الكميت بن زيد الأسدي
طربت وما شوقا الى
البيض أطربُ
ولا
لعبًا منى أذو الشيب يلعبُ
ولم يلهنى دارٌ ولا رسم منزلٍ
ولم يتطربنى بنانٌ
مخضبُ
ولا أنا ممن يزجر الطير هَمَّهُ
أصاح غرابٌ أم تعَرَّضَ ثعلبُ
ولكن
ألى أهل الفضائل والنُّهى
وخير بنى حواء والخير يطلبُ
الى النفر البيض الذين
بـِحُبِّهم
الى الله فيما نابنى أتقرَّبُ
بنى هاشم رهط النبى فإننى
بهم
ولهم أرضى مرارًا وأغضبُ
خفضت لهم مني جَناحَ مَوَدَّتي
إلى كـَنـَفٍ عطفاه
أهلٌ ومرحبُ
وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا
مِجَنـًّا على أني أذم وأقصبُ
وأُرمى
وأرمي بالعداوه أهلها
وإنى لأُوذى فيهم وأؤنبُ
فما ساءنى قول ذى
عداوةٍ
بعوراء فيهم يجتدينى فأجدبُ
فقل للذى في ظِلِّ عمياء جَوْنةٍ
يرى
الجور عدلا أين لا أين تذهبُ
بأى كتاب أم بأية سُنًّةٍ
ترى حُبَّهُم عارًا
عَليَّ وتـَحْسـَبُ
أأسلم ماتأتى به من عداوةٍ
وبُغْض ٍ لهم لا جَيْرَ بل هو
أشْجَبُ
فما لي الا آل أحْمَدَ شيعة ٌ
وما لي إلا مَشْعَبُ الحق مشعبُ
ومن
غيرهم أرضى لنفسيَ شيعة ً
ومن بعدهم لا من أُجـِلُّ وأرْحَـبُ
أُريب رجالاً
مـِنهُمُ وتـُريبُني
خلائقُ مما أحدثوا هُنَّ أرْيَبُ
إليكم ذوي آل النبى
تطلعت
نوازعُ من قلبى ظِمَاءٌ وألـْبـُبُ
فإني عن الأمر الذي
تكرهونه
بقولي وفعلي ما استطعت لأُجنبُ
يشيرون بالأيدي إليَّ
وقولـُهُمْ
ألا خاب هذا والمُشيرون أخيبُ
فطائفة ٌ قد أكفرتني
بحبكم
وطائفة ٌ قالوا مُسِيءٌ ومُذنِبُ
فما ساءني تكفير هاتيك منهمُ
ولا
عيب هاتيك التي هي أعيبُ
يعيبونني من خبثهم وضلالهم
على حبكم بل يسخرون
وأعجبُ
وقالوا ترابيٌّ هواه ورأيه
بذلك أُدعى فيهمُ وأُلـَقـَّبُ
فلا زلت
فيهمُ حيث يتهمونني
ولا زلت في أشياعهم أَتقلَّبُ
وأَحمل أحقاد الأقارب
فيكم
ويُنصب لي في الأبعدين فأنْصَب ُ
بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم
فلم أَر
غصباً مثله يُتغصَّبُ
وجدنا لكم في آل حاميم آيةً
تأَوَّلها مِنَّا تقيٌّ
ومُعرِبُ
بحقكم أمست قريشُ تقودنا
وبالفـَذ ِّ منها والرديفين
نُرْكـَبُ
إذا اتـَّضَعُونا كارهين لِبَيْعَةٍ
أناخوا لأُخرى والأزِمَّة ُ
تـُجْذ َبُ
رِدافاً علينا لم يُسِيموا رَعِيَّةً
وهمُّهموا أن يَمْتـَرُوها
فيَحْلِبوا
لينتتجوها فتنة ً بعد فتنةٍ
فيفتصلوا أفلاءها ثم يَرْكبوا
لنا
قائدٌ منهم عنيفٌ وسائقٌ
يُقـَحِّمنا تلك الجراثيم مُتعِبُ
وقالوا ورثناها
أبانا وأُمَّنا
وماورَّثـَتـْهم ذاك أمٌّ ولا أبُ
يرون لهم حقاً على الناس
واجباً
سِفاهاً وحقُّ الهاشميين أوْجَبُ
ولكن مواريث ابن آمنة الذي
به دان
شرقيٌّ لكم ومَغـْرِبُ
فدىً لكم موروثاً أبي وأبو أبي
ونفسي ونفسي بَعْدُ
بالنَّاس أطيبُ
بك اجتمعت أنسابنا بعد فـُرْقـَةٍ
فنحن بنو الإسلام نُدعى
ونُنسبُ
حياتـُكَ كانت مَجْدَنا وسَناءَنا
وموتك جدع ٌ للعَرَانِين
مُوعِبُ
وأنت أمينُ الله في النَّاس كـُلـِّهـِمْ
علينا وفيها اختار شرقٌ
ومَغْرِبُ
ونستخلف الأموات غيرك كلهم
ونُعْتِبُ لو كنا على الحق
نُعْتِبُ
فبُوركت مولوداً وبُوركت ناشئاً
وبُوركت عند الشَّيْبِ إذ أنت
أشيبُ
وبُورك قبرٌ أنت فيه وبُوركـَت
به وله أهلٌ لذلك يثربُ
لقد غيَّبوا
بـِرًّا وصدقاً ونائلاً
عشية واراك الصفيح المُنصَّبُ
يقولون لم يورث ولولا
تراثه
لقد شركت فيه بُكيلٌ وأرحبُ
ولا كانت الأنصار فيها
أدلَّةً
ولاغُيَّباً عنها إذا الناس غُيَّبُ
هم شهدوا بدراً وخيبر
بعدها
ويوم حنينٍ والدماء تصببُ
فإن هي لم تصلح لقومٍ سواهمُ
فإن ذوي
القربى أحق وأوجب ُ
فيالك أمراً قد أُشتت أموره
ودنيا أرى أسبابها
تتقضبُ
اسمه ونسبه :
الكميت بن زيد الأسدي ، وينتهي نسبه إلى
مُضَر بن
نزار بن عدنان .
