التأثير الواقعي للحسنات والسيئات ( الجنة والنار) على حياة الناس الدنيوية
اولااااااا......
(.
.. واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم )
يجهل الكثير من الناس ـ ان لم اقل اغلبهم ـ التأثير الواقعي لأعمالهم في حياتهم الدنيا ومظاهرها مثل السعادة والصحة والاطمئنان والثقة , أو الشقاء والسقم والخوف والقلق ونحو ذلك , فالبعض يعتقد أن تأثير أعمال الناس ( الحسنات والسيئات) يظهر ويكون مؤثرا في الحياة الأخرى فقط , وهذا الظن غير صحيح, بل تأثير الأعمال يكون في الدنيا وفي الآخرة على السواء, لان النشأة الآخرة قائمة على الدنيا ومتداخلة معها وتظهر الكثير من سماتها وتأثيراتها في حياتنا ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
فلولا سمة الحياة السعيدة الخالدة الخالية من الأمراض ومن الشقاء في الجنة , لما كانت هناك مظاهر للحياة والصحة والسعادة والاطمئنان في الدنيا ابدأ, فهذه السمات ( الحياة والصحة السعادة ..الخ) متأتية من الأصل الذي انبثق منه آدم ع ( عالم الجنة) وهي التي تؤثر على مشاعر اللذة والسعادة والصحة والحياة والاطمئنان ونحو ذلك .
ولولا وجود عالم الجحيم والشقاء وتأثيره على الحياة الدنيا لما كانت هناك مظاهر الشقاء والخوف والحزن والمرض والقلق ونحو ذلك من المشاعر المؤذية , وهذه السمات ( الشقاء والمرض والموت ) مأتية من عالم السلب , ( عالم الجحيم) المسلوب منه رحمة الله وجماله وكماله .
كما نعلم أن الله هو الأصل الوجودي و الكامل التام الذي لا يسلك النقص إليه من سبيل , و يظهر سمات جماله وكماله التام في عالم الجنة
(
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)الفجر)
الضمير منسوب إلى الله , فهو يتجلى في عالم الجنة والحياة السعيدة الخالدة .
أما (عالم الجحيم) فهو العالم السلبي ( النقص) المضاد والمقابل للكمال والجمال, مسلوبا من رحمة الله وكماله وجماله, غير منسوبا إليه تعالى مجده إلى بل إلى ضمير آخر (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ؟؟)
إن ما بين عالمي الكمال الموجب والسفل السالب , يكون عالم الإمكان ومظاهر الحياة الدنيا التي تجمع سمات العالمين ( الجنة والنار) في نشأة واحدة ,يتحرك بعض عناصرها نحو عالم الجنة الكامل التام , والبعض الآخر يتحرك نحو عالم الجحيم الناقص التام .
عالم الأمكان ياخذ سماته من عالمي الجنة والنار
ولما كان الله هو الأصل ومصدر الخلق لجميع الكائنات , وهو تعالى مجده كامل تام يظهر كماله وجماله التام ورحمته التامة في عالم الجنة , فإن اللذة والسعادة والصحة والاطمئنان من السمات الأصيلة في الكون , ينتمي الإنسان إلى هذا العالم الرحيم السعيد المتداخل في الحياة الدنيا في اصل خلقه مالم تصدر عنه معصيه تجعله يتحسس مظاهر الجحيم, والدليل على ذلك أن آدم (ع) وحواء كانا في جانب عالم الجنة والسعادة المتداخل مع الحياة الدنيا في بداية خلقهما , بقيا في جانب عالم السعادة والطهر في الجانب الدنيوي ( ما شاء الله) حتى صدرت عنهما المعصية , وهذه المعصية كانت السبب في خروجهما من جانب عالم الجنة المتداخل في عالم الإمكان , والهبوط إلى مستوى عالم المتضادات بعد أن ادخلتهم المعصية إلى الجانب الآخر المضاد لعالم الجنة فاصبحت حياتهما وحياة ابناءهما دنيوية تختلط فيها سمات عالمي الجنة والنار , حيث تجد المتضادات والمتقابلات في كل شيء تقريبا ( الجمال والقبح , السعادة والشقاء , النور والظلمات , الحق والباطل , الخير والشر , الليل والنهار , السالب والموجب , الحياة والموت.. ونحو ذلك ) .
