أسواق العرب وأثرها في نقد الشعر

كانت لأسواق العرب _ لاسيما سوق عكاظ __ تضم ندوات أدبية تنشد فيها الأشعار وتلقى فيها الأحكام الأدبية ...
ويروى أن النابغة الذبياني كانت تضرب له قبة من جلد في سوق عكاظ ويفد إليه الشعراء فينشدونه ويسمعون رأيه , فيقال إن الأعشى أنشده ذات مرة , وتلاه حسان بن ثابت , ثم الخنساء , فأعجب بشعرها , وقال لها : لولا أن أبابصير _ يعني الأعشى _ أنشدني لقلت إنك أشعر الجن والإنس .....أي أنه قدّم عليها الأعشى , وقدّمها على حسان , وطبيعي أن يغضب حسان من هذا الحكم ... ويرد على النابغة ردا عنيفا ...
ويقال أن حسان تحدّى النابغة ببيته الذي يقول فيه :

لنا الجفنات الغُرُّ يلمعْن بالضحىوأس أسواق العرب وأثرها في نقد الشعريافنا يقطرن من نجدة دماً .

فقال له النابغة : إنك قلت " الجفنات " فقللت العدد , ولو قلت : " الجفان " لكان أكثر ..
وقلت : " يلمعن بالضحى " ولو قلت : " يبرقن بالدجى " لكان أبلغ في المديح , لأن الضيف بالليل أكثر طروقا ..
وقلت : " يقطرن من نجدة دما " فدللت على قلة القتل , ولو قلت : " يجرين " لكان أكثر لانصباب الد م ...
لم يبين النابغة سبب تقديم الأعشى على الخنساء والخنساء على حسان دون أن يبين أسباب هذا الحكم ..
ونقد النابغة لبيت حسان يعد من بواكير النقد البلاغي ...لأنه اعتمد على الصياغة وهي تأدية المعنى آداء قويا ....
ولم تكن هذه "المسابقات الأدبية " مقصورة على سوق عكاظ , فيروى أن أربعة من شعراء تميم اختلفوا في أيهم أشعر وهم :الزبرقان بن بدر , وعبدة بن الطيب , والمُخبل السعدي , وعمرو بن الأهتم ....فحكَّموا بينهم ربيعة بن حذار الأسدي فقال : أما عمرو فشعره برودٌ يمانية تطوى وتنشر , وأما أنت يازبرقان فإن شعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولاتُرك نيئا فينتفع به , وأما أنت ياعبدة فإن شعرك كمزادة أي " قربة " أُحكم خرْزها فليس يقطر منها شيء ....نلاحظ أن النقد هنا تأثري في حكم ربيعة بن حذار على شعر التميمين الأربعة .ولم يسر على قواعد معينة