هويدا رأفت الجندى مراقب عام
عدد الرسائل : 4821 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 10155 ترشيحات : 11 الأوســــــــــمة :
| موضوع: جبلاية القرود 27/11/2009, 06:07 | |
| دراسة حول المجموعة القصصية ’’ صغير في شبك الغنم ‘‘ لفكري داوود بقلم محمد محمود عبد الرازق
الجزء الأول ****** نضم متوالية: فكري داود ( صغير في شبك الغنم ) إلى الرحلات المعاصرة للأراضي الحجازية . هذه الرحلات التي أثرت الأدب العربي بتجارب مريرة، واستطلاعات فنية. والكاتب في هذه المتوالية يعرفنا بقرية أخرى غير قرى :’’لا أحد‘‘ لسليمان فياض، و’’البلدة الأخرى‘‘لإبراهيم عبد المجيد، و’’الفيافي‘‘لسعيد بكر. وأهم خصوصيات هذه القرية الجنوبية مشاركة القرود لأهلها في سكناها . صحيح أننا رأينا القرود في تبوك, لكن إبراهيم عبد المجيد اتخذها رمزا, ولم تكن بهذه الكثافة وذلك الحضور. وتنقسم المتوالية إلى قسمين. ويسبق القسم الثاني الأول زمنيا. ويحدثنا الكاتب في معظمه ـ عن العزم على الرحلة, وعن مرارة استمرارها بعد أجازة مع الأهل. أما في القسم الأول فكان الراوي قد استقر في قرية ’’ تثليث ‘‘التي لا تذكرها الخرائط أو حتى نشرات الأخبار الجوية بالأراضي الحجازية ذاتها. ويفتتح القسم الثاني بقصة ’’رحيل‘‘ للتمهيد برحلة الأب البحرية لرحلات الأبناء البرية, في سلسلة متواترة للشقاء الأبدي. ما زالت الأم، وما زال الأبناء ينتظرون الأب : ’’ من وراء نافذتنا المطلة على البحر, سارعت أبداننا تبحث لها عن مكان، رءوسنا مشرئبة، رقابنا ممدودة .. وثوب السماء بالشفق الأحمر تلون، والقرص الفضي الأثير على الغروب قد عقد العزم .. عيوننا تلتزم الطريق الساحلي مسمرة عليه عبر النافذة. وزفرة أمي الحارة تلفح مؤخرات رءوسنا، وفي قلبها أبدا لم تخفت جذوة الأمل الكبير‘‘ ويستمر الكاتب في رسم صورة الحنين والأسى : ’’ تطرح كمي جلبابها الفضفاض حولنا كحمامة تحتضن بكل حنينها البيض, ومن خلفنا ومن أعلى نقطة فوق رءوسنا راحت عيونها تشاركنا زحام وجوهنا، تسرى إلى أبداننا الصغيرة رعشة من يتأهب للقاء الحبيب بعد طول غياب، كما تسرى إلينا رعشة توفها على براءة براعمنا التي لم تكتمل في أرواحنا . يملؤني الخوف على روحها التي ترفرف فينا , نحسها تدخل أعماقنا تمدنا بعزم يهزم بداخلنا كل صغائر الصغار. جديلتها الغليظة لم تنفك منذ خرج هو للصيد أخر مرة‘‘ ويشير عجز الفقر إلى تحريم الاغتسال حتى عودة الزوج. وكان الأطفال يبنون البيوت من الرمل قرب الساحل, ونبرة الأب الواثقة تحثهم على الاستمرار في البناء :’’إياكم أن تثنيكم يد العجز الطويلة عن مواصلة البناء ‘‘ ويوم وداعه تسابقت أيديهم لترفع أطراف جلبابه ’’ داخل قاربه الصغير‘‘, واندفعت أكفهم تلوح ’’ لآخر موجة سافرت بقاربه بعيدا عن طفولتنا ‘‘ وتمضي السنين, وتظل الأم على عهدها تعد لهم من ’’الأماني‘‘ خبزا طازجا, وحين ينتصف المساء تعيد تسخين الفتات على مجامر روحها’’ وفي كل مرة كنا نمضغ خبز أمانيها مصدقين لكي نعيش‘‘ ومع ذلك لم يطرأ أي تغير على المشهد المطل عبر النافذة . كتبت هذه القصة في فترة زمنية متقدمة ( دمياط 29/7/1998 ) وكان الكاتب المتوحد مع الراوي قد ذاق مرارة الغربة سنين عددا. وما زالت سنوات السفر أمامه فاغرة فيها, وكأنها تتنبأ للابن بمصير الأب . في :’’ طعم الفستق‘‘ يعلم أنه لن يقبض راتبه قبل شهرين كما يحدث في أول كل عام جديد. توجه إلى المحل اليتيم للديرة (الناحية ). أخذ يتلكأ عند البضائع المعروضة ويسأل البائع الهندي عن ثمنها’’اجتاحته رغبة غير مبررة ـ من وجهة نظره ـ في تذوق الفستق‘‘ كان هذا هو العام الثاني له في الغربة. غادرت آخر فستقة فمه إلى جوفه منذ شهرين تقريبا. كان اشترى كيسا زنة نصف كيلو عند عودته إلى بلدته. في الصالون’’ انهمك وقتها ـ في سباق لذيذ مع ابنته الصغيرة للقضاء على ما تبقى من محتوى الكيس‘‘ يعود إلى الواقع ليخرج من دكان الولد الهندي ’’بكيس عدس ردىْ ‘‘ ( تثليث أغسطس 1996 ). وفي قصة ( سفر ) لا يحلو لابنته النوم إلا في حجرة : قالت إنها لا تحب البرد. ذكرها أننا في الصيف: قالت بعبارة بريئة معبرة : ’’عندما يأتي البرد تكون أنت في السفر‘‘. وأنها لا تريد له السفر. فلديها لعب وفساتين كثيرة. وعندما ذكرها بالفلوس الكثيرة, فتحت حصالتها وأعطته كل فلوسها. وفي قصة ’’ عد تنازلي‘‘التي كتبت في نفس التاريخ نعيش مع الابنة وأبيها مرة ثالثة. تسأله الابنة عن ميعاد سفره, فيفرق بين أصابعه ويشير إلى الرقم عشرة. سألته مرة أخرى, وثالثة :’’ تداعت على صدره خواطر الشجن. أحس ربطة عنقه حبلا آخذا في الضيق .. ضم أصابع يسراه الخمس وأربعة من يمناه مشيرا بإبهامها فقط دون أن يحرك الكلام شفتيه. رددت دموع عينيها السوداوين صدى ما كان يختلج في نفسه‘‘ (16/9/1999 ) . ويعرفنا عن المكان منذ القسم الثاني ـ الذي اعتبرناه الأول ـ أيضا. يفتتح : ’’طعم الفستق‘‘ بقوله ’’ تجاهد قدماه في محاولات دائمة لتفادى الاصطدام بالأحجار المنثورة في الطريق متحدية السائرين, فشل أنفه وكذلك رئتاه الحساستان ( كذلك ) في تفادى الهجمات الترابية الناعمة, حاول كتاب في يده أن يقي الرأس المترع بالهواجس من حر الشمس المسلط على الأرض وأهلها دونما جدوى تذكر ..‘‘ وفي :’’ أغنية حزينة للعصافير ‘‘( تثليث 21/2/1997 ) تتفرق ركائب التلاميذ في الشعاب، بيوت واطئة .. خيام، يوغل المكان في الوحشة بعد انتهاء اليوم الدراسي، شمس متعامدة تصفق الأبدان بلا هوادة، شجيرات متفرقة مجهولة الأسماء تحويطات أسلاك شائكة حول مربعات أرضية لحفظ الملكية، كرشة في الأنفاس، سكون قاتل، يقيم بالدار أربعة آدميون وعصفوران يتوسط عشهما السقف المعروش بتسع خشبات. يرمون أجسامهم تحت العش, يطمئنهم غناء العصفورين ’’الذي يبدو متعمدا‘‘ ترنو أبصارهم إليهما حانية، تذكرهم حركة أجنحتهما’’أن ثمة حياة في أبداننا لا تزال‘‘ وتوطدت العلاقة بين الجماعتين ولفت انتباه الآدميين رقاد العصفورين المتبادل بالعش حتى فاجأتهم صوصوة ناعمة ذات صباح’’علت وجوهنا بشاشة الأطفال ‘‘ راح شيْ ما ينمى ارتباطهم بالمكان . في فجر الغد كانت السماء أرسلت زخات المطر. بدت كل الأشياء مغسولة. وبجوار العش تسلل سرسوب واهن راح يتساقط في نقاط متقاربة محدثا نغما موسيقيا مع صوصوة العصافير : ’’ صو .. تك .. صو .. تك .. صو .. تك .. ‘‘ وأثناء العودة من المدرسة فاجأت أسماعهم أصوات رعدية وصواعق, وقذفت السماء الأرض بكرات ثلجية صغيرة سرعان ما تحولت إلى مطر غزير فأسرعوا إلى البيت بأبدان منهكة وأثواب مبتلة, وتلهفت عيونهم إلى السقف حيث العش بسكانه الجدد من العصافير زغب الحواصل. وما أن وهنت خطوط المطر حتى تسابقت أقدامهم إلى الخارج , وراحوا والعصفوران الكبيران يبحثون عن أي أثر للعش’’وسالت حبات المطر كدموع ساخنة فوق الخدود‘‘ وفيما رنت عيونهم متحسرة إلى لسان القط السمين’’ وهو يمسح دما طازجا حول فمه‘‘. ويعادل كاتبنا بين أسرة العصافير, وأسرة إبراهيم آخر الزملاء الذين شاركوهم الدار. ويقرر في بداية القصة أن حالهم لا يختلف عن حال معظم المعارين لذلك القطر العربي المترامي الأطراف, ويقدم لنا إبراهيم نموذجا. لم يكن بمقدورهم ألا ينصتوا إليه وهو يحكي حكاية عمهم الكبير الذي ألقى بهم وسط وحل الشتاء بعد وفاة أبيهم : ’’عندها يسيطر عليه صمت طويل, وتمضى أيام ولا تزور البسمة شفتيه, تنتظر عيوننا انحدار دمعته المتحجرة, حاجباه بارزان , عيناه مغروزتان بعمق أسفل جبهة رأس مفرطح‘‘ وكانت عينا إبراهيم ترسل’’ خطوطا من ضيق صوب العش الصغير‘‘ وفي النهاية نكتشف أنه لم يكن يميل إلى العصافير :’’ صفعت آذننا ضحكة ساخرة, كان وقعها أشد من الرعد, وإذا بأصابع احدي يديه تقبض على عصا طويلة, وباليد الأخرى تشير إلى الخارج‘‘ وعندما انطلقوا إلى الخارج , أطلت من عيني إبراهيم ’’ نظرة شامتة خبيثة‘‘ وهو يشاهد مصير العصافير الصغيرة !! .. لقد صدمنا هذا التحليل لنفسية إبراهيم .. لكنه علم النفس الذي يعترف بالنقيضين في مواجهة الواقعة الواحدة. ويلحق بالقسم الثاني خمس قصص ليست منه, لأنها تخرج عن نطاق تلك القرية النائية التي استندت إلى المجموعة في تشكيل رؤاها. ولهذا تنتقل سراعا محملين بعبق قريتنا إلي القسم الأول الذي يتواصل مع الجزء الأول من القسم الثاني ويعضده. وعنوان القسم الثاني : ’’ طعم الفستق ‘‘ أما الأول فعنوانه : ’’صالحة وابن القرود‘‘ ويفتتحه بقصة :’’ في حضن جبل متعدد الرءوس‘‘ التي تحدثنا عن الزملاء الثلاثة الأول، الذين جمعتهم الدار السابق التعرف عليها، وهم الراوي وصلاح وحسين؛ ثلاثة اجتمعوا على الوطن الأم وعلى إعارة طال انتظارها في هذه الديرة ( القرية) البخيلة بالآدمين, الكريمة بالقرود. وفي قصة المفتتح هذه يعرفنا بالقرية بصفة عامة ففيها تجمعات نادرة لنخلات قصار, وبيوت ضئيلة متباعدة تفصلها تضاريس طبيعية على جانبي الوادي الوحيد الجاف أو في سفوح المرتفعات. أما المدرسة فبيت مؤجر من ست حجرات ضيقة. وكلمة مسجد مرسومة بخط رديء على الباب الوحيد الصاج لمساحة صغيرة محاطة بالطوب اللبن معروشة السقف’’وأعلى الباب ارتفع فرع شجرة جاف في أعلاه تثبت هلال أخضر صغير .. وإمارة ـ مركز ـ الشرطة ...‘‘ والجبل يلتف على هيئة حدوة حصان عملاقة ذات عدة رءوس صغيرة متقاربة, محتضنا مساحة كبيرة تحوطها أربعة جدران مكشوفة إلا من عدة حجرات متباعدة في الأركان, تسترها أعجاز النخل وسعفه . ويقسم تلك المساحة الكبيرة جداران متقاطعان إلى أربعة أرباع متساوية؛ ربعان خاويان, وبأحد الباقيين اتخذوا مقامهم, وبالأخير احتمت من العراء البنت صالحة وأمها المكفوفة. وهذه المقدمة تشعرنا بأننا مقدمون على عمل روائي يهتم بوصف المكان الذي تدور فوقه الأحداث وصفا دقيقا. ولا توجد ـ في نظرنا ـ فروق كبيرة بين الرواية والمتواليات. فالمتواليات القصصية رواية تتألف من مجموعة قصص قصيرة. المهم أن تحتفظ المتوالية بشكل القصة القصيرة. وهذا ما حدث مع قصة المفتتح. فرصد المكان يدخل دخولا قويا في نسيج قصة محروم أهلها من أولي متطلبات الحياة, وخاصة إشباع الغرائز. علينا أن نتعرف بعد ذلك على شخوص القصة. وأول ما يصادفنا قرد شاب يدور في تأن فوق سطح وجدران صالحة وأمها المكفوفة. وكثيرا ما كان يهبط إلى بطن رُبعها . ثم يطفو واهنا إلى السطح بعد وقت ليس بطويل ’’ وعندها وبهدوء يجر بدنه سارحا ووجهته الجبل ..‘‘ . وكانت فتحة حجرة الراوي ( الدريشة ) تطل مباشرة على أهم مطلع للقرود وثمة برميل فارغ مقلوب كان عندما يعتلية يسترق النظر إلى ’’ الأنثى الوحيدة بالبناية‘‘. ويشكل الحرمان الجنسي ملامح هذه القصة: ’’ أثناء عودتنا من المدرسة, وفي وسط الطريق, اعترض بصرنا حمار يعتلي ظهر حمارة, بدت ضئيلة بين أماميتيه, بينما حمار ثالث تحوم أرجله حولهما .. ‘‘ ويبدو أن تزاوج الحيوانات من الأمور التي تجذب انتباه كاتبنا، في قصة : ’’ من حكايات العم زيدان الأقصري‘‘. وهى إحدى قصص القسم الثاني التي تستطيع أن نضمها إلى المتواليات من هذه الناحية, وأن يكون ترتيبها الثاني بعد قصة المفتتح في هذه القصة يقول : ’’ كنا عندما يخلو أحد كلاب القرية بكلبته دون رقيب, يفاجأ هو ـ الكلب ـ وكذلك صاحبته بأن كليهما لا يستطيع مفارقة الآخر في الحال كما يفاجأن بسريان الخبر بين أولاد البلدة بسرعة عجيبة فيملأون أحجار الجلاليب الصغيرة بالحجارة الصغيرة ( ... ) وغالبا لا يحدث الانفصال المنتظر قبل أن يستبد اللهاث بالجميع , غير عابئين بمقولة جدي زيدان الكبير في عرض حديثه حول المسألة الكلابية: يابني إذا وجدت ذلك كذلك فلا تضرب سوي الكلبة, فالكلب بعدما تورط مع الوسوسة الأولي للفعل أصبح لا يملك زمام أمره ..‘‘ وتتحدث القصة عن لقاء الخواجات خلف الصخور بالبلدة التاريخية. واعتاد زميلا الراوي أن ينصحاه بالإقلاع عن اعتلاء البرميل والتجسس على الناس. وتنتهي القصة حين يفاجئهما بالتدافع لصعود البرميل وتشبعنا القصة عند هذه الخاتمة, لكن ثمة فعل آخر يفرض عليه أن يخصص له القصة التالية للإجابة على سؤال: ماذا كان يفعل القرد عند صالحة ؟ .. وكتب القصتان في يومين متتالين بقرية (تثليث)( 14/15 يناير 1997 ) كان لصالحة ثلاث نعجات تعيش على نباتات هزيلة في سفح الجبل. يمتد خروجها إلى الشعاب القريبة, وفي أثرها يطلق القرد لنفسه العنان. وكانت ألسنتهم تردد :’’ والله قرد إنسان وَنَس للبنت‘‘ وكانت البنت تعود بحِزَم الحطب لا يبدو من خمارها سوى حبتي عينيها جرئيتين حادتين’’كأنما تتحديان القهر والتقيد وقلة العدل‘‘وتلك العبارة تعبر عن رأي الراوي وليس الشخصية . رد فان معتد لهان, ووسط نحيل, وصدر ناضج لا يمنع الثوب الكاسي من فضح تضاريسه. في يوم الاكتشاف كانت عيون القرد تدور مع دوران أقدامه ببدنه فوق الجدران بتوتر غريب. تقطع خطواته السطح جيئة وذهابا, مع قفزات غير مستقرة ’’ يبدو بين خلفيتيه عود خيرزان بلون الدم ‘‘.. لحظات ويطاوع نفسه غاطسا في قلب الدار. كادت صرخة تنفلت من حنجرة الراوي .ارتطم بصره ’’ بفخذين أسطوريين منفرجين لتلك التي أسلمت ظهرها للأرض, بينما راحت أماميتا الحيوان الفتي تتحسسان ما يكشف القميص الأحمر القصير .. فيما يسمع أنين محموم ملتز .. ‘‘ لا شك أنها قصة مذهلة .. لكن مقدمتها تتحدث عن الولد سعود أحد سكان الديرة الذي يودهم ويودونه . فقد سأله الراوي’’ ماذا يكون فعلك لو فاجأتك بكارة عروسك بانفضاضها يوم عرسك ؟!‘‘ فأجاب والبرود يملأ قلبه : ’’ لا شيء‘‘ لا نعرف ما هدف الكاتب من ذكر هذه الواقعة تحت عنوان ’’مطلع صغير‘‘... وإن تحدث عن الجنس الذي يقدم لنا القاص صورة غريبة شاذة له. وتحت عنوان ’’شغب ‘‘ نقرأ قصتين قصيرتين جدا: في الأولى يفعل الراوي شابا مع القرود ما كان يفعله صبيا مع الكلاب؛ ففي موسم التزاوج لمح سيد قبيلة القرود يداعب عروسه الجديدة، ولما قبلته أطلق الراوي حجرا أدمى مؤخرته. وعندما أفاق من غفوته بعد الغداء لم يجد أثرا لحبل الغسيل ، و ’’ بدت من بعيد قطع ملابس محشوة بأبدان حيوانية راقصة !!..‘‘ أما القصة الثانية فعن سيارة نقل صدمت قردا صغيرا، فأرسل أبواه صيحة رددتها حناجر كل من وصلت سمعه. وعند أول انحناءة للطريق كان الممر شديد الضيق بين مرتفعين، فقفزت القرود على السيارة وتسلح الرجل بالإصرار حتى لا يتوقف رغم الفزع . وقذف أحدهم بنفسه على الزجاج ، فأحدثت العجلات صريرا عنيفا أزعج الحيوانات للحظة، ورمى السائق نظرة إلى الخلف حيث كراتين الموز ’’ فلم يقع بصره على كرتونة واحدة باقية ؟..‘‘ منذ العصر الرومانتيكي ونحن نعتمد على إضافة إشباع حب الاستطلاع إلى رغبة الجمال . وكنا في العصر الكلاسيكي نكتفي بالجمع بين النظام والجمال. والأساس في مجموعة ’’صغير في شبك الغنم‘‘ هو الغرابة التي تحدث قدرا كبيرا من المتعة المناسبة لظروف المتلقي العقلية وعاداته ومعتقداته ويواصل الكاتب حديثه عن القرود بالقصة التي اتخذها عنوانا لمجموعته فالغنم يبيت في شبك خشية عليه من الذئاب والقرود. يقول سعود : ’’ من أسبوع واحد، والله يا رجال تمكنت حيلهم من خطف خروف ابن شهرين ..نسينا ندخله الشبك ..‘‘ والشبك ـ الذي صنعه سعود ـ قفصان متسعان اتساع حجرتين كبيرتين في ارتفاع قامة رجل طويل، ظهرهما الجدار الجانبي لداره’’تصنع جدرانهما والسقف أعمدة حديدية رئيسية، تتقاطع فيما بينها أسياخ رفيعة رأسيا وأفقيا، فتصنع عددا هائلا من مربعات صغيرة لا تمرر يد طفل صغير ..‘‘ وذات يوم دخل أحد الشبكين قرد صغير ولم يستطع الخروج بعد فرار جماعته فأغلق عليه سعود الباب وتلقفت صرخاته أسماع القرود فحاولت إنقاذه لكنها كانت تتراجع في اللحظة الأخيرة لأسباب عدة، دون أن يرحمها سعود. وفي النهاية :’’ نبهنا الهدوء الذي استجد بشبك الحبيس، فيما اضطرم صراخ الآخرين كالنار، واجتهدت أكفهم في حَسْو التراب فوق الرؤوس، وراحت أصواتهم تميل إلى النحيب .. دارت عيوننا تستطلع الأمر ..’’ وإذ بجثة صغيرة معلقة من العنق في حبل كان متدليا من سقف الشبك.. اقتربت أقدامنا .. غرزنا نظراتنا في عينيه الجاحظتين، أبصرنا بداخلهما حلما ساكنا، وقمما عالية تسكنها العشيرة، وأرضا مفتوحة خلف جبال ممتدة..‘‘. =================================
دراسة عن مجموعة / فكري داود ’’ضغير في شبك الغنم‘‘ بقلم محمد محمود عبد الرازق
الجزء الثاني ******* ولموت القرود قصة أخرى هي قصة ’’ من أحاديث البر ‘‘ وهو عنوان عام لا يوضح خصوصية العمل، نبهتهم صرخة استغاثة ملتاعه. كانت قبل ذلك مجرد صدي يتردد من بعيد : ’’ كانت ذراعها اليسرى موضوعة فوق كتفه ـ ذلك الذي نبهتنا صرخته ـ بينما تلتف ذراعه هو اليمني حول ظهرها واصلة من تحت إبطها الأيمن لتنام أصابعه فوق صدرها, وأصابع كفه اليسرى تشارك أصابع كفها اليمنى التشابك, تدب الحياة في نصفها العلوي بينما نصفها السفلي مدهوسا يزحف فوق الأرض كقطعة خيش قديمة ‘‘ . وقع نصفها السفلي فريسة العجلات, أو ربما غافلتها صخرة من عل من حول الزوج الحزين المرهق ثمة أربعة قرود متقاربة الأعمار هي الأبناء ’’ تلف بها وتدور أرجلها, وتربت أيديها ظهري كل من والديهم المكلومين ‘‘ عندما وصل الركب الحزين إلى مستقره في سفح إحدى قمم الجبل, أرقدها في حنو فياض فوق حاشية من جلد الغزال, وأحاطها بجدارين من حجارة رخامية لامعة, ساهمت مساعدة الأبناء في تثبيتهما, بينما اتخذ جسم الجبل جدارا خلفيا, ومن أغصان السَّد صنعوا سقفا, وجدُّوا في جلب أطيب الأطعمة. مضت أيام لم تهدأ لبدنه فيها حركة. وذات يوم أصاب التصلب الأبناء وبدا الرأس الذي كان يعتريه التحرك من آن لآخر ساكنا ’’ وسط وسائد من زهور برية ‘‘. كان من الممكن للكاتب أن يكتفي بهذا المشهد الحزين ليبلغ مبتغاه من التأثير في نفوسنا , بيد أنه أراد أن يوضح ردود أفعال الجماعة السابق التعرف عليها ويؤكد على لا مبالاتها, فثرثر كثيرا دون طائل عن سخرية البشر تجاه ألم الكائنات الأخرى. وفي قصة ’’ عرس ‘‘ ننتقل من المأتم إلى ’’ حفل تتويج ‘‘ ليظل البقاء للأقوى دائما فما أن انتصر الفتي على الملك الشيخ حتى ارتفع تهليل المبايعة للملك الجديد ’’ فيما توجهت أقدام العروس نحوه في دلال, حيث طوقت يداه عنقها بعقد من سعف النخيل الأخضر ‘‘. وفي قصة : ’’ طلعة برية ‘‘ انعقدت نية الأبوين على تلقين القرد الصغير أول درس لصعود القمم. بدا الأمر كابوسا جاثما على صدره. عند آخر محاولة انزلقت قوائمه, واندفع نحو الجانب الأيسر السطح بعيدا عن زمام والديه. تصادف أن كانت أسرة آدمية في نزهة برية . أسرع الصبي يحمل القرد الصغير تناولت البنت الشابة قميصا ملونا لأخيها الرضيع وحشرت بداخله بدن الحيوان المرتجف . اختطفت القرود الرضيع الصغير فوق فراش من جلد الماعز ’’ كالمغيب صحب الوالد الحيوان . راحت قدماه تقاوم الانزلاق وهى في طريق الصعود . وعندما لامست يداه القمة كان الإرهاق قد استولى عليه, وكاد عقله أن يغادر رأسه, إذ رأت عيناه أيدي القردين تتقاذف الطفل فيما بينهما ككرة صغيرة, وأخذه الدهش عندما لم يصل إلى أذنيه صراخ أو بكاء .. ‘‘ حين انتهي الطفل القرد من قبلات الشوق ’’ احتل ظهر أحد القردين بينما رفعت يدا الآخر الطفل الآدمي فوق ظهره, وقبل أن يمايز عقل الرجل بين أفعال يمكن أن تتخذ, انطلقت الأرجل الحيوانية مبتعدة بالجميع ‘‘ . وتبدأ قصة : ’’ مناوشات على وجه الصباح ‘‘ بعد مرور ثلاثة أيام على تأخر سيارة مياه الشرب عن موعدها. ولم تستطع حلوقهم أن تألف طعم الماء المالح المخصص ـ أصلا ـ للغسيل .. شاهدوا قردا يحمل ’’ كولمن ‘‘ ليس فارغا ’’ فالعمود الفقري للقرد الضخم ينوء بحمله ‘‘. ضربوه بالحجارة فتفاداها . ’’ في ذلك الوقت من كل يوم, تنتشر جماعات القرود بين البيوت القليلة المتباعدة وحولها, تحمل ظهورها وأيديها كل ما يمكنها حمله ‘‘ .. وأخيرا تفتق ذهن أحدهم عن إلقاء رغيف للقرد. وبهذه الحيلة ترك القرد ’’ كولمن ‘‘ المثلجات. لقطات حية قد لا يصدق بعضها, وقد يصيبا بعضها بالذهول, لكنها توحي بتوهج شعلة الفن داخل صاحبها. ولا شك أنه في مجموعته القادمة سيكون أكثر احتفاءً بلغته خاصة وأنه يسعى إلى أسلوب خاص به, من أهم مميزاته التأكد على حركة أعضاء الشخص لا الشخص ذاته الذي يسيطر على أعضائه , وإن زادات. فالقرد لا يدور وإنما ’’ تدور به أرجله على ظهر الجدران‘‘ والراوي لا يبصر, وإنما ’’ يُدخل عيونه لتبصر ‘‘ و ’’ أسرعت أقدام الصبي .. ‘‘ و ’’ تناولت يد الشابة .. ‘‘ و ’’ رفعت يدا الأم الطفل الآدمي فوق ظهره ‘‘ .. وهكذا
|
|
عبوووود عضو خيالي
عدد الرسائل : 2181 بلد الإقامة : العياط - مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 9206 ترشيحات : 5 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: جبلاية القرود 7/1/2010, 12:56 | |
| |
|
رأفت الجندى المدير الإداري
العمر : 65 عدد الرسائل : 9511 بلد الإقامة : الفيوم احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 13230 ترشيحات : 29 الأوســــــــــمة :
| |