الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 19:47

معنى الاجتهاد

الاجتهاد في اللغة: مشتق من مادة: (ج هـ د) بمعنى: بذل الجهد (بضم الجيم) (وهو الطاقة) أو تحمل الجهد (بفتح الجيم) وهو المشقة.

وصيغة "الافتعال" تدل على المبالغة في الفعل، ولهذا كانت صيغة "اكتسب" أدل على المبالغة من صيغة "كسب".

فالاجتهاد في اللغة: استفراغ الوسع في أي فعل كان، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة، وجهد، فيقال: اجتهد في حمل حجر الرحا، ولا يقال: اجتهد في حمل خردلة.

وأما في اصطلاح الأصوليين، فقد عبروا عنه بعبارات متفاوتة، لعل أقربها ما نقله الإمام الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول" في تعريفه بقوله: "بذل الوسع في نبل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط".

وبعض الأصوليين لم يكتف بكلمة "بذل الوسع" وجعل بدلها كلمة "استفراغ الوسع" بل زاد الإمام الآمدي على ذلك فقال في تعريفه: "هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه" فجعل الإحساس بالعجز عن المزيد جزءا من الحد والتعريف، أما الإمام الغزالي فجعل ذلك جزءا من تعريف "الاجتهاد التام".

هذا مع أن العبارة الأولى كافية، إذ ليس على المكلف إلا بذل وسعه، كما قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة: 286] وإنما قالوا ذلك ليسدوا الطريق على المتسرعين والمقصرين الذين يخطفون الأحكام خطفا، دون أن يجهدوا أنفسهم في مراجعة الأدلة، والتعمق في فهمها، والاستنباط منها، والنظر فيما يعارضها.

ونص الإمام الشافعي رضي الله عنه على أن المجتهد لا يقول في المسألة: لا أعلم، حتى يجهد نفسه في النظر فيها، ولم يقف. (أي على علم بحكمها) كما أنه لا يقول: أعلم، ويذكر ما علمه، حتى يجهد نفسه ويعلم.

ومما يدل على هذا المعنى ما جاء في حديث إرسال معاذ إلى اليمن ـ وسيأتي بعد ـ إنه قال في قضائه فيما لم يجده في كتاب ولا سنة: اجتهد برأيي ولا آلو. أي لا أقصر.

قال الشوكاني في شرح التعريف:

أ. فقولنا: بذل الوسع: يخرج ما يحصل مع التقصير، فإن معنى بذل الوسع، أن يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب.

ب. ويخرج بـ "الشرعي" اللغوي والعقلي والحسي، فلا يسمى من بذل وسعه في تحصيلها "مجتهدا" اصطلاحا.

ج. وكذلك بذل الوسع في تحصيل الحكم العلمي "الاعتقادي" فإنه لا يسمى اجتهادا عند الفقهاء، وإن كان يسمى اجتهادا عند المتكلمين.

د. ويخرج "بطريق الاستنباط" نيل الأحكام من النصوص ظاهرا، أو حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتب العلم، فإن ذلك ـ وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي ـ لا يصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي.

وقد زاد بعض الأصوليين في هذا الحد لفظ "الفقيه" فقال: بذل الفقيه الوسع..الخ قال الشوكاني: ولا بد من ذلك، فإن بذل غير الفقيه وسعه لا يسمى اجتهادا اصطلاحا. ومن لم يذكر هذا القيد فهو ملاحظ عنده، إذ لا يستطيع نيل الحكم بطريق الاستنباط إلا الفقيه، والمراد بالفقيه هنا: المتهيئ للفقه الممارس له، وعبروا عنه بقولهم: من أتقن مبادئ الفقه بحيث يقدر على استخراجه من القول إلى الفعل، وليس المراد: من يحفظ الفروع الفقهية فقط، على ما شاع الآن، لأن بذل وسعه ليس باجتهاد اصطلاحا.

وهذا قيد مهم، فإن كثيرا من المشتغلين بالعلوم الإسلامية الأخرى كعلم الكلام أو التصوف أو السيرة أو التاريخ، ونحوها وبعض الخطباء والوعاظ البلغاء يقحمون أنفسهم في ميدان الاجتهاد، ويفتون برأيهم في أعوص المسائل، وهم بعيدون عن ساحة الفقه، والغوص في بحاره، وكل ميسر لما خلق له، كما أن مجرد حفظ فروع الفقه ومسائله في مذهب أو أكثر لا يجعل من صاحبه فقيها قادرا على الاجتهاد والاستنباط، وسيأتي مزيد بحث لهذا في شروط المجتهد.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:02

شروط المجتهد

1. العلم بالقرآن الكريم

فالقرآن هو كتاب الإسلام، والمصدر الأول لتشريعه وتوجيهه، وهو ـ كما قال الشاطبي ـ كلية الشريعة ـ وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر المسلمة، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) [النحل:89]. فلا بد من معرفته لأن من لم يعرف القرآن لم يعرف شريعة الإسلام.

وقد ذكر الغزالي هنا تخفيفين:

أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب، بل ما يتعلق بالأحكام منه، قال: وهو مقدار خمسمائة آية.

ووافق الغزالي على هذا التقدير القاضي ابن العربي، والرازي وابن قدامة والقرافي وغيرهم.

واعترض على الغزالي ومن وافقه هنا من عدة أوجه:

أولا: أن آيات الأحكام أكثر من ذلك، فقد نقل عن الإمام عبد الله بن المبارك تقديرها بتسعمائة آية. وقيل أكثر من ذلك.

وعلق الشوكاني على تقدير الغزالي بقوله:

"ودعوى الانحصار في هذا المقدار إنما هي باعتبار الظاهر، للقطع بأن في الكتاب العزيز من الآيات التي تستخرج منها الأحكام الشرعية أضعاف أضعاف ذلك بل من له فهم صحيح، وتقدير كامل يستخرج الأحكام من الآيات الواردة لمجرد القصص والأمثال".

"قيل: ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات لا بطريق التضمن والالتزام".

"وقد حكى الماوردي عن بعض أهل العلم: أن اقتصار المقتصرين على العدد المذكور إنما هو لأنهم رأوا مقاتل بن سليمان، أفرد آيات الأحكام في تصنيف وجعلها خمسمائة آية".

ثانيا: ما ذكره العلامة القرافي من أن استنباط الأحكام إذا حقق لا تكاد تعرى عنه آية. فإن القصص أبعد شيء عن ذلك، والمقصود منها الاتعاظ.. وكل آية وقع فيها ذكر عذاب أو ذم على فعل كان ذلك دليل تحريم ذلك الفعل، وكل ما تضمن مدحا أو ثوابا على فعل، فذلك دليل طلب ذلك الفعل وجوبا أو ندبا.

وقال الطوفي الحنبلي: "قل أن يوجد في القرآن آية لا يستنبط منها شيء من الأحكام".

ثالثا: ما قاله العلامة الحنفي ابن أمير الحاج: "إن تمييز آيات الأحكام من غيرها متوقف على معرفة الجميع بالضرورة.

فهناك كثير من الموضوعات تثار في جوانب شتى من الحياة، يستدل على جوازها أو منعها من القرآن الكريم.

ومنذ سنوات حينما ثار الجدل بين بعض العلماء وبعض حول صعود الإنسان إلى القمر، كان منهم من يمنع ذلك مستندا ـ في زعمه ـ إلى الآيات التي تشير إلى حفظ السماء: (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا) [فصلت:12].

وكان آخرون يستدلون على إمكان ذلك وجوازه شرعا بمثل قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) [سورة الرحمن:33].

قالوا: والسلطان هنا هو سلطان العلم!

والذين توسعوا في التفسير (العلمي) للقرآن، ومحاولة استخراج القوانين والحقائق العلمية من بين آياته، كانوا يستدلون بمثل قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام:38].

والإمام الغزالي حاول أن يستدل على شرعية تعلم المنطق وصحته بآيات استنبطها من القرآن العزيز.

وهذه الآيات قد لا يسلم لمن استدلوا بها على الجواز أو المنع، ولكن المجتهد عليه أن يحيط بها، ويكون له في فهمها رأي مستقل، موافق أو مخالف.

ومثل ذلك ما ثار من نحو نصف قرن حول ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى وما استشهد به المؤيدون والمعارضون من آيات تشهد لهم، وتسندهم في دعواهم، وجلها أو كلها من القرآن المكي، وهي بمعزل عن آيات الأحكام المعهودة.

والذي أرجحه: أن يكون للمجتهد اطلاع عام على معاني القرآن كله هذا مع توجيه عناية خاصة إلى الآيات التي لها صلة وثيقة بالأحكام. وهذه يلحظها المجتهد وإن كانت بين ثنايا القصص والمواعظ، ولهذا رأيناهم ذكروا في آيات الأحكام ما يؤخذ من قصة الخضر مع موسى عليه السلام، مثل جواز ارتكابه أخف الضررين تفاديا لأشدهما، ومنه خرق السفينة حتى يجدها الملك الظالم معيبة فلا يأخذها غصبا.

وما ذكره في قصة يوسف من الجعالة والكفالة: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) [يوسف:72].

