدي في مراحله الأولى، . أشار إليها الدكتور إحسان عباس مثل " مبدأ اللياقة " الذي يلمح العلاقة بين الشعر وبين المواضعات الاجتماعية والأخلاقية، وكذلك مبدأ الأتساق مع الصفات النموذجية أو ما أسماه الناقد " الجودة النوعية " وقاعدة " الاستواء النفسي " و " مبدأ الفحولة " (10) وما إلى ذلك، وكان لابد من انتظار ما يزيد على قرن من الزمان حتى يكرس النقاد هذه المعايير النقدية الراسخة.
وليس بمستغرب أن تقوى شوكة اللغويين من رواة ونحويين، ذلك أن القرنين الأولين كانا عصر الدولة العربية التي تعتد بلغتها، وكان هذا اللقب يطلق على عصر الخلافة الأموية، ولكن سلطان العرب بدأ يضعف شيئاً فشيئاً، وقوي شأن الموالي الذين ساندوا الدولة العباسية، ولم تكن المسألة سياسية محضة، بل ارتبطت بالخطاب الثقافي ارتباطاً بيناً، ، إذ عظم نفوذ ثقافة اليونان والفرس والهنود بعد أن نشطت حركة الترجمة في عصر المأمون، وبدأ الصراع بين نمطين من أنماط الخطاب الثقافي ارتبط ـ بلا ريب ـ بصراع أصحاب السلطان وإن لم يكن ذلك على نحو رياضي محسوب، بل تدخل فيه عناصر عديدة. ففي مستهل القرن الثاني للهجرة بدأت تتبلور أطراف الصراع، وتحددت المواقع: كان رواة اللغة والأدب يشددون النكير على من يحاول الخروج عما استقر من عرف، ساعد على ذلك ما تميزت به الحياة الثقافية من ضبط وتقنين فقد برز علم العروض، وكان ظهوره انتصاراً للمرجعية العربية القديمة، فالعناصر الوزنية والمصطلحات العروضية مستمدة من معمارية " الخباء " والأصول الفنية مستلهمة من قواعد اللغة في النحو التراكيب، ووضعت العلوم اللسانية وضبطت قواعدها، ولم يكن ما حدث في بادئ الأمر صراعاً بين عروبيين وأعاجم، لكن مقتضيات التطور وسنة الارتقاء كانت تقتضي مثل ذلك، ولابد من الإشارة أن ذلك كان إرهاصاً ببروز سلطة مهيمنة تتقاسم النفوذ مع ما كان سائداً، ولا يمكن تحديد ذلك بدقة، ذلك أن المسألة في القضايا الفكرية والأدبية تخضع لشبكة من العلاقات المتناسجة التي لا يمكن فرزها وتصنيفها دون الوقوع في شرك دوغمائية عمياء ضيقة الأفق، وحسَبنا أن نشير إلى أنه في مقابل طبقة الرواة من العرب الخلص الذين بدءوا يصنعون مدوّناتهم اللغوية ويستمدون منها قواعدهم النقدية واللغوية بدأ جدل موّار بين طائفتين، الأولى تعتصم بالأصالة وتستمسك بالنقل وتصر على أن يكون السماع قناة رئيسية من قنوات الاتصال مع التراث، والثانية تمتلك أزمة المعايير المنطقية بحكم ثقافتها وانتماءاتها الحضارية، ولكن الكل سائر في سبيل التقعيد وتأصيل الأصول، وربما علا شأن الرواة من غلاة المتعصبين للقديم في بداية الأمر فأخذوا يسيطرون على زمام الخطاب الثقافي وبدؤوا ضغطاً متزايداً على الشعراء المحدثين، وكان لذلك ما يبرره حيث شاع اللحن واضطربت اللغة، ولكن المسألة اتخذت طابعاً انحيازياً ضد أولئك الشعراء حيث يتبدى ذلك في قول عمرو بن العلاء عن أشعارهم ووصفه لها بأنها كنقط العروس، تذهب رائحتها بعد قليل، وكأبعار الظباء تشم لها ريحاً طيبة أول عهدها ثم تعود إلى رائحة الأبعار، أما أشعار القدماءْ فإنها كالمسك كلما حركته ازداد طيباً. لقد كان ثمة مزاج نقدي مهيمن على الخطاب في ذلك الوقت، من هنا كان الحرص على التصنيف والترتيب وفق طبقات في كتب النقد التي انتشرت في ذلك الحين مثل: طبقات فحول الشعراء لابن سلام والشعر والشعراء لابن قتيبة، كذلك ما فعله رواة الأخبار الذين قال عنهم: " ولم أر غاية رواة الأخبار إلا كل شعر فيه الشاهد والمثل " (11).
