الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الوتر الحزين
شخصيات هامة
شخصيات هامة
الوتر الحزين

ذكر
العمر : 56
عدد الرسائل : 18803
ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 111010
العمل : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Unknow10
الحالة : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Yragb11
نقاط : 32589
ترشيحات : 121
الأوســــــــــمة : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 112

ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Empty
مُساهمةموضوع: ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي   ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي I_icon_minitime27/5/2009, 03:06

وفاة موظف

ذات مساء رائع كان إيفان ديمتريفيتش تشرفياكوف، الموظف الذى لا يقل روعة، جالسا فى الصف الثانى من مقاعد الصالة، يتطلع فى المنظار إلى «أجراس كورنيفيل» وأخذ يتطلع وهو يشعر بنفسه فى قمة المتعة، وفجأة.. وكثيرا ما تقابلنا «وفجأة» هذه فى القصص، والكتّاب على حق، فما أحفل الحياة بالمفاجآت! وفجأة تقلص وجهه، وزاغ بصره، واحتسبت أنفاسه.. وحوّل عينيه عن المنظار وانحنى و.. أتش! عطس كما ترون، والعطس ليس محظورا على أحد فى أى مكان، إذ يعطس الفلاحون ورجال الشرطة، بل وحتى أحيانا المستشارون السريون، الجميع يعطس، ولم يشعر تشرفياكوف بأى حرج، ومسح أنفه بمنديله، وكشخص مهذب نظر حوله ليرى ما إذا كان قد أزعج أحدا بعطسه، وعلى الفور أحس بالحرج، فقد رأى العجوز الجالس أمامه فى الصف الأول يمسح صلعته ورقبته بقفازة بعناية ويدمدم بشىء ما، وعرف تشرفياكوف فى شخص العجوز الجنرال بريزجالوف الذى يعمل فى مصلحة السكك الحديدية.

وقال تشرفياكوف لنفسه: «لقد بللته، إنه ليس رئيسى، بل غريب، ومع ذلك فشىء محرج، ينبغى أن أعتذر» وتنحنح تشرفياكوف ومال بجسده إلى الأمام وهمس فى أذن الجنرال:

ــ عفوا ياصاحب السعادة لقد بللتكم.. لم أقصد..

ــ لاشىء، لاشىء.

ــ أستحلفكم بالله العفو. إننى.. لم أكن أريد!

ــ أوه، اسكت من فضلك! دعنى استمتع!

وأحرج تشرفياكوف فابتسم ببلاهة، وراح ينظر إلى المسرح. كان ينظر ولكنه لم يعد يحس بالمتعة، لقد بدأ القلق يعذبه، وأثناء الاستراحة اقترب من بريزجالوف وتمشى قليلا بجواره، وبعد أن تغلب على وجله دمدم:

ــ لقد بللتكم ياصاحب السعادة.. اعذرونى.. إننى لم أكن أقصد أن..
ــ لقد بللتكم ياصاحب السعادة.. اعذرونى.. إننى لم أكن أقصد أن..

فقال الجنرال:
ــ أوه كفاك! أنا قد نسيت وأنت مازلت تتحدث عن نفس الأمر!

وحرك شفته السفلى بنفاد صبر.

وقال تشرفياكوف لنفسه وهو يتطلع إلى الجنرال بشك: «يقول نسيت بينما الخبث يطل من عينيه، ولا يريد أن يتحدث، ينبغى أن أوضح له أننى لم أكن أرغب على الإطلاق.. وأن هذا قانون الطبيعة، وإلا ظن أننى أردت أن أبصق عليه، فإذا لم يظن الآن فسيظن فيما بعد..!

وعندما عاد تشرفياكوف إلى المنزل روى لزوجته ما بدر عنه من سوء تصرف، وخيل إليه أن زوجته نظرت إلى الأمر باستخفاف، فقد جزعت فقط، ولكنها اطمأنت عندما علمت أن بريزجالوف ليس رئيسه.

وقالت:
ــ ومع ذلك اذهب إليه واعتذر، وإلا ظن أنك لا تعرف كيف تتصرف فى المجتمعات!

