أين أدب حرب أكتوبر العربي؟
أربعة وثلاثون عاماً مرت على حرب أكتوبر المجيدة ..
والسؤال يتكرر كل عام : لماذا لم تعرف المكتبة العربية عملاً إبداعياً يتناسب وضخامة هذه الحرب التى
أعادت إلى المواطن العربى كرامته وقضت على أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وغيرت الكثير من المفاهيم العسكرية التى كانت سائدة وقتها.
محيط - سميرة سليمان
النقاد رددوا أن هناك ندرة في الإبداع الروائي وعلاقته بحرب أكتوبر،
وأن ما انتج من أعمال لا يرقى إلي مستوى الفن الحقيقي ...
رواية الحرب المفقودة
يقول د . محمد عبد الحليم غنيم أن بعض الأعمال علي مستوى الحدث الكبير غير أن ثمة ملابسات وأسباب كانت وراء عدم استغلال الحرب الاستغلال الذي تستحقه في الأعمال الروائية منها: أن كبار الكتاب كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس لم يكتبوا عن هذه الحرب سوى ردود أفعال وقتية ظهرت في صورة مقالات قصيرة، وبهذه المناسبة كان توفيق الحكيم صاحب مصطلح "عبرنا الهزيمة"، ومن ضمن الأسباب تدخل المؤسسة الرسمية بدعمها لهذه الأعمال عبر تقديم جوائز ونشر هذه العمال في سلسلة " أدب الحرب "، إن تدخل المؤسسة الرسمية أو الحكومية جعل الكتابة عن أكتوبر كتابة مناسبات، أيضا اللغط الذي أثير حول حرب أكتوبر نفسها، وقد كثُر هذا اللغط بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، فقيل أن الحرب أجهضت وأن النصر منقوص.
هناك أعمال جيدة ومعبرة عن الحرب مثل " الرفاعي " لجمال الغيطاني ، و" الحرب في بر مصر "
ليوسف
القعيد و" نوبة رجوع " لمحمود الورداني و " أنشودة الأيام الآتية " لمحمد عبد الله الهادي و"السمان يهاجر شرقاً " للسيد نجم.
ومن الكتاب العرب " المرصد " لحنا مينا و" رفقة السلاح والقدر " لمبارك ربيع وغيرها ، لكن مازلنا نفتقر إلي ملحمة مثل "الحرب والسلام" لتولستوي.
أما الأديب يوسف القعيد صاحب العديد من الأعمال التى تناولت حرب أكتوبر منها "الحرب فى بر مصر" و"فى الإسبوع سبعة أيام" و"تجفيف الدموع" و"حكايات الزمن الجريح" و"أطلال النهار" يحلل هذه الظاهرة قائلا: لكى يكون هناك عمل كبير عن حرب أكتوبر، لابد أن يكون الكاتب عايش الحدث، لأن الحرب والسجن لابد للكتابة عنهما أن يكون الكاتب قد مر بهذه التجربة، فالحرب لاتحدث كل يوم، ومفرداتها الاجتماعية تدور فى ميادين المعركة بعيدا.. حتى من قرأ عن الحرب، لم يكتب أدبا جيدا.. لأنه لابد أن يكتب عن تجربة الحرب مقاتل دخل الحرب..
وأنا أثناء أكتوبر كنت مجندا فى مستشفي، لهذا لم أكتب عن المعركة ذاتها، لكن عما حدث من تداعيات فى نفوس الجنود، والناس عامة، فكتبت عن الجنود باعتبارهم بشرا عاديين، فى وقت كان الإعلام المصري، يتعامل معهم على أنهم أبطال.
أما الأديب إبراهيم أصلان فيري أن الظروف التى عاشتها المنطقة بعد أكتوبر كامب ديفيد والسلام والانفتاح، سلبت كثيرا من تأثير الحرب العظيمة، وحولتها لظرف عارض، لم يتحول لقيمة دائمة، وحدت من قدرة المبدعين على عبور مشاعر الخذلان العام التى حدثت بعد النكسة.
أما الناقد د.صلاح فضل فيقول فرأى أن الحرب لم تنته بعد وأكتوبر فصلا من عدد من المعارك بدأت عام 1948 ووصلت لقمة مأساتها في 1967 وتعدلت أوضاعها في 1973 ولكن الصلف الإسرائيلي المتعنت مازال يجسم على الأرض العربية، فى فلسطين والجولان ومازال يرفض الاعتراف بحقوق العرب المشروعة.