ثم تغير المزاج العام بعد أن أوغل في التحضير والترف فظهر خطاب إبداعي جديد ومعه خطاب نقدي جديد مثله الجاحظ الذي بدأ ينقلب على أصحاب الرؤية السابقة كما يتمثل في هذا النص المقتبس من كتاب الحيوان حيث ظل الاستشهاد به شائعاً في كتب المعاصرين:
"وأنا رأيت أبا عمرو الشيباني وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين ونحن في المسجد يوم الجمعة أن كلّف رجلاً حتى أحضر دواة وقرطاساً حتى كتبهما له، وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتين لا يقول شعراً أبداً، ولولا أن أُدخل في الخصومة بعض الغَيّب لزعمت أن ابنه لا يقول شعراً أبداً. وهما قوله:

لا تحسبن الموت موت البلى...فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا...أفظع من ذاك لذل السؤال

وذهب الشيخ إلى استحسان المعنى، والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ، وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير " (12).
وفي رأيي أن الثنائيات التي تفجرت في شكل قضايا نقدية شغلت جمهرة النقاد في ذلك العصر كقضية اللفظ والمعنى والصنعة والطبع والقدماء والمحدثين، إنما كانت انعكاساً لازدواجية الخطاب الفكري العام الذي أفرزته طبيعة الحياة في ذلك العصر حيث قضية العقل والنقل والجبر والاختيار والاصطلاحي والتوفبقي وما إلى ذلك مما أدى إلى بروز جدل حاد بين طائفتين من المثقفين والمفكرين: إحداهما تنحاز إلى القديم وتعتصم بمثله، والأخرى تطمح إلى أن تنالا حظها من الجديد الذي بهرها سواء كان على مستوى الحياة المادية وبريقها، أو الفكر الجديد ومدهشاته، فقد تدفق في النهر الثقافي العام، خلاصات لفلسفات وتيارات وعقائد لم يألفها العرب في ذلك الزمان، من هنا أشتد الصراع بين لونين من ألوان الخطاب لكل منهما سلطته المهيمنة، فانعكس ذلك في النقد، ونتيجة للطابع المنطقي الجدلي بدأت تتشكل قواعد خطاب نقدي جديد يرتكز على معايير محدودة فيما أطلق عليه فيما بعد " عمود شعر " وهذه التسمية توحي بالانحياز الواضح للقديم. فعمود الخيمة الخشبة التي تقوم عليها ولا تنهض غلا بها، وهذا يذكرنا بنمط الحياة القديمة، ويومئ إلى لون من ألوان الانحياز إلى القديم مع استثمار للمنطق في اهتمامه بترتيب القضايا والبحث عن أسسها العامة، فقد نشأ هذا المصطلح مرتبطاً بالخطابة عند الجاحظ في البيان والتبيين حيث يقول: " وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، وإنما هو أن نصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام. فما هو إلا أن نصرف وهمه إلى جملة المذهب وإلى العمود الذي إليه يقصد فتأتيه المعاني إرسالاً " وقد استخدمه الأمدي لأول مرة وهو يريد به مجموعة من مقومات الشعر وخصائصه الأساسية التي لا يستغني عنها ثم بدأ يتبلور على يد الجرجاني واتخذ شكله النهائي فيما بعد لدى المرزوقي في مقدمة الحماسة (13) ملخصاً بذلك جهود النقاد ممن سبقوه ومعبراً عن الملامح الجديدة للخطاب النقدي، وهو أقرب إلى المنهج المعياري الذي سلكه علماء البلاغة فيما بع مما يتسق مع تقنين الثقافة العربية التي بدا أنها اغتنت بروافدها المتعددة، وخصوصاً الرافد اليوناني الذي تمثل في بعده النقدي في كتابي أرسطو عن الخطابة والشعر، وكان من ثمرة الاحتكاك بالفلسفة اليونانية كتاب " نقد الشعر " لقدامه بن جعفر الذي شرح بعض كتب الفلسفة، غير أن الأثر اليوناني يتضح أكثر في كتاب " مناهج البلغاء وسراج الأدباء " لحازم القرطجاني، فقد سار وفق منهج منظم إذ يقسمه أربعة أقسام: في الألفاظ والمعاني والنظم والطرق الشعرية، ، وقد انتقل من النظر في الألفاظ المفردة إلى النظر في المعاني المفردة، ثم إلى نظم المعاني والألفاظ في القصيدة الكاملة ثم إلى الأغراض التي يتجه إليها الشعر ويتحدث عن قوى الشاعر الحافظة والمائزة والصانعة.
