وهو ما تؤكده أيضاً السيدة دلال (35) عاماً، حيث تقول: «أكثر ما أذكره من الطابون هو رائحته، وخاصة رائحة الخبز، لقد كان له طقس مميز، وأذكر أنني كنت أحب الذهاب دوماً برفقة والدتي عند ذهابها لتخبز في الطابون وخاصة في فصل الشتاء، حيث لا زلت أذكر كيف كنت أعشق ذلك الدفء العجيب الممزوج برائحة أشعر أنها لا تزال عالقة بأنفي رغم مرور أكثر من ستة وعشرين عاماً».
بقيت دلال ترافق والدتها للطابون حتى سن التاسعة من عمرها، فالطابون لم يكن فقط مكاناً للخبز أو للطهي، بل إنه كان يشكل طقساً اجتماعياً فريداً، حيث تجتمع النساء سواء اللواتي خبزن أو اللواتي جئن فقط لاستكمال ذلك الطقس وهو ديوانيه باب الطابون. تصطحب النساء أولادهن ليلعبوا، بينما تجلس باقي النساء خارج الطابون للحديث في كل أمور الحياة، وهي عادة اجتماعية كانت سائدة ولم ينساها المثل الفلسطيني حيث يُقال للذين يجلسون للحديث مطولاً بأنهم «مثل النسوان باب الطابون».
تضيف دلال «كانت الحياة في تلك الأيام أبسط بكثير، وحتى أحاديث النساء لم تكن في ذلك الوقت تتعدى مواضيع تتعلق بالطبخ والغسل، وأحيانا بعض النميمة التي لا تفارق مجالس النساء، وكذلك حديث المواسم كموسم قطاف الزيتون، وأحياناً أحاديث حول تلك المسلسلات المعدودة التي كان يعرضها التلفزيون الأردني والتلفزيون السوري وهما الوحيدان اللذان كان يصل بثهما للضفة الغربية في ذلك الوقت، بعكس أحاديث نساء اليوم التي تأخذ منحى آخر حول الماكياج وقصات الشعر والموضات وبرامج الفضائيات الجديدة، وأغاني الفيديو كليب».
وتعتبر دلال أن طقس الطابون مثل بقية طقوس الريف كانت أكثر انفتاحا اجتماعيا من اليوم، حيث الصبيان والبنات يلعبون معا، والنساء يذهبن للطابون الذي في العادة يقع في أماكن قريبة من المناطق السكنية، بينما اليوم كل شيء تغير وأصبح هنالك حالة شبه فصل بين الفتيان والفتيات، ولم يتبق من الريف سوى مظهره السياحي.
دلال رغم ذلك العشق لذاكرتها القديمة والطابون تقول إنه لو كان هنالك اليوم طابون لخجلت من الذهاب إليه، وتضيف «لماذا أذهب ولدي اليوم فرن غاز في البيت، وأستطيع شراء الخبز من المخبز أو الدكان؟. نساء اليوم لم يعد لديهن القدرة كنساء زمان، فمن من نساء اليوم تستطيع الذهاب لجمع الحطب وتجهيز الطابون؟، لم يعد ذلك عادة اجتماعية مقبولة أبداً، ولا أعتقد أزواج اليوم يقبلون بأن تقوم نسائهم بذلك أو أن يقابل الرجل زوجته وهي تعبق برائحة الطابون والدخان».
2008-04-27