أسماء كثيرة قدمت قصصا هامة وروايات ، نذكر من بينها: جمال الغيطاني، محمود الورداني، فتحي إمبابي، شحاتة عزيز جرجس، معصوم مرزوق ( شجر الصبار)، سمير الفيل( رجال وشظايا)، محمد النحاس ( الخريف الدامي)، السيد الجندي ( سبع جبات من الرمال)، السيد عبد العزيز نجم
( يوميات مقاتل قديم)، بهي الدين عوض (سنوات الحب والموت)، محمد السيد سالم( يوميات على جدار الصمت)، فوزي البارودي (عندما تشتعل النجوم)، وقاسم مسعد عليوة ( حدود الاستطاعة).
وهناك أيضا: محمود المنسي، إبراهيم العشري، عصام راسم فهمي ، سمير رمزي المنزلاوي، عبد الحميد بسيوني عبد الحميد، مجيد سكرانة، أحمد ربيع الأسواني، سعد الدين حسن، مأمون الحجاجي ، حسن علبة، وأسماء أخرى كثيرة .
فيجب الإشارة أن الأدب السردي الذي تعامل مع الحدث موجود، لكنه إما مخبوء تماما، وإما مسكوت عنه، كما أوضح القاص سمير الفيل.
أجرت الباحثة وداد عبد الفتاح خليفة بجامعة الأزهر دراسة تحت عنوان "أثر حرب أكتوبر علي الاتجاه التعبيري في أدب اهارون ميجيد وجمال الغيطاني"، ونالت عنها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولي.
قامت من خلالها - كما أشارت مني نور - برصد تأثيرات هذه الحرب علي الساحتين الأدبيتين الإسرائيلية والعربية من خلال بعض أعمال كل من اهارون ميجيد وجمال الغيطاني ، الذين يعتبر كل منهما نموذجا لأبناء جيله من الأدباء الذين عايشوا وتأثروا وعبروا عن أدبهم عن تلك الحرب.
وقد اختارت الباحثة لكل من الأديبين محل الدراسة روايتين إحداهما كتبت علي خلفية حرب 1967 والأخري كتبت علي خلفية حرب اكتوبر 1973،
وتوصلت إلى أن الغيطاني امتاز عن ميجيد بغلبة الموهبة، كما أوضحت أن الأدب العبري قبل حرب أكتوبر قد
الروائي المصري جمال الغيطاني
لعب دورا هاما وأساسيا في نشأة دولة إسرائيل، حيث استخدمته الصهيونية السياسية علي أوسع نطاق في خدمة حملاتها الدعوية وخدمة حملاتها السياسية والعسكرية .
أما الأدب العربي فان موقفه لم يكن علي المستوي المطلوب كما وكيفا تجاه الخطر الصهيوني، ولم يكن يزيد علي كونه موقفا عاطفيا يتسم بسب اليهود واستثارة العرب وتذكيرهم بأمجادهم الماضية أو بالبكاء والنحيب.
لا يوجد "أدب حرب" فى الإبداع العربى .. هكذا يقرر الروائى خيرى شلبى الذى يستثنى فقط السير الشعبية، فإبداعنا الحديث والمعاصر لم يعرف أدب الحرب رغم أننا خضنا ضد إسرائيل عدة حروب كبيرة فى 48 ، 56، 67، 1973، وقبل ذلك كانت مصر تحت الاحتلال الفرنسى ثم الإنجليزى .. لكن كل ذلك لم يطرح ما يمكن اعتباره أدب حرب.
يقول قاسم مسعد عليوه الأدباء لم يخونوا حرب أكتوبر .. هذا كلام غير صحيح بالمرة، يمكن القول بأن الحماس قد فتر، أما الاتهام بالخيانة فهو اتهام باطل من أساسه، وهناك أسماء كتيبة من الذين عايشوا هذا الحرب وتحمموا بنيرانها وقدموا إبداعات.. لينظر النقاد إلى إبداعاتهم وليقولوا فيها رأيهم بدلاً من سباتهم الدائم ويقظاتهم الموسمية، فليعرضوا على الساحة الأدبية آراءهم فيما أبدعه كل من : جمال الغيطانى، فؤاد حجازى، يوسف القعيد، محمد الراوى، إبراهيم عبد المجيد، رجب سعد السيد، محمود الوردانى، محمد عبد الله عيسى، محمد المنسى قنديل، أحمد ماضى، عصام دراز، أحمد عنتر مصطفى،حسن النجار، صبرى أبو علم، عبد العزيز موافى، نصار عبد الله، أحمد عجمى، وأحمد الحوتى، وبهاء السيد، وكاتب هذه السطور.