وإذا كان تحليل الخطاب الإبداعي فيما يتعلق بالقصيدة العربية القديمة قد نحى منحى يتسم باستقراء الملامح الموضوعية الظاهرية في القصيدة فإن حازم القرطجاني في كتابه المذكور قد حاول أن يحلل معمار القصيدة الداخلي كاشفاً عن القوى السابقة وهي في حالة فاعلة داخل القصيدة وإبان إنشائها: يتحدث عن استحضار المقصد في الذهن وتتبع المعاني المناسبة له في عبارة متناثرة، ثم يلاحظ ما بينها من كلمات متماثلة تصلح لأن تكون قوافي، ويضع الوزن والروى، ثم يقسم المعاني والعبارات فصولاً، ويبدأ بأشبه الفصول بالغرض، ويتبعه بما يليق به من الفصول إلى أن ينتهي إلى غايته ثم يأخذ في نظم العبارات التي أحضرها في خاطره نثره فيصيرها موزونة بما يحدثه فيها من تغيير وإضافة وحذف.
هذا التحليل لا ينصب على الخطاب في ذاته بل يتتبع آلياته ويفصح عن مراحل تشكله، ويحمل في طياته خصائص السلطة الإبداعية التي تحكم سيرورته حتى يستوي خلقاً سوياً، ويعكس ضرباً من ضروب التأثر بالمنطق اليوناني الذي يتسم بالحرص على آلية عقلية معينة منظمة كانت لها مرجعيتها الذهبية والبلاغية ممثلة في الخطاب الاعتزالي والمنحى البديعي الذي بدأ يهيمن على القصيدة العربية.
إن ملكة التصنيف والتوصيف والتعليل بدأت تتكون وتبلور ألواناً من الخطاب الذي تجاوز الإبداع والنقد إلى الفلسفة وأثر في أسلوب استنباط الأصول والقواعد.
وقد تجلت هذه الملكة لدى علماء البلاغة منذ أن ظهر كتاب " البديع " لابن المعتز " وهذا الكتاب ليس مجرد كتاب بلاغة بل هو كتاب نقدي عبر عن سلطة الذوق الفني السائدة بعد ظهر في تضاعيف الإبداع الشعري والنثري لدى ابن المعتز وابن العميد وغيرهما تأثراً بجو التحديث الذي بدأ أصحابه ينفرون من التقليد، ويعبرون عن الترف الذي بدأ يسم الحضارة العربية بعد أن حوى نسيجها خيوطاً متعددة من ولع الفرس بالأناقة والزخرف وميل الإغريق إلى التقعيد والتنظيم العقليين حيث الجمع بين الاتجاه المادي العياني والآخر التجريدي الفلسفي، وقد شكل ظهور الكتب البلاغية سلطة جديدة بدأت توجه الخطاب النقدي وتدفعه نحو بحث القضايا التي اتسمت بطابع إشكالي، وقد تجلت هذه السلطة في المحاولات الدائبة التي بذلها عدد من النقاد من أجل ترجمتها إلى قواعد وقوانين تحدد للشاعر والناثر على حد سواء سبل الإبداع فاتخذت طابعاً تعليمياً واضحاً في القرن الرابع وما تلاه، يشفا وذلك من عنوانات الكتاب التي تومئ إلى المعيارية والصنعة والنمذجة من ذلك: " عيار الشعر " لابن طباطبا (365) هـ و" كتاب الصناعتين " لأبي هلال العسكري (395) هـ و " العمدة في صناعة الشعر ونقده " لابن رشيق القيرواني (456) هـ و " المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" لضياء الدين الأثور (637 هـ)، ويدخل في هذا الإطار كتب عمدة النقد العربي عبد القادر الجرجاني (471 هـ)، ولكنه يشكل انعطافه مهمة في تاريخ الخطاب النقد العربي.
