السكتة اللغوية
يعرف كمال سيسالم (2002) الحبسة الكلامية بأنها فقدان القدرة على الكلام في الوقت المناسب على الرغم من معرفة الفرد بما يريد أن يقوله وتنتج عن مرض في مراكز المخ . أما عبد العزيز السرطاوي وآخرون (2002) فيعرفوا الحبسة الكلامية في معجم التربية الخاصة بأنه قصور في القدرة على فهم أو استخدام اللغة التعبيرية الشفوية وترتبط الحبسة الكلامية عادة بنوع من الإصابة في مراكز النطق والكلام في المخ، والحبسة الكلامية مصطلح عام يشير الي خلل أو اضطراب أو ضعف في أحد جانبي اللغة أو كلاهما وجانبا اللغة هما : الاستيعاب والإنتاج، وينتج هذا الاضطراب عن خلل يصيب مراكز اللغة في الدماغ ، وينتج عن أسباب منها : جرح في الرأس، أورام في الدماغ، الجلطة، ارتفاع درجة الحرارة في جسم المصاب، الحالات النفسية السيئة المتقدمة. وحتى تعتبر الحالة حبسه كلامية يجب أن تكون الإصابة قد حدثت بعد اكتمال نمو اللغة.
ويضيف عبد العزيز السرطاوي ووائل أبو جودة (2000) أن أداء المرضى المصابين بالسكتة اللغوية يتسم بما يلي :
1- الاستيعاب السمعي:
أ- يظهرون ضعفاً واضحاً في استيعاب ما يسمعون ، قد لا يفهمون الأوامر الموجهة إليهم، وقد لا يستطيعون تسمية أشياء تطلب منهم.
ب- الخلط في الكلمات المتشابهة في المعنى أو في اللفظ؛ وذلك بسبب الاستيعاب المتدني.
2- القراءة:
أ- قد يظهرون عجزا في تمييز و معرفة الكلمات المكتوبة؛ وقد يقرؤون الكلمات ولكن بدون فهم.
ب- تبدو الكلمات المألوفة لهم قبل الإصابة وكأنها كلمات غير مألوفة.
ج- يظهرون بطئاً في القراءة إلى جانب الأخطاء فيها.
3- الكلام:
أ- قد يعانون من صعوبات في إيجاد الكلمة المناسبة عند الحاجة إليها.
ب- استبدال كلمة بأخرى ولكن من نفس المجموعة المعنوية فقد يستبدل كلمة ملعقة بسكين.
ج- قد يعانون من صعوبة في التعبير عن أنفسهم بشكل مباشر.
د- قد يلجأون إلى حذف الكلمات الوظيفية من كلامهم وهذا يعنى استخدام كلام التلغراف
4- الكتابة:
أ- قد ينسون شكل الحروف.
ب- قد يكتبون كتابة عكسية.
ج- قد يحذفون أو يستبدلون بعض الحروف.
د- قد يظهرون أخطاء في الكتابة الإملائية.
هـ- قد يكتبون ببطء شديد.
5- الإشارات:
أ- قد لا يفهمون المقصود بالإشارات.
ب- قد يظهرون عجزاً في التواصل عن طريق الإشارات.
أنواع الأفازيا:
توجد أنواع عديدة مختلفة من الأفازيا، يتوقف ذلك علي موضع وحجم الإصابة التي تلحق بأي منطقة في المخ ، ومن بين أهم أنواع الأفازيا ما يلي :
(1) الأفازيا التعبيرية أو الحركية :
وتعرف أيضاً بالأفازيا اللفظية أو الشفوية أو بأفازيا بروكا وهو نوع من الاضطرابات أو العجز في كلام الشخص المصاب ؛ ولكنه يظل قادراً علي فهم كلام الآخرين. ونلاحظ أن المصاب يكرر لفظ واحد مهما تنوعت الأحاديث أو الأسئلة الموجهة إليه ، و في حالات التي يتعرض فيها الشخص إلى الضغط الانفعالي قد نجده يتمتم ببعض العبارات الغير مألوفة ، أو الغير مفهومة، وذلك بقصد توجيه السباب و العدوان ، وفى مثل هذه الحالات تسمى بالأفازيا اللفظية أو الشفوية. وقد سميت أفازيا بروكا الحركية بأفيمياAphemia بمعنى عدم القدرة على الكلام بالرغم من وجود الكلمة في ذهن المصاب، وفي بعض حالات أفازيا بروكا الحركية يفقد المصاب القدرة على التعبير عدا لفظ بعض الكلمات أحياناً مثل (نعم) ، أو (لا) .
ويحدث هذا النوع من الأفازيا نتيجة إصابة المناطق الأمامية من نصف المخ الأيسر الذي يتحكم في إنتاج الكلام ؛ في التلفيف الثالث من المخ في المنطقة رقم(44) التى سبق أن أشرنا إليها. خصوصاً المنطقة المسماة " منطقة بروكا" . وتقع مباشرة إلي الأمام من منطقة الحركة الأولية الخاصة بالجهاز العضلي المسئول عن إخراج الكلام (الشفاه، اللسان، الحلق ... الخ) ، ولكن مناطق الحركة الأولية الخاصة بالكلام لا يصيبها ضرر مصاحب لأفازيا بروكا، أي لا توجد أية مظاهر لإصابة في الجهاز العضلي للكلام بالشلل ( فيصل الزراد ،1990).
والمصاب بأفازيا بروكا يتكلم قليلاً جداً. وعندما يحاول هذا المصاب الكلام فإن كلامه يحبس، بحيث لا يستطيع إخراج الكلام ، كما تغيب من كلام المصاب الأجزاء النحوية الصغيرة و التصريف الصحيح للأفعال . مثل هذا الكلام يسمي غالباً" كلام تلغرافي " أو "كلام بدون التزام بقواعد اللغة -مهلهل" مثلاً، كانت استجابة أحد مرضي أفازيا بروكا ، عندما رأي صورة امرأة تقوم بغسل الأطباق، وأمامها حوض مملوء يفيض بالماء، وبعض الأطفال يحاولون الحصول علي إناء الكعك فيقلبون الكرسي الصغير الذي يريدون الوقوف عليه، فيقول"...و... ولد...ولد يقلب... يصعد..." أما في الحالات الشديدة من هذا النوع من الأفازيا فلا يستطيع المصاب غالباً إلا التلفظ بكلمة واحدة أو اثنتين مرة بعد الأخرى في محاولته للكلام أو وصف شيء ما . وعندما ينطق هذا المصاب أخيراً بكلمة ، فإنه ينطقها سليمة إلي حد ما(سالي سبرنجر وجورج ديوتك ، 2002).
كما أن قدرة المصاب علي تسمية الأشياء ضعيفة، لكن تلقينه الكلمات تساعده كثيراً. هذه الحقائق تؤكد القول بأن هذا العجز ليس في جهة النطق، ويبدو أن معظم المرضي بأفازيا بروكا يفهمون الكلام المنطوق و المكتوب، ولذلك فالمشكلة لديهم تتعلق بمرحلة الإنتاج الحركي في المخ للغة وليس في مرحلة الفهم. كما يبدو أن هؤلاء المرضي علي دراية بمعظم أخطائهم اللغوية . وقد جادل بعض الباحثين قائلين بأن عملية الفهم عند المصابين بأفازيا بروكا ليست سليمة تماماً كما يعتقد الكثيرون.
* بروكا: نسبة إلى العالم بول بروكا مكتشف المنطقة 44 في المخ .
(2) الأفازيا الاستقبالية أو الحسية:
وتعرف أيضاً بأفازيا فيرنيكة * ، أو متلازمة ما خلف شق سلفيوس ، وقد توصل فيرنيكة إلى افتراض أن حدوث إصابة أو تلف في هذا الجزء من الدماغ، أدى بدوره إلى تلف الخلايا العصبية التى تساعد على تكوين الصور السمعية للكلمات أو للأصوات، وينتج عن ذلك ما يسمى بالصمم الكلامي، وهو شكل من أشكال الأفازيا الحسية حيث تكونت حاسة السمع سليمة ، ولكن الألفاظ تفقد معناها لدى السامع، كما لو كانت هذه الألفاظ من لغة أخرى لا يعرفها الفرد، كما أن الصمم الكلامي يمكن اعتباره شكل من أشكال الأجنوزيا Agnosia .
ومن الجدير بالذكر أن المصاب بهذا الاضطراب لا يستطيع فهم الكلام عموماً. ويصاحب هذا الاضطراب الإصابة التي تلحق بالمنطقة الخلفية من التلفيف الصدغي الأول (في منطقة فرنيكة)، وكلام المصاب بالأفازيا الاستقبالية أكثر طلاقة من كلام المصاب بالأفازيا التعبيرية، لكن ذلك يتوقف علي حجم الإصابة، فكلام المصاب بالأفازيا الاستقبالية قد يتراوح بين أن يكون غريباً نوعاً ما إلي كونه خال تماماً من المعني. وغالباً ما يستخدم هؤلاء المرضي في كلامهم كلمات غير مألوفة أو غير معروفة .
وفى بعض حالات الأفازيا الحسية عند فرنيكة نجد المصاب يفهم كل لفظ في الجملة لوحده، ولكنه لا يستطيع فهم معنى الجملة كاملة ، وهذا ما يسميه البعض بالأفازيا المعنوية، وهناك حالات أخرى نجد المصاب فيها يستخدم كلمات في غير مواضعها، ويستخدم كلمات غريبة غير مألوفة، ومثل هذه الحالات يكون المصاب قد اكتسبها بسبب وجود الاضطراب من صغره في المراكز السمعية الكلامية حيث يحدث خلل في تكوين الصور السمعية للكلمات (سالي سبرنجر وجورج ديوتك ، 2002).
وإليك مثال لحديث بين مريض يخاطبه المعالج :
المعالج: هل تحب أن تأكل المانجو؟
المصاب: نعم أنا أكون.
المعالج: أود أن تتحدث عن مشكلتك؟
المصاب: نعم، أنا لا أرغب في هذا الطعام.
المعالج: ماهي المشكلة التى تعانى منها؟
المصاب: سأقول لهم. . .
* فرنيكة: حيث توصل العالم( كارل فرنيكة) إلى هذا الشكل من الأفازيا نتيجة للأبحاث التشريحية التى قام بها (1874)
(3) أفازيا تسمية الأشياء:
تلك التي تعرف أيضاً " بأفازيا النسيانية " وفي هذا النوع فإن المصاب يجد صعوبة في تسمية الأشياء ، فإذا عرضنا عليه مجموعة من الأشياء المألوفة وطلبنا منه تسميتها فإنه قد يشير الي استعمالاتها عوضاً عن أسمائها، وهذا الاضطراب لا يشمل فقط الأشياء المرتبطة بل يشمل أسماء الأشياء المسموعة ، أو الملموسة ، وتبقى قدرة المصاب على تذكر الحروف وأجزاء الكلام المطبوعة سليمة ، ويبقى قادراً أيضاً على استعمال الشيء والإشارة إليه إذا سمع اسمه أو رآه ، فإذا قدم للمريض كرسي وسألناه عن اسمه لا يستطيع تذكر كلمة (كرسي) وربما أمكنه إدراك وظيفة الكرسي واستعمالاته ، وإذا سئل المصاب هل هذا منضدة، أم كتاب أم كرسي ، فإنه يجيب الإجابة الصحيحة ، ولكن المشكلة تتركز في تذكر اسم الشيء لو طلب منه ذلك.
وعلى الرغم من أن هذه الصعوبة موجودة لدي المصابين بمعظم أنواع الأفازيا، إلا أن الصورة " النقية " من أفازيا تسمية الأشياء تنتج من إصابة المنطقة القشرية التى تقع بين الفص الصدغي، والفص الجداري ، والفص القفوي-وهى المنطقة التى تسمى " التلفيفة الزاوية " أن المصاب بالصورة النقية من أفازيا تسمية الأشياء ، لديه الإمكانية على الفهم العادي، كما يمكنه التحدث بصورة طبيعية وتلقائية إلى حد كبير في أثناء حديث غير رسمي.
و يعتقد الباحثون أن هذه الأفازيا تحدث نتيجة تقطع الترابطات الموجودة بين قنوات حسية مختلفة( أي بين مناطق مختلفة في المخ) التى تعتبر أجزاء داخلة في قدرة الفرد على تسمية الأشياء. وقد تظهر الأفازيا النسيانية لدي من يعانون من مرض الزهايمر*
* الزهايمر : هو صورة من صور الذهان التى تشاهد نادراً قبل الشيخوخة ،أو أعراض الشيخوخة.
(4) الأفازيا الشاملة أو الكلية:
يشير هذا النوع من الأفازيا إلى العجز الشديد في كل الوظائف المتعلقة باللغة. ففي هذا النوع من الأفازيا نجد أن قدرة الشخص المصاب على الفهم وإنتاج الكلام معيبة أو لا توجد نهائياً. ولكنه قد يستطيع التواصل مع غيره عن طريق الإشارات أوالرموز ، كأن يستخدم صوراً بدلاً عن الكلمات، وحتى في هذه الطريقة قد يجد المصاب صعوبة في تنفيذها أو قد لا تنجح كلياً .
وهذا النوع من الأفازيا ينتج عن إصابة واسعة في نصف المخ الأيسر تغطي معظم المناطق التى يعتقد أن لها دوراً في فهم وإنتاج اللغة. فهذا الشكل من الأفازيا الكلية يحدث بسبب إصابة الدماغ بجلطة دموية تؤدى إلى انسداد الشريان والأوعية الدموية المغذية للمخ ، وللألياف العصبية الواردة من المراكز العليا للحركة بالفص الجبهي و المتجه نحو الذراع ، والساق، والأطراف وأعضاء النطق، مثل هذه الإصابة تنتشر في جزء كبير من مناطق الكلام في نصف الكرة المخ المسيطر، ويمكن أن تحدث نفس الأعراض بسبب الالتهابات ، والنزيف الدماغي، الذي يؤدى إلى حرمان المنطقة المصابة من التغذية والأوكسجين اللازم .
وتضيف سالي سبرنجر وجورج ديوتك ( 2002) نوعين آخرين من الأفازيا هما :
(5) الأفازيا التوصيلية:
يتسم هذا النوع من الأفازيا بعدم قدرة المصاب علي إعادة ما يسمعه بصوت عالي. بالإضافة إلي كون الكلام التلقائي لهذا المصاب ليس إلا رطانة لا معني لها غالباً (كما في أفازيا فرنيكة)، ولكن علي عكس أفازيا فرنيكة، فإن قدرة المصاب علي فهم الكلام المنطوق و الكلام المكتوب تظل إلي حد كبير سليمة. هذه الأعراض إذن يمكن شرحها علي أنها ناتجة من فصل مراكز الاستقبال عن مراكز التعبير اللغوي في المخ.؟ وفي الحقيقة، فإن الإصابة التي تلحق بالمسار العصبي المسمي الحزمة القوسية التي تصل بين مناطق بروكا وفرنيكة وجدت فعلاً في مثل هذه الحالات .
(6) الأفازيا الممتدة( أو العابرة لمناطق القشرة) :
ويحدث هذا النوع من الأفازيا نتيجة إصابة المنطقة القشرية ، ولكن هذه الإصابات تبقي علي مراكز أو مناطق الكلام وكذلك المسارات الموصلة بينها سليمة، ولكن هذه الإصابات تعزل هذه المراكز أو المناطق عن بقية المخ. فإذا كانت الإصابة قد عزلت منطقة فرنيكة عن بقية أجزاء المخ فتسمي " الأفازيا الحسية المعزولة " بينما إذا كانت الإصابة قد عزلت منطقة بروكا فتسمي ( أفازيا مختلطة ممتدة) .
وتوجد في أنواع الأفازيا الثلاثة المذكورة درجات متباينة من مشاكل فهم وإنتاج الكلام تلقائياً. مثل هؤلاء المرضي يستطيعون أن يعيدوا-يكرروا-بصورة جيدة ما يقال لهم ، وهى حالة تسمى صدى الكلام (أو الببغاوية) . وبقاء القدرة على إعادة ما يقال سليمة في هؤلاء المرضى، هو ما يميز الأفازيا الممتدة عن أفازيا بروكا، وأفازيا فرنكه، والأفازيا التوصيلية حيث القدرة على إعادة الكلام معيبة في هذه الأنواع الثلاثة الأخيرة .