ومشروعية بعض صور الحيلة لتحقيق أغراض مشروعة، كما صنع يوسف مع أخيه.

ونحن في عصرنا نجد في قصة يوسف من الدلالة على مشروعية التخطيط الاقتصادي لمواجهة الأزمات من العمل الدائم على زيادة الإنتاج: (تزرعون سبع سنين دأبا) [يوسف:47]، وتنظيم الادخار (فما حصدتم فذروه في سنبله) [يوسف:47]، وتقليل الاستهلاك (إلا قليلا مما تأكلون) [يوسف:47]، والإشراف عليه (يأكلن ما قدمتم لهن) [يوسف:48] وهكذا.

ومثل ذلك ما نجده في قصة ذي القرنين.

والتخفيف الثاني: الذي ذكره الغزالي هنا: أنه لا يشترط فيما يطلب معرفته من الآيات حفظها عن ظهر قلب، بل يكفي أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج إليها في وقت الحاجة.

ولا ريب أن حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب أولى، ويجعل صاحبه أقدر على استحضار الآيات المطلوبة في موضوعه بدون معاناة تذكر، ولكن قد وجدت اليوم فهارس تعين غير الحافظ على استحضار ما يريد في موضوعه بسهولة، وحسبنا هنا "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" والفهارس الموضوعة للقرآن مثل كتاب "تفصيل آيات القرآن الكريم" وإن كان لا يشبع النهم.

معرفة أسباب النزول

ومما يدخل في العلم بالقرآن الكريم: العلم بأسباب نزوله، فإن العلم بها يلقي ضوءا على المقصود بالنص القرآني، وإن كان الراجح عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

يقول الإمام الشاطبي في "موافقاته":

"معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:

أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطب أو المخاطب، أو الجميع، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام، لفظه واحد، ويدخله معان أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال: وليس كل حال ينقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة كل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد، ومعنى معرفة السبب هو معرفة مقتضى الحال، وينشأ عن هذا الوجه.

الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع.

ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي، قال: "خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا، قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال، فعرفه، فأرسل إليه، فقال أعد علي ما قلت، فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه".. قال الشاطبي:

وما قاله صحيح في الاعتبار، ويتبين بما هو أقرب.

فقد روى ابن وهب عن بكير: "أنه سأل نافعا: كيف كان رأي ابن عمر في الحروية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين" فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن.

وروى "أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس، وقال قل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرأ: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) – إلى قوله: (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) [آل عمران:187،188]" فهذا السبب بين أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان.

وقد عنى المفسرون بأسباب النزول ودونوها في كتبهم، كما أفردها بعضهم بكتب خاصة مثل كتاب الواحدي، وكتاب "لباب النقول بأسباب النزول" للسيوطي.

ولكن مما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن كثير من أسباب النزول لم تثبت صحتها وجملة الصحيح منها قليل جدا.

معرفة الناسخ والمنسوخ

ومما عنى به الأصوليون في معرفة القرآن: العلم بالناسخ والمنسوخ منه، حتى عده بعضهم شرطا مستقلا، وإنما شددوا في ذلك حتى لا يستدل بآية على حكم، وهي في الواقع منسوخة غير معمول بها!

ولا بد من التنبيه هنا على بعض الحقائق الهامة

أولا: أن بعض المؤلفين أكثروا من القول بالنسخ في القرآن، حتى قال من قال منهم أن آية السيف نسخت أكثر من مائة آية في القرآن! ويقابل هؤلاء من أنكر النسخ بالكلية في القرآن مثل أبي مسلم الأصفهاني الذي يحكي قوله الفخر الرازي في تفسيره، ويظهر منه في بعض الأحيان الميل إليه.

وبين هؤلاء وهؤلاء من توسط في الأمر، مثل السيوطي الذي أوصل الآيات المسنوخة إلى عشرين، والمتأمل فيها يجد أكثرها لا نسخ فيه.

ولهذا أوصلها الإمام الدهلوي إلى خمس آيات فقط.

ونحا الشيخ الخضري في كتابه "تاريخ التشريع" هذا النحو.

ثانيا: أن النسخ في لغة السلف أعم من النسخ في اصطلاح المتأخرين، كما نبه على ذلك كثير من المحققين مثل ابن القيم والشاطبي وغيرهما.

فقد ذكر الشاطبي في "الموافقات": أن الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو أن النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جئ به آخرا، فالأول غير معمول به، والثاني هو المعمول به.

وهذا المعنى جاز في تقييد المطلق، فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده، فلا إعمال له في إطلاقه، بل المعمل هو المقيد، فكأن المطلق لم يفد مع مقيده شيئا، فصار مثل الناسخ والمنسوخ، وكذلك العام مع الخاص، إذ كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ، فلما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار، فأشبه الناسخ والمنسوخ، إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة، وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص، وبقي السائر على الحكم الأول، والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق، فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني، لرجوعها إلى شيء واحد.

ولابد من أمثلة تبين المراد: فقد روى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) [الإسراء:18] إنه ناسخ لقوله تعالى: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) [الشورى:20] وعلى هذا التحقيق تقييد لمطلق إذ كان قوله: (نؤته منها) مطلقا ومعناه مقيد بالمشيئة، وهو قوله في الأخرى (لمن نريد) وإلا فهو إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ.

وقال في قوله: (والشعراء يتبعهم الغاوون) إلى قوله: (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) هو منسوخ بقوله: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) الآية!

قال مكي: "وقد يذكر عن ابن عباس في أشياء كثيرة في القرآن فيها حرف الاستثناء إنه قال: (منسوخ) قال: وهو مجاز لا حقيقة، لأن المستثنى مرتبط بالمستثنى منه، بينه حرف الاستثناء أنه في بعض الأحيان الذين عمهم اللفظ الأول: والناسخ منفصل عن المنسوخ رافع لحكمه، وهو بغير حرف" هذا ما قال. ومعنى ذلك أنه تخصيص للعموم قبله، ولكنه أطلق عليه لفظ النسخ، إذ لم يعتبر فيه الاصطلاح الخاص.

وقال في قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) [النور:27] أنه منسوخ بقوله: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) الآية [النور:29] وليس من الناسخ والمنسوخ في شيء، غير أن قوله: (ليس عليكم جناح) يثبت أن البيوت في الآية الأخرى إنما يراد بها المسكونة.

وقال في قوله: (انفروا خفافا وثقالا) [التوبة:41] إنه منسوخ بقوله (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) [التوبة:122] والآيتان في معنيين، ولكنه نبه على أن الحكم بعد غزوة تبوك: أن لا يجب النفير على الجميع.

وقال في قوله تعالى: (قل الأنفال لله والرسول) [الأنفال:1] منسوخ بقوله: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) [الأنفال:41] وإنما ذلك بيان لمبهم في قوله: (لله والرسول).

والخلاصة: إن أكثر ما أطلقوا عليه "الناسخ والمنسوخ" يدخل في باب: العام والخاص، أو المطلق والمقيد، أو المبهم والمبين ونحو ذلك، فيجب على المجتهد أن يكون على علم به. فلا يفتي بأن كل مطلقة مثلا عدتها "ثلاثة قروء" أخذا بقوله تعالى في سورة البقرة: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة:228] غافلا عن قوله تعالى في سورة الطلاق: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال..) (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق:4] فهذه خصصت تلك بغير الآيسات والصغيرات وذوات الأحمال.. وهكذا.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:04

2. العلم بالسنة

والشرط الثاني: العلم بالسنة ـ ونعني بها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. ولم يشترطوا العلم بجميع ما جاء في السنة، فهي بحر زاخر، وإنما اشترطوا معرفة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام فلا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ والقصص وأحكام الآخرة ونحوها.

قال الغزالي: "وهي ـ وإن كانت زائدة على ألوف فهي محصورة".

وقال الشوكاني:

"واختلفوا في القدر الذي يكفي المجتهد من السنة، فقيل: خمسمائة حديث وهذا من أعجب ما يقال! فإن الأحاديث التي تؤخذ منها الأحكام الشرعية ألوف مؤلفة".

وقال ابن العربي في "المحصول" هي ثلاثة آلاف.

وقال أبو علي الضرير لأحمد بن حنبل: كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مائة ألف؟ قال: لا، قلت ثلاثمائة ألف؟ قال: لا، قلت: أربعمائة ألف؟ قال:لا، قلت: خمسمائة ألف؟ قال: أرجو.

قال الزركشي: "وكأن مراده بهذا العدد آثار الصحابة والتابعين وطرق المتون" ولهذا قال: "من لم يجمع طرق الحديث لم يحل له الحكم ولا الفتيا".

قال بعض أصحابه: هذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتيا أو يكون أراد وصف أكمل الفقهاء، فأما ما لابد منه، فقد قال أحمد رحمه الله الأصول التي يدور عليه العلم عن النبي لله ينبغي أن تكون ألفا ومائتين.

والواقع يوجب على المجتهد أن يكون واسع الاطلاع على السنة كلها وإن وجه مزيد اهتمام إلى أحاديث الأحكام، فقد توجد أحاديث بعيدة عن مجال الأحكام في الظاهر، ولكن الفقيه يستنبط منها من الأحكام ما قد يفوت غيره.

وأيا كان القدر المطلوب للمجتهد، فلا يلزم ـ كما قاله الغزالي وغيره أن يحفظه عن ظهر قلب، مثل حفاظ الحديث الذين عرفهم تاريخ العلم عندنا، وإن كان هذا أفضل وأكمل.

ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب، فيراجعه وقت الحاجة إلى الاجتهاد أو الفتوى، وقد يساعد في هذا كتب الفهارس اللفظية والموضوعية وكتب الأطراف وغيرها.

واكتفى الغزالي أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام كسنن أبي داود، و"معرفة السنن" لأحمد البيهقي، أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام.

وتبع الغزالي على ذلك الرافعي، ونازعه النووي، وقال: "لا يصح التمثيل بسنن أبي داود، فإنها لم تستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام ولا معظمها، وكم في صحيح البخاري ومسلم من حديث حكمي ليس في سنن أبي داود"

وكذا قال ابن دقيق العبد: التمثيل بسنن أبي داود عندنا ليس بجيد لوجهين:

الأول: أنها لا تحوي السنن المحتاج إليها.

الثاني: أن في بعضها ما لا يحتج به في الأحكام.

والوجه الثاني يحتمل أن بعض أحاديث أبي داود في غير مجال الأحكام، كما يحتمل أنها لا تبلغ مرتبة الصحة أو الحسن المحتج به في الأحكام، وكلا الأمرين ثابت ومعترف به.

ماذا يعني العلم بالسنة؟

والعلم بالسنة يعني فيما يعني عدة أمور:

أولا: علم دراية الحديث: وقد جعله الغزالي شرطا مستقلا، وحقه أن يكون داخلا في شرط معرفة السنة.

والمراد بذلك كما قال الغزالي: معرفة الرواية، وتمييز الصحيح منها عن الفاسد والمقبول عن المردود، فإن مالا ينقله العدل عن العدل فلا حجة فيه، والتحقيق فيه:أن كل حديث يفتى به مما قبلته الأمة، فلا حاجة به إلى النظر في إسناده. وإن خالفه بعض العلماء، فينبغي أن يعرف رواته وعدالتهم، فإن كانوا مشهورين عنده، كما يرويه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثلا، اعتمد عليه. فهؤلاء قد تواتر عند الناس عدالتهم وأحوالهم، والعدالة إنما تعرف بالخبرة والمشاهدة، أو بتواتر الخبر فما نزل عنه فهو تقليد، وذلك بأن يقلد البخاري ومسلما في أخبار الصحيحين، وإنهما ما رووها إلا عمن عرفوا عدالته، فهذا مجرد تقليد، وإنما يزول التقليد بأن يعرف أحوال الرواة بتسامع أحوالهم وسيرهم، ثم ينظر في سيرهم أنها تقتضي العدالة أم لا، وذلك طويل، وهو في زماننا مع كثرة الوسائط عسير. والتخفيف فيه: أن يكتفي بتعديل الإمام العدل بعد أن عرفنا أن مذهبه في التعديل مذهب صحيح فإن المذاهب مختلفة فيما يعدل به ويجرح، فإن من مات قبلنا بزمان امتنعت الخبرة والمشاهدة في حقه، ولو شرط أن تتواتر سيرته فذلك لا يصادف إلا في الأئمة المشهورين، فيقلد في معرفة سيرته عدلا فيما يخبر، فيقلد في تعديله، بعد أن عرفنا صحة مذهبه في التعديل، فإن جوزنا للمفتي الاعتماد على الكتب الصحيحة التي ارتضى الأئمة رواتها قصر الطريق على المفتي، وإلا طال الأمر، وعسر الخطب في هذا الزمان، مع كثرة الوسائط، ولا يزال الأمر يزداد شدة بتعاقب الأعصار.

والخلاصة: أنه لا بد للمجتهد من العلم بأصول الحديث وعلومه، والاطلاع على علم الرجال، وشروط القبول، وأسباب الرد للحديث، ومراتب الجرح والتعديل، وغيرها مما يتضمنه علم المصطلح، ثم تطبيق ذلك على ما يستدل به من الحديث.

ثانيا: معرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث: حتى لا يحكم بحديث قد ثبت نسخه وبطل العمل به، كالأحاديث التي رويت في جواز "نكاح المتعة" فقد ثبت نسخها بأحاديث أخرى.

قال الغزالي: "والتخفيف في ذلك، أن يعلم أن ذلك الحديث ليس من جملة المنسوخ".

وقد ألفت كتب في ذلك، ما بين متوسع في النسخ، ومضيق فيه، ومتوسط فيه، ومن أشهرها كتاب الحازمي "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار".

وكما أن كثيرا مما قيل بنسخه في القرآن ليس بمنسوخ حقيقة، كذلك ما قيل بنسخه في السنة ليس بمنسوخ.

من ذلك ما ذكروه في حديث سلمة بن الأكوع في الصحيح وهو حديث: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي، فكلوا وأطعموا وادخروا" فقد قيل: إن النهي عن الادخار نسخ وبطل حكمه بقوله في الحديث: "وادخروا" وقيل: إنه ليس من باب النسخ، بل من باب نفي الحكم لانتفاء علته، وقد جاء في بعض روايات الحديث بيان علة النهي بقوله: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت" يعني الجماعة التي وفدت على المدينة من خارجها في عيد الأضحى. لهذا أنكر الإمام القرطبي في التفسير أن يكون ذلك من باب النسخ، قائلا: "بل هو حكم ارتفع لارتفاع علته، لا لأنه منسوخ، وفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علته، لا لأنه منسوخ، وفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علته، فالمرفوع بالنسخ لا يحكم به أبدا، والمرفوع بارتفاع علته يعود بعود العلة..الخ".

وعندي: أن مثل من معرفة الناسخ والمنسوخ معرفة "مختلف الحديث" أي الأحاديث المتعارضة الظواهر، وكيف يؤولها ويوفق بينها: بتقييد مطلقها وتخصيص عامها.. إلى غير ذلك من وسائل الجمع أو الترجيح، وقد كتب في ذلك ابن قتيبة كتابه "تأويل مختلف الحديث". والطحاوي كتابه "مشكل الآثار" وتعرض لذلك سائر الفقهاء في مواضع متناثرة، وبخاصة الإمام الشافعي فهو أول من عنى بذلك.

ومثل ذلك بل أهم منه التوفيق بين الحديث والقرآن، فالسنة إنما جاءت مبينة للقرآن لا معارضة له.

ومن هنا يلزم المجتهد أن يجمع الأحاديث الواردة والثابتة في موضوعه، ويتدبر العلاقة بينها، فيبين عامها بخاصها، ويحمل مطلقها على مقيدها، ويوضح مجملها بمفصلها، ومبهمها بمفسرها، كما يربطها بالأًصل الأول: القرآن الكريم، ولا يضرب النصوص بعضها ببعض.

ثالثا: معرفة أسباب ورود الحديث

وإذا كانت معرفة أسباب نزول القرآن لازمة لمن يريد فهم القرآن، فإن معرفة أسباب ورود الحديث ألزم لمن يريد فهم السنة، لأن القرآن بطبيعته عام لكل الأحوال والأمكنة والأزمنة، أما السنة فكثيرا ما تأتي لعلاج قضايا خاصة وأوضاع معينة، يتغير الحكم بتغيرها، مثال ذلك حديث جابر عن الشيخين: "سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي"، فظاهره النهي عن تكنية أحد بـ "أبي القاسم" في كل مكان وزمان. ولكن روى البخاري عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما دعوت هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سموا باسمي..الحديث".

فهذا الحديث يدل على أن النهي مقصور على زمنه صلى الله عليه وسلم وحتى لا يحدث التباس عند الدعاء ونحوه، ولهذا تكنى كثير من العلماء والصلحاء بـ "أبى القاسم" طول العصور الإسلامية، ولم يجدوا في ذلك حرجا ولم ينكر عليهم أحد.

وإنما يعرف ذلك بالرجوع إلى مصادر الحديث الأصلية فإن المختصرات كثيرا ما تذكر الحديث مبتورا عن سببه وملابسة وروده.

وقد حاول بعض المتأخرين جمع هذا النوع في مؤلف خاص كما في كتاب "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" لإبراهيم بن محمد كمال الدين الشهير بابن حمزة الحسيني وقد طبع في جزأين، ولكنه لا يغني عن مراجعة المصادر الأصلية.

تنبيهات على جملة أمور:

أولا: علق الشوكاني على الذين فرطوا في اشتراط السنة للمجتهد، واكتفوا له بخمسمائة حديث، والذين أفرطوا، فاشترطوا خمسمائة ألف حديث، أي ألف ضعف بالنسبة للقول الأول! قال: "ولا يخفاك أن كلام أهل العلم في هذا الباب بعضه من قبيل الإفراط وبعضه من قبيل التفريط، والحق الذي لا شك فيه ولا شبهة أن المجتهد لا بد أن يكون عالما بما اشتملت عليه مجاميع السنة التي صنفها أهل الفن كالأمهات الست وما يلحق بها، مشرفا على ما اشتملت عليه المسانيد والمستخرجات والكتب التي التزم مصنفوها الصحة، ولا يشترط في هذا أن تكون محفوظة له مستحضرة في ذهنه، بل يكون ممن يتمكن من استخراجها من مواضعها بالبحث عنها عند الحاجة إلى ذلك، وأن يكون ممن له تمييز بين الصحيح منها والحسن والضعيف، بحيث يعرف حال رجال الإسناد معرفة يتمكن بها من الحكم على الحديث بأحد الأوصاف المذكورة، وليس من شرط ذلك أن يكون حافظا لحال الرجال عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يتمكن بالبحث في كتب الجرح والتعديل من معرفة حال الرجال، مع كونه ممن له معرفة تامة بما يوجب الجرح ومالا يوجبه من الأسباب، وما هو مقبول منها وما هو مردود، وما هو قادح من العلل وما هو غير قادح".

ثانيا: أن الأحاديث التي لها تعلق بالأحكام، قد جمعت في بعض المؤلفات ما بين مختصر ومطول.

منها: كتاب "عمدة الأحكام" للحافظ المقدسي، وقد اقتصر فيه على الصحيحين وحدهما، وقد شرحه الإمام ابن دقيق العبد، في كتاب "الأحكام" وكتب الصنعاني عليه حاشية "العدة" وبلغت أحاديثه 419 حديثا.

ومنها كتاب "الأحكام" لعبد الحق الأشبيلي، ولكنه لا يزال مخطوطا، ولابن القطان تعليق واستدراك عليه.

ومنها: "الإلمام بأحاديث الأحكام" لابن دقيق العبد، وفيه جمع (1417) من الأحاديث.

ومنها: "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ ابن حجر العسقلاني، وقد بلغت أحاديثه 1596 (ستة وتسعين وخمسمائة وألف حديث) "ط صبيح بتعليق محمد حامد الفقي" وشرحه العلامة الصنعاني في "سبل السلامِ".

ومنها: "منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار" لأبي بركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية الجد. وقد بلغت أحاديثه في الطبعة التي حققها المرحوم الشيخ محمد حامد الفقي 5029 (خمسة آلاف وتسعة وعشرين حديثا) ولكنه عد كل رواية لحديث فيها تغيير كلمة أو جملة أو زيادة لفظه، حديثا ذا رقم مستقل.

وقد شرح هذا المنتقى العلامة الشوكاني في كتابه الشهير "نيل الأوطار". وقد أصبح هو وكتاب "سبل السلام" من أهم المصادر لأحاديث الأحكام وشروحها.

ومنها: "شرح معاني الآثار" لحافظ الحنفية أبي جعفر الطحاوي.

ومنها: "السنن الكبرى" للحافظ البيهقي، وقد طبع في عشرة مجلدات كبار وهو يستدل فيه لمذهب الشافعي، وقد علق عليه ابن التركاني الحنفي، وتعقبه في بعض المواضع، وسمى تعليقه "الجوهر الفقي" وهو مطبوع معه في حاشيته.

ثالثا: من النافع هنا: مراجعة كتب التخريج لأحاديث الأحكام، مثل "نصب الراية لأحاديث الهداية" للحافظ الزيلعي الحنفي، وقد لخصه الحافظ ابن حجر في "الدراية" وأضاف إليه فوائد.

ومنها: "تلخيص الحبير، في تخريج شرح الرافعي الكبير" لابن حجر أيضا، لخص فيه تخريجات الحفاظ والنقاد قبله لما جاء في شرح الرافعي على "وجيز الغزالي" من أحاديث، وزاد عليها، وذكر في مقدمته: أنه يشمل جل ما يستدل به الفقهاء في كتبهم من الأحاديث. وقد بلغت أحاديثه 2161 حديث، في الطبعة التي علق عليها السيد محمد هاشم اليماني.

وفي عصرنا خرج الشيخ الألباني أحاديث "منار السبيل" في الفقه الحنبلي في كتاب من ثمانية أجزاء أسماه "إرواء الغليل".

ولابن الجوزي كتاب "التحقيق في أحاديث التعليق" تكلم فيه على الأحاديث التي يذكرها الفقهاء عادة في كتبهم معلقة. وقد نقحه ابن عبد الهادي وبين أوهام ابن الجوزي، وأضاف إليه فوائد وسمى كتابه "تنقيح التحقيق".

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:05

3. العلم بالعربية

ولابد للمجتهد أن يكون عالما بالعربية، بمعنى أن يعرف اللغة وعلومها معرفة تيسر له فهم خطاب العرب، وذلك أن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين والسنة قد نطق بها رسول عربي، وهذا يخص السنة القولية، والسنة الفعلية والتقريرية قد نقلها أصحابه، وهم عرب من أهل الفصاحة والبيان.

فكان لابد أن يعرف من اللغة والنحو ـ كما قال الإمام الغزالي ـ القدر الذي يفهم به خطاب العرب وعادتهم في الاستعمال، إلى حد يميز به بين صريح الكلام وظاهره ومجمله، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه ومقيده، ونصه وفحواه، ولحنه ومفهومه.

قال الغزالي: والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة، وأن يتعمق في النحو، بل القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويستولي به على مواقع الخطاب، ودرك حقائق المقاصد منه.

لابد للمجتهد إذن من معرفة معاني المفردات ودلالاتها، حتى يكون استنباط الحكم منها صحيحا وكثيرا ما يؤدي الاختلاف في تفسير معاني الكلمات سببا في اختلاف الفقهاء في الأحكام المأخوذة منها.

فقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة:228] تقتضي من المجتهد أن يبذل جهده لتحديد معنى (القرء) في الآية، أهو الحيض أم الطهر؟

والنصوص التي وردت في الرضاعة والإرضاع في القرآن مثل قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) [سورة النساء:23] وكذلك ما ورد من ذلك في الحديث: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" "إنما الرضاعة من المجاعة" الخ، لا يعرف الحكم المستنبط منها إلا بتحديد معنى الرضاعة والرضاع والإرضاع أهو مجرد وصول اللبن إلى الجوف، ولو عن طريق الوجور في الحلق أو السقوط في الأنف، أم هو امتصاص اللبن من الثدي بطريق الفم والالتقام؟

والتفريق في مصارف الزكاة بين (لام) الجر و(في) في آية التوبة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) [التوبة:61] لابد أن يكون لمعنى وهدف.

ومثل ذلك قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [المائدة:6]، علام تدل (الباء) في (برؤوسكم)؟ أهي زائدة والمطلوب مسح الرأس كله؟ أم هي للإلصاق فيكون المطلوب جزءا من الرأس وهو ما قدره الحنفية بالربع؟ أم هي للتبعيض فيكفي شعرات للمسح؟

ولابد للمجتهد من معرفة دلالات الجمل، ما كان منها على سبيل الحقيقة وما كان على سبيل المجاز أو الكناية، ودلالات التقديم والتأخير والحذف والحصر، وغيرها مما يشمله علم المعاني والبيان.

فقوله تعالى: (أو لامستم النساء) يحتمل أن يراد به الحقيقة، كما هو مذهب الشافعي، وهو مجرد لمس البشرة للبشرة، وأن يكون كناية عن الجماع، كما قال ابن عباس: "إن اللمس والملامسة والمس في القرآن كناية عن الجماع" وهو ما تدل عليه الاستعمالات القرآنية بالفعل.

وكذلك لابد للمجتهد من إتقان علم النحو والصرف، حتى يفهم في ضوئه قراءة مثل قراءة: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)، بخفض (أرجلكم) بطريق المجاورة كما هو معروف.

وفي قوله سبحانه: (ويسألونك عن المحيض، قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) [البقرة:222] يتحدد الحكم بتحديد معنى (المحيض) هل هو مصدر ميمي بمعنى (الحيض) أو اسم مكان بمعنى (موضوع الحيض) ولكل من المعنيين أثره.

وكذلك الفرق بين (يطهرن) بالتخفيف وبين (يطهرن) بالتشديد كما يتضح ذلك بالرجوع إلى التفاسير المعنية بآيات الأحكام.

وذكر الشوكاني في هذا الشرط للمجتهد: أن يكون عالما بلسان العرب بحيث يمكنه تفسير ما ورد في الكتاب والسنة من الغريب ونحوه، قال ولا يشترط أن يكون حافظا لها عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يكون متمكنا من استخراجها من مؤلفات الأئمة المشتغلين بذلك، وقد قربوها أحسن تقريب، وهذبوها أبلغ تهذيب، ورتبوها على حروف المعجم ترتيبا لا يصعب الكشف عنه، ولا يبعد الاطلاع عليه، وإنما يتمكن من معرفة معانيها وخواص تركيبها، وما اشتملت عليه من لطائف المزايا، من كان عالما بعلم النحو والصرف والمعاني والبيان، حتى يثبت له في كل فن من هذه ملكة يستحضر بها كل ما يحتاج إليه عند وروده عليه، فإنه عند ذلك ينظر في الدليل نظرا صحيحا، ويستخرج منه الأحكام استخراجا قويا. ومن جعل المقدار المحتاج إليه من هذه الفنون هو معرفة مختصراتها أو كتاب متوسط من المؤلفات الموضوعة فيها فقد أبعد، بل الاستكثار من الممارسة لها، والتوسع في الاطلاع على مطولاتها، مما يزيد المجتهد قوة في البحث، وبصرا في الاستخراج، وبصيرة في حصول مطلوبه، والحاصل أنه لابد أن تثبت له الملكة القوية في هذه العلوم، وإنما تثبت هذه الملكة بطول الممارسة، وكثرة الملازمة لشيوخ هذا الفن. قال الإمام الشافعي: "يجب على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغه جهده في أداء فرضه" قال الماوردي: "ومعرفة لسان العرب فرض على كل مسلم من مجتهد وغيره".

وهذا يدلنا على مدى الارتباط العضوي بين الإسلام والعربية، فالعربية هي لسان الإسلام، ووعاء ثقافته، ولا سبيل إلى فهم الإسلام فهما صحيحا بغير تذوق العربية وإتقانها، ومن ثم أوجب الشافعي على كل مسلم تعلم ما يمكنه من ذلك ما استطاع، وفقا للإمكانات المتاحة لمثله في بيئته وثقافته، فكيف بمن يريد بلوغ مرتبة الاجتهاد في فقه الشريعة وأحكامها؟!

ومقتضى كلام الشوكاني أنه يشترط للمجتهد في الأحكام أن يبلغ درجة الاجتهاد في العربية وعلومها، وهو ما صرح به الشاطبي، على حين اكتفى الآخرون بتحصيل بعض المختصرات!

قال العلامة محمد الخضر حسين:

"وقد يقع في خاطرك أن شرط الاجتهاد في اللسان العربي يجعل رتبة الاجتهاد في الشريعة بمنزلة المتعذر، فإنه يقتضي أن يسلك الفقيه في البحث عن معاني الألفاظ وأحكامها ووجوه بلاغتها الطرق التي سلكها أئمة تلك العلوم، ولا يكفيه أن يأخذ من القاموس أن النكاح مثلا يطلق على الوطء والعقد، ومن كتاب سيبويه أن الخفض يكون بالجوار ومن دلائل الإعجاز أن تقديم المعمول أو تعريف المسند يفيد القصر، حتى يتتبع كلام العرب نفسه، ويقف على صحة إطلاق النكاح على الوطء والعقد، ويظفر بشواهد كثيرة يحقق بها قاعدة الخفض بالجوار، وشواهد أخرى يعلم بها أن تقديم المعمول أو تعريف الطرفين يفيد الحصر، وتكليفه بأن يبلغ في علوم اللغة هذه الغاية يشبه التكليف بما لا تسعه الطاقة.

وجواب هذا: أن المجتهد في الشريعة لابد له من أن يرسخ في علوم اللغة رسوخ البالغين درجة الاجتهاد، وله أن يرجع في أحكام الألفاظ ومعانيها إلى رواية الثقة وما يقوله الأئمة، وإذا وقع نزاع في معنى أو حكم توقف عليه فهم نص شرعي تعين عليه حينئذ بذل الوسع في معرفة الحق بين ذلك الاختلاف، ولا يسوغ له أن يعمل على أحد المذاهب النحوية أو البيانية في تقرير حكم إلا أن يستبين له رجحانه بدليل.

والذي أؤكده أن المهم هنا أن يحس المجتهد من نفسه أنه أصبح قادرا على تذوق كلام العرب وفهمه، والغوص على معانيه، بمثل ما كان عليه العربي الأول بسليقته وسلامة فطرته، قبل أن يستعجم الناس، ويفسد اللسان والذوق، وإن لم يبلغ درجة الاجتهاد في اللغة وعلومها. فهذا قد يصعب، فالتخفيف الذي ذكره الإمام الغزالي مقبول بهذا التفسير الذي فسره شيخنا الأكبر محمد الخضر حسين رحمه الله.

4. العلم بمواضع الإجماع

ويأتي بعد ذلك العلم بمواضع الإجماع، حتى لا يفتى بخلاف الإجماع، كما يلزمه معرفة النصوص، حتى لا يفتى بخلافها.

قال الغزالي: "والتخفيف في هذا الأصل: أن لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كل مسألة يفتى فيها، فينبغي أن يعلم أن فتواه ليس (كذا) مخالفا للإجماع، إما بأن يعلم أنه موافق مذهب من مذاهب العلماء، أيهم كان، أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض، فهذا القدر فيه كفاية".

وعلى هذا، لا تحتاج المسائل الجديدة التي هي من مستحدثات عصرنا، مثل "نقل الدم" أو "زرع الأعضاء" المنقولة من الحي إلى الحي، أو من جثة ميت، ووصية بعض الناس بالانتفاع بجزء من بدنه، أو بجثته كلها لخدمة الغير أو الإنعاش الطبي المكثف لمريض فقد وعيه وإحساسه العصبي، أو ما يسمونه "شتل الجنين" أو "الرحم الظئر" أو "بنوك الأجنة المجمدة" أو "التحكم في جنس الجنين" أو استخدام الأشعة أو الذرة في السلم أو الحرب، ونحو ذلك مما لم يعرفه الأولون، ولم يخطر ببالهم، لا تحتاج هذه القضايا إلى البحث عن معرفة رأي أهل الإجماع فيها.. إذ ليس لهم فيها رأي.

والمهم هنا أن يثبت الإجماع بيقين لا شك فيه، فإذا استيقن المجتهد الإجماع في مسألة، فليوفر على نفسه عناء الاجتهاد، فقد فرغت منها الأمة التي أبى الله أن يجمعها على ضلالة.

وهذه المواضع الإجماعية في فقهها هي التي تجسم الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة وتحفظها من عوامل التشتت والتمزق.

فإذا أجمعت الأمة على حل حلي الذهب للنساء، ولم يختلفوا إلا في زكاتها فلا مجال لمخالفة هذا الإجماع الذي نقله غير واحد وأقرته جميع المذاهب المتبوعة، واستقر عليه الفقه المتصل بعمل الأمة خلال أربعة عشر قرنا، في أقطار الإسلام كافة.

ومن هنا يكون اجتهاد الشيخ الألباني الذي خرج به في رسالته في "الزفاف" وأعلن به تحريم "الذهب المحلق" على النساء، اجتهادا مرفوضا، لأنه خالف الإجماع المتيقن.

ومثل ذلك: اجتهاد بعض الباحثين المعاصرين في إباحة زواج المسلمة بالكتابي قياسا على زواج المسلم بالكتابية.

وهو اجتهاد مرفوض كذلك، لإجماع المسلمين في كل العصور ومن جميع المذاهب على تحريمه، واستقرار عمل الأمة عليه طوال قرون، بالإضافة إلى عموم قوله تعالى في سورة الممتحنة: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن).

تنبيهات مهمة حول الإجماع

1. إن هذا الشرط إنما يشترطه من يقول بحجية الإجماع، ويرى أنه دليل شرعي كما نبه على ذلك الشوكاني فأما من يقول بعدم إمكانه، أو بعدم وقوعه أو بعدم العلم به، أو بعدم حجيته، فلا موضع لهذا الشرط عنده.

2. إنه قلما يلتبس على من بلغ رتبة الاجتهاد ما وقع عليه الإجماع من مسائل الفقه، كما قال الشوكاني، وقد جمعتهما بعض الكتب المختصرة مثل "مراتب الإجماع" لابن حزم، و"الإجماع" لابن المنذر.

3. إن كثيرا مما ادعى فيه الإجماع من مسائل الفقه قد ثبت فيه الخلاف، وقد لمست هذا بنفسي، وأنا أبحث في "فقه الزكاة" في عدد من المسائل، وهذا ما جعل الإمام أحمد يقول كلمته المشهورة: "من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه، لعل الناس اختلفوا وهو لا يدري".

ومن ذلك: اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته في مسائل "الطلاق الثلاث" والحلف بالطلاق، أي الطلاق الذي يراد به الحمل على شيء أو المنع منه وغير ذلك مما أخذت به قوانين الأسرة في كثير من البلاد الإسلامية، وتبناه الجم الغفير من علماء العصر، إنقاذا للأسرة المسلمة من التفكك والانهيار الذي هددها قرونا، ساد فيها الاتجاه القائل بالتوسع في إيقاع الطلاق حتى ادعى فيه الإجماع.. ومثل ذلك "قانون الوصية الواجبة" الذي أخذ به بناء على مذهب بعض السلف في العمل بآية البقرة، وإنها محكمة غير منسوخة: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) [البقرة:180].

4. أن من الإجماع ما يقبل الإبطال بإجماع جديد. وذلك فيما بنى الإجماع فيه على عرف تبدل، أو مصلحة زمنية تغيرت، لأن المصلحة المذكورة هي علة الحكم، والمعلول يدور مع علته وجودا وعدما.

صحيح أن الجمهور منعوا ذلك، لأن كون الإجماع حجة يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له، وجوزه أبو عبدالله البصري، وقال: إنه لا يقتضي ذلك، لإمكان تصور كونه حجة إلى غاية، هي حصول إجماع آخر، قال الصفي الهندي: ومأخذ أبي عبدالله قوي، وقال الرازي: وهو الأولى. وكذلك ذكر العلامة البزدوي: أن الإجماع الاجتهادي يجوز أن ينسخ بمثله. وينبغي حمل كلام الجمهور في عدم الجواز على الإجماع النقلي، أي المبني على دليل نقلي من كتاب أو سنة، فإن الإجماع الثاني لا يتصور إلا بحدوث دليل جديد من كتاب أو سنة، وهو غير ممكن بعد انقطاع الوحي.

5. أن بعض مواضع الإجماع النقلي ذاته قابلة للاجتهاد إذا كان النص مبنيا على رعاية عرف معين أو مصلحة معينة، فتبدل العرف أو تغيرت المصلحة.

مثال ذلك: إجماعهم على أن للزكاة نصابين متفاوتين: أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، بناء على ما صح من أحاديث، وما ورد من آثار، بأن للفضة نصابا هو مائتا درهم، وللذهب نصابا هو عشرون دينارا، أو عشرون مثقالا.

وذلك أن هذا الإجماع مبني على عرف قائم في عصر النبوة، وهو وجود عملتين متداولتين في المجتمع، إحداهما من الدراهم الفضية القادمة من فارس والأخرى من الدنانير الذهبية الواردة من دولة الروم، وكان الدينار حينئذ يصرف بعشرة دراهم، فقدر النصاب بمبلغين متساويين في القيمة وقتها.

ولكن الوضع تغير، وخاصة في عصرنا، فأصبحت قيمة النصاب إذا قدر بالفضة دون نصاب الذهب بمراحل. فاقتضى الاجتهاد الصحيح توحيد النصاب، واعتباره بالذهب، لأنه وحدة التقدير التي احتفظت بثباتها النسبي على مر العصور.

وقد أدخل بعض الباحثين هنا ـ مع شرط العلم بمواضع الإجماع ـ العلم بمواضع الخلاف، لما لها من أهمية في تكوين ملكة الفقه والاطلاع على مداركه، ومسالك الاستنباط فيه
يتبـــــــــــــــــــــع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:09

5. العلم بأصول الفقه

ومما لابد للمجتهد من معرفته: علم أصول الفقه، وهو علم ابتكره فقهاء الإسلام لإرساء قواعد الاستنباط فيما فيه نص، وضبط الاستدلال فيما لا نص فيه، وهو من مفاخر التراث الإسلامي، ودراسة هذا العلم والتعمق في فهمه ألزم ما يكون للمجتهد وذلك لما تعطيه دراسة "أصول الفقه" لمن يتصدى للاجتهاد من قدرة على الاستدلال، وتمكن من الاستنباط بشروطه، فالبحوث الضافية الموسعة عن الأدلة: المتفق عليه "الكتاب والسنة والإجماع والقياس" والمختلف فيه "شرع من قبلنا، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، والعرف والاستصحاب..الخ"، وشروط الاستدلال بهذه الأدلة، وعن المباحث اللغوية من دلالات الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد والمنطوق والمفهوم، والظاهر والمؤول، والنص والإشارة والفحوى، وغيرها.. كل ذلك يجعل المجتهد يقف على أرض صلبة.

قال العلامة الشوكاني: الشرط الرابع أن يكون عالما بأصول الفقه، لاشتماله على ما تمس الحاجة إليه، وعليه أن يطول الباع فيه، ويطلع على مختصراته ومطولاته بما تبلغ به طاقته، فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد، وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه، وعليه أيضا أن ينظر في كل مسألة من مسائله نظرا يوصله إلى ما هو الحق فيها، فإنه إذا فعل ذاك تمكن من رد الفروع إلى أصولها بأيسر عمل.. وإذا قصر في هذا الفن صعب عليه الرد، وخبط فيه وخلط.

قال الفخر الرازي في المحصول وما أحسن ما قال: إن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه. انتهى.

وقال الغزالي: "إن أعظم علوم الاجتهاد يشتمل على ثلاثة فنون: الحديث واللغة وأصول الفقه.

معرفة القياس

ويدخل في العلم بأصول الفقه: العلم بالقياس وقوانينه وضوابطه وشرائطه المعتبرة، وما يدخل فيه القياس وما لا يدخل، ومعرفة أوصاف العلة التي يبنى عليها القياس، ويلتحق الفرع بالأصل، لأن القياس ـ كما قال الأسنوي ـ قاعدة الاجتهاد والموصل إلى الأحكام التي لا حصر لها.

ولهذا جعله بعضهم شرطا مستقلا، بل بعضهم جعل الاجتهاد والقياس بمعنى واحد، والصواب أن الاجتهاد أعم من القياس، فهو يشمل الاجتهاد بطريق الاستنباط من النص، والاجتهاد بطريق القياس على المنصوص، والاجتهاد عن طريق الاستصلاح أو الاستحسان ونحوها من الأدلة فيما لا نص فيه.

ولا داعي لجعل معرفة القياس شرطا مستقلا، بعد اشتراط التمكن من علم أصول الفقه، فهو ـ كما قال الشوكاني ـ باب من أبوابه، وشعبة من شعبه.

وهذا القيد ـ معرفة القياس ـ لا يشترطه بالطبع من ينكر القياس ولا يعمل به مثل الظاهرية، فهل يعتبر اجتهادهم حينئذ أم لا؟ وهل يعدون في أهل الإجماع أم لا؟

عزى إلى الجمهور أنهم قالوا: إن نفاة القياس لا يبلغون درجة الاجتهاد.

ومن أهل العلم من لم يتمسك بهذا الشرط في حق من لم يقل بالقياس، وعد الظاهري مجتهدا إذا تحققت فيه الشروط الأخرى، ومن ذا ينكر أن أبا سليمان داود بن علي أو أبا محمد علي بن حزم قد بلغا درجة الاجتهاد المطلق؟!

وينبني على هذا أن يكون خلافهم معتدا به، فلا إجماع فيما خالفوا فيه من الأحكام، وهذا ما ذكره الأستاذ أبو منصور البغدادي: أنه الصحيح من مذهب الشافعية، وقال ابن الصلاح: أنه الذي استقر عليه الأمر.

وقال الشوكاني: "قال القاضي أبو بكر والأستاذ أبو إسحاق: أنه لا يعتد بخلاف من أنكر القياس"، ونسبه الأستاذ إلى الجمهور، وتابعهم إمام الحرمين والغزالي. قالوا: لأن من أنكر لا يعرف طريق الاجتهاد، وإنما هو متمسك بالظواهر، فهو كالعامي الذي لا معرفة له.

قال الشوكاني: ولا يخفاك إن هذا التعليل يفيد خروج من عرف القياس وأنكر العمل به، كما كان من كثير من الأئمة، فإنهم أنكروه عن علم به لا عن جهل.

قال النووي في باب السواك من شرح مسلم: "مخالفة داود لا تقدح في انعقاد الإجماع، على المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون".

وقال صاحب "المفهم": "جل الفقهاء والأصوليين: أنه لا يعتد بخلافهم بل هم من جملة العوام، وأن من اعتد بهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع. والحق خلافه.

وقال القاضي عبد الوهاب في "الملخص" يعتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل ويمنع العموم ومن حمل الأمر على الوجوب لأن مدار الفقه على هذه الطرق.

وقال الجويني: "المحققون لا يقيمون لخلاف الظاهرية وزنا، لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد وألا تفي النصوص بعشر معشارها". ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها، وتدبر آيات الكتاب العزيز، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة، علم بأن نصوص الشريعة جمع جم، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا قياس مقبول. وتلك شكاة ظاهرة عنك عارها، نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه ألبته قليلة جدا.

هذا ولا يقال: إن فقهاء الصحابة والتابعين لم يكونوا يعرفون أصول الفقه ولا القياس الذي تتحدثون عنه، فلماذا تشددون على الناس اليوم، وتلزمونهم بما لم يلتزمه السلف؟

ونقول: "إن الصحابة كانوا يعرفون هذه الأشياء بنور البصيرة والفطرة، كما كانوا يعرفون النحو بالسليقة، ولكن ما كانوا يعرفونه بالبصيرة والسليقة قد نما ونظم وقنن، فوجب علينا أن نتعلمه حتى نصل إلى ما كانوا عليه بطريق منظم، وكما لا يستغنى اليوم عن علم النحو، لا يستغنى كذلك على أصول الفقه.

وقد رأينا عجبا ممن يقحمون أنفسهم في ميدان الاجتهاد والفتوى، وهم لم يتقنوا علم "الأصول" بل أحيانا دون أن يقرءوا كتابا واحدا فيه! فكثيرا ما يستدلون بالمطلق وينسون المقيد، ويحتجون بالعام، ويهملون الخاص، ويأخذون بالنص ويغفلون القياس، أو يقيسون على غير أصل، أو يقيسون مع عدم وجود علة مشتركة، أو مع وجود فارق معتبر بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه.

ولأضرب مثلا بما كتبه بعضهم في بعض الصحف اليومية في القاهرة: إنه لا ربا بين الحكومة والشعب، قياسا على أنه "لا ربا بين الوالد وولده"، وهذا الحكم الذي اعتبروه "أصلا" ليس فيه نص ولا إجماع، بل هو قول لبعض المذاهب، فكيف يعتبر أصلا مقررا يقاس عليه غيره؟ وإنما القياس على ما فيه نص ثابت، أو إجماع يقيني.

على أننا لو سلمنا بهذا الحكم، "أن لا ربا بين الوالد وولده" لا نسلم بأن الحكومة مع الشعب كالوالد مع ولده، فقد جاء الحديث صريحا بالنسبة للوالد وولده، إذ قال: "أنت ومالك لأبيك".

فهل نفتي بأن الشعب وأموله للحكومة، ونجرئ الحكام على أموال الناس وحرماتهم وأملاكهم الخاصة، ونقول لهم: أنتم وأموالكم للحكومة؟!

وترى أحدهم يقول: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" وهذا صحيح على ما فيه من خلاف، ولكنه لا يدري ما هو العام؟ وما هو الخاص؟ وما هي ألفاظ العموم"؟

كما قال بعضهم في قوله تعالى في نساء النبي: (وقرن في بيوتكن) (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) هذا لجميع النساء، والعبرة بعموم اللفظ! وأين عموم اللفظ هنا؟ وإنما هو خطاب خاص مسبوق بقوله: (يا نساء النبي) مؤكد بقوله: (لستن كأحد من النساء) وذكر من الأحكام القدرية والتكليفية ما هو من خصوصياتهن مثل مضاعفة العذاب لمن عصت منهن (يضاعف لهن العذاب ضعفين) ومضاعفة الثواب لمن أحسنت منهن (نؤتها أجرها مرتين) وتحريم نكاحهن بعده صلى الله عليه وسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:10

6. العلم بمقاصد الشريعة

ومن الشرائط المهمة: ما نبه عليه الإمام أبو إسحاق الشاطبي في "موافقاته" وهو: العلم بمقاصد الشريعة، التي لأجلها أنزل الله الكتاب، وبعث الرسول وفصل الأحكام. فالشريعة إنما جاءت برعاية مصالح البشر المادية والمعنوية، الفردية والاجتماعية، رعاية قائمة على العدل والتوازن، بلا طغيان ولا إخسار. وهذه الرعاية تشمل المصالح في رتبها الثلاث: "الضروريات، والحاجيات، والتحسينات"، وما يكملها وما يتبعها من درء المفاسد والمضار بكل مراتبها.

وقد بين الله تعالى المقصد الأسمى لرسالة رسوله فقال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [سورة الأنبياء:107] هكذا بصيغة الحصر، وقال: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) [سورة النحل:89].

ولهذا قال الإمام ابن القيم في فصل "تغير الفتوى" من "أعلامه":

"إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والميعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل".

لهذا كان العلم بمقاصد الشريعة في غاية الأهمية حتى لا يغلط عليها الغالطون ويجروا وراء الأحكام الجزئية مهملين المقاصد الكلية، فيخلطون ويخبطون.

ولقد اهتم الشاطبي رحمه الله بهذا الشرط ونوه به، حتى جعله هو سبب الاجتهاد، لا مجرد شرط، فقد جعل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين:

أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، وأنها مبنية على اعتبار المصالح برتبها الثلاث، يقول: إذا بلغ الإنسان مبلغا فهم فيه عن الشارع مقصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في نزوله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا، والحكم بما أراه الله.

الوصف الثاني: هو التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها.. وذلك بواسطة معرفة العربية، ومعرفة أحكام القرآن والسنة والإجماع..الخ. فإن هذه أدوات الاستنباط.

والشاطبي جعل الثاني كالخادم للأول، لأن الأول هو المقصود والثاني وسيلة.

والشاطبي محق في الاعتداد بهذا الأمر، واعتبار الجزئيات بالكليات، من غير إهمال الجزئيات أيضا. وقد منح رحمه الله هذا الموضوع اهتماما بالغا في كتابه الفريد "الموافقات"، حيث شغل الأصوليون قبله بالمباحث اللفظية، ولم يعطوا هذا الأمر ما يستحق، كما شغل علماء الفقه بالأحكام الجزئية، وغفلوا عن المقاصد، وترتب على ذلك ظهور فن "الحيل الفقهية" التي يضاد معظمها مقاصد الشريعة، وهذا ما عني بإبطاله العلامة ابن القيم، وقبله شيخه الإمام ابن تيمية.

وربما قيل: إن أحدا من الأصوليين لم يذكر هذا الشرط الذي عول عليه الشاطبي للاجتهاد!

والجواب من وجهين:

أحدهما: أنهم لعلهم اكتفوا بما ذكروه من وجوب الرسوخ في معرفة القرآن والسنة، فهذا يؤدي بدوره إلى معرفة مقاصد الشريعة، لأنها إنما تعرف منهما أولا وبالذات لمن أحسن فهمهما.

والثاني: أنهم أشاروا إلى أهمية معرفة القواعد الكلية، وإن لم يفردوها بالذكر كما ذكر الغزالي نقلا عن الشافعي فيما ينبغي للمجتهد أن يعمله، قال: ويلاحظ القواعد الكلية أولا، ويقدمها على الجزئيات كما في القتل بالقتل، فتقدم قاعدة الدرع على مراعاة الاسم، فإن عدم قاعدة الكلية، نظر في النصوص ومواقع الإجماع.

بل إن الإمام السبكي جعل الإحاطة بمعظم قواعد الشرع شرطا مستقلا، بحيث يكتسب بها قوة يفهم مقصود الشارع.

وذلك مثل قواعد: "الضرر يزال" "ارتكاب أخف الضررين" "الضروريات تبيح المحظورات" "المشقة تجلب التيسير" وغيرها مما ألفت فيه كتب "القواعد" و"الأشباه" و"الفروق".

على أن هذا مما يمكن أن يدخل تحت "مقاصد الشريعة".

والناظر في فقه الصحابة رضي الله عنهم يجد أنهم أولوا هذا الأمر عنايتهم، ونظروا إلى مقاصد الشريعة في فتواهم، مع نظرهم إلى النصوص الجزئية.

وهذا هو الذي جعل عمر رضي الله عنه يتوقف أول الأمر في قسمة سواد العراق على الفاتحين، ولم يأخذ بالنص الجزئي في قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه..) [الأنفال:41] وما ذلك إلا لأنه وجد توزيع مثل هذه المساحات الهائلة على عدد محدود من الأفراد، يترتب عليه مفاسد تأباها الشريعة التي جاءت تقيم العدل والتكافل بين المسلمين بعضهم وبعض، على اتساع المكان، وامتداد الزمان، فهو تكافل بين الأقطار الإسلامية، وتكافل بين الأجيال الإسلامية، ولذا قال لهم عمر: "تريدون أن يأتي آخر الناس وليس لهم شيء؟" وقال: "إني رأيت أمرا يسع أول الناس وآخرهم.." وساعده على هذا الفهم ما شرح الله له صدره من تدبر آيات سورة الحشر في قسمة الفيء. وهذا ما جعل معاذ بن جبل يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخميص أو لبيس (نوع من المنسوجات اليمنية) آخذه منكم مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم، وأنفع للمسلمين بالمدينة" فأجاز أخذ القيمة في الزكاة وغيرها، لما ذكره من المصلحة.

وهو ما ذكره البخاري في صحيحه ومال إليه، ووافق فيه الحنفية على كثرة مخالفته لهم، كما ساقه إلى ذلك الدليل البين.

ونظرتهم إلى المقاصد هي التي جعلتهم يفعلون أشياء لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا فيها مصلحة الأمة، مثل جمع المصحف في عهد أبي بكر، وجمع الناس على المصحف الإمام في عهد عثمان، وتضمين علي للصناع.. وغير ذلك..

والذي يبدو لي أن هذا الشرط ـ رغم أهميته ـ ليس شرطا لبلوغ رتبة الاجتهاد بل هو شرط لصحة الاجتهاد، واستقامته. كما قاله شيخنا الأكبر محمد الخضر حسين رحمه الله في شرط معرفة "مواقع الإجماع".

وذلك أن هذا مبني على أن أحكام الشريعة معللة، وهو ما تشهد به مئات النصوص من القرآن والسنة، وجرى عليه الفقهاء من عهد الصحابة فمن بعدهم، ومن أجل هذا كان القياس أحد مصادر الشريعة عند جمهور الأمة.

وإذا كان الظاهرية وبعض الشيعة والمعتزلة ينكرون تعليل الأحكام والقياس، وهم مع هذا مجتهدون على الصحيح، كان هذا دليلا على أن الإنسان يمكن أن يبلغ مرتبة الاجتهاد، وإن لم يراع المقاصد، ولكن اجتهاده فيما يحتاج إلى رعاية المقاصد لا يكون صحيحا، ويغلب عليه الخطأ، وإن كان صاحبه معذورا، بل مأجورا، مثل الذين صلوا العصر في بني قريظة بعد المغرب، أخذا بحرفية النص دون مقصوده.

أضرب لذلك مثلا بما ذهب إليه ابن حزم ومن وافقه أن عروض التجارة لا زكاة فيها، وإن بلغت قيمتها الألوف وألوف الألوف! وذلك لأنه لم يثبت لديه نص خاص في زكاة التجارة، ولم يلتفت إلى النصوص العامة، ولا إلى مقصد الشارع من إيجاب الزكاة على الأغنياء، فأعفى بذلك ملايين الريالات والدنانير والجنيهات من الزكاة الواجبة، إلا إذا تحولت العروض إلى مال سائل من الذهب أو الفضة وحال عليه الحول، وهذا قلما يحدث في عصرنا إلا في نسبة ضئيلة من مال التجارة.

ومما يؤسف له أن بعض المشتغلين بالحديث في عصرنا يتبنى رأي ابن حزم ويفتي به التجار، الذين قد يعتمدون على فتواه، ولا يخرجون من أموالهم هذا الحق المعلوم! كأن التجار وحدهم ـ دون سائر أصحاب الأموال ـ في غير حاجة إلى تزكية أنفسهم وتطهير أموالهم، وشكر نعمة ربهم، والإسهام في كفالة ذوي العوز في مجتمعهم، وفي حماية المصالح العامة لملتهم!

ومثل ذلك رفض ابن حزم لإخراج القيمة في زكاة المال وزكاة الفطر، وإن دعت إلى ذلك الحاجة، واقتضته المصلحة، وهو ما نرى اليوم بعض العلماء الجامدين على النصوص يفتون به الجماهير في زكاة الفطر، ويمنعون منعا باتا إخراج القيمة، ويأبون إلا الحبوب، وغالب قوت البلد من القمح أو الشعير ونحوهما، وهو ما لم يعد يجده ـ بسهولة ـ غني أو ينتفع به فقير، في المدن الإسلامية، التي أصبحت تشتري الخبر جاهزا، ولا تحتاج إلى الحبوب.

وكل من وقف عند ظواهر النصوص الجزئية، وأهمل المقاصد الكلية، يتعرض للخطأ في اجتهاده.

وقد شاهدنا من ذلك في زمننا صورا متعددة وصارخة.

من ذلك ما ارتآه بعض المعاصرين في شأن النقود الورقية التي يجرى بها التعامل بين الناس في شتى الأقطار، فقد ذهب هؤلاء إلى أن هذه النقود ليست هي النقود الشرعية التي جاءت بها النصوص، ورتبت عليها الأحكام في الزكاة والربا وغيرهما.. وانتهى هؤلاء الحرفيون إلى أن هذه النقود لا يجري فيها الربا المحرم، ولا تجب فيها الزكاة المفروضة.

يتبـــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:12

7. معرفة الناس والحياة

وهنا شرط لم يذكره الأصوليون في شروط الاجتهاد، وهو معرفة المجتهد بالناس والحياة من حوله، وذلك أنه لا يجتهد في فراغ، بل في وقائع تنزل بالأفراد والمجتمعات من حوله، وهؤلاء تؤثر في أفكارهم وسلوكهم تيارات وعوامل مختلفة: نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فلابد للمجتهد أن يكون على حظ من المعرفة بأحوال عصره وظروف مجتمعه، ومشكلاته وتياراته الفكرية والسياسية والدينية، وعلاقاته بالمجتمعات الأخرى ومدى تأثره بها، وتأثيره فيها.

ولقد نقل ابن القيم عن الإمام أحمد، أنه قال: "لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن يكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه ومعرفته، والرابعة: الكفاية (أي من العيش) وإلا مضغه الناس، والخامسة: معرفة الناس".

وقال ابن القيم في شرح الخصلة الخامسة "معرفة الناس": هذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيها فيه، فقيها في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وتصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال.. بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان، والمكان، والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله.

وهذا في الواقع ليس شرطا لبلوغ مرتبة الاجتهاد، بل ليكون الاجتهاد صحيحا واقعا في محله.

وأكثر من ذلك أن نقول: أن على المجتهد أن يكون ملما بثقافة عصره، حتى لا يعيش منعزلا عن المجتمع الذي يعيش فيه ويجتهد له، ويتعامل مع أهله.

ومن ثقافة عصرنا اليوم: أن يعرف قدرا من علوم النفس والتربية والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والسياسة والقوانين الدولية ونحوها من الدراسات الإنسانية، التي تكشف له الواقع الذي يعايشه ويعامله.

بل لابد له كذلك من قدر من المعارف "العلمية" مثل "الأحياء" و"الطبيعة" و"الكيمياء" و"الرياضيات"، ونحوها، فهي تشكل أرضية ثقافية لازمة لكل إنسان معاصر.

وكثير من قضايا العصر، وثيقة الصلة بهذه العلوم، بحيث لا يستطيع أن يفتى فيها من يجهلها، فالحكم على الشيء، فرع عن تصوره، ولو بوجه ما.

وكيف يستطيع الفقيه المسلم أن يفتي في قضايا الإجهاض، أو شتل الجنين، أو التحكم في جنسه، وغير ذلك ن القضايا الجديدة إذا لم يكن لديه قدر من المعرفة بما كشفه العلم الحديث عن الحيوانات المنوية الذكرية، والبويضة الأنثوية وطريقة تلاقي البويضة بالحيوان المنوي وتكون الخلية الواحدة منهما.. وقضية "الجينات" وعوامل الوراثة..الخ هذه القضايا العلمية التي قد ينكرها بعض المشايخ الذين لم يدرسوا هذه العلوم الكونية.

ون هنا أدخل الأزهر هذه العلوم في معاهده ومناهجه من عهد بعيد، لأنها ضرورية لفهم الدين والكون والحياة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهي امتداد لما كان عليه علماء المسلمين في عصور الازدهار، وأي معهد ديني يستبعد هذه العلوم الكونية من مناهجه لا يمكن أن يعد رجالا قادرين على الاجتهاد في قضايا عصرهم.


8. العدالة والتقوى

ومن الشروط التي اتفق عليها الأصوليون: أن يكون المجتهد عدلا مرضي السيرة يتقي الله تعالى، ويتحرى الحق، ولا يبيع دينه بدنياه، فضلا عن دنيا غيره، لأن الفاسق والمتلاعب بالدين، والذي يجري وراء الشهرة الزائفة، لا يؤتمن على شرع الله تعالى أن يقوم فيه مقام النبي صلى الله عليه وسلم مفتيا ومبلغا ومعلما.

وإذا كان الذي يشهد على الناس في دراهم معدودة يجب أن يكون عدلا مرضيا عند المؤمنين، كما قال تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) [سورة الطلاق:2] وقال في آية المداينة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان، ممن ترضون من الشهداء) [سورة البقرة:282] فكيف بإنسان يشهد على الله تعالى أنه أحل أو حرم، أو أوجب أو رخص، أو صحح أو أبطل؟!

والحقيقة أن هذا الشرط ليس مطلوبا لبلوغ رتبة الاجتهاد، بل لقبول اجتهاد المجتهد وفتواه عند المسلمين، فقد يبلغ العاصي درجة الاجتهاد إذا حصل شروطه العلمية، وفي هذه الحالة يكون اجتهاده لنفسه صحيحا، أما لغيره فلا.

بيد أن مما يذكر هنا أن المرء لا يتقي الله تعالى ولا يخاف حسابه، قلما يوفق إلى الصواب، ويخشى أن تطمس ظلمة المعصية نور الفقه في قلبه، ولهذا قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن تتقواالله يجعل لكم فرقانا) [سورة الأنفال:29].

ومن المشهور هنا ما ينسب إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي!

وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاص!

ولهذا وجدنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من بعده، ترشد إلى أهمية العبادة والتقوى والصلاح لدى من يتعرض للاجتهاد والفتوى والقضاء.

فعن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة".

فنبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اشتراط العبادة بجانب العلم والفهم: "الفقهاء والعابدين".

ونحو ذلك ما رواه الدارمي في "سننه" عن أبي سلمة الحمصي مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة؟ فقال: "ينظر فيه العابدون من المؤمنين".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك، ثم إن الله عز وجل قدر علينا أن بلغنا ما ترون، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه ولا يقول: إني أخاف وإني أخاف، فإن الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك".

وكتب عمر رضي الله عنه إلى قاضيه شريح: "أن اقض بكتاب الله، فإن لم يكن فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فاقض بما قضى به الصالحون".

كما نجد أئمة الفقه والاجتهاد ينوهون بأثر التقوى والصلاح في التوفيق لإصابة الحق. وقال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، وقد اطلع على أقضية حفص بن غياث قاضي الكوفة وبغداد: "حفص ونظراؤه يعانون (أي يعينهم الله ويوفقهم) بقيام الليل" وقال الإمام أحمد بن حنبل في عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراقي أحد أصحابه: "رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:25

مجال الاجتهاد

أما مجال الاجتهاد ـ أو (المجتهد فيه) كما يعبر الأصوليون ـ فهو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع. وإنما ذكروا "الشرعي" احترازا عن العقليات ومسائل الكلام.
قال الغزالي