وقد انضم إلى هذه الكتيبة نفر غير قليل ممن تأثروا بهذه الحرب ومنجزاتها. منهم: سعيد سالم، أحمد ربيع الأسوانى، سمير الفيل، شوقى عبد الحميد، نجلاء علام .. وغيرهم كثير.. ومع هذا فإن الحماس بعد ثلاثين عاما قد فتر ولا أنكر.
شعر الحرب
الشاعر محمود نسيم يفرق أولاً بين الصراع مع إسرائيل، والحرب مع إسرائيل، ففى إطار الصراع هناك شعر كثير، بالعكس هناك شاعر كامل مثل محمود درويش ظهر وتكون ونما فى ظل هذا الصراع وكتب تجربته الرئيسية فى إطاره، وهناك أيضاً سعد الله ونوس فى المسرح.
على مستوى الحرب، هناك نمو شعرى حدث فى إطار تجربة الحرب، أمل دنقل مثلاً تجربته الشعرية تمت أساساً فى هذه المرحلة - مرحلة الحروب مع إسرائيل - وظنى أنه كان شاعراً محرضاً على الحرب، لكن عندما جاءت الحرب، لم يكن هناك شعر .. وهذه مفارقة كبيرة.
يقول أمل دنقل برائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" عن نكسة 67
يقول
" عيد بأي حال عدت يا عيد؟
بما مضى؟ أم لأرض فيك تهويد؟
ونامت نواطير مصر عن عساكرها
وحاربت بدلا منها الأناشيد!
ناديت: يا نيل هل تجري المياه دما
لكي تفيض، ويصحو الأهل أن نودوا ؟
عيد بأي حال عدت يا عيد؟
( حزيران 1968)
أما صلاح عبد الصبور فكتب مخاطبا أول جندي يرفع العلم المصري في سيناء
شعر: صلاح عبدالصبور
تملّيناك، حين أهلَّ فوق الشاشة البيضاء،
وجهك يلثم العلما
وترفعه يداك،
لكي يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مقتحما
ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يستخفي .
ولم ألمح سوي بسمتك الزهراء والعينين
ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو اسما
ولكن، كيف كان اسم هنالك يحتويك ؟
وأنت في لحظتك العظمي
تحولت إلي معني، كمعني الحب، معني الخير، معني النور، معني القدرة الأسمي.
تراك،
وأنت في ساح الخلود، وبين ظل الله والأملاك
تراك، وأنت تصنع آية، وتخط تاريخا
تراك، وأنت أقرب ما تكون
إلي مدار الشمس والأفلاك
تراك ذكرتني،
وذكرت أمثالي من الفانين والبسطاء
وكان عذابهم هو حب هذا العلم الهائم في الأنواء
وخوف أن يمر العمر، لم يرجع إلي وكره
وها هو عاد يخفق في مدي الأجواء.
فهل، باسمي وباسمهمو لثمت النسج محتشدا
وهل باسمي وباسمهمو مددت إلي الخيوط يدا
وهل باسمي وباسمهمو ارتعشت بهزة الفرح
وأنت تراه يعلو الأفق متئدا
وهل باسمي وباسمهمو همست بسورة الفتح
وأجنحة الملائك حوله لم تحصها عددا
وأنت ترده للشمس خدنا باقيا .. أبدا
هنيهات من التحديق،
حالت صورة الأشياء في العينين
وأضحي ظلك المرسوم منبهما
رأيتك جذع جميز علي ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة
رأيتك حائطا من جانب القلعة
رأيتك دفقة من ماء نهر النيل
وقد وقفت علي قدمين
لترفع في المدي علما
يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مبتسما.
(9 أكتوبر 1973)
وحين قامت حرب أكتوبر 73.. كتب أحمد فؤاد نجم عدداً من القصائد التي تمجد النصر وتحيي أبناء الفلاحين الذين انتزعوه.. حيث كتب: ضليلة فوق رأس الشهيد، منشور علني رقم واحد، دولامين، عطشان يا صبايا.