ويمكن بيان حقيقة وأصل المتقابلات في الحياة الدنيا من خلال الرسم التوضيحي التالي :
الحياة الدنيا خليط من سمات الجنة والنار .
الدائرة ذات اللون الأخضر هي عالم الجنة , إنها تعطي جزء من سمات اللذة والسعادة والصحة والحياة والجمال والكمال وتظهرها في الحياة الدنيا , والدائرة ذات اللون الأحمر هي عالم الجحيم ( النار) إنها تعطي جزء من سمات العذاب والشقاء والمرض والموت والحزن والكآبة والخوف والقلق , وتظهرها في الحياة الدنيا .
والناس في حياتهم الدنيا يمرون بأحوال ومشاعر متنوعة بعضها ينسب إلى عالم اللذة والسعادة وبعضها ينسب إلى عالم العذاب والشقاء , ويكون ذلك من خلال أعمالهم التي ترتبط وتتصل فور صدورها عن الناس بأحد العالمين , أما الحسنات والأعمال الخيرة التي تصدر عن الإنسان فإنها تصنف فورا ضمن عالم الخير والسعادة ( الجنة ) وكلما كثرت حسنات الإنسان وأعماله الخيرة ومواقفه الإيمانية كلما كانت تتجلى فيه مظاهر الجنة من خير وسعادة واطمئنان وراحة ونحو ذلك , والمعصوم الخالي من العيوب و السيئات يحيا في دنياه في عالم الجنة والسعادة الدائمة , ولا يعاني من تأثيرات عالم الشر والشقاء لأنه بلا سيئات تربطه بذلك العالم . كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) إنها جنة حقيقية يتعامل معها في جميع حواسه ومداركه .
وأما الأعمال القبيحة الشريرة التي تصدر عن الإنسان فإنها تصنف فورا ضمن عالم القبح والشر ( الجحيم) ,كلما كثرت ذنوب الإنسان وأعماله الشريرة ومواقفه الكفرية والخيانة لله والشرك به , كلما تجلى عالم الجحيم في كيانه , وكان يحيا في شقاء وأمراض وقلق وكآبة ومؤثرات عذاب تنغص عليه حياته , والكافر المحض إنما يحيا في عالم الجحيم ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) هذه الإحاطة تكون في الحياة الدنيا وتكون لها تأثيرات حقيقية وواقعية على حياته . ( ما بين بيوتهم ومنابرهم وقصورهم ومؤسساتهم الفاسدة حفرة من دركات الجحيم ) فتجدهم في قلق وخوف ورعب وذلة وعدم ارتياح وأمراض روحية عجيبة غريبة .
ولا يمكن أن تكون هناك أحوال ومشاعر معزولة عن احد العالمين ( الجنة أو النار ) لأن عالم الإمكان ( الحياة الدنيا) منتزع من أسماء وصفات وأفعال الله الجمالية والجلالية التي تتجلى في عالمي الجنة والنار, أما الصفات الجمالية فهي (الجمال , الكمال , اللذة السعادة , الرحمة , الكرم , ونحو ذلك من الصفات الموجبة ) التي ننعم بها في حياتنا الدنيا وفي الآخرة تكون خالصة ليس فيها ذرة نقص واحدة, وأما الصفات الجلالية فهي (( الصفات السلبية , سلب الجمال ( القبح ), سلب الكمال ( النقص), سلب اللذة والسعادة ( الشقاء والعذاب) , سلب الرحمة ( النقمة) , سلب الكرم ( الشحة ) ونحو ذلك من الصفات السالبة)) التي يشعر بها المذنبون وفي الآخرة تكون خالصة ليس فيها ذرة كمال واحدة .
الطاقة الروحية ( ذات الأصل المادي) هي السبب:
إن تفسير انتساب الأحوال والمشاعر لعالمي الجنة أو النار يكون بالصورة التالية:
إن أعمال وأفكار ونوايا الناس عبارة عن مادة متحولة من حال إلى آخر , حيث أن الإنسان يتناول الطعام والشراب , وهذه المواد التي لها وزن وكتله وطعم ولون ورائحة ..الخ ,عبارة عن طاقة خام كامنة في المادة , تتحول في كيانه إلى مادة وطاقة من نوع آخر , مثل الطاقة الحركية التي ينجز بها الأفعال الحركية الظاهرة , والطاقة الفكرية التي تظهر على شكل أفكار ونوايا , وأن هذه الطاقة ( الحركية ـ الفكرية ـ النوايا) لا تذهب إلى العدم من بعد أن تخرج من كيان الإنسان , بل تبقى محفوظة في الكون , فكما كانت قبل دخولها إلى كيان الإنسان ذات وزن وكتلة وطعم وراحة ..الخ , كذلك تكون بعد تحولها وخروجها من كيان الإنسان , لها وزن وكتلة وطعم وراحة ..الخ والدليل على ذلك قوله تعالى مجده .
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)الاعراف )
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (
الزلزلة )
نفهم من الآية أعلاه أن المادة من شأن الله لا تفنى ولا يمكن أن يستحضرها المخلوق’ وهي من بعد أن يخلقها الله ويعطيها سمة الوجود من نوره الذي أشرقت به السموات والأرض تبقى تحتفظ بسمة الوجود ولا تسلك طريق العدم , وحتى الذرة والواحدة يكون لها حضوراً واعتباراً في الوجود ولا تعدم , ونفهم أيضا من الآية المباركة انه طالما استخدم مفردة (ذرة) فإن عملية حفظ أعمال الناس وظهورها يوم القيامة يكون عن طريق مادي , مادة الطعام تتحول إلى طاقة ( مادة) فعلية أو فكرية من نوع آخر غير مرئية للناس , وحينما ينتقل الناس إلى ذلك العالم ( النشأة الآخرة ) الذي ذهبت إليه أعالمهم يستطيعون ان يرونها والتعايش معها , سواء كانت في عالم السعادة والجمال ( الجنة) , او في عالم الشقاء والقبح( النار) .
إن المعصوم أو العارف الواصل يمكنه رؤية والاطلاع على تلك الأعمال والأفكار والنوايا , وتكون معلومة لديه في الدنيا كما يعلم الإنسان العادي بالموجودات المادية التي يتعامل معها في حياته . وأن جميع الناس ( المؤمنين وغير المؤمنين) سوف يكشف الله عنهم الحجاب يوم القيامة ويمكنهم من رؤية والاطلاع على أعمالهم . قال :
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق)
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (
الزلزلة
(وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)الإسراء
إن الطاقة التي تحدثنا عنها وعملية تحويلها من حال إلى آخر هي السبب في الحياة أو الموت , فالجميع يعلم أن الفرق الكبير ما بين الحي والميت هو في الطاقة وتحويلها , حيث أن الحي الذي لديه القدرة على تحويل الطاقة ( تحويل الطعام إلى أفعال وأفكار ونوايا) يستطيع أن يتحرك ويفكر ويشعر بتأثيرات الحياة الدنيا من حوله .
بينما الميت الذي ليست لديه القدرة على تحويل الطاقة ( تحويل الطعام إلى أفعال وأفكار ونوايا) لا يستطيع أن يتحرك ولا يفكر ولا يشعر بتأثيرات الحياة الدنيا , ولكنه يشعر بتأثيرات عالم البرزخ .
ولما كان الفرق بين الحي والميت (عند جميع الكائنات) في القدرة على تحويل الطاقة من حال إلى حال ,وكانت المادة لا تفنى ولا تسلك طريق العدم, بل تذهب إلى عالم الآخرة ( الجنة أو النار), فإن الطاقة الروحية ـ الأعمال ـ التي تصدر عن الإنسان هي السبب في اتصال المصدر بجهة الوصول , أي هي السبب في شعور الناس أصحاب الأعمال الحسنة الخيرة بالسعادة والاطمئنان , وشعور أصحاب الأعمال والأفكار الشريرة والقبيحة بالشقاء والحزن والقلق والكآبة ونحو ذلك ,
إن الطاقة (وهي مادة) بعد أن تخرج من الإنسان تبقى متصلة به لا تنفصل عنه ابدأ ,يكون لها طعم ولون (صور) ورائحة وثقل أو خفة , تحيط به من جميع الجهات , على هيئة هالة كروية هو مركزها, أما المؤمن , فهو محاط بمظاهر عالم الجنة , يستطيع المعصوم (ع) أو العارف الواصل أن يشم عطر الجنة , ويتذوق طعامها ويرى جمالها , ويكسب العلوم العالية التي يكون مستودعها في عالم الجنة والكمال , ويتعامل مع الملائكة , وكل تلك تكون مصادر لذة وسعادة يحيا بها ومعها في دنياه قبل آخرته .
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) يونس)(
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) فصلت )أما الإنسان العاصي المذنب , فإنه محاط بمظاهر عالم الجحيم (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) التوبة) يشعر بالحزن والكآبة والشقاء والعذاب , والحمق , وقد يشم الروائح القبيحة ويتذوق طعم المرارة والزقوم, و يستلهم الأفكار السافلة والحماقة والغباء من العالم السفلي الذي تستقر وتستودع فيه جميع الأفكار القبيحة والسفالات ,( عالم الجحيم) وها هنا يكمن تفسير الحماقة والغباء عند بعض السياسيين وصناع القرار في العالم , انهم يصرفون مليارات الدولارات ( والايروات) ويدفعون ثمنا باهضا من دماء ابناءهم ويساهمون في انهيار بلدانهم , دونما اي مقدار من ربح , بل الخسارة مؤكدة في الدنيا والآخرة ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )
لما كان عالم الجنة غير متناه يجمع جميع سمات الكمال والجمال , فان المؤمن إذا ما استطاع من خلال طاقة أعماله ونواياه أن يتصل في ذلك العالم العلوي , فإنه سيكون واقعا تحت تأثيره ويشعر باللذة والسعادة , وتتدفق عليه الأفكار النورانية والعلوم العالية حتى في حال راحته ونومه ,على اعتبار عالم الجنة أعظم واكبر واقوي من الإنسان المحدود , وأن التأثير يكون للأكبر والأعظم والأقوى , فتجد المعصوم أو العارف الواصل المتصل بعالم الجنة دائما في لذة وسعادة وعلم متواصل من الله في يقظته وفي نومه . (نوم العالم خير من عبادة الجاهل ـ حديث شريف)
وفي الجهة المقابلة لعالم الجنة , يقع عالم الجحيم غير المتناه الذي يجمع كل السمات السالبة الناقصة من قبح وشقاء , فإن الإنسان المذنب العاصي , من خلال طاقة أعماله يتصل بالعالم السفلي ويكون واقع تحت تأثيره, يشعر بالحزن والكآبة والعذاب والشقاء ..الخ, وأن المذنب( الجاهل) الواصل إلى عالم الجحيم يستطيع أن يستهلم الأفكار الشريرة منه , تتدفق عليه الوساوس والأفكار التي يجهل مصدرها وهذا ما يسمى بــ ( الوسواس القهري) وقد يكون بتأثير الشيطان على روحه و عقله .
إن هؤلاء المذنبين المرضى بأنواع الأمراض الروحية (النفسية ) لا اعتقد ان هناك قوة بشرية تستطيع تشفيهم من أمراضهم , إلا بمعصوم لديه صلاحيات الولاية المطلقة , أو عارف واصل إلى الجنة واليقين لديه كرامة من الله, أو بتغيير اتجاههم في الحياة بالتوبة والاستغفار ورد المظالم , وكسب حسنات تمحي السيئات التي كانت السبب في شقاءهم . ومن يلعنه الله والمغضوب عليهم لا علاج لذنوبهم حتى بتوسط معصوم, قال :
(
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )(80 التوبة)الفسق اشد و اكبر وأعظم من الظلم والكفر , وهو المرحلة المتقدمة التي يصلها المذنب من أي دين اوعقيدة إيمانية أو كفرية , بحيث لا يمكن إصلاحه , ( ما تصيرله ﭼارة) في اللغة العربية يقال ( فسقت الثمرة ) إذا فقدت طزاجتها و تعفنت , فكما الثمرة التي فسقت ( تعفنت ) لا يمكن إصلاحها وإعادتها طازجة , كذلك الإنسان الذي يصل إلى مرتبة الفسق لا يمكن إصلاحه ,( وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
ندعوا الله السميع المجيب ان يهدينا وجميع المؤمنين بهدايته التي يرضاها , ويصلح المذنبين والمفسدين ولا يبعد عنا الفاسقين .
درجات الحياة والموت
لما كانت الحياة الدنيا عبارة عن تداخل عالمي الجنة والنار , فإن الحياة في الدنيا تصنف من ضمن عالم الجنة , والموت ( وهو ضد الحياة) يصنف في عالم الضد ( عالم الجحيم ) وأن المؤمن عند موته لا يمكن أن يكون قد مات بالمعنى الحقيقي للموت ,بل هو يحيا في عالم البرزخ يتنعم بالجنة بدرجة حياة وشعور اكبر وأعظم من حياته الدنيوية وأدنى واقل من حياته في الآخرة , حيث أن البرزخ حال يتوسط عالمين أو حالتين أو مرحلتين, وأن الشهداء ذوي الكرامة الكبيرة عند الله ,يتمتعون بدرجة حياة وشعور بجنة البرزخ أعظم واشد من غيرهم واقل قليلا من حياتهم وشعور في الجنة بعد القيامة , والدليل على ذلك قوله :
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة154)(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) آل عمران)المعصوم (ع) أو العارف الواصل خلال حياته في الدنيا , يستطيع شيئا فشيئا ان يتجاوز تأثيرات الحياة الدنيا عليه و يحيا في عالم الجنة والسعادة .
لما كانت الحياة منسوبة إلى عالم الجنة , وهي تكون تامة خالصة يوم القيامة , فإن كل مظهر من مظاهر الشقاء أو الحزن أو المرض أو العذاب , بل حتى الكفر يصنف من ضمن عالم الموت (أَمْوَاتٌ غَي( ×××× ) أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (21النحل)
إن الألم يعتبر من درجات الموت لأنه مصنف ضمن عالم الجحيم ,و لما يشتد الألم وتزداد درجاته في بعض الإصابات أو الأمراض تكون نهايته الموت في الحياة الدنيا , وهذا الموت غير نهائي ولا بدرجة 100 % , بل هو نسبي وهناك شعور وحياة في عالم البرزخ من بعد الموت , وأن الشقاء الكبير هو الموت الحقيقي 100 وهذا لا يكون إلا في الآخرة في عالم الجحيم الخالص المعزول تماما عن الجنة التي هي الحياة الخالصة , فلا توجد هناك في الجحيم أي مظهر من مظاهر سعادة , فيكون موتا حقيقيا تاما هو السبب في شعورهم بالعذاب ,وهذا الموت يحدث بدرجات معينة لبعض العاصيين في دنياهم , إنهم يشعرون بعذاب(نفسي) لارتباطهم روحيا بعالم الجحيم, وإذا ماتوا ينفصلون عن الدنيا التي فيها نسبة من عالم الجنة والحياة, فيزداد شعورهم بالعذاب بنسبة كبيرة وعند القيامة الكبرى فإن عذابهم يكون نسبة 100% .
يظهر مما سبق إن الموت التام يكون في عالم الجحيم , وهو السبب الذي يجعل المنذبين يشعرون بأشد أنواع العذاب , بحيث لا توجد عندهم نسبة من سعادة تربطهم بعالم الحياة ( وهو عالم الجنة والسعادة )
فالحياة الخالدة الأبدية في عالم الجنة والسعادة التي نسبتها 100 , هي السبب في مظاهر الحياة التي نحياها في حياتنا الدنيوية ,كلما كانت حسنات الإنسان اكثر كلما اقترب من عالم الحياة التامة اكثر فاكثر حتى يصل في نهاية المطاف بعد الموت والبرزخ إلى الحياة التامة بنسبة 100% .
(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64العنكبوت) )
إن الموت الخالص في عالم الجحيم , هو السبب في مظاهر الموت والآلام في الحياة الدنيا , ولولا ذلك التاثير من عالم الجحيم وتداخله في الدنيا لما كان هناك موت ابداً, ولسوف يحدث هذا للمؤمنين ويحيون الحياة الابدية الخالدة التي لا يسلك الموت إليها من سبيل بعد انفصالهم عن عالم الدنيا المتضمن بعض مظاهر عالم الجحيم ( الموت احد تلك المظاهر ) ويدخلون في عالم خالص ليس فيه تأثيرات عالم الجحيم , فتكون حياتهم تامة خالصة بدرجة 100 % .
يستطيع المعصوم أو العارف الواصل , ان يكلم الموتى ويعرف أحوالهم في عالم البرزخ , هل هم سعداء أم أشقياء , ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ..) الضمير في ( به) يعود إلى القرآن الحكيم وهو روحا فاعلا ومؤثرا بصورة كبيرة جدا موصوف قدراته في الآية والمباركة وآيات أخرى, وهو من بعد النزول ملازما للمعصوم (ع) مع روح القدس ( جبرائيل عليه السلام) وعند وبعد ظهور الإمام المنتظر (ع) وهو السبب المتصل ما بين الأرض والسماء , والدنيا والآخرة , انه من خلال آيات البشرى يربط المؤمن بعالم الجنة والسعادة , ومن خلال آيات الإنذار والوعيد يربط الكافر والمنافق بعالم الجحيم والعذاب , فالقرآن الذي مصدره الحق تعالى مجده هو سبب الحياة المؤثر , وأن الأرض الحية ( المشتملة على مظاهر الحياة) منتزعة من الإنسان, والإنسان الكامل مظهر لله الحي القيوم ,كان أصل وبداية خلقه في عالم الجنة والسعادة, فجميع نسب العناصر الموجودة في الأرض تشبه تماما نسب الإنسان الكامل , وأي اختلال في العناصر ( المادية أو الروحية) يعني المرض أو الموت , وان الجانب الروحي الذي يتضمن الحسنات أو السيئات هو القيمة الحقيقية المؤثرة التي تربط الإنسان في عالم الجنة أو النار ,وليست العناصر المادية المنسوبة إلى عالم الطبيعة .
والسؤال هنا :
كيف نستطيع أن نربط أنفسنا بعالم الجنة والسعادة , ونتجنب الحزن والشقاء في دنيانا وآخرتنا ؟؟
كيف نسير إلى الله وكيف نصل ؟؟
الجواب في البحث القادم إن شاء الله تعالى .
مقدمة في الدخول إلى عالم الجنة والسعادة في الدنيا والآخرة .