ــ تلك هى المسألة! لقد اعتذرت له، ولكنه.. كان غريبا.. لم يقل كلمة مفهومة واحدة.. ثم إنه لم يكن هناك متسع لحديث.

وفى اليوم التالى ارتدى تشرفياكوف حُلة جديدة، وقص شعره وذهب إلى بريزجالوف لتوضيح الأمر.. وعندما دخل غرفة استقبال الجنرال رأى هناك كثيرا من الزوار ورأى بينهم الجنرال نفسه الذى بدأ يستقبل الزوار. وبعد أن سأل عدة أشخاص رفع عينيه إلى تشرفياكوف فراح الموظف يشرح له:

ــ بالأمس فى «أركاديا» لو تذكرون ياصاحب السعادة عطست و.. بللتكم عن غير قصد.. اعتذر..
ــ ياللتفاهات.. الله ما هذا! وتوجه الجنرال إلى الزائر التالى ماذا تريدون؟

ــ وفكر تشرفياكوف ووجهه يشحب: «لايريد أن يتحدث إذن فهو غاضب.. كلا، لايمكن أن أدع الأمر هكذا.. سوف أشرح له..».

وبعد أن أنهى الجنرال حديثه مع آخر زائر واتجه إلى الغرفة الداخلية، خطا تشرفياكوف خلفه ودمدم:
ــ ياصاحب السعادة! إذا كنت أتجاسر على إزعاج سعادتكم فإنما من واقع الإحساس بالندم!. لم أكن أقصد كما تعلمون سعادتكم!

فقال الجنرال وهو يختفى خلف الباب:
ــ إنك تسخر ياسيدى الكريم!

وفكر تشرفياكوف: «أية سخرية يمكن أن تكون؟ ليس هنا أية سخرية على الإطلاق! جنرال ومع ذلك لا يستطيع أن يفهم! إذا كان الأمر كذلك فلن أعتذر بعد لهذه المتغطرس، ليذهب إلى الشيطان! سأكتب له رسالة ولكن لن آتى إليه. أقسم لن آتى!».

هكذا فكر تشرفياكوف وهو عائد إلى المنزل.. ولكنه لم يكتب للجنرال رسالة، فقد فكر وفكر ولم يستطع أن يدبج الرسالة، واضطر فى اليوم التالى إلى الذهاب بنفسه لشرح الأمر.

ودمدم عندما رفع إليه الجنرال عينين متسائلتين:
ــ جئت بالأمس فأزعجتكم ياصاحب السعادة، لا لكى أسخر منكم كما تفضلتم سعادتكم فقلتم، بل كنت أعتذر لأنى عطست فبللتكم.. ولكنه لم يدر بخاطرى أبدا أن أسخر، وهل أجسر على السخرية؟ فلو رحنا نسخر، فلن يكون هناك احترام للشخصيات إذن..

وفجأة زأر الجنرال وقد أربد وارتعد:
ــ اخرج من هنا!

فسأل تشرفياكوف هامسا وهو يذوب رعبا:
ــ ماذا؟

ــ فردد الجنرال ودق بقدمه:
ــ اخرج من هنا!

وتمزق ما فى بطن تشرفياكوف وتراجع إلى الباب وهو لا يرى ولا يسمع شيئا، وخرج إلى الشارع وهو يجرجر ساقيه.. وعندما وصل آليا إلى المنزل استلقى على الكنبة دون أن يخلع حُلته.. ومات.



مع سبق الإصرار

أمام المحقق يقف فلاح صغير، نحيف للغاية، فى قميص مخطط وسروال مرقع. ويبدو على وجهه الذى غطاه الشعر وأكله النمش، وعينيه اللتين لا تكادان تظهران من تحت حاجبيه الكثيفين المتهدلين، تعبير صرامة عابسة. وعلى رأسه كومة من الشعر الملبد الذى لم يمشط منذ زمن طويل، مما يضفى عليه مزيدا من الصرامة العنكبوتية. وهو حافى القدمين.