وفي اعتقادي ـ ولعله في اعتقاد الكثيرين كذلك ـ أن نظرية المنظم ـ إن كان يصح أن يطلق عليها هنا مصطلح نظرية ـ كانت ختاماً لمرحلة من الازدواجية التي رسمت الخطاب العربي فيما يشبه انشطار الوعي حيث كانت قضية ازدواجية اللفظ/ المعنى تمثل إشكالية مهمة في هذا الخطاب يصل حولها الجدل إلى حد الصراع، وتبلغ أحياناً لدى المنحازين لأحد طرفيها حد التناقض.
لقد أنكر الجرجاني أن يكون هناك معنى عار من لفظ يدل عليه، كما أنكر أن يكون الإعجاز في اللفظ دون المعنى مما يلغي تلك الثنائية ويؤسس لمفهوم جديد بعيداً عن الجدل العقيم، ولكنه مع هذا لا يتحرر من سلطان الثنائية مما يوقعه أحياناً في التناقض فهو يرتضي البحث في المعنى مجرداً كما يتضح من قوله " واعلم أن غرضي من هذا الكلام الذي ابتدأته والأساس الذي وضعته أن أتوصل إلى بيان أمر المعاني، كيف تتفق وتختلف، ومن أين تجتمع وتفترق. . الخ " (14).
ولكنه يعود فينكر أن يكون البحث في المعنى من شأن البلاغة حيث يقول: " ومعلوم أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة، وأن سبيل المعنى الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع فيه التصوير والصوغ فيه، كالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم أو سوار " (15).
ولا يقتصر إنجاز الجرجاني على حسم الخلاف حول تلك الثنائية التي أدت إلى ترهل كتب النقد القديمة من كثرة الجدل حولها، بل مس مسألة مهمة تتمثل في خصوصية الخطاب الإبداعي حيث فرق بين اللغة والكلام الذي يعتبر من منجزات علم اللغة الحديث. وهذا التمييز جاء في معرض المواجهة لخطاب طائفة من أنصار الخطاب اللغوي من الرواة وعلماء الغريب حيث هيمن على خطابهم النقدي الحديث عن الصحة اللغوية والملاحظات الجزئية الخاصة بالتراكيب النحوية.
أما ما اعترى الخطاب النقدي من جحود بعد ذلك، ومن توجه نحو التبويب والاستغراق في تتبع أدق المسائل المتعلقة بهما، الأمر الذي أفضى إلى تكريس مبدأ الأذن والذاكرة في استظهار تلك القواعد وتحويلها إلى متون تحفظ ومقولات تردد، والاتجاه إلى مدرسة البلاغة وتنميطها، والعناية بالجانب الخاص البديع، فبعد أ، ذكر ابن المغني في بديعه ثمانية عشر نوعاً فيه أحصى ما يقرب من خمسة وتسعين نوعاً، وقد كثرت الكتب في ذلك العصر (القرن السادس الهجري) والتي تعالج الحسنات اللفظية مثل كتاب صفي الدين الحلي " الدّر النفيس في أجناس التجنيس " وألف مثل ذلك صلاح الصفوي وابن حجة الحموي وغيرهم.
أما في النقد فكان التأليف فيه قد حذا حذو البلاغة من حيث اجتراء ما قاله السابقون، فلم يضف اللاحق للسابق شيئاً بل عمد إلى أن يبدي ويعيد فيما قيل، ولذلك ثمة إضافة في هذا المجال، فإذا استثنينا بعض ما كتبه ضياء الدين ابن الأثير في " المثل السائر " فإننا لا نكاد نعثر على شيء ذي بال.
