بسم الله الرحمن الرحيم
علاقة الفارس العربي بحصانه علاقة حميمة متينة وطدتها الحاجة وإرتباط المصير بين طرفي هذه العلاقة.
فكانت النتيجة سيادة الفارس العربي على الصحراء ودحره لأعدائه..وسيادة الخيل العربية على كافة خيل العالم..
ورأيت هنا أن أورد بعض الأمثلة من شعر العرب فيما يختص بهذا الموضوع فالشعر أبلغ من أي كلام ....
يقول عنترة رمز البطولة والشجاعة العربية في وحدة الفارس وفرسه:
أتقي دونه المنايا بنفسي...وهو يغشى بنا صدور العوالي
وهنا يصف علاقته بفرسه كما يصف العاشق معشوقته:
أقيه بنفسي في الحروب وأتقي....بهاديه إني للخيل وصول
ويقول في موضع اخر لم أقرأ قط شعراً مثله في عظمة توصيف العلاقة بين الفارس والفرس وفي وصف مشاعر الفرس حتى أوصلها لدرجة الانسانية وأشهد لله أنه لم يكذب ولم يبالغ في وصفه:
يدعون عنتر والرماح كأنها...أشطان بئر في لبان الأدهم
مازلت أرميهم بثغرة نحره....ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه..وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى..ولكان لو علم الكلام مكلمي
ويقول عمرو بن أبي ربيعة يعتذر من فرسه وقد أتعبه في أمر ما:
تشكي الكميت الجري لما جهدته...وبين لو يستطيع أن يتكلما
لذلك أدني دون خيلي رباطة....وأوصي به ألا يهان ويكرما
فقلت له إن نلق للعين قرة...لهان علينا أن تكل وتساما
وضبيعة القيسي يدعو لفرسه أن يجازيه الله بفعله الطيب و يصف وفائه معه في علاقة مصيرية بين الفارس وفرسه لا تدانيها أي علاقة:
جزى الله "الأغر" جزاء صدق...إذا ما اوقدت نار الحروب
يقيني باللبان ومنكبيه...وأحميه بمطرد الكعوب
وأدفيه إذا هبت شمال...بليل حرجف بعد الجنوب
ويقول فضالة بن هند الأسدي مخاطبا فرسه ومذكراً اياه بسابق بره لشحذ همته:
أناصح شمر للرهان فإنها....غداة حفاظ جمعتها الحلائب
أتذكر إلباسيك في كل شتوة..ردائي وإطعامك والبطن ساغب
ومما ذكرته الخنساء في رثاء أخيها صخر تصف حال "رعلة" فرس صخر بعد موته:
وخيل قد زحفت بخيل...فدارت بين كبشيها رحاها
ونرفع فضل سابغة دلاص..على خيقانة خفق حشاها
فقد فقدتك رعلة فإستراحت..فليت الخيل فارسها يراها
وقال اخر انسيت أسمه معللا سبب إهتمامه بفرسه وتفضيله على أمرأته عندما عاتبته على ذلك:
أرى أم سهل ماتزال تفجع..تلوم وما أدري على ما توجع
تلوم على أن اعطي الورد لقحة..وما تستوي والورد ساعة أفزع
اذا هي قامت حاسراً مشمعلة....نخيب الفؤاد رأسها ما يقنع
وقمت إليه باللجام ميسراً...هنالك يجزيني الذي كنت أصنع
والعرب شغفت بحب الخيل والنساء ولطالما قامت الحروب الشعواء وغامرت الفرسان بأرواحها فداءً للخيل والنساء, وفي هذا يقول أحد الخوارج عندما سأله الحجاج في يوم عرض عليه فيه أسرى من الخوارج وبعض والخيل والجواري بعد أن لمح الخارجي يصعد بصره في وجه جارية حسناء وفرس اصيل.
فعندما سأله الحجاج: أيهما أحب إليك؟
قال:
لصلصلة اللجام برأس طرف..أحب إلي من ان تنكحيني
أخاف إذا حللنا في مضيق..وجد الركض ألا تحمليني
ويصف الأجدع الهمداني حبه وتعلقه بفرسه أروع وصف قائلاً:
نقفو الجياد من البيوت ومن يبغ...فرساً فليس جوادنا بمباع
وغيرة النساء من الخيل مشهورة ولكن هيهات أن يستمع الفارس العربي الأصيل او يستسلم لمكر النساء وكيدهن لفرسه:
يقول المقعد بن شماس السعدي رداً على إمرأته:
أتامرني بكنزة ام قشع...لأشريها فقلت لها دعيني
فلو في غير كنزة اّمرتني..ولكني بكنزة كالضنين
فلا وأبيك لا أحبو خليلاً...بكنزة ما حييت فلا تهوني
رأت جاراتها خدرن ريطاً..وأكثر فوقهن من العهون
ومن الفرسان من ذهب إلا أبعد من هذا واضعاً الإنسان العربي الفارس في منزلة لم يسبقه إليها أي فارس او انسان من غير العرب ولم يصل إليها أي من البشر إلى يومنا هذا, انه يضحي بنفسه دون فرسه على الرغم من إستيائه منه, فأين دعاة الرفق بالحيوان عن هذا النص؟؟ وأين من يسئ معاملة الحيوان عن هذا الوصف الإنساني الرائع:
يقول ثعلبه العبدي:
وإن "عريبا"ً وإن ساءني...أحب حبيب وأدنى قريب
سأجعل نفسي له جنة....بشاكي السلاح نهيب أريب
اكتفي بهذا القدر وإلا فالكلام يطول والأمثلة أكثر من أن تحصى في مقالة واحدة....
مراجع المقاله:
1-شرح المعلقات للزوزني.
2-ديوان المفضليات.
3-الحصان في قصائد الجاهليين والإسلاميين للدكتور أحمد ابو يحي.
4-كتاب الخيل (مطلع اليمن والإقبال في إنتقاء كتاب الإحتفال) لعبدالله بن محمد الكلبي الغرناطي