التلاوي يخرج على النص في مجادلة واقعية
ما دام الواقع نفسه قد اخترق، فما الذي يمنع من اختراق الشكل التقليدي تعبيرا عن التجاوب مع التحولات؟
كتب ـ أحمد فضل شبلول
الناقد والأديب د. جمال نجيب التلاوي أحد المثقفين المتفاعلين بقوة مع الحركة الأدبية المصرية والعربية والعالمية، فهو أستاذ للأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة المنيا، وعضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، وعضو مجلس إدارة نادي القصة بالقاهرة، ورئيس نادي الأدب بقصر ثقافة المنيا، وهو قارئ ومتابع جيد لكل حركات التجديد الأدبية، ولكل جديد على الساحة النقدية عربيا وعالميا.
وقد أتاحت له هذه المتابعة الدؤوب أن يكتب نصوصا خارجة على النص عن فهم وخبرة ودراية وقصد، وليس عن جهل وعدم معرفة بالقواعد والأصول الكلاسيكية أو المتعارف عليها.
وقد بدأ التلاوي حياته الأدبية بمجموعة قصصية بعنوان "البحث عن شيء ما" صدرت عام 1984، ثم صدر له مجموعة ثانية بعنوان "والفجر" عام 1988، ثم روايتا "تكوينات الدم والتراب" و"الخروج على النص" في كتاب واحد صدر عام 2000.
وحول هذه الأعمال الأدبية صدر مؤخرا كتاب "الخروج على النص جدلية النص والواقع: قراءة في أدب جمال نجيب التلاوي" للباحث والناقد د. محمد علي سلامة أستاذ النقد الأدبي بجامعة حلوان، وفيه يتحدث عن مشوار التلاوي القصصي في ضوء البنيوية التوليدية، ولغة السرد عنده، انطلاقا من مقولة إنه "ما دام الواقع نفسه قد اخترق، فما الذي يمنع إذن من اختراق الشكل التقليدي تعبيرا عن التجاوب مع هذه التحولات التي حدثت؟"
ولا يتم هذا التجاوب عبثا، ولكنه يدل على رؤية للعالم يمتلكها هذا الكاتب، الذي يمتلك وعيا ثقافيا وهما قوميا قدم من خلاله رؤية جمالية في أعماله الأدبية، معبرا عن جيله من خلال تكرار عبارة "نحن جيل منهوك".
ويلاحظ سلامة أن أكثر كلمتين تترددان في أعمال جمال التلاوي هما: "التراب" و"إيزيس"، والتراب يعني الأزمة، وإيزيس تعني الخلاص.
ويحيلنا سلامة إلى دراسة للناقد الراحل د. محمود الحسيني في أعمال التلاوي التي يرى أن مفردة أو كلمة "السقوط" تتردد كثيرا في أعماله، فهي ترددت في عشر قصص ثمانية وخمسين مرة، ويرى أنها ناتج طبيعي لفشل الحلم، وبإضافتها إلى الميلاد تشكلان الموتيفة الرئيسية للمجموعة القصصية "والفجر".
ويشير سلامة إلى دراسة أخرى للناقد د. محي الدين محسب بعنوان "تكنيك التقطيع ومشهد التفتيت قراءة في رواية (تكوينات الدم والتراب) للكاتب جمال نجيب التلاوي". وفيها يركز الناقد على بناء الرواية التي تجسد مأساة فلسطين عبر الفتاة بطلة العمل والتي لا نعرف لها اسما.
ويرى سلامة أن التلاوي يحاول منذ البداية التجريب بإدماج فنون أدبية أخرى في السرد، مثل: اللغة الشعرية التي جربها في معظم أعماله، وأسلوب التقطيع، والتذييلات التي تعقب بعض قصصه. وهكذا يشكل التلاوي من أعماله الأدبية مجموعة نصوص متداخلة ومتشابكة ومتنافرة في آن واحد، حتى أنه ليتناص مع نفسه، بالإضافة إلى تناصه مع فنون أخرى سواء باستخدام تقنياتها أو لغتها، مما ينتج بنى متلاحمة تشكل البنية الكلية المعبرة (أو النص الكلي المعبر) عن رؤية الأديب للعالم الساعية إلى إعادة تنظيمه وصياغته في النهاية تشكيلا جماليا أدبيا.
ويتوقف سلامة طويلا عند التناص مع القرآن الكريم، وخاصة سورة "يوسف"، فيقول "لعلي لا أبالغ إذا قلت إن التناص مع سورة (يوسف) معبر عن الحالة الراهنة والموقف الكامن في داخله تجاه الآخر الذي يمثل بؤرة القلق ليس للجيل الذي يمثله (الكاتب) بل للأمة بأسرها."
أيضا هناك تناص مع قصة موسى التي تتلخص في طفل يأتي من رحم الغيب لينقذ الناس من جبروت فرعون ويغير وجه العالم، وما فيها من مفارقة تعد من تقنيات التناص.
ويرى سلامة أنه إذا كانت رواية "تكوينات الدم والتراب" قد استلهمت تراثا دينيا ملائما لها هي قصة موسى، فإن رواية "الخروج عن النص" قد استلهمت تراثا أجنبيا أوروبيا، وهو ما يؤكد تمتع الكاتب بثقافة عريضة عربية وأجنبية كما ذكرنا في البداية، وأنه يستفيد من اطلاعه على الأدب الإنجليزي بلغته الأم في إبداعه الأدبي.
ويختم د. محمد علي سلامة كتابه الصغير الصادر عن دار الهدى للنشر والتوزيع بالمنيا (88 صفحة) بأن "التجريب والخروج عن النص نوع من الصدق مع الواقع ولون من توافق الفن مع واقعه الذي هو مادته الأصلية، وهذا ما فعله جمال التلاوي الذي ننتظر منه المزيد في هذا الطريق."