من هنا يتضح للباحث أن الخطاب النقدي والبلاغي قد نزع إلى المعيارية، والمعيارية إذا كانت مستساغة في العلوم اللغوية فهي ليست كذلك بالنسبة للنقد، ذلك أن الخطاب النقدي متفتح وقابل للتطور فإذا صفد بأغلال التقنين انطفأت فيه جذوة الذوق ودهنت قدرته على استشراف آفاق الإبداع، وهذا ما حدث، إذ ارتبط جموده بجمود الخطاب الثقافي بعامة، وكان ذلك إيذاناً بالخضوع لسلطان الإرتكاس الحضاري الذي تردت في وهدته الأمة نضب فيها معين الإبداع، وتراجعت قدرتها على الابتكار ودخلت في عصر الفقر والجفاف شكليات بديعية زخرفيه، ونكوص فكري نتيجة للهزيمة الحضارية وطغيان النفوذ العثماني الذي بدأت معه مرحلة التجهيل وانتزاع العقول والخبرات ومصادرتها ونقلها إلى عاصمة الدولة، فلم يكن أصحاب النفوذ فيها أصحاب حضارة أو فكر، وحدث انقطاع أو شبه انقطاع ثقافي عن الماضي وكان لابد من انتظار قرون طويلة لوصل ما انقطع ولممارسة عملية إحيائية واسعة النطاق للعودة إلى المنابع الأصيلة في التراث حيث الإتكاء على عصر نقاء الجنس (العصر الجاهلي، والعصر الذهبي، والعصر العباسي)، وهما ركيزتا الإحياء عند أي أمة طامحة للنهوض.
لقد واكب تبلور الحركة النقدية منذ بداياتها، ومنذ أن بزغت شمس فلسفتها النظرية وأخذت تتشكل في سلسلة من القضايا حركة ترجمة نشطة من اليونانية والسريانية إلى العربية، وخصوصاً في القرنين الثالث والرابع الهجريين حيث استوعبت معظم التراث اليوناني في العلوم الإنسانية والطبيعية وقد توافر لهذه الحركة نقد تاريخي فولولوجي دقيق، وكان للفلسفة اليونانية نفوذها بفضل طائفة من الفلاسفة المتميزين أعادوا تكوين هذه الفلسفة، ولم يقتصر الأمر على تلك الدائرة الحضارية بل امتد ليشمل دوائر أخرى تمثلت في التراث الهندي والإيراني والفارسي، وكان ذلك مما أمد الفكر العربي بحيويته الزاخرة وأدى إلى إفراز خطاب ثقافي مستنير حارب الجمود بلا هوادة، وحال دون تحول النقد العربي إلى مجرد جملة من الخطوات الإجرائية المحضة أو مجموعة من القواعد البلاغية ورسخ سلطان المنطق وأمد الحركة العقلية بركائزها، وكان يسند هذا السلطان القوي سلطة على مستوى القيادة في سدة الخلافة آزرت تلك الحركة وأمدتها بمقومات الهيمنة فكان الفكر الاعتزالي متنفذاً إلى درجة عالية الأمر الذي خرج عن حدود الخطاب إلى حدود استخدام القمع وسيلة لإسكات الصوت الآخر كما حدث لواحد من أئمة السلف المتميزين (أحمد بن حنبل) وإلى بروز فتنة ما سمي " بخلق القرآن "، وهكذا كان ثمة من يوجه الخطاب الفقهي والفلسفي والإبداعي الأمر الذي انعكس على الخطاب النقدي الذي لم يكن بمنأى عن ذلك التوجيه.
لقد كان التركيز على العملية وعلى الإنسان وأحواله ومدارج نفسه وانفعالاته وقواه النزوعية ومشكلة العقل والنقل والعالم مكاناً وزماناً وأجراماً وترتيب الموجودات فيه وما إلى ذلك.
وبرز في إطار هذا الخطاب علم أصول الدين، وعلم أصول الفقه، ومعروف أن علم أصول الدين هو العلم الذي يرمي إلى إثبات العقائد الدينية بالأدلة والبحث عن الأسس العقلية البرهانية للدفاع عن العقيدة، أما علم أصول الفقه الذي يستنبط الأحكام الشرعية من أوليها، والعلم الأول يؤسس النظر والثاني يؤسس العمل، وكل ذلك يدعم التوجه إلى بلورة القواعد وتأصيل الأصول في ظل خطاب شامل يؤسس لمرحلة حضارية متعددة الأبعاد. من هنا فإنه من غير الممكن فهم نظرية النقد إلا في إطار ذلك الخطاب والعناصر المهيمنة فيه، وليس من الممكن في هذه العجالة بسط القول في قضايا تلك النظرية من هذا المنظور، ولكن حسبنا الإثارة إلى الإطار العام على أن يكون لنا عودة تمكننا من شرح أوفى وتحليل أعمق.