ويبدأ المحقق:
ــ دينيس جريجوريف! اقترب وأجب عن أسئلتى. فى السابع من يوليو الجارى كان حارس السكة الحديد إيفان سيميونوف أكينفوف يقوم بالتفتيش صباحا على الخط، فوجدك عند الكيلو 141 متلبسا بفك صامولة من الصواميل التى تثبت بها القضبان على الفلنكات. وها هى ذى الصامولة! وقد قبض عليك ومعك هذه الصمولة. هل هذا هو ما حدث؟

ــ آه؟

ــ هل حدث هذا كما ذكر أكينفوف؟

ــ معلوم، حصل.

ــ طيب، ولأى غرض فككت الصامولة؟

ــ آه؟

ــ دعك من «آهك» هذه وأجب عن السؤال: لأى غرض فككت الصامولة؟

يقول دينيس بصوت أبح وهو يتطلع إلى السقف:
ـ لو لم أكن بحاجة إليها ما فككتها.

ـ وما حاجتك إلى الصامولة؟

ـ الصامولة؟ نحن نصنع منها ثقالات السنانير.

ـ ومن هؤلاء «نحن»؟

ـ نحن، الناس.. فلاحو الناحية يعنى.

ـ اسمع يا أخانا، لا تتظاهر بالغباء، وتكلم بصراحة. كفاك كذبا بخصوص الثقالات!

فيدمدم دينيس وهو يطرف بعينيه:
ـ أنا عمرى ما كذبت، فلماذا أكذب الآن.. وهل يمكن يا صاحب السعادة أن تصيد بدون ثقالة؟ لو وضعت حشرة أو دودة فى السنارة فهل يمكن أن تغوص إلى القاع بدون ثقالة؟

ويضحك دينيس ضحكة قصيرة.
ـ أكذب قال.. وأى فائدةمن الطعم إذا بقى طافيا على سطح الماء؟ الفرخ والكراكى والبربوط دائما تعوم قرب القاع، وإذا عام شىء عند السطح فليس إلا الشيليشبيور وحتى هذا نادر.. الشيليشبيور لا يعيش فى نهرنا.. هذه السمكة تحب الوسع.

ـ ولماذا تحدثنى عن الشيليشبيور؟

ـ آه؟ طيب، حضرتك سألتنى! السادة أيضا عندنا يصطادون بهذه الطريقة. حتى أصغر عيل لن يصطاد بدون ثقالة. طبعا الذى لا يفهم هو الذى سيصطاد بدون ثقالة.. العبيط لا عتب عليه.

ـ إذن أنت تعترف بأنك فككت هذه الصامولة لكى تصنع منها ثقالة؟

ـ مضبوط! وهل لألعب بها!

ـ ولكنك تستطيع أن تستخدم للثقالة الرصاص، أو الرش.. أو أى مسمار.

ـ الرصاص لن تجده ملقى على الطريق، لازم تشتريه، والمسمار لا ينفع. ليس هناك أحسن من الصامولة.. فهى ثقيلة وبها خرم.

ـ كيف يتظاهر بالغباء كأنه ولد بالأمس أو هبط من السماء.. ألا تفهم أيها الأحمق إلى أى شىء يؤدى فك الصواميل؟ لو لم يكتشف الحارس ذلك لكان من الممكن أن يخرج القطار عن القضبان ولمات الناس! كنت ستتسبب فى قتل الناس!

ـ أعوذ بالله يا صاحب السعادة! لماذا أقتلهم؟ وهل نحن لا نعرف ربنا أم أننا أشرار؟ الحمد لله يا صاحب السعادة، أنا عشت حياتى ولم أقتل أحدا ولم أفكر حتى فى ذلك.. يا ساتر يارب ارحمنا.. كيف تقول ذلك؟

ـ وما رأيك، لماذا تقع حوادث انقلاب القطارات؟ إذا فككت صامولتين أو ثلاثا وقع الحادث!

ويضحك دينيس ضحكة سخرية قصيرة ويزر عينيه محدقا فى المحقق بارتياب.
ـ لا! من سنين وكل أهل القرية يفكون الصواميل، وربنا سترها، وحضرتك تقول: انقلاب القطارات! قتل الناس.. لو أنى خلعت القضيب، أو وضعت مثلا جذع شجرة بعرض القضبان فيمكن ساعتها ينقلب القطار. ولكن هذه مجرد صامولة! شىء بسيط!

ـ ألا تفهم أن الصواميل تثبت بها القضبان فى الفلنكات!

ـ نحن نفهم هذا.. إننا لا نفك كل الصواميل.. نأخذ البعض ونترك الباقى.. عندنا نظر.. فاهمين طبعا..

ويتثاءب دينيس ويرسم علامة الصليب على فمه.. ويقول المحقق:
ـ فى العام الماضى خرج قطار عن القضبان هنا.. مفهوم الآن لماذا..

ـ ماذا تقول حضرتك؟

ـ أقول مفهوم الآن لماذا خرج قطار عن القضبان فى العام الماضى.. الآن فهمت أنا السبب!

ـ سعادتكم من أهل العلم ولذلك تفهمون.. ربنا أعلم لمن يعطى المفهومية.. حضرتك عرفت وقدرت، لكن الحارس مثله مثل الفلاح، ليس عنده أى مفهومية، يمسك الواحد من قفاه ويشده.. طيب الأول أعرف وبعدين شد! الفلاح فلاح، ومخه فلاحى.. اكتب أيضا يا صاحب السعادة، إنه ضربنى مرتين فى وجهى وفى صدرى.

ـ عند إجراء التفتيش وجد عندك صامولة أخرى. فأين ومتى فككت هذه الصامولة؟

ـ حضرتك تقصد الصامولة التى كانت تحت الصندوق الأحمر؟

ـ لا أعرف أين كانت هذه الصامولة، لكنهم وجدوها لديك.. متى فككتها؟

ـ أنا لم أفكها. أعطانى إياها إيجناشكا، ابن سيميون الأعور. أنا أقصد الصامولة التى تحت الصندوق، أما تلك فى الزحافة، فى الحوش فككتها أنا ومتروفان.

ـ أى متروفان؟

ـ متروفان بتروف.. ألم تسمع عنه؟ إنه يصنع الشباك ويبيعها للسادة. وهو يحتاج إلى صواميل كثيرة مثل هذه. كل شبكة تحتاج إلى حوالى عشر صواميل.

ـ اسمع.. المادة 1081 من قانون العقوبات تنص على أن كل تخريب متعمد للسكك الحديدية يكون من شأنه تعريض سلامة وسيلة النقل المارة بها للخطر، وفى حالة معرفة الجانى بالعواقب الوخيمة التى سيؤدى إليها فعله.. فاهم؟ ولابد أنك تعرف إلى أى شىء يؤدى فك الصواميل.. يعاقب مرتكبه بالنفى والأشغال الشاقة.

ـ طبعا حضرتك أدرى.. نحن ناس جهلة.. وهل نحن نفهم؟

ـ أنت فاهم كل شىء! لكنك تكذب، وتتظاهر بالغباء!

ـ ولماذا أكذب؟ اسأل أهل القرية إن كنت لا تصدقنى.. بدون الثقالة لا يصطاد إلا السمك الأبيض، وهل هناك أسوأ من القوبيون، ومع ذلك فلا يمكن صيده بدون الثقالة.

فيبتسم المحقق قائلا:
ـ أظنك ستحدثنى الآن عن الشيلشبيور.

الشليشبيور لا يعيش فى نواحينا.. نرمى الخيط بدون ثقالة على سطح الماء، والطعم فراشة، ونصطاد الشبوط، وحتى هذا نادر.

ـ طيب، اسكت.

ويسود الصمت. يقف دينيس متململا، ويحدث فى الطاولة ذات المفرش من الجوخ الأخضر ويطرف بشدة وكأنه لا يرى أمامه جوخا بل شمسا. والمحقق يدون بسرعة.