وهو من شعراء الكوفة في القرن الأوّل الهجري .
ولادته
ونشأته :
ولد الكميت في سنة ( 60 هـ ) ، عاش عيشة مرضية ، سعيداً في
دنياه ،
داعياً إلى سنن الهدى .
فعاش حتى أتيحت له الشهادة بها في الكوفة ، في
خلافة
مروان بن محمد سنة ( 126 هـ ) بعد عام واحد من خلافته . ولكن بعدما حفر
بشعره ثغرة
كبيرة في عرش بني أمية كانت بلا محالة من أسباب سقوط دولتهم.
وكان ذكياً
حاضر
الجواب منذ صغره ، كاتباً حسن الخط ، خطيب بني أسد ، فقيهاً متضلعاً بالفقه
،
فارساً ، شجاعاً ، سخياً ، حافظاً للقرآن .
وهو أول من ناظر في التشيع
مجاهراً
بذلك .
وما فُتح للشيعة الحِجاج إلا بقول الكميت :
فَإِن هِيَ لَم
تصلحْ
لحيٍّ سِوَاهُمُ فإنَّ ذَوِي القُربى أحقُّ وأوجَبُ
يقولون لَم يُورثْ
وَلَوْلا
تُراثهُ لَقَد شركت فِيهَا بكيلٌ وأرحَبُ
علمه وفضله :
قال
محمد الجمحي
: الكميت أول من أدخل الجدل المنطقي في الشعر العربي فهو مجدد بكل ما تحمل
هذه
الكلمة من معنى ، وشعره ليس عاطفياً كبقية الشعراء ، بل إن شعره شعر مذهبي ،
ذهني
عقلي .
فهو شاعر يناضل عن فكرة عقائدية معينة ، وعن مبدأ واضح ، ومنهج
صحيح ،
ودعوته هذه قد آمن بها ، وكرَّس لها حياته وجهده ، وتحمل في سبيلها الأذى
ومات
بسببها .
وقال أبو الفرج :
شاعر ، مقدَّم ، عالم بلغات
العرب ،
خبير بأيامها ، من شعراء مضر وألسنتها المتعصبين ، ومن العلماء بالمثالب
والأيام
المفاخرين بها ، كان في أيام بني أمية ، ولم يدرك العباسية ، وكان معروفاً
بالتشيع
لبني هاشم ، مشهوراً بذلك [ الغدير 2 / 286 ] .
وقال الفرزدق له :
أنت
والله أشعر من مضى وأشعر من بقي .
ولاؤه لأهل البيت ( عليهم السلام
) :
كانت جُلُّ أشعار الكميت في مدح أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وذلك في
زمن
الدولة الأموية التي كانت تغدق الأموال لشراء الألسن والشعراء ، والمديح
والثـناء .
ومع ذلك نرى أن الكميت قد لوى وجهه عنهم إلى أناس مضطهدين مقهورين ،
ويقاسي من
جرَّاء ذلك الخوف والاختفاء ، تتقاذف به المفاوز والحزون .
فليس من
الممكن أن
يكون ما يتحرَّاه إلا خاصة في من يتولاهم لا توجد عند غيرهم .
فهذا هو
شأن
الكميت مع أئمة الدين ( عليهم السلام ) .
قال ( صاعد ) مولى الكميت :
دخلنا
مع الكميت على فاطمة بنت الحسين ( عليهما السلام ) ، فقالت : هذا شاعرنا
أهل البيت
، وجاءت بقدح فيه سويق ، فحركته بيدها ، وسقت الكميت فشربه ، ثم أمرت له
بثلاثين
ديناراً ومركب .
فهملت عيناه ، وقال : لا والله لا أقبلها ، إني لم
أحبكم
للدنيا .
ويعرب عن ذلك كله صريح قوله للإمام الباقر ( عليه السلام ) :
والله ما
أحبُّكم لغَرَضِ الدينا ، وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله ( صلى الله عليه
وآله )
وما أوجب الله عليّ من الحق .
وكان أئمة الدين ورجالات بني هاشم
يلحُّون في
أخذ الكميت صلاتهم وقبوله عطاياهم ، مع إكبارهم محلّه من ولائه ، واعتنائهم
البالغ
بشأنه والاحتفاء والتبجيل له ، والاعتذار منه بمثل قول الامام السجاد (
عليه السلام
) له : ( ثوابك نعجز عنه ، ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك )
.
وهو مع ذلك كله كان على قدم وساق من إبائه واستعفائه ، إظهاراً لولائه
المحض
لآل الله ، فقد رَدَّ على الإمام السجاد ( عليه السلام ) أربعمِائة ألف
درهم ، وطلب
منه ثيابه التي تلي جسده ( عليه السلام ) ليتبرك بها .
وردَّ على
الإمام الباقر
( عليه السلام ) مِائة ألف مَرَّةً ، وخمسين ألفاً أخرى ، وطلب قميصاً من
قمصانه (
عليه السلام ) .
ورَدَّ على الإمام الصادق ( عليه السلام ) ألف دينار
وكسوة ،
واستدعى منه أن يكرمه بالثوب الذي مسَّ جلده ( عليه السلام ) .
ورَدَّ
على عبد
الله بن الحسن ضـيعته التي أعطى له كتابها وكانت تساوي أربعة آلاف دينار
.
ورَدَّ على عبد الله الجعفري ما جمع له من بني هاشم ما كان يقدَّر
بمِائة ألف
درهم .
فكل هذه تؤيد بأن مدح الكميت عترة نبيه الطاهرة وولاءه لهم ،
وتَهَالُكَهُ في حبِّهم ، وبذله النفس والنفيس دونهم ، ونيله من مناوئيهم ،
ونصبه
العداء لمخالفيهم ، لم يكن إلا لله تعالى ولرسوله ( صلى الله عليه وآله )
فحسب ،
وما كان له غرض من حطام الدنيا وزخرفها .
وقد عَرَّض لبني أمية دَمَهُ ،
مستقبِلاً صوارمهم .
وقال عبد الله الجعفري لبني هاشم : هذا الكميت قال
فيكم
الشعر حين صمت الناس عن فضلكم ، وعَرَّض دمه لبني أمية .
بعض
نوادره :
1 - حينما كان الكميت ينشد الشعر وهو صغير ، مر به الفرزدق ، فقال له
الفرزدق :
أيَسُرُّك أني أبوك ؟
قال : لا ، ولكن يسرُّني أن تكون أمِّي !
فَحَصِرَ
الفرزدق فأقبل على جلسائه ، وقال : ما مرَّ بي مثلُ هذا قَطٌّ .
2 -
كان الكميت
مختفياً عند أبي الوضاح ، فسقط غراب على الحائط ونعب ، فقال الكميت لأبي
الوضاح :
إني لمأخوذ ، وإن حائطك لساقط .
فقال : سبحان الله ! هذا ما لا يكون إن
شاء
الله تعالى .
وكان الكميت خبيراً بالزجر – الكهانة – فقال له : لا بدَّ
أن
تحوِّلني ، فخرج به إلى بني علقمة – وكانوا يتشيعون – فأقام فيهم .
ولم
يصبح
حتى سقط الحائط الذي سقط عليه الغراب .
شهادته :
استشهد الكميت
( رحمه
الله ) في الكوفة في خلافة مروان بن محمد سنة ( 126 هـ ) ، وكان السبب في
ذلك أنه (
رحمه الله ) مدح يوسف بن عمر ، بعد عزل خالد القسري عن العراق في قصيدة قال
فيها :
خَرجتَ لهم تُمسِي البراحَ وَلَم تَكُن كَمَن حِصنُهُ فيه الرتاجُ
المضَّببُ
وَمَا خَالدٌ يَستَطعِمُ المَاءَ فَاغِراً بِعَدلِكَ والدَّاعِي إِلَى
المَوتِ
يَنعبُ
وكان الجند على رأس يوسف متعصبين لخالد ، فوضعوا نعال سيوفهم في
بطن
الكميت
( رحمه الله ) ، فُوْجِؤُوهُ بها ، وقالوا : أتنشد الأمير ولم
تستأمره ؟
فلم يزل ينزف الدم حتى مات ( رحمه الله ) .
وروي عن المستهل بن
الكميت أنه
قال : حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ، ثم أفاق ففتح عينه ثم قال (
رحمه الله )
: ( اللهم آل محمد ، اللهم آل محمد ، اللهم آل محمد ) ، ثلاثاً .
وروي
أيضاً
أنه ( رحمه الله ) قال لولده المستهل : إذا متُّ فامضِ بي إلى موضع يقال
(
مكران
) ، فادفنِّي فيه .
فدفن الكميت ( رحمه
الله
) في ذلك الموضع ، وكان أوَّل من
دفن فيه ، وهي مقبرة بني أسد