أما فيما يتعلق بسيادة الخطاب التجميعي الذي أعقب انهيار الدولة القيادية حيث ظهر ما يسمى بالخطاب الموسوعي الذي عمد إلى جمع التراث بعد الكارثة التي حلت به لإثر سيطرة المغول وإهدارهم المخطوطات والكتب التراثية فإن هذا الخطاب لم يضف جديداً بل كان اجتراراً لمنجزات العصور السابقة وقد أشرت فيما سبق إلى أن الخطاب النقدي لم يخرج عن هذا الإطار، لذلك فإن دراسة النظرية النقدية لابد ألا تنفصل عن سياقها الثقافي وأن تدرس في ضوء خصائص الخطاب الثقافي العام وربما يكون ذلك مخرجاً من فوضى مناهج قراءة التراث التي نعاني فيها وهي فوضى تعكس حيرتنا وعدم قدرتنا على ترسيخ خطابنا الثقافي المعاصر على أسس من شأنها أن تبقي على ملامح شخصيتنا التاريخية.

الهوامش

(1) انظر فيما يتعلق بمفهوم النظرية: د. عبد الملك مرتاض: نظرية نص. أدب ثلاثة مفاهيم نقدية بين التراث والحداثة. قراءة جديدة لتراثنا النقدي. المجلد الأول. النادي الأدبي الثقافي جدة من 19 ـ 24 / 11 / 1988 ص 257.
(2) د. إحسان عباس: سارق المنار. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 1982
(3) د. محمد مندور: النقد والنقاد المعاصرون. مكتبة نهضة مصر. القاهرة (د. ت) ص 228.
(4) ابن منظور: لسان العرب. دار الكتب. مادة خطب.
(5) محمد الماكري: الشكل والخطاب. المركز الثقافي العربي. بيروت 1991. المقدمة.
(6) انظر د. جابر عصفور: قراءة التراث النقدي ـ مقدمات منهجية. المجلد الأول (مرجع سابق) ص 107 وما بعدها.
(7) د. ميجان الرويلي. د. سعد البازعي. دليل الناقد الأدبي (إضاءة لأكثر من ثلاثين مصطلحاً وتياراً نقدياً أدبياً معاصراً. البيكار 995) ص 20.
(Cool د. زكي نجيب محمود: المعقول واللا معقول في تراثنا الفكري. دار الشروق. القاهرة 1993 ط 5. راجع ما كتبه من مراحل التطور الفكري فقد استفدت منه في حديثي عن تطور الخطاب النقدي والفكري بعامة ص 20ـ 24.
(9) محمد عابد الجابري: أزمة الإبداع في الفكر العربي المعاصر. أزمة ثقافية. أم أزمة عقل. فصول. القاهرة. م 24. م 34. إبريل / مايو / يونيو 1984 ص 107.
(10) د. إحسان عباس: تاريخ النقد العربي عند العرب. نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري. دار الشروق للنشر والتوزيع. عمّان. الأردن 1986 ص 50 وما بعدها.
(11) انظر فيما يتعلق بهذه المسألة: د. شكري محمد عياد. النقد والبلاغة. موسوعة الحضارة العربية الإسلامية. المجلد الثالث. الموسوعة العربية للدراسات والنشر. بيروت. 1987 ص 379 وما بعدها.
(12) الجاحظ: الحيوان. تحقيق عبد السلام هارون. ج 3 (ص 131 ـ ص 132).
(13) راجع د. وليد القصاب. قضية عمود الشعر في النقد العربي القديم (ظهورها وتطورها). دار العلوم. الرياض. 1400 هـ / 1980 م.
(14) عبد القاهر الجرجاني. أسرار البلاغة. ط دار المنار 1947 م. ص 19 ـ 20. (15) عبد القاهر الجرجاني. دلائل الإعجاز. ط دار المنار 1331 هـ ص ص 196 ـ 197.
(15) عبد القاهر الجرجاني. دلائل الإعجاز. ط دار المنار 1331 هـ ص ص 196 ـ 197.




د. محمد صالح الشنطي


نشر بتاريخ 29-01-2007
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
 
نظرية النقد العربي في ضوء الخطاب الثقافي العام
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النقد الثقافي والنقد الأدبي
» نظرية العامل في النقد المسرحي
» صدور كتاب أشكال من الخطاب الفلسفي العربي .. د . زهير الخويلدي
» القطيعة في النقد العربي المعاصر
» بعض الملامح السندبادية في الخطاب الشعري العربي المعاصر الحلقة الأولى التوظيف غير المباشر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات الأدبية :: المنتديات الأدبية :: منتدى الدراسات النقدية والبلاغة-
انتقل الى: