المخللات .. نظرة علمية عن قربرغم اعتقاد بعضهم أن أماكن تصنيع المخللات وفنونه هي في الشرق، إلا أن الحقيقة هي أن صناعة وإعداد المخللات في كثير من دول الشرق مازالت في إطار الإعداد التقليدي؛ لأن الدول الصناعية وتبعتها كثير من الدول الشرقية قد نقلت إعداد المخللات إلى علم مؤهل وتصنيع مقنن، فمنذ العام (م) الذي قام فيه الفرنسي نيكولا ابيرت بتسويق العبوات الزجاجية تجاريا وحتى اليوم فإن تصنيع المخللات أصبح علما تصنيعيا قائما بذاته، وما عاد هذا العلم مقتصرا على بلد دون آخر في العالم شرقه وغربه، فحيثما وجد تصنيع مؤهل اتبع هذا العلم بأصوله.
الأصل واحدإن الفكرة التي تقوم عليها المخللات هي فكرة حفظ الخضراوات من الفساد في محلول ملحي حامضي، وقد يكون هذا المحلول الحامضي مضافا بصورة مباشرة إلى الخضار أو يكون منتجا داخليا من الخضار. ورغم ذلك فشتان بين الأمرين. فإضافة الخل والملح مباشرة إلى الخضار المقطعة (كما هو الحال في كثير من المطاعم التي تقدم المخللات اليوم) لايعد تصنيعا تجاريا ولا يعتمد على أسس علمية مدروسة في حين أن الطريقة الثانية وهي الإنتاج الداخلي للحموضة في الخضراوات هي ما قفزت بصناعة المخللات إلى المستويات التجارية عالميا وهي طريقة ذات عمق علمي مدروس.
فعندما تؤخذ الخضار وتقطع ثم يضاف إليها شيء من الملح وتوضع في إناء محكم الإغلاق فإنه يحدث التالي:
- توجد على سطح الخضار الموجودة في الإناء بقايا بكتيريا (جاءتها من الحقل أو الهواء أو اللمس أو أي مكان آخر). هذه البكتيريا في معظمها هي بكتيريا منتجة لحامض يسمى حامض اللاكتيك (ويسمى حامض اللبن أيضا).
- وجود الملح يعمل على المساعدة في إخراج السكر الموجود داخل الخضراوات إلى سطحها (يوجد في الخضراوات نسبة بسيطة جدا من السكر)
البكتيريا تتغذى على السكر وتحلله مكونة حامض اللاكتيك وربما ثاني أكسيد كربون ويصبح الجو خاليا من الأكسجين حولها (أو قليل الأكسجين).
يزيد نشاط وتكاثر البكتيريا وبالتالي يزيد إنتاج حامض اللاكتيك مع الوقت..
ومع الوقت يصبح هناك حموضة داخل وحول الخضار، وكذا يكون هناك ملوحة (من الملح المضاف) وتهترئ الخضراوات جزئيا ويخرج جزء من الماء من داخلها ويصبح حولها شيء من الماء أيضا ويتكون المخلل المعروف بطعمه وقوامه المميز.
إذا الحموضة أخرىإذا فالحموضة الموجودة في المخللات في هذا النوع الثاني هي حموضة حامض اللاكتيك، وهذا الحامض هو نفسه الذي يعطي الطعم الحامضي للبن الزبادي وبعض أنواع الجبن، وهو يختلف عن طعم الخل الذي يضاف إلى النوع الأول من المخللات وعليه فإنه إنتاج داخلي في المخلل.
بكتيريا مفيدةهذا النوع من البكتيريا التي توجد على سطح الخضراوات تسمى بكتيريا مفيدة لأنها تنتج لنا حامض اللبن، وهذا يعني أن هناك أنواعا من البكتيريا مفيدة مقابل الأنواع الضارة التي تسبب التسممات والأمراض. وأنواع البكتيريا المفيدة عديدة، ويستفاد منها في التصنيع الغذائي اليوم على نطاق واسع ليس هذا مجال ذكره.
وقد عزلها العلموقد استطاع الإنسان أن يعزل بكتيريا حامض اللبن هذه ويكاثرها ويستخدمها في التصنيع الغذائي، حيث تضاف بعض أنواعها إلى الحليب (بما يسمى البادئ) عند تصنيع اللبن أو الجبن وغيرها من المنتجات، ورغم هذا فإن تصنيع المخللات يعتمد على ما هو موجود على سطح الخضراوات، ولم يستخدم البادئ فيها وفي ذلك حكمة علمية أيضا لا مجال لذكرها هنا.
الخيــاريعتبر الخيار أهم الخضراوات التي تدخل في صناعة المخللات على المستوى العالمي، حتى إنه عند إطلاق كلمة مخلل في الولايات المتحدة فإن ذلك يعني مخلل الخيار. وتعتمد صناعة المخللات اليوم على أصناف مطورة وخاصة من الخيار. تقوم شركات متخصصة بمد المزارعين ببذورها من أجل تزويد مصانع تلك المخللات بالخيار. وقد تضع الشركة مواصفات يجب على المزارع العمل بموجبها. بل قد تقوم بعض الشركات بتوزيع البذور على الزراع لضمان التقيد بمعاييرها. وبعد الحصاد ينقل الخيار إلى محطات الاستلام حيث يتم تدريجه إلى أحجام مختلفة ثم يتعرض لعمليات تنظيف لإبعاد سيقان النبات وزهوره والمواد الغريبة، ثم بعد ذلك ينقل إلى المصانع بعربات مبردة للمحافظة على مظهره وقوامه، وعند وصوله يتم تصنيعه.
بقية رحلة التصنيعيوضع الخيار حسب أحجامه في محلول ملحي () وعادة ما يضاف له حبوب الشبت ويوضع في براميل كبيرة ( جالونا) حيث يغطى (يكمر) لتتم عملية التخمير. والخيار عادة يحتوي على نسبة سكر تصل إلى . وعادة ما تضبط كمية الملح حسب نسبة السكر في الخضراوات فعلى سبيل المثال وجد أن أفضل نسبة تخمر للخيار تحدث عند تركيز ملحي إلى (في حين أن الطماطم الخضراء تحتاج إلى سكر مع الملح إذا كان بهذه النسبة) ويتوقع أنه بعد يوما يتم امتصاص الخيار للملح، وكما أشير سابقا فإن الملح يعمل على سحب السكر(وغيره من العناصر المهمة لنمو البكتيريا) من داخل الخيار ويساعد على نشر النكهة والقوام للمخلل. بعد عملية التحليل تتم عملية البسترة أو التقطيع للمخلل ثم تعليبه في القوارير الخاصة به.
طرائق أخرىهناك عدد من الطرائق المشهورة عالميا أيضا في تصنيع مخلل الخيار مثل طرائق إضافة الملح المركز جدا، أو الطرائق الطرية وغيرها.
مصطلحات صناعيةوفي عالم صناعة المخللات تستخدم مصطلحات شائعة هاكم بعضها:
- كوشر: المعنى الحرفي لكلمة كوشر تعني نظيف دينيا وهي كلمة عبرية يستخدمها اليهود في منتجاتهم الغذائية، ولكن في عالم المخللات فإن كلمة كوشر تعني إضافة نكهة الثوم للمخللات المصنعة.
- عشبة الشبت: ارتبط تصنيع مخلل الخيار على المستويات التجارية بإضافة عشبة أو بذور الشبت لإعطائه نكهة خاصة معروفة، ولكن تصنيع المخللات اليوم قد يستخدم فيه زيت عشبة الشبت لإعطاء نكهة الشبت للمخلل. وهو يعطي منتجا مماثلا وجذابا، كما أنه يعطي المخلل فترة صلاحية أكثر.
واليوم أصبحت المصانع تستخدم عدة توابل وزيوت عطرية كنكهة للخيار، وما عاد الأمر مقصورا على عشبة الشبت. فهناك زيت القرنفل والقرفة الصينية وبذور الكرفس والخردل وجوزة الطيب وغيرها.
- انتفاخات الخيار: هذا مصطلح للعيوب التي قد تحدث للخيار المخلل والمحفوظ في المحاليل الملحية، حيث يتكون غاز ويتسبب في تحطم البنية الداخلية لخلايا الخيار والنتيجة تكون فراغات داخل الخيار ويظل الجزء الخارجي للخيار سليما. والانتفاخات ثلاثة أنواع: شكل قرص العسل، والشكل البيضاوي، وشكل البالون. وفي الوقت الحاضر لا تكون الانتفاخات مشكلة لدى المصانع الكبرى؛ لأن محاليل التخمر الآن تعالج لإبعاد غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في تكوين تلك الانتفاخات.
المصدر / باب كوم