ويقول في ضليلة فوق رأس الشهيد"
خبر بالنكته لوجيا
و الحداقه و التكنولوجيا
و التاريخ
هجم الزناتي ع الخواجه
و لبسه العمه بصاروخ
"جود" عليوة
"باد"مائير
كل عام فانتوم بخير
(وكالات الأخبار و الصحفيين 6 اكتوبر 1973
مؤلفات عن حرب أكتوبر
مائة كتاب عن حرب أكتوبر تأليف ماهر الكيالي وماجد نعمة، "حرب أكتوبر" تأليف الشاذلي سعد الدين،
"الشرارة: قصة حرب أكتوبر 1973 " ترجمة، تحقيق: أنطوان بطرس، "ستة أكتوبر في الاستراتيجية العالمية" تأليف جمال حمدان.
"حرب رمضان الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة" حسن البدرى ، طه المجدوب والعميد ضياء الدين زهدى، "حرب أكتوبر في محكمة التاريخ" عبد العظيم رمضان، "وثائق حرب أكتوبر" بقلم موسي صبري .
"حرب أكتوبر عام 1973 دراسة ودروس" محمد فوزي، "مذكرات الجمسي حرب أكتوبر 1973" مشير محمد عبد الغنى الجمسى، "حرب أكتوبر والمفاجأة الاستراتيجية" تأليف عبد القادر ياسين.
عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1993صدر كتاب "أكتوبر 1973، السلاح والسياسة" للكاتب
محمد حسنين هيكل في 883 صفحة، والكتاب هو الجزء الرابع من مجموعة
حرب الثلاثين سنة، أيضا "عند مفترق الطرق حرب أكتوبر.. ماذا حدث فيها.. وماذا حدث بعدها!
" محمد حسنين هيكل.العمليات الحربية على الجبهة المصرية" تأليف جمال حماد، و"لا حرب في أكتوبر ولا سلام" أنيس منصور
"البيت والدخان" قصص ومذكرات عن حرب 6 أكتوبر التحريرية 1973 تأليف القاص السوري يحيى خضور، وتنتمي هذه القصص إلى أدب الملحمة يكتبها يحيى خضوري ويهديها إلى رفاقه في السلاح، جنود الجيش العربي البواسل الذين شاركوه في حرب 6 أكتوبر 1973.
كامب ديفيد هل محت نشوة أكتوبر؟
يقول الكاتب أسامة انور عكاشة كما نقلت عنه جريدة "العربي الناصري"
في وقت سابق أن تراجع دور مصر في المنطقة العربية بدأ منذ قام
الرئيس السادات بزيارته المشئومة إلى القدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد،
أسامة أنور عكاشة
لأن السادات حقق كل ما تحلم به إسرائيل وفقدت مصر كل الأوراق
وأصبحت رهينة لا تقوى على الحركة أو اتخاذ القرار بعد الموافقة على كل ما يريده
الأمريكان والصهاينة.و أن الهدف ، والكلام لأسامة أنور عكاشة ، عزل مصر عن دائرتها العربية ليختل
الميزان ويعبثوا كيفما شاءوا فى المنطقة، فأصبح ظهر العرب للحيط وحسم الصراع
لحساب العدو الإسرائيلى إلى الآن على الأقل ويدلل عكاشة على ما ذكره سابقا
بالمجازر التى ترتكب فى فلسطين كل يوم.
أيضا الكاتب الصحفى عبدالعال الباقورى يتفق مع ما طرحه عكاشة فى أن التراجع بدأ
بزيارة القدس، ويتعجب الباقورى من الذين يذكرون أن التراجع بدأ مع يونيو 67 ويضيف
: بعد 1973 مباشرة بدأ الحديث عن الحقبة السعودية وسعت أمريكا للقضاء على دور مصر فى المنطقة.
أما عبد الرحمن الأبنودي فيقول: حين جاء السادات وصنع بالناس نصر أكتوبر
أحس أهالى مصر أنهم لم يجنوا شيئاً من هذا النصر إذ أدخل أكتوبر فى المساومة مع الأعداء،
ودماء الشهداء لم تكن قد جفت بعد على رمال سيناء.
منقول عن موقع فن أولاين
الاربعاء 2 ذو القعدة 1430 - 21 اكتوبر 2009