[b]بسم الله الرحمان الرحيم .
في هذه الأيام قد ثارت موجة من الفتن التي تحاك ضد الشعبين الشقيقين مصر والجزائر ويحاول البعض من دعاة الفتنة سواء عن قصد أو جهل ( والجاهل هنا لا يعذر بجهله ) يحاول هؤلاء إثارة الشحناء والبغضاء ودس الدسائس المغرضة التي تشكك في نزاهة الحب ، بل في قداسة الحب بين الشعبين .
ما يثير القلق هو أننا نرى في منتدياتنا التي قلت وأكرر أنها نعم من الله ورحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن نستغله في ما يرضي الله ورسوله ، ولا تأخذ بنا الأهواء أن نجعله مسرحا للشيطان يسرح فيه أولياؤه من دعاة الفتنة .
وقد نحرم يوما هذه النعمة حينما يرى الباري سبحانه أنها حولت لخدمة من يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
انتبهوا إخواني في نراه يكتب ويعلق تشجيعا ونصرة لمن يثيرون العداوات من وراء الحجب .
وتذكروا يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم .
ربما حسبته هينا لكن هو عند الله عظيم .
لنا أن نقف هذه الوقفة بين أحضان رسول الله ونجلس هذه الجلسة في حجر سنة رسول الله لننظر بماذا يجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاة الفتنة والتفرقة في كل عصر ومصر:
جاء في البخاري أن رجلان من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ ." قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ:" دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ."
كسع : الكسع : ضرب يد أو رجل على دبر شيء ، وكسع أدبارهم : إذا تبع أدبارهم فضربهم بالسيف .
---
أولا : ( تشاجرا ) :من الملاحظ أن الشجار والخصومة والجدال أشياء مجبول عليها العباد وكانت تحدث من الحين إلى الآخر وها هي تحدث والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزال حيا بين الناس وهذا شيء مسلم به .
ثانيا سمع ): من الواجب على أولي الأمر أن يكونوا متفطنين يتسمعون لأخبار الرعية خاصة منها التي تدعو للفتن وإثارة الفوضى التي قد تفسد الأمن وتعكر الجو ، فالحاكم عليه أن يتدخل ولا يترك الرعية تخوض وتلعب . ثالثا : ( رجلان ) : ليست جماعة ولا قبيلة بل رجلين ( قلة مقللة ) ، والنار تشتعل من شرارة والنهر يفيض من قطرات وهكذا ، فلا يحقرن الرعاة الشيء اليسير الذي منه قد تزهق الأنفس وتضيع الحقوق وتنتهك الأعراض .
رابعا : ( دعوى الجاهلية): ضرورة تسمية الأشياء بمسمياتها ، فلا ينسب الجهل :للعلم والشهامة وحب الوطن وغيرها ، بل من الواجب أن ننسب كل ما من شأنه يثير الفتن ويزرع الأحقاد والكراهية للجاهلية التي كانت سائدة في قديم الزمان كما ينسب التبرج مثلا للجاهلية وليس للتحضر والتمدن .
خامسا : من الواجب أيضا الإحتكام حين نشوب الفتنة وظهور الفوضى إلى أولي الأمر من العلماء والعقلاء والنبلاء لأنهم هم الوحيدين الذين بوسعهم معرفة الحقائق التي قد تخفى عن كثير من الناس : فمثلا : النبي صلى الله عليه وسلم على علم بأن من وراء هذا النزاع والخلاف والشجار أيادي تعمل في الخفاء لإثارة العداوة والبغضاء بين الإخوة والأحبة ، وهم في عهده صلى الله عليه وسلم من المنافقين واليهود الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر في كل حركة منهم وسكنة ولا يزالون إلى قيام الساعة .
لكن : قد يغفل عن هذه المؤامرات التي تحاك تحت جنح الظلام من قبل أعداء الدين قد يغفل عنها العوام من الناس لكن من المصائب التي قد تصاب بها الأمة أن تجد البعض من دعاة الخير من يصفقون ويهللون ويهتفون بهذه الشعارات الجاهلية العمياء وربما حسبوها هينة وهي التي أوردت بالكثير من خلق الله في حفرة من النار .
سادسا : ليس من الدين إطلاقا أن ترى الدعاة في مثل هذه المواقف يسكتون عن شجار حتى ولو كان ليس بالحجم الكبير ، لأن الله لم يغفل عن مثقال ذرة التي بانفجارها دمار وخراب شامل ، فلا يمكن الغفلة عن مدخل من مداخل الفتنة حتى ولو كانت صغيرة لأن السنن الربانية لا تتغير ولا تتبدل ومن سم الخياط لا تلج منه الجمل ولكن قد تلج الحشرة الصغيرة التي تحدث في البدن من الضرر الكبير ما لا يحدثه الجمل البعير .
سابعا : ( منتنة ) : أكرمكم الله فهي كالبول الذي يفرزه الجسد ويطرحه والذي تنبعث منه رائحة كريهة تعافه الأنفس الطيبة ، فهذه التصرفات هي ما أفرزته جاهلية منتنة قذرة ثم جاء الإسلام وطرحها وطهرها وحل محلها مسك الأخوة وعنبر الود وطيب الوئام ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا تعكروا عنا هذه الأجواء الطيبة ،لا تفسدوا صفو هذه الحياة .
منتنة : كلمة زجر وحقارة لكل من دعا إلى نشر مسبباتها كائن من كان ، فالباري سبحانه وتعالى قد بين مقياس التفاضل بين الشعوب والقبائل بعدما بين أسمى الغايات التي من أجلها خلقوا فقال جل وعلا :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ." الخطاب موجه إلى الناس بمختلف الأصناف والأجناس ، فالغاية من جعلهم تختلف لغاتهم ولهجاتهم وأفكارهم ومناهجهم هو التعارف والتقارب والتعايش في ما بينهم لأنهم تجمعهم لحمة واحدة هي الآدمية وتربطهم رابطة الإنسانية وقد تكون بينهم مفاضلات وتميزات وهذه من سنن الله في التعايش قال الله تعالى :" نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }الزخرف32 ، ثم يأتي من بعد ذلك التفاضل عند الله تعالى ويكون بالتقوى التي يدخل تحتها كل قول وعمل صالح رشيد ومعتقد وتصور ومفهوم سليم سديد .
وفي مثل هذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (إنّ الله عزّ وجلّ أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب. ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ." أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح .
إخواني الكرام : ليدعن : إنه وعيد شديد لكل من أحيا مثل هذه الجهالات والشعارات التي قضى عليها الإسلام وأماتها بنار الأخوة التي اشتعلت بين السلف الصالح فأحرقت بلهيبها هذا الحطام التي خلفته جاهلية قاحلة جوفاء .
ملاحظة : إن ما يجري على الساحة وما يدور من جدال وشجار بين الأشقة والأحبة من الجزائر ومصر هو من دعوى الجاهلية .
تصوروا : لو أن الحبيب المصطفى لا يزال حيا بين أظهرنا ما ذا تراه يقول ؟؟
إن الله قد قال ومن أصدق من الله قيلا :" فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ."النساء 59،
فالفاصل والحاكم بيننا أنت يارسول الله فقل فكلنا لك آذان صاغية وقلوب واعية وليست لاهية ، الجواب من الحبيب صلى الله عليه وسلم :" دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ."
هذا أمر رسول الله وقضاؤه فويل للذين يخالفون عن أمره قال الله تعالى :" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور 63،
فائدة : دعوها من منتدياتكم فإنها منتنة ، لا تهتفوا بها لا تشجعوها اتركوها كما تركها حبيب الله ، اشتموا منها نتن رائحتها فإنها أنتن من رائحة الجيف .
أخيرا :
تحيا الجزائر حكومة وشعبا .
وتحيا مصر حكومة وشعبا .
والموت : لمن يريد أن يقطع رباط ودهما الذي ربطه الله بينهما .
--------
اللهم أدم الود بين الشعبين وأقسم شوكة المشاغبين .
اللهم أشعل نار الحب بيننا وزد في لهيبها واحرق بشعلتها شعارات التفرقة والخلاف .
اللهم إنا نحب من أوصانا نبينا بهم فقال :" إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما أو قال ذمة وصهرا ."
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعلنا إخوة متحابين غير ضالين ولا مضلين .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاهم إلى يوم الدين .
[/b]