وبعد فترة صمت يسأل دينيس:
ـ هل انصرف؟

لا، ينبغى أن أرسلك تحت الحراسة إلى السجن. يكف دينيس عن الطرف، ويرفع حاجبيه الكثيفين، وينظر إلى المحقق متسائلا:
ـ كيف إلى السجن؟ يا صاحب السعادة! أنا مستعجل، لازم أروح للسوق. ولى عند يجور ثلاثة روبلات ثمن الشحم لازم أستلمها.

ـ اسكت، لا تشوش علىّ.

ـ إلى السجن.. لو كنت فعلت ما يستحق السجن لذهبت، ولكن هكذا.. بدون ذنب.. ماذا فعلت؟ لم أسرق، وأظن لم أتعارك.. أما إذا كنت تشك فىّ بخصوص الدين، فلا تصدق العمدة يا صاحب السعادة.. أرجوك اسأل السيد عضو اللجنة.. العمدة لا يعرف ربنا.

ـ اسكت!

فيدمدم دينيس:
ـ أنا ساكت.. طيب أنا مستعد أحلف اليمين إن العمدة يغالط فى الحساب.. نحن ثلاثة إخوة: كوزما جريجورييف، وبعدين يجور جريجورييف، وأنا دينيس جريجورييف.

ـ أنت تشوش علىّ.. ويصيح المحقق: يا سيميون! خذه!

ويدمدم دينيس، بينما يقتاده جنديان قويان خارج غرفة التحقيق:
ـ نحن ثلاثة إخوة.. والأخ لا يحاسب على ذنب أخيه.. كوزما لا يدفع وأنا المسئول! يا لكم من قضاة! مات السيد الجنرال، عليه الرحمة، وإلا لأراكم الويل، أيها القضاة.. إذا حكمتم فتحكموا بالعدل، بالمفهومية.. وليس هكذا بلا ذنب.. حتى لو حكمتم بالجلد فليكن المهم بالحق، بالأمانة
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com
الوتر الحزين
شخصيات هامة
شخصيات هامة
الوتر الحزين

ذكر
العمر : 56
عدد الرسائل : 18803
ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 111010
العمل : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Unknow10
الحالة : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Yragb11
نقاط : 32589
ترشيحات : 121
الأوســــــــــمة : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 112

ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي   ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي I_icon_minitime27/5/2009, 03:11

القناع

أقيم فى نادى «س» الاجتماعى حفل تنكرى لغرض خيرى.

كانت الساعة الثانية عشرة ليلا، وجلس المثقفون غير الراقصين ــ وكانوا خمسة ــ فى قاعة المطالعة إلى طاولة كبيرة ودسوا أنوفهم ولحاهم فى الجرائد وراحو يقرأون وينعسون، و«يفكرون» على حد تعبير المراسل المحلى لجرائد العاصمة، وهو سيد ليبرالى جدا.

وتناهت من الصالة العامة أنغام رقصة «فيوشكى»، ومن حين لآخر كان الخدم يهرولون بجوار الباب وهم يدقون عاليا بأقدامهم ويثيرون رنين الأوانى، بينما كان الصمت العميق يسود قاعة المطالعة.

وفجأة تردد صوت غليظ مكتوم بدا وكأنه صادر من المدفأة.

ــ يبدو أن المكان هنا سيكون مناسبا، تعالوا هنا يا أولاد! تعالوا، تعالوا!

وفتح الباب، ودخل قاعة المطالعة رجل عريض، ربعة، يرتدى حلة حوذى وقبعة بريش طاووس وقناعا، وتبعته سيدتان مقنعتان وخادم يحمل صينية، وكان على الصينية زجاجة ليكير منبعجة وثلاث زجاجات نبيذ أحمر وبضعة أكواب.

وقال الرجل:
ــ تعالوا! الجو هنا أبرد.. ضع الصينية على الطاولة.. أجلسن ياموزمزيلات! جى فو برى، أما أنتم ياسادة فلتفسحوا.. هيا من هنا! وتمايل الرجل وأزاج بيده عدة مجلات من على الطاولة.

ــ ضع هنا! أما أنتم أيها السادة القراء، فلتفسحوا، لا وقت هنا لقراءة الجرائد والسياسة.. دعوا عنكم هذا!

