عصام محمود 2 ناقد أدبي
عدد الرسائل : 25 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : نقاط : 5800 ترشيحات : 0
| موضوع: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 2/8/2009, 13:43 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كنت قد قمت بعمل نقد لمسرحية دماء على حائط المبكى للكاتب فتحي عبد الوهاب ،وعندما علم بالنشر من أصدقاء له طلب مني نسخة من النقد فأرسلته له فنشره على موقعه . ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى"(*) تطرح مسرحية"دماء على حائط المبكى" للكاتب فتحى عبد الغنى صورة مغايرة لتلك الصورة التي اعتاد المسرح تقديمها للصراع العربي الإسرائيلي، تلك الصورة التي ظلت ثابتة في الثقافة العربية عن ذلك اليهودي ذي الأنف المعقوف المرابي، الذي يأكل لحم المحتاجين ، هذه الصورة الخالية من أي بعد نفسي أو اجتماعي، وهذا ما تجاوزته هذه المسرحية وقدمت لنا صورة مغايرة تماما للصورة الثابتة، فهي تتغلغل في أعماق هذه الشخصية وتطرح رؤية مغايرة ومقارنة لليهودي الحديث والقديم، وفي صورة موازية تطرح الصراع العربي الإسرائيلي في الفكر القديم والجديد ، فهي تقدم لنا مجموعة من الثنائيات ليس فيها الأنا والآخر بل الآخر والآخر ، وهي ثنائية عجيبة فالآخر يتعدد ويتكرر حتى نكاد لا نعرف من نحن ومن الآخر، هذا التداخل العجيب في المسرحية القصيرة نوعا ما فهي مكونة من فصلين الفصل الأول مشهد واحد والثاني مشهدين والشخوص الرئيسة ستة أشخاص أربعة يقومون بدور محوري ويظهرون في النص بصورة حية واثنتان تظهران من خلال الحديث عنهما بصيغة الغائب لكنهما مؤثرتان في أحداث المسرحية. 1. الثنائية الأولى: تبدأ المسرحية بمشهد بين ليفي اليهودي كبير السن مع ابنته راشيل التي وصلت توا إلى إسرائيل قادمة من أمريكا بعد أن هربت بها الأم من المانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وهى طفلة فى اللفة بعد ان اصبحت فتاة يافعة وتعب الأب في إرسال خطابات يغريها بزيارته فى اسرائيل حتى عادت إليه في زيارة فيحاول أن يجعلها تعيش معه من خلال الإغراء بتملك هذا البيت القديم الذي يعيش فيه ولكن ما قيمة هذا البيت؟ إن القيمة تختلف بحسب نظرة الشخص إلى الشيء ،وبالفعل تختلف نظرة راشيل عن نظرة ليفي . ليفي: لا.لا...لا .. لقد أعددت لك كنزا.. كنزا حقيقيا . راشيل: كنز.. كنز يا أبي ليفيملوحا لها بورقة أخرجها من جيبه) هذه. راشيل ما هذه؟ ليفيبجزل)عقد تنازل مني لك. راشيل : عن أي شيء يا ترى؟ ليفي:عن أغلى شيء في العالم. راشيل: وما هو هل ستقول لي؟ ليفي:عن هذا البيت. راشيلبدهشة)أي بيت تقصد !! ليفي:أتراك غير مصدقة.. هذا البيت. راشيل:الذي نقف فيه الآن ليفي متهللا)بعينيه راشيل تنفجر ضحك) ليفيالذي يؤخذ بضحكها)على ما تضحكين ؟ راشيلوهي مستمرة في الضحك )ولكن من قال أني في حاجة إلى هذا البيت المتهالك. ليفيمستهجنا) راشيل راشيلوهي مستمرة في الضحك) أنه آخر بيت في العالم يمكن أن أتوق إلى امتلاكه( ). يظهر لنا هذا الحوار التشكال الأول فكل منهما ينظر إلى البيت بحسب قيمته عنده ، فليفي ينظر إلى البيت باعتباره كنزا حقيقيا (ليفي:أنا..لا .. لقد أعددت لك كنزا.. كنزا حقيقيا)، وتفسر لنا السيميائية في النص السابق قيمة هذا البيت عنده ، فهو كنز وتردد ليفي كثيرا في منحه لابنته يظهر هذا التردد من خلال النقطتين اللتين وضعهما الكاتب في جملة ليفي كذلك في تكرار كلمة كنز فهو أغلى شيء عنده لكنه مضطر للتضحية به حتى لا تهرب ابنته، لكن هذا البيت عند راشيل التي عاشت حياتها في أمريكا لا يساوي شيئا (أنه آخر بيت في العالم يمكن أن أتوق إلى امتلاكه) ولماذا البيت الأخير ؟ راشيل: إن لدي أمي بيوتا كثيرة في أمريكا ليفي:أعرف راشيل:البيت الذي نسكن فيه عبارة عن قصر له حديقة مترامية الأطراف ليفي:بلغني راشيل:أمي وهبت لي كل هذه البيوت دون أن تصرخ في هكذا(تنفجر في البكاء). ليفي:اهدأي يا ابنتي راشيلمستمرة في البكاء) ليفي:كفى يا حبيبتي كفى.. المشكلة أنك لا تعرفين هذا البيت ( ). فراشيل تنظر نظرة مادية للبيت باعتباره بيتا قديما(كيف لا أعرفه وأنا أقف فيه.. أقف على نفس أخشابه المتآكلة وفي مواجهة حوائطه المتداعية)بينما هو كنز(هذا البيت ليس ككل البيوت) (هذا البيت له حكاية) فراشيل أخرى بالنسبة لأبيها ، فلكل منهما منطقه الخاص . راشيل مادي بحت ، بينما الأب منطق نفسي ذاتي ، هو الأمن والأمان هو الذي يكسر حاجز الخوف "لقد كنا نجري في جنح الليل هربا منهم وليتنا كنا نعرف ممن نهرب لقد تحول الناس العاديون إلى جستابو(*) مهمتهم اصطيادنا .. أنت لا تستطيعين أن تتصوري مهما حاولت حالة الرعب التي كنا عليها أو كيف أصبحت فكرتنا عن نفسنا...... أصبح دمنا مهدرا والمسألة لا تعدو كونها مسألة وقت وفور أن يقبضوا علينا سيشحنوننا مع غيرنا في اللواري ويضعوننا كالقمامة في محطات التجميع حتى يرسلوننا إلى أفرانهم الحارقة.. الحارقة افهمي ناس بني آدمين سيحرقوهم أقول تاني أتحبي أن ألسعك الآن حتى تحسي بمعنى كلمة يحرقونهم)( ) . كان الرعب يملأ نفوسوهم ووجد في هذا البيت الملاذ والأمان ولذلك فهو أغلى مكان في العالم في رأي ليفي اذ يمثل له المعادل الموضوعي للأمن ، والذى استدعاها الى اسرائيل خصيصًا للزود عنه اذا ما مات هو ، فهو آخر بالنسبة لراشيل ذات الوضع المختلف تماما فهي لم تعش هذه الظروف ولذلك فالبيت عندها لا يساوي أكثر من قيمته المادية التي لا تساوي شيئا إذا قورنت بما عندها فهي أخر بالنسبة لأبيها. 2. الثنائية الثانية. هي الثنائية التقليدية العربي الغريب - في رأي ليفي- الذي يدخل البيت في وقت يبحث فيه ليفي عن شاب وسيم تحبه راشيل فتقبل العيش معه في إسرائيل، يدخل هذا العربي ومعه ابنه أحمد الشاب الذي وصل من أمريكا توا بعد أن عاش معظم حياته هناك وتخرج في كلية الطب جراحًا ؛ فتتلقفه راشيل وتصعد به إلى أعلى تاركا الثنائية الثانية بين ليفي والعربي حتى تظهر على مسرح الأحداث، ويدور بينهما حوار هادئ في البداية يظهر فيه العربي إعجابا بالحرية الإسرائيلية والعظمة عندهما وسرعان ما يتبين القارئ أو المشاهد أنها لهجة سخرية واستهزاء بعد أن يظهر سر زيارة هذا العربي للبيت(لن نكتشف الهدف الحقيقي من وراء الزيارة إلا قبل نهاية الفصل الأول )، الذي يثور عندما يكتشف أن ليفي قد غيَّر درابزين السلم: العربيتتغير لهجته وتصبح حادة كالسيف ) أنت غيرت هذا الدرابزين؟ ليفي: (يرد بتلقائية) تهالك وأوشك أن يقع وكان لابد من تغييره. العربيبصوت يشبه الفحيح)ليس من حقك. ليفي:ماذا؟ العربيصارخا) سمعتني ليفي: كيف تتحدث معي بهذه الطريقة؟ العربي:إنه بيتي وبيت أجدادي( ) فهذا العربي هو صاحب البيت الحقيقي الذي اغتصبه ليفي بعد طرد العربي فى 48، وتظهر في مخيلة العربي ذكريات الطفولة "إنه كان من المستحيل أن نتصور أن هذه الجماعات الهزيلة الوجلة المترددة المندهشة لوجودها هنا ستقوم باقتلاعنا نحن أصحاب البلد الذين نتحرك ونتصرف بثقة وقوة والذين ننظر لهذه الجماعات بنوع من الشفقة ، لم يكن من الممكن أنت نتصور أنها يمكنها تحت أي ظرف من الظروف أن تطردنا من أرضنا وضياعنا وقصورنا وتحولنا إلى لاجئين نعيش على الإعانات"( )هذه الذكريات التي دارت في مخيلته لم يفق منها إلا على صدمة تغيير الدرابزين الذي يمثل عنده لحظة الانكسار/الجنون، بينما يكون منطق ليفي العداء لكل الناس "لا بل حقيقة كل الذين يعيشون خارج حارة اليهود ويدبرون المؤامرات لحرقها بمن فيها.. حقيقة الأعداء كل العداء المنتشرين كالأفاعي في كل شبر من الأرض يرصدون حركتنا وينصبون المشانق والمحارق لنا إني أراهم الآن ها هم لهم عيون تخرج منها ألسنة اللهب وأصابع تنتهي بأظافر طويلة كالحراب.. ها هم أمامي.إني أراهم رأي العين"( ) فقد تجاوز الحاجز الفاصل بين العقل والجنون وفقد التمييز فصار الآخر عدوا في عينه،لا يهم هذا الآخر ولو كان يهوديا المهم أنه الآخر ،ويشتد العداء إلى الجنون مع هذا الذي جاء يسلبه الأمان ويثور دفاعا عنه، وينشب بينهما صراع شديد يصل إلى حد التشابك بالأيدي مرات ويتدخل أحمد وراشيل للفض بينهما في كل مرة، وفي النهاية تأتي الشرطة ويبرز العربي عقد بيته الذي يثبت أحقيته في البيت، فيمزقه الضابط ويضربه حتى يكسر ذراعه أما أحمد ولده الذي يحمل الجنسية الأمريكية فلا يقترب منه أحد احتراما للجنسية الأمريكية . وهذه هي صورة الآخر الطبيعية والمنتظرة في الحدث ولكل منهما وجهة نظره في البيت ولاشك أن هذه النهاية للفصل الأول نهاية طبيعية متوقعة من الشرطة الإسرائيلية. 3. الثنائية الثالثة: تمثل الأم شخصية رئيسة في المسرحة وإن لم تظهر على مسرح الحدث بصورة مباشرة لكنها ظهرت من خلال الحوار المحتدم فالأم الأولى هي أم راشيل التي هربت بها إلى أمريكا بعد أن غافلت الأب بعد هروبهما من المانيا الى سويسرا توطئة للذهاب الى اسرائيل وتركته يذهب الى اسرائيل بمفرده " راشيل : أمي ضئيلة الجسم.. ولها ملامح بالغة الدقة.. لكن تحب أن تنظر إليها..هادئة هدوءًا غير عادي.. نادرا ما تتكلم وإذا حدثتها ترد عليك بعد وقت وكأنها تناضل من أجل الحصول على الرد وعندما تتحرك لا تسمع لها صوتا كأنها تخشى أن تزعج أحدا أو أن تنبهه إلى وجودها.. وتمشي وكأنها تنساب أو تسيل مثلما يسيل الماء على الأرض بلا صوت....أقامت حول بيتنا يا أحمد وهو بالمناسبة قصر يقع وسط حديقة مترامية الأطراف جدارا عاليا لا نظير له في الضاحية كلها ، واستأجرت للحراسة شركة أمن "( ) لقد فقدت المرأة اليهودية الأمن مثل زوجها ولم تستطع المدنية أو الرفاهية أن تعيد إليها هذا الأمن المفقود، فتحولت إلى صورة أخرى من زوجها فمن يتعرض لهذه الفظائع ليس أمامه سوى طريق من اثنين الجنون وهو مصير الزوج،ذلك الذي ذاق مرارة الظلم والتشرد والتشرذم ،وبدلا من أن يدفعه هذا إلى كراهية الظلم بأشكاله جميعها إذ به يتحول إلى ظالم ويكون سببا في تشريد غيره ،وهذا ما وعته زوجته ولم يستطع عقلها أن يتقبله ؛لذلك فقد صار زوجها /الظالم صورة أخرى من صور الظلم لذلك اختطفت ابنتها وفرت الى امريكا بدلا من دولة قائمة على تشريد غيرها ،بل قاومت فكرة عودة ابنتها إلي أبيها وحذرتها من تغيرها هناك ،لكنها في داخلها أصبحت تمثل صورة من صور الموت وهذه الصورة التي رسمها الكاتب لها هي صورة الموت فهي ميتة بل هي الموت المجسد "وإذا حل لها أن تهزل وان تنزل من عليائها عندئذ يمكنك أن تسمع تانجو من نوع الدانوب الأزرق(*)"( ) أما الأم العربية فقد ماتت على أرض الواقع فقد كانت مع زوجها من سادة هذه المدينة وبعد الشتات والتهجير "ماتت كمدًا أمام عيني لأنها لم تستطع أبدا أن تتواءم مع حياتها كلاجئة تعيش في مخيم.. كنت أراها تتضاءل يوما بعد يوم أمام عيني ولا أستطيع أن أفعل لها شيئا "( ) ،فهي تضاءلت وزوت مثل زوجة ليفي لكنها لم تستطع أن تعزل نفسها عن الحياة كما فعلت زوجة ليفي فماتت كمدًا أما زوجها فهو الصورة المقابلة لليفي هذا الرجل الذي أصابته اللوثة ففقد القدرة على التفكير السليم المنطقي كما قال له ابنه ،وهي الصورة الأولى التي تبدو من وراء حوارهما ،لكن الحقيقة التي يكتشفها الابن غير ذلك فهو قد جاء إلى البيت ليس مطالبا به كما ادعى امام ابنه فليس من المنطقى أن ينتظر من شرطة المغتصب أن تنصفه وترده له ولكن كان له هدف آخر سيظهر فيما بعد ذلك من أحداث (فقد خذله العالم كله .. العالم كله )ص:74. 4. الثنائية الرابعة: بين أحمد وراشيل الذي وجد كل منهما في الآخر ما يبحث عنه ويتفاهم معه بعد أن انقطعت لغة الحوار بينهما وبين والديهما، فقد عاشا كلاهما طيلة حياته في أمريكا في مدينة واحدة وإن كانا لا يعرفان بعضهما البعض، وهذه هى زيارتهما الأولى لاسرائيل وكل منهما يرى والده للمرة الأولى فأحمد والده يعيش فى غزة التى سمحت اسرائيل لأهلها ( وقت وقوع الأحداث فى المسرحية ) ومنذ حرب 67 بزيارة الضفة الغربية مرورًا باسرائيل مما اتاح للعربى اصطحاب ابنه لزيارة بيته القديم المغتصب فى 48 وراشيل والدها يعيش فى اسرائيل وفى البيت المغتصب ، ووجد كل منهما أفكارا تتعارض مع ما تعلمه ، لكن كل منهما رأي في الآخر ما يبحث عنه لذلك فهما يتفقان في الرؤى والأفكار لأنهما ينهلان من نبع واحد هو الثقافة الأمريكية لذلك فلا عجب أن يدور هذا الحديث بين راشيل والضابط الإسرائيلي ( محاولة اقناعه أن يتجاوز عن موقف أبيها غير القانونى مع وعد بأن تأخذه معها وتسافر الى أمريكا ويا دار ما دخلك ) راشيل:أبي يا حضرة الضابط يسكن هذا البيت وليس معه مستندات الملكية. الضابطمتهكما) أحقا يا للهول راشيل:والأكثر من ذلك يريد- وهو لا يملكه- أن يتنازل عنه لي. الضابط: أحقا يا للهول راشيل:ومصر على ذلك تخيل؟( ) فهي تؤمن بأحقية العربي في بيته لأنه يملك العقد فعندها في أمريكا (البوليس في أمريكا تعطيه العقد يعطيك البيت)( )، ولأنهما أبناء ثقافة واحدة تختلف تمام الاختلاف عن ثقافة المجتمع الذي وفدا إليه فإنهما في موقف المواجهة ينظران إلى الصورة من الخارج ويحكمان العقل والمنطق فيبدوان في صورة مخالفة للوالدين، ويلخص هذا الحوار صورة هذا الاختلاف: العربي وابنه ليفي وراشيل العربي:لم يكن أمامي طريق آخر لأعرفك حقيقة قضيتك الشاب:أن تصنع هذا الموقف الرهيب. العربي: أنا لم اصطنع شيئا لا وجود له الشاب عدت للمرواغة. العربي:عيب أن تقول هذا لأبيك. يا أبي.. يا أبي .. ألم تكن تعرف مسبقا ما الذي سينالك من عقاب إذا ما دخلت بيت ليفي وطالبته أن يسلمه لك العربي: أليس بيتنا؟ الشاب عدت للمغالطة مرة أخرى العربي هل أصبحت الحقيقة مغالطة في هذا الزمن الأسود الشاب: أنت تعرف ماذا أعني العربي:أين المغالطة في أن أقول هذا بيتي.. أليس بيتي؟ الشاب:أنت تعرف أن المغالطة ليست فيما إذا كان البيت بيتك أم لا العربي:إذن هو بيتي الشاب:وأنا لم أقل بغير ذلك العربي إذا فما الخطأ في أن أطالب به الشاب تطالب من العربي:المغتصب الشاب:المغتصب ؟.. تلجأ إلى البوليس الإسرائيلي لينصفك من المغتصب يا أبي؟ العربي: ولما لا؟ الشاب:قد يقبل هذا التصرف من رجل ساذج أو أبله لا يعرف أو غير ملم بأبعاد القضية مثلي.., أما منك أنت.. وأنت من أنت.. فلابد أن يكون وراء هذا التصرف غاية.. هدف تريد أن تصل إليه. ليفي:راشيل.. حبيبتي.. هنا أرض الميعاد..هنا حارة اليهود الكبرى التي تضم بين دفتيها كل حواري يهود العالم.. شيلوك(*) الذي صنعه شكسبير في تاجر البندقية لم شريرا بطبعه يا راشيل هم الذين جعلوه شريرا ونسوا أنهم صانعوه..لقد أحاطوه بسياج من الاحتقار والكراهية فكان من المستحيل أن يكون غير ما كان عليه .. ولكن الآن شيلوك مات يا راشيل بل قولي أنه عاد من المنفي بعد أن حصل على رد شرف وأصبح إنسانا سويا كباقي الخلق ابق إلى جوار أبيك يا راشيل دعينا جيلا بعد جيل نسند ظهورنا إلى حائط المبكى ونموت في هدوء راشيل:أنت تقول شيلوك مات ليفي:نعم راشيل:ولكن أراه الآن أمامي ليفي: لا أفهم أرى انك شيلوك بلحمه ودمه ليفي: كيف تقولين ذلك عن أبيك يا راشيل راشيل:بل صدقني إذا ما قلت لك شيلوك كان موقفه أسلم من موقفك فقد كان معه عقد وقد تمسك ببنوده أما أنت فليس معك إلا القوة الباغية. ليفي:كيف تقولين ذلك.. كيف تكونين ابنتي من صلبي وتقولين ذلك راشيل:الحقيقة ليفي:أية حقيقة.. حقيقة الظالمين راشيل:بل حقيقة الذين اتيحت لهم الفرصة لكي يعيشوا خارج حارة اليهود ويحكموا على سلوكها بتجرد أكثر. هذه هي صورة كل منهما مع والده فكلهم أخر بالنسبة للآخر، فقد تبين الغرض الذي من أجله ذهب العربي إلى البيت ليس لطلب البيت فهو يعرف استحالة ذلك وبخاصة من الشرطة الإسرائيلية"لقد أخرجت الضابط عن صوابه عامدا متعمدا، وأنت تدرك تماما لما سينالك من عقاب وكان هذا هو هدفك الأساسي إذا كان همك أن تهان أمامي وأنت تطالب بحق واضح وضوح الشمس وبهذا تصل إلى غرضك وهو التأثير علي.. وأنا أقول لك برافو !لقد حققت هدفك العظيم فمنظر الدم وهو يندفع من جبهتك سيظل نافورة عذاب أشقى بها ما حييت..أما هدفك الثاني الذي من المفروض أن يترتب على الأول فيؤسفني أن أقول لك إنه لن يتحقق أبدا..ذلك لأني لن أثأر لك..ليس فقط للأسلوب غير الأخلاقي الذي اتبعته في التأثير علي بل أيضا لأني طبيب ورسالتي في الحياة تخفيف آلام البشرية لا زيادتها "( )، لقد خدعه أبوه بوسيلة غير أخلاقية من وجهة نظر الابن، كما أنه عاش طيلة حياته بعيدا عن محور الأحداث وبالتالي تختلف أيديولوجيته تماما فهو ينظر للصورة من الخارج، ولذلك يرفض تبني وجهة نظر الأب، وهو كطبيب جراح يقول " كيف اتدرب عشرات الساعات نزيف الدم ويكون عملى هو اراقة الدماء ، أما راشيل مدرسة الموسيقى فهي ترى بحكم تربيتها في أمريكا أن الحق مع العربي وأبوها ظالم له سالب لحقه، فيهرب الابنان من هذا الجحيم الذى اسمه اسرائيل ليعودا الى امريكا فهما أصحاب لغة تتباين تمام التباين مع الواقع الموجود أمامهما، ويتقابلان في المطار أمام بوابة السفر فى تحد سافر لأبويهما اللذان هدداهما بالقتل والمتوجدان بالمطار لهذا الغرض ان غادرا اسرائيل لأمريكا واذا لم يبق كل منهما أحمد لاسترداد البيت المغتصب وراشيل لحمايته ان حاول أحمد استرداده ويدور بينهما هذا الحوار أحمد:هل كان هو أحد النازيين الذين طاردوا أمك أو أباك؟ .. تكلمي راشيل :أنا لم أقل ذلك أبدا أحمد:هل كان يوما معاديا للسامية كما يقولون ؟ راشيل:لم أسمع بشيء كهذا. أحمد:ولو كان من المعادين للسامية كيف سمح أو تسامح مع أصحاب القبعات السوداء فور حضور طلائعهم إلى بلاده هه؟.. لماذا لم يقاومهم..لماذا اعتبرهم إضافة إلى سائر اليهود الذين كانوا يعيشون معه في مدينته. راشيل:هذا شيء بديهي أحمد : إذا لماذا ؟ كيف لا أكون القاتل وتوقع علي عقوبة الإعدام هه تكلمي راشيل:أعرف أنه ظلم وأنت نفسك رأيت مدى احترامي للعقد الذي بيده أحمد:لو كان له دور في مأساتكم من قريب أو بعيد لقلت ليأخذ جزاءه. راشيل:أشهد ببراءته من ذلك( ). فالحقيقة التي يطرحها الكاتب هنا تتوافق مع المنطق العقلاني الذي يؤمن به كل منصف وهو لو سلمنا جدلا بحدوث تلك الفظائع لليهود في أوروبا، ومعاملتهم تلك المعاملة القذرة والقاسية – وهو أمر يدفع للشفقة والعطف عليهم- لكن ليس للعرب ذنب فيما حدث لهم فقد تحولوا من مظلومين إلى ظالمين يصنعون بأصحاب الأرض ما صنعه الأوروبيون بهم. وبعد هذا الحوار المزدوج يقرران عدم السفر معا العودة إلى البيت القديم أحمد يبنى فيه دور ثالث يكون عيادة وراشيل دور رابع يكون معهد لتعليم الأطفال الموسيقى فى نفس اللحظة التى امتدت أيديهما للهاند باك ليحملاها توطئة لعودتهما أعلن ميكروفون المطار وصول طائرة الولايات المتحدة ، ظن الوالدان المترصان أنهما فعلا سينفذان تهديدهما ويعودان الى الىلايات المتحدة على عكس الحقيقة ولأنهما بهذا التصرف قد خرجا عن الناموس الأعظم من وجهة نظر الأبوين فيطلقان عليهما مسدساتهما . تنتهي المسرحية وهما محمولان على نقالة الإسعاف بين الحياة والموت ، وهي نهاية مفتوحة من المؤلف فلم يموتا أو يعيشا مما يفتح باب التأويلات أما المتلقي فمن حقه أن يتخيل النهاية التي يراها مناسبة من وجهة نظره. |
|
راجي عفو ربه مشرف
عدد الرسائل : 831 بلد الإقامة : أرض الله احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 7490 ترشيحات : 24
| موضوع: رد: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 3/8/2009, 11:08 | |
| |
|
زين العابدين عضو جديد
عدد الرسائل : 27 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 6058 ترشيحات : 1
| موضوع: رد: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 3/8/2009, 17:21 | |
| أحسنت أستاذ عصام محمود على هذه الدراسة النقدية والتى عدت إليها مرات ومرات لأتعلم منها درب من دروب الأدب ألا وهو النقد ومن الواضح أنك ضليع فى النقد الأدبى وواسع الاطلاع على الأدب العالمى فكان هذا الموضوع الذى استفدنا منه كثيرا .
شكرا لسيادتكم |
|
عبوووود عضو خيالي
عدد الرسائل : 2181 بلد الإقامة : العياط - مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 9208 ترشيحات : 5 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 7/1/2010, 13:00 | |
| |
|
عمو همزة عضو جديد
عدد الرسائل : 48 بلد الإقامة : بلاد الله احترام القوانين : العمل : نقاط : 5465 ترشيحات : 1
| موضوع: رد: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 7/6/2010, 04:03 | |
| عصام محمود
دراسه قيمه ورائعه
مشكور للجهد والموضوع القيم
بارك الله فيك
وفي انتظار كل جديد لديك |
|
عصام محمود 2 ناقد أدبي
عدد الرسائل : 25 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : نقاط : 5800 ترشيحات : 0
| موضوع: رد: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 20/9/2010, 16:56 | |
| الشكر موصول لكل الإخوة على تفاعلهم مع الموضوع. |
|
أشرف المنياوي عضو متألق
عدد الرسائل : 760 بلد الإقامة : محافظة المنيا العمل : الحالة : نقاط : 6985 ترشيحات : 5 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثنائية الآخر في "دماء على حائط المبكى" 9/5/2015, 13:37 | |
| |
|