أسئلة عديدة حول الأزمة
د . لويس حبيقة
هنالك أسئلة عديدة حول الأزمة المالية العالمية . هل انتهت؟ كيف وما هي الدلائل؟ لم تنته؟ ما الأفق لاستمرارها؟ وما المؤشرات التي يمكن تحليلها ومتابعتها من يسمع أو يقرأ تحاليل الخبراء أو المسؤولين، يزداد حيرة بأمره لأن الآراء متناقضة بل التقديرات متضاربة بسبب ضبابية الرؤية وعمق المشكلة وقلة الخبرة فيما يخص أزمات من هذا النوع . لا شك في أن ترابط الاقتصادات بعضها ببعض عقد المشكلة وجعلها متشابكة . فالعولمة أثرت ليس فقط في طبيعة وخصائص الاقتصاد الدولي وإنما أيضا في الركائز الداخلية لكل الاقتصادات بما فيها الصغيرة . فضيحتا “مادوف” و”ستانفورد” ، نظرا لقيمة الأموال الضائعة والمسروقة، وضعتا تحت المجهر أهمية العلاقة بين العمليات الاقتصادية والأخلاق . فهاتان العمليتان، بسبب حجمهما الكبير وحصولهما في دول متطورة تحتوي على أجهزة رقابة وقوانين ومؤسسات حديثة، شكلتا صدمة كبيرة للمستثمر الدولي والمحلي . من فوائدهما مساهمتهما في توعية المواطن والمستثمر لإمكانية وجود أشخاص يختلسون أموالهم لأنهم ليسوا أهلاً للثقة التي منحت لهم . فضح قضيتي “مادوف” و”ستانفورد” ساهم في كشف عمليات أخرى بأحجام مختلفة في العديد من الدول لأن المواطن أصبح واعيا ومتنبها أكثر ويحاسب كما لم يفعل في الماضي .
تميز الاقتصاد الدولي في العقود الأخيرة بالعولمة . ومن مؤشراتها ازدهار حركة الطيران المدني التجاري المرتبطة مباشرة بالنمو الاقتصادي، حيث تحلق في الأجواء في الوقت نفسه 18 ألف طائرة تعمل 50 مليون ساعة في السنة مع 32 مليون عملية اقلاع . هنالك 20 ألف طائرة مؤهلة للعمل، مما يعني أن هنالك خزانا من حوالي ألفي طائرة يسمح لشبكة الطائرات باتمام عمليات الصيانة والتحديث تأمينا للراحة والسلامة . يخشى المواطنون أحيانا السلامة في الطيران، علما بأن حوادثها أقل بكثير من حوادث الطرق مثلا . في الولايات المتحدة وخلال 6 أشهر حصلت حوادث سير على الطرق يوازي عددها مجموع حوادث الطيران المدني في تاريخه . تشير الاحصائيات الى وجود حادثتين مقابل مليون رحلة جوية في العالم، علما بأن هذا المعدل يرتفع الى 13 في إفريقيا .
من المؤشرات الأخرى للعولمة ارتفاع قيمة التبادل التجاري والمالي الدولي والاقليمي بشكل لافت للنظر . بين سنتي 1990 و ،1996 ارتفعت قيمة رؤوس الأموال الوافدة الى الدول الناشئة من 60 مليار دولار الى 194 مليار، أي تضاعفت أكثر من 3 مرات . ساهمت هذه الزيادات الكبيرة في الحركتين التجارية والمالية في رفع درجة المخاطر الاقتصادية في كل القطاعات كما ساهمت في زيادة نسب النمو في كل الدول . فكما لكل خطوة مخاطرها، لها أيضا منافعها التي أعطت بحبوحة اقتصادية دولية عامة قل مثيلها . هنالك أسئلة عديدة مهمة تشغل بال الجميع، علما بأن الأجوبة عليها ربما تكون أولية لأن المعلومات والتقارير والإحصائيات المتوافرة غير كاملة خاصة من قبل الدول النامية والناشئة .
أولا: هل الأزمة المالية وراءنا؟ الجواب سلبي لأسباب ثلاثة أساسية وهي استمرار البطالة في الارتفاع وان خفت نسبة زيادتها بين فصل وآخر . فإلى متى تستمر زيادة نسب البطالة وما تعني ماليا واجتماعيا؟ لا يمكن القول إن الأزمة المالية انتهت في وقت ترتفع فيه البطالة . ثانيا، لا يزال وضع المصارف الدولية هشا لأنها لم تستعد عافيتها بعد، ولأن ميزانياتها لم تصحح بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الأصول . كما أن العوامل التي سببت الأزمة لم تعالج، ونقصد تحديدا عمليات الرقابة والإصلاحات القانونية والمؤسساتية . أما العامل الثالث فهو المال العام، حيث إن عجز موازنات الدول ارتفع بسبب تدخلها لمنع تفاقم الوضع العام . فالصحة المالية للاقتصادات الأساسية تدهورت منذ منتصف سنة 2007 ولم تعالج مشاكلها بعد . تشير هذه الأسباب مجتمعة الى ضعف صحة الاقتصاد الدولي وإلى عدم إمكانية الاطمئنان بشأن عدم تكرار ما حدث أو عدم حصول بعض العودة الى الوراء .
