الترويح عن النفس في الإسلام.. مفاهيم وضوابط يعتبر الترويح عن النفس من الأمــور الـمـهـمـة الـتـي قــد يحتاجهـا المربون والدعاة أثناء مخالطتهم للناس ودعوتهم إياهم، إلا أن استخدام كثير من المشتغلين بالـدعوة والتربية له لا يتم بالصورة المطلوبة، إذ يقعون أثناء ممارسته بين إفراط أو تفريط؛ فمنهـم من غلا فيه، وصار جل همه مجرد الترويح عن من يدعوهم بدعوى كسبهم وتحبيبهم في الـخـيـر الـذي يدلهم عليه، ومنهم من يرى أنه لا فائدة فيه بل هو مضيعة للوقت مفسدة للعمر.
ولذا: فسأحاول هنا تبيان مفهوم الترويح في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية مع بيان أهميته وتـقـديـم شيء من أدلته وخصائصه، وإبراز ما يوفق الله له من ضوابط وقواعد شرعية علّ ذلك أن يـدفــع إلى استخدام صحيح للترويح، وممارسة له منضبطة بالشرع الحنيف.
تعريف الترويح :
تدور مادة (روح) فـي الـلـغـة حــول معاني: السعة، والفسحة، والانبساط، وإزالة التعب والمشقة، وإدخال السرور على الـنـفــس، والانتقال من حال إلى آخر أكثر تشويقاً منه(1)، وتختلف تعريفات الترويح في اصطلاحــــات الباحثين نظراً لاختلافهم في الاتجاهات التي ينطلقون منها لتحديد ماهيته، فمنهم:
1- مــن يربط الترويح بالغرض الذي يؤديه، وعليه: فالترويح هو: التسرية والتنفيس عن النفس(2) ويسمي بعضهم هذا الاتجاه بنظرية التعبير الذاتي(3).
2- من يربــط الترويح بالوقت، وعليه: فالترويح هو: التعبير المضاد للعمل على أساس أن الإنسان قليلاً ما يجد في عمله نوعاً من الترويح(4).
3- من يربط الـتـرويـح بالـغـــرض الـذي يؤديه والوقت معاً، وعليه: فالترويح هو: أوجه النشاط التي يمارسها الفرد في أوقات فــراغـه والتي يكون من نتائجها الاسترخاء والرضى النفسي(5).
4- وذهـب بـعـض الـمختصين في الأعمال الترويحية إلى اشتراط النفع في العمل الترويحي سواء أكان نفعاً فرديّاً أم جماعيّاً، نفسيّاً أم بدنيّاً أم عقليّاً(6).
ولن أطيل في هذا المقام باسـتعـراض نصوص الباحثين في تعريف الترويح، بل سأقتصر على تعريف واحد آراه الأنسب، وهــو: أن الــتـرويـح عن النفس في الإسلام عبارة عن: أوجه النشاط غير الضارة التي يمكن أن يقوم بها الفرد أو الجماعة طوعاً في أوقات الفراغ بغرض تحقيق التوازن أو الاسترخاء للنفس الإنسانية في ضوء القيم والمبادئ الإسلامية.
وفي ظل هذا التعريف؛ فإنه من الممكن أن تـكـــون تـلـك الأنشطة وجدانية، أو عقلية، أو بدنية، أو مركبة من كل ذلك أو بعضه.
أهمية الترويح:
تبرز أهمية الترويح عن النفس في جوانب كثيرة، منها:
* تحقيق التوازن بين متطلبات الكائن البشري (روحية، عقلية، بدنية) ففي الوقت الذي تـكـــون فـيــه الغلـبـة لجانب من جوانب الإنسان يأتي الترويح ليحقق التوازن بين ذلك الجانب الغالب وبقية الجوانب الأخرى المتغلب عليها.
* يساهم النشاط الترويحي في إكساب الفرد لخبرات ومهارات وأنماط معرفية، كما يساهم في تنمية التذوق والموهبة، ويهيء للإبداع والابتكار(7).
* يساعد الاشتغال بالأنشـطـة الترويحـية في إبعاد أفراد المجتمع عن التفكير أو الوقوع في الجريمة، وبخاصة في عصرنا (عصر التـقـنـيــة) الــذي ظهرت فيه البطالة حتى أصبحت مشكلة وقلت فيه ساعات العمل والدراسة بشكل مـلـحــوظ جدّاً، وأصبح وقت الفراغ أحد سمات هذا العصر(.
* مــن أبرز الـمـسـمـيات التي أطلقت على عصرنا: عصر التقنية، و عصر القلق، و عصر الترويح.. وترتبط هذه المسميات بعلاقة وثيقة فيما بينها؛ فالتقنية تولد عنها القلق، وأصبح الترويح أحد أهم مـتـطـلـبـات عـصـــر التقنية والقلق؛ لما له من تأثير في الحد من المشاكل المترتبة عن ذلك