كيف تفعِّل اتصالك الكتابي
يهتم علم البرمجة اللغوية العصبية بالكتابة ويوليها اهتماما كبيرا لكونها وسيلة اتصال فعال لامناص منه, و يعمد إلى تطويرها لأنه يعتبرها فنا راقيا على هرم فنون الاتصال أو كذلك ينبغي أن تكون.
والاتصال الكتابي- يا صديقي- بالإضافة إلى أنه واسع النطاق يمكنه أن يكون سريع الـتأثير وقوي الفاعلية أيضا, فكلماتك المدونة إلكترونيا أو على الورق(مقالات,كتب,تقارير..) يمكنها أن تؤثر في الآلاف وربما الملايين من الناس وذلك فقط عندما تكتب بلغة واضحة وسهلة وسارّة ومفهومة.
أما عندما تكتب بلغة غامضة أو صعبة القراءة أو غير مفهومة أو غير سارة فغالبا ما تكون الخسارة فادحة والثمن باهظا و(تلك إذا كرة خاسرة).
ذلك أن الكتابة اتصال غير مباشر لا تستطيع أن تنقل من جرائها معلومات دقيقة كالتي تنقلها بنبرة صوتك وإيماءات وجهك وحركات جسدك ولا أن تصحح مفهوما مغلوطا لم تقصده قد فهمه القارئ بشكل خاطئ من جملة أو كلمة أو عبارة, لكنك تستطيع كل ذلك في الاتصال المباشر.
و الكتابة المفهومة والمؤثرة ليست غاية صعبة المنال كما أنها لا تقتضي سنوات عديدة من الدراسة ولا تستغرق أشواطا بعيدة من الجهد.
وكل ما تتطلبه منك بضعة أساسيات بسيطة تراعيها في كتابتك.
أساسيات الكتابة (الواضحة والفعالة)
هي أساسيات مستنبطة علميا من طريقة المخ (العقل) البشري في عمله ومكامن إثارة متعته وتحفيز انتباهه وإذكاء فضوله ومعلوم لدينا جميعا أن التعلم اليقظ (النشط) إنما انطلق بقوة في العالم الغربي عندما فهم العلماء طريقة عمل هذا الجهاز المعقد (المخ البشري) فجعلوا التعليم في مواءمة طريقته فلم يلبثوا حتى خلصوا إلى نتائج مبهرة أفضت إلى تأسيس علم جديد للتعليم والتدريب يضم حزمة تقنيات في منتهى الروعة كما أسسوا لبرامج التعلم بالترفيه.
1)- تحديد الهدف و مراعاة تحقيقه:
أ)- حدد حصيلة القارئ
- ماذا تريد انجازه من كتابتك؟ ما هي الأشياء (الأفكار) التي تريد قارئك أن يحصل عليه؟
- ماذا تريد من الكتابة هل تريد الإقناع أم الإمتاع أم......؟
وتذكر دائما أن تحديد الأهداف يساعد على جودة الأداء.
ب)- ضع نفسك مكان القارئ
- عندما تنتهي من كتابة موضوعك ضع نفسك مكان القارئ وأعد قراءة ما كتبته وانظر هل وصلت الفكرة بسهولة وبلغت الرسالة بوضوح؟ وهل حصل القارئ على حصيلته؟
2)- صمم كتابتك على الطريقة الهرمية
تجنب الفقرات الطويلة ذات الأفكار المتشابكة والإيحاءات الكثيرة
وصمم كتابتك بطريقة معلوماتية مغرية وابدأها بالأفكار الرئيسة ثم الفرعية ثم تشعيبات الفروع وهكذا...
و يمكنك أن تتخيل كتابتك على شكل هرمي أو أن ترسم هرما على الورق وتسلسل أفكارك على ذات الطريقة (الرئيسة على القمة و الثانوية على التي تليها وهكذا حتى تصل إلى القاعدة).
ويمكنك أن تتصور الموضوع وتنجزه على شكل خريطة ذهنية فتضع الفكرة الرئيسية في وسط الصفحة ثم تخرج منها فروعا لكل فرع لونه وحجمه الخاص به.
3)- مراعاة طريقة المخ في العمل
يقتضي وضع المخ في الحسبان أن تجمع في كتابتك بين العناصر التي ينتبه لها المخ ابتداء ويتحفز لها: (المتعة , الإثارة, والتباين (الشيء المختلف) والغرابة, الترابط, وجود المعنى,...) فهذه العناصر هي ما يثير انتباه المخ ويغير في كيمياءه.
ويمكنك أيضا أن تضع الأفكار المهمة في مقدمة المقالة وأن تضع خلاصتها وزبدتها في الخاتمة لأن المخ ينتبه لأول شيء وآخره.
4)- استخدم قوة الإيحاء
فمقدرة الإيحاء على توجيه الطاقة النفسية أصبحت مسألة يقينية ومازلت الأبحاث العلمية والعلاجات النفسية تعطينا نتائج مذهلة
ومن أجل توجيه طاقة القارئ الذهنية والنفسية تجاه أمر استعمل معه سحر الإيحاء الايجابي للأسف عوضا عن الإيحاء السلبي وإليك هذا المثال:
إيحاء سلبي:- (هذه الفكرة صعبة وتستحق منك جهدا ذهنيا وتركيزا قويا حتى تستوعب بعض أبعادها).
عندما تكتب لقارئك هذه الجملة تكون قد أوحيت له بصعوبة الفكرة وتعقيدها وأوحيت له بالجو الممل والمتعب الذي يعيشه حتى يستوعب بعضا منها والأخطر من كل هذا تكون قد أوحيت لقارئك الكريم بأنه شخصيا دون هذا المستوى من الفكر وحتى يرقى حضرته عليه يعيش أجواء من الجهد والملل والتركيز والمعاناة.
إيحاء إيجابي:- (ستستمتع معنا باستيعاب هذه الفكرة التي ترقى إلى مستواك بجهدك المعهود وتركيزك القوي).
لقد أوحيت له بهذه الجملة بسمو الفكرة وبالمتعة في استيعابها وباستحقاقه لها لما يمتلكه من قدرات ذهنية وميول محببة لنيل كل ما فيه تحدي وإثارة.
فإذا صحت مقولة
الإيحاء هو كل شيء وكل شيء هو الإيحاء) عليك أن تسأل نفسك عند كل مقالة تكتبها ما هي الأشياء التي أوحيت بها لقرائك؟ وكيف كانت قوة الإيحاء؟ وإذا تذكرت فتذكر أن ما يربط القارئ بمقالتك هي: 1)- إذا اعتقد أنها مهمة وقيمة 2)- إذا اعتقد أنها ممتعة 3)- إذا اعتقد أنه بامكانه استيعابها 4)- إذا وثق بك ككاتب.
وأنت تعرف الآن أن الإيحاء الايجابي وسيلة تأثير قوية وراقية أخلاقيا فعليك أن تنمق مقالتك بإيحاءات إيجابية من أجل رفع مستوى الثقة عند قارئك وتحفيز قدراته.
6)- استخدم اللغة الحسية
يمكنك أن تصبح كاتبا يمتلك إثارة لغوية مليئة بالمدلولات المتعددة والمعاني المتنوعة عندما تغلف أفكارك بلغة الأحاسيس والمشاعر إنك تجسدها بذلك وتهب لها الحياة والحركة وبذلك تستثير عقول قرائك وتستهوي نفوسهم وتجيش عواطفهم وتحفز تفاعلهم.
اقرأ معي هذا النص على بساطته:- (كنا في قاعة التدريب في يوم مشمس وأشعة الشمس تخترق النوافذ فتظهر ذرات الغبار وهي تتراقص في فضاء القاعة لتشاركنا أجواء المتعة والإثارة وفي ذات الوقت كان جهاز العرض يعرض شرائح المادة التدريبية على الجدار الواحدة تلو الأخرى وهو يهمس بصوت غريب وكأنه يريد تعقيبا أو استفسارا أما المتدربون فقد كانوا في قمة الذهول لما يرونه من فنيات عرض آسر وحداثة معلومات قوية فلا تسمع لهم إلا همسا.....) ستلاحظ أن هكذا أوصافا حسية تساعد القراء على تشكيل صور ذهنية و أصوات ومشاعر, وتستدعي منهم ردود أفعال (ذهنية ووجدانية).
والقاعدة هنا هي: أن مبدأ (لا تخبر ولكن أظهر) لا ينطبق على الكتابات القصصية وحدها بل ينطبق أيضا على الكتابات الأخرى. وهذه اللغة تجدها مستعملة بكثرة في القرآن الكريم.
فاجعل القارئ يرى ويسمع ويحس ويتفاعل مع ما تكتب.
يمكنك أن تستمل الاستعارة الحسية مثل أن تصف جبلا مكسوا بالثلج فتقول رأيت جبل الشريعة وقد وضع قلنسوة ناصعة ليتمم بها قبة قميصه الأبيض) ووازن بين الاستعارة والتصريح في الوصف الحسي. 7)- استخدم هذه الفنيات
1)-عندما تريد التعبير عن معنى وصفي فاستعمل الاسم لأنه الأنسب, فأنت تقول القرآن الكريم عندما تريد التعبير عن كرم مصدره وقدسية ألفاضه وسخاء معانيه الخ.
2)- عندما تريد التعبير عن معنى ظرفي استعمل الفعل لأنه الأقوى والأنسب كقولك: (وقد استمتعت بقراءة هذه المقالة).
3)- تكلم عن الأشياء العملية بشكل حواري بطريقة حسية ما أمكن ذلك فإن ذلك يمنح مقالتك سحرا لا يقاوم.
4)- لا تستخدم الكلمات المجردة لأنها غير محسوسة إلا عند الضرورة وكذلك الكلمات الغامضة والمبهمة وانتبه دائما لمؤشر الغموض وقلل من نسبته بعد كل كتابة ولا تستخدم المصطلحات العلمية إلا مبينة ومفسرة ولا تكثر منها إلا اضطرارا.
7)-اعتمد على مخزونك الذاتي
يمكنك أن تعتمد في التدقيق اللغوي على معالج النصوص الرقمي لكنه لا يلبي الغرض كليا لأنه يملك معلومات اصطناعية جافة أما أنت فتملك معلومات حقيقية حية يمكنها أن تهب الحياة والحيوية والجاذبية لموضوعك.
لا بأس أن تستعين بمعالج نص رقمي أو بشري متخصص.
والآن:- وقد أصبح لديك دليل كتابة ترجع إليه عند وبعد كتابة أي نص أدبي أو فني أو عملي أو غيره.
لم يبقى أمامنا إلا أن نكمل بحثا سويا عن اللغة كنظام تصوري ولغة ميتا ولغة ميلتون استعمالاتهما واللغة الرقمية ومولدها.
إلى أن يتيسر لنا في عدد من الأعداد القادمة بفضله سبحانه ومنته
موضوع: كيف تفعل اتصالك الكتابي؟ 
21/10/2009, 00:30