ثانيا: هنالك أسئلة عديدة اقليمية الطابع وتميز بين أوضاع منطقة وأخرى . هل تعافت الولايات المتحدة تحديدا؟ حتى الرئيس أوباما وادارته غير متأكدين من التعافي الاقتصادي . هل يتحسن الوضع في آسيا وخاصة في الصين واليابان لأن فرص الانقاذ المالي تعتمد بشكل أساسي على تعافي اقتصادهما؟ هل تعود آسيا للعب دور المحرك الاقتصادي العالمي عبر صادراتها وحجم الاحتياطي النقدي الذي تملكه؟ من السلع التي تشير الى تحسن الأوضاع عدد مبيعات السيارات حيث يقال إنه في حال حصول الصينيين نسبة للسكان على نفس عدد السيارات التي يملكها الأمريكيون، لاستهلك كل الانتاج النفطي بسهولة وسرعة . هل يعود النمو الى اقتصاد الوحدة الأوروبية بالرغم من الأزمات والتباين الواضح في السياسات المالية بين دولها؟ هل يمكن للدول التي لم تصب كثيرا تحمل تكلفة إنقاذ الدول المصابة وتحديدا تلك القادمة من أوروبا الشرقية؟ ما مستقبل الدولار وبالتالي ما مصير اليورو وبقية العملات؟ هل يمكن لأمريكا أن تتحمل صدمة سقوط نقدها بالرغم من تحسن وضع الصادرات؟ ما مستقبل أسعار المواد الأولية وتحديدا النفط والذهب وما التأثيرات في الدول الفقيرة؟
ثالثا: هنالك أيضا عوامل جديدة سلبية يمكن أن تظهر بسرعة وتعيد الكرة الى الوراء، ومنها لجوء بعض الدول الى التضخم لتخفيف القيمة الحقيقية للدين العام . نعلم جميعا أن الدين تكون حديثا وبسرعة في العديد من الدول بسبب تدخل الحكومات في الاقتصاد لمنع الانهيار المالي والمصرفي . من المخاوف المسموعة هو هل تقوم حكومات الدول برفع الضرائب لتخفيف عجز الموازنات منعا لتفاقم حجم الدين العام؟ من الخطأ رفع النسب الضرائبية في ظروف متأرجحة كالتي نعيشها اليوم، إلا أن بعض الدول يقوم بها عن خطأ مما ينعكس سلبا على الاقتصاد . هنالك عوامل عديدة تشغل بال المواطنين وهي مثلا كيفية معالجة العجز المالي وما هي الحوافز التي يمكن تقديمها لقطاع الأعمال كي يستثمر تنشيطا للنمو المتعثر وتخفيفا للبطالة؟ ماذا حل بأوضاع الفقراء الذين تضرروا من الأزمة أو كانوا ضحاياها أي الدول الفقيرة تحديدا كفقراء الدول الغنية؟ هل اعتمدت آليات لوضع شبكات آمان اضافية كافية لحماية حقوقهم؟ الى أي مدى يتعثر تنفيذ أهداف الأمم المتحدة التي تسعى الى تخفيض نسب الفقر الى النصف قبل سنة 2015؟ تمديد المهلة أصبح ضروريا بل حتميا لكن الى أين؟ المدهش أن العالم يهتم بأوضاع الدول الغنية وبالأغنياء، وهنالك القليل جدا من الاهتمام المالي والتحليلي بالفقراء الذين ساءت أوضاعهم كثيرا منذ منتصف سنة 2007 .
رابعا: كيف تمارس السياسات الاقتصادية والمالية وهل تشكل سوابق سيئة للمستقبل؟ تحديدا هل يمكن قبول تدخل الدولة لمساعدة مصارف وشركات من أموال دافعي الضرائب في وقت تعمد هذه المؤسسات الى زيادة منافع مسؤوليها؟ من اهتمامات مجموعة دول العشرين الأساسية وضع آلية لتحديد منافع رؤساء الشركات المدعومة حفاظا على سلامة الأموال العامة وما تبقى من كفاءات بشرية فيها . هل يمكننا أن نقبل على صعيد المبدأ أولا أن تقوم الدول بانقاذ المصارف والشركات كلما أخطأت أو تعثرت أو خاطرت بأموال مودعيها؟ ما الضوابط الأخلاقية والعملية التي تمنع تكرار ما حدث؟ هل يتحمل المذنبون نتيجة أعمالهم الفاشلة أو يقومون بما يشاؤون بانتظار تدخل القطاع العام لانقاذهم؟ ما السياسات التي ستعتمدها الدول بشأن الرقابة المصرفية والتأكد من سلامة المؤسسات منعا لتكرار ما حدث؟ هل يمكن أن تشجع السياسات العامة الشركات على التهور وهذا ما يحصل أحيانا؟ حتى اليوم ليست هنالك أي ضمانات بشأن سلامة القطاع المصرفي الدولي، فلنكن حذرين إذاً .
جريدة الخليج