الشبكات الشَعريّة (Mesh Network)
هذه العجائب اللاسلكية قادمة لا محالة
تصور أرض معركة مليئة بآلاف من الحساسات الصوتية الصغيرة، التي تم إسقاطها من طائرة، ويمكن لهذه الحساسات التمييز بين صوت سقوط ثمرة جوز الهند من شجرة، وصوت إطلاق النار من بندقية قناص. ويستطيع كل حساس أن يتصل بشكل لاسلكي مع الحساسات المجاورة عن طريق الأمواج الراديوية، لمقارنة المعلومات مع بعضها، وإطلاق الإنذارات، وإرسال إحداثيات موقع الصوت إلى نقطة تجميع، في حال اتفاق الحساسات على أن الصوت ناتج عن طلقة بندقية.
يعتبر هذا التطبيق، الخاص بالتعرّف على ما يجري في أرض المعركة، على بعد سنتين من الآن، وهو من تمويل وكالة مشاريع الأبحاث الحربية الأمريكية المتقدمة (Defense Advanced Research Projects Agency)، ويُدعى SensIt. ويمثّل هذا التطبيق الجبهة اللاسلكية المقبلة: التشبيك الشَعريّ (mesh networking).
إن ما يميّز الشبكة الشَعريّة هو عدم وجود جهاز مركزي للتنسيق بين عناصرها. وبدلاً عن ذلك، يتم تزويد كل عقدة بجهاز للاتصالات الراديوية، يعمل كنقطة ترحيل للعقد الأخرى. ويقول Rob Poor أحد مؤسسي شركة Ember Corp.، وهي شركة حديثة العهد تعمل على استخدام الشبكات الشَعريّة في البيئات التي يصعب استخدام الأمواج الراديوية فيها: "يمكن أن تكون الشبكات الشَعريّة أكثر موثوقية من الأنواع الأخرى من الشبكات، نظراً لأنه في حال إخفاق إحدى عقد الإشارة الراديوية، فإن العقد الأخرى تكون جاهزة للقيام بالعمل نيابة عنها". وقد قامت شركته مؤخراً بتركيب شبكة شَعريّة مبنية على الأمواج الراديوية، في معمل لمعالجة المياه يحتوي على ترتيبة معقدة من الجدران الإسمنتية، والأنابيب والعقبات الأخرى، والتي لا يمكن للشبكات اللاسلكية العادية العاملة بمواصفة 802.11b، أن تعمل فيها.
يقول Poor: "تجولنا في ذلك المعمل، وألقينا كميات كبيرة من الحساسات التي تكرر الإشارات". ويتابع قائلاً: "لقد استطعنا تقريباً اختراق الجدران الاسمنتية، عن طريق وضع حساس لتكرار الإشارات على كل طرف من الجدار، ورغم أن الترددات الراديوية كانت رديئة النوعية جداً في هذه الأمكنة، إلا أن قرب هذه الحساسات من بعضها قد ساعد على تأمين اتصال موثوق".
تكمن أكثر المظاهر الواعدة للشبكات الشَعريّة في قدرتها على تجميع نفسها لتلائم البيئات المتغيرة. وتعمل شركة تدعى MeshNetworks على تصميم مثل هذه الشبكة المرنة المتنقلة لاستخدامها لأغراض السلامة العامة. ويقول Peter Stanforth رئيس شركة MeshNetworks: "تصور فريقاً من رجال الإطفاء في موقع كارثة، فهم يشكلون شبكة لاسلكية خاصة، حيث يمكن لجميع الأجهزة مشاهدة الأجهزة الأخرى عن طريق الأمواج الراديوية. ويمكن لطائرة هليكوبتر تحلق فوق المشهد أن تصبح بشكل لحظي جزءاً من هذه الشبكة المتنقلة على الأرض".
في غضون خمس سنوات، يمكن أن تُستخدم الشبكات الشَعريّة المتنقلة على الطرق السريعة (الأوتوسترادات)، حيث يمكن لحشد من السيارات المزوّدة بهذه التقنية أن تخدم كعقد في الشبكة. وتقوم شركة Moteran، وهي شراكة بين شركتي ميتسوبيشي وDeutsche Telekom، بتزويد السيارات في بعض المدن الألمانية بتجهيزات تشبيك شَعريّ ذات حزمة عريضة. ويعمل Stanforth رئيس شركة MeshNetworks، مع الشركات المصنّعة للسيارات الأمريكية، على تطوير نظام يحذر السائق عندما تنطلق الوسائد الهوائية في السيارة التي أمامه، مما يعطيه بضع ثوان ثمينة لتلافي الاصطدام.
لا تتوقف هذه التقنية عند هذا الحد، إذ تنوي شركة إنتل تشبيك حواسيب المنزل وأجهزة التلفزيون وأجهزة الستيريو بشكل شَعريّ، عن طريق عتاد مضاف منخفض التكلفة يمكنك شراؤه من محلات الإلكترونيات العادية. وقامت شركة Radiant Networks لتقديم خدمات إنترنت، بتركيب عقد عريضة الحزمة يمكن تثبيتها على الأسطح، مع هوائي قابل للتحريك، في مدينة Salem بولاية فيرجينيا، بحيث يمكن للزبائن الدخول إلى الشبكة عن طريق زبائن آخرين، بدلاً من استخدام قواعد المحطات اللاسلكية.
إن ما يشجّع على استخدام هذه التقنية هو قانون Metcalfe الذي جاء به مخترع إثرنت Bob Metcalfe، وينص على أن قيمة الشبكة تزداد مع ازدياد عدد نقاط الوصل فيها. ويقول Poor: "هذا سبب من الأسباب التي ستجعل الشبكات الشَعريّة الوسيلة الأساسية لنقل البيانات في المستقبل".
وفي الشبكات الشَعريّة، كلما ازدادت نقاط الوصل، كلما كان ذلك أفضل.