فقال أحد المثقفين وهو ينظر إلى صاحب القناع من خلال نظارته:
ــ الزم الهدوء من فضلك، هذه قاعة مطالعة وليس بوفيه.. ليس هذا مكانا للشراب.

ــ ولماذا ليس مكانا؟ هل الطاولة تتأرجح أم ربما السقف يتساقط؟ شىء عجيب حسنا.. لا وقت عندى للحديث! اتركوا الجرائد.. يكفيكم ما قرأتم.. أنتم هكذا أذكياء من اللازم، كما أنكم تتلفون أبصاركم وأهم ما فى الأمر أننى لا أريد.. انتهينا.
ووضع الخادم الصينية على الطاولة، وطوى الفوطة على ذراعه ووقف بجوار الباب، وشرعت السيدتان فورا فى تناول النبيذ الأحمر.

وقال الرجل ذو ريش الطاووس وهو يصب لنفسه ليكيرا:
ــ كيف يوجد أناس أذكياء يعتبرون الجرائد أفضل من هذه المشروبات أما أنا فأرى أيها السادة المحترمون أنكم تحبون الجرائد لأنكم لا تملكون ما تشربون به، أليس كذلك؟ ها.. ها!.. إنهم يقرأون! حسنا وما هو المكتوب هناك؟ أيها السيد ذو النظارة، أية وقائع تقرأ؟ ها.. ها! دعك من ذلك ! كفاك تمنعا، أشرب أفضل.

ونهض الرجل ذو ريش الطاووس وانتزع الجريدة من يد السيد ذى النظارة فامتقع هذا، ثم تضرج ونظر بدهشة إلى بقية المثقفين، ونظر هؤلاء إليه.

وانفجر قائلا:
ــ إنك تتجاوز حدودك ياسيدى المحترم، إنك تحول قاعة المطالعة إلى حانة، إنك تسمح لنفسك بالعربدة واختطاف الجرائد من الأيدى! لن أسمح لك! أنت لا تعرف مع من تتحدث ياحضرة المحترم! أنا جيستياكوف، مدير البنك!.

ــ فلتكن جيستياكوف! أما جريدتك فها هى ذى قيمتها..

ورفع الرجل الجريدة ومزقها قطعا.

ودمدم جيستياكوف مصعوقا:
ــ ما هذا ياسادة؟ هذا شىء غريب.. هذا.. هذا غير معقول.

فضحك الرجل قائلا:
ــ سيادته زعلان! آى، آى، أخفتنى! أقدامى ترتعش، اسمعوا أيها السادة المحترمون! كفى مزاحا. أنا لا أرغب فى الحديث معكم.. ولما كنت أريد أن أبقى هنا مع المزموزيلات على انفراد وأريد أن أمتع نفسى، لذلك أرجوكم ألا تحزنوا ولتخرجوا.. تفضلوا من هنا! ياسيد بيليبوخين اخرج من هنا فى ألف داهية! ما لك تقلب سحنتك؟ أقول لك اخرج يعنى تخرج! هيا عجل وإلا أهويت على قفاك!

فتساءل بيليبوخين صراف المحكمة وهو يحمر ويهز كتفيه:
ــ كيف! ما معنى هذا؟! أنا حتى لا أفهم.. شخص وقح يقتحم علينا المكان.. وفجأة يتفوه بهذه الأشياء!.

فصاح الرجل ذو ريش الطاووس غاضبا، ودق بقبضته على المائدة حتى تراقصت الأكواب على الصينية:
ــ ماذا تقول؟ وقح؟ لمن تقولها؟ أتظن أننى ما دمت فى القناع فبوسعك أن توجه لى مختلف الكلمات؟ يالك من مشاغب! اخرج من هنا أقول لك! يا مدير البنك، انكشح من هنا بالمعروف! اخرجوا جميعا، إياكم أن يبقى منكم لئيم هنا! غوروا فى ألف داهية!

فقال جيستياكوف الذى غامت نظارته من شدة الانفعال:
ــ حسنا، سنرى الآن! سأريك! إيه، استدع الشاويش المناوب!

وبعد دقيقة دخل شاويش صغير أحمر الشعر بشريط أزرق على ياقة سترته وهو يلهث من الرقص، وقال:
ــ تفضلوا بالخروج. ليس هذا مكانا للشرب! تفضلوا فى البوفيه.

وسأل الرجل ذو القناع:
ــ من أين جئت أنت؟ هل أنا دعوتك؟

ــ أرجو أن تخاطبنى باحترام، وتفضل بالخروج!

ــ اسمع يا عزيزى.. سأمهلك دقيقة.. وطالما أنت شاويش وشخصية مهمة، فلتسحب هؤلاء الممثلين من أيديهم، مزموزيلاتى لا يعجبهن وجود غرباء هنا.. يشعرن بالخجل، وأنا أريد مقابل نقودى أن يكن فى حالتهن الطبيعية.

وصاح جيستياكوف:
ــ يبدو أن هذا المأفون لا يفهم أنه ليس فى حظيرة، استدعوا يفسترات سبيريدونتش!

وترددت فى النادى:
ــ يفسترات سبيريدونتش أين يفسترات سبيريدونتش

وسرعان ما ظهر يفسترات سبيريدونتش، وهو عجوز يرتدى حلة شرطى، وصاح بصوت مبحوح وهو يبحلق بعينيه المرعبيتين ويحرك شواربه المصبوغة:
ــ تفضل بالخروج من هنا!

فقال الرجل وهو يقهقه من المتعة:
ــ آه، لقد أرعبتنى! أى والله أرعبتنى! أقسم لكم إننى لم أر شيئا رهيبا كهذا! شواربه كشوارب القط، وعيناه جاحظتان.. ها.. ها.. ها! ها.. ها.. ها!.

فصاح يفسترات سبيريدونتش بكل قواته واهتز بدنه:
ــ ممنوع الكلام! اخرج من هنا! سآمر بطردك! وارتفع فى قاعة المطالعة صخب لا مثيل له، كان يفسترات سبيريدونتش يصرخ ويدق بقدميه وقد أحمر كسرطان البحر، وكان جسيتياكوف يصرخ، وكان يبلويبوخين يصرخ، كان جميع المثقفين يصرخون، ولكن غطى على أصواتهم جميعا صوت الرجل ذو القناع، الغليظ الأجش، وبسبب الهرج العام توقف الرقص، وتقاطر الناس من الصالة إلى قاعة المطالعة.

ولكى يظهر يفسترات سبيريدونتش هيبته استدعى جميع رجال الشرطة الموجودين فى النادى، وجلس ليكتب محضرا.
فقال ذو القناع وهو يدس أصبعه تحت القلم:
ــ اكتب، اكتب، يالى من مسكين، ترى ماذا سيحدث لى الآن؟ يا لحظى البائس! حرام عليكم ما تفعلونه بيتيم مثلى! ها.. ها.. ها! حسنا، ماذا؟ هل محضرك جاهز؟ هل وقع الجميع؟ فلتنظروا الآن إذن!.. واحد.. اثنان.. ثلاثة!.

ونهض الرجل ومد قامته بطولها ونزع القناع عن وجهه، وبعد أن كشف وجهه الثمل وطاف بنـظره الجميع مستمتعا بما أحدث من تأثير، تهاوى على الكرسى وقهقه بفرح، وبالفعل كان التأثير الذى أحدثه غير عادى، تبادل المثقفون النظرات فى ارتباك وامتقعت وجوههم، وحك بعضهم قفاه، ويحشرج يفسترات سبيريدونتش كالشخص الذى ارتكب عفوا حماقة كبيرة.

لقد عرف الجميع فى هذا الرجل الهائج المليونير المحلى صاحب المصانع والمواطن العريق المحترم بيتيجوروف، المعروف بفضائحه وبأعماله الخيرية، وكما ذكرت الجريدة المحلية غير مرة، بحبه للمعرفة.

وبعد دقيقة من الصمت سأل بيتيجوروف:
ــ حسنا هل ستنصرفون أم لا؟

وخرج المثقفون من غرفة المطالعة على أطراف أصابعهم فى صمت، دون أن يتفوهوا بكلمة، فأوصد بيتيجوروف الباب خلفهم.

وبعد دقيقة كان يفسترات سبيرويدونتش يفح هامسا وهو يهز كتف الخادم الذى حمل الخمر إلى قاعة المطالعة:
ــ لقد كنت تعلم أنه بيتيجوروف، لماذا سكت؟

ــ أمرنى ألا أقول!

ــ أمر ألا يقول.. سأسجنك أيها الملعون شهرا وعندئذ ستعرف ما معنى «أمرنى ألا أقول» اخرج!.. ـ وقال مخاطبا المثقفين ــ وأنتم أيضا يا سادة ما أحلاكم.. اعلنوا العصيان! لم يكن فى استطاعتكم أن تخرجوا من قاعة المطالعة لعشر دقائق! حسنا، تحملوا إذن مسئولية ما صنعتم! آه ياسادة، ياسادة.. هذا لا يجوز..

وسار المثقفون فى النادى مقهورين، ضائعين، مذنبين يتهامسون ويتوقعون شرا.. وعندما عرفت زوجاتهم وبناتهم بالحادث أخلدن إلى السكون وتفرقن عائدات إلى بيوتهن، وتوقف الرقص.

وفى الساعة الثانية خرج بيتيجوروف من قاعة المطالعة، كان ثملا يترنح، وعندما دخل الصالة جلس بقرب الأوركسترا ونعس على أنغام الموسيقى، ثم أمال رأسه بحزن وعلا شخيره.

وأشاح الشاويشية بأيديهم للعازفين:
ــ لا تعزفوا! هس!.. يجور نيليتش نائم.

وسأل بيليبوخين وهو ينحنى على أذن المليونير:
ــ هل تأمرون بتوصيلكم إلى البيت يا يجور نيليتش؟

وندت عن شفتى بيتيجوروف حركة وكأنه يريد أن ينفخ ذبابة عن خده.

وعاد يبليبوخين يسأل:
ــ هلا تأمرون بتوصيلكم إلى البيت؟ أم باستدعاء العربة؟

ــ هه؟ من أنت؟.. ماذا تريد؟.

ــ أريد أن أوصلكم.. حان وقت النوم..

ــ أريد أن أذهب.. أوصلنى!

وتهلل بيليبوخين من الرضا وشرع ينهض بيتيجوروف. وأسرع إليه بقية المثقفين، وأنهضوا المواطن الأصيل المحترم وهم يبتسمون بسرور، وساروا به بحذر إلى العربة.

وقال جيستاكوف بمرح وهو يجلسه:
ــ لا يستطيع أن يضحك على جماعة كاملة إلا ممثل موهوب. أنا مأخوذ حقا يا يجور نيليتش! حتى الآن مازلت أضحك.. ها.. ها.. كنا نغلى ونتلمظ! ها.. ها! هل تصدقون؟ لم أضحك أبدا فى المسرح مثلما ضحكت اليوم، فكاهة بلا حدود! سأظل طول عمرى أذكر هذه الأمسية التى لا تنسى!.

وبعد أن أوصل المثقفون بيتيجوروف عاودهم المرح والاطمئنان.

وقال جيستياكوف وهو سعيد جدا:
ــ لقد مد لى يده عند الوداع، إذن فليس غاضبا..

فتنهد يفسترات سبيرويدونتش:
ــ يسمع منك ربنا! إنه رجل وغد، حقير، ولكنه محسن!.. لا يصح!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 111010
العمل : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Collec10
الحالة : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 2210
نقاط : 9962
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي 1111110

ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي   ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي I_icon_minitime11/8/2009, 19:01

بارك الله فيك

وجزاك كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ثلاث قصص قصيرة لتشيكوفسكي
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة قصيرة الى حد ما
» قصة قصيرة
» قصة قصيرة
» قصص قصيرة . مكيرة ( 1 )
»  قصة قصيرة عن الام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: مكتبة الأعلامى :: مكتبة الأعلامى :: مكتبة الأدب العالمي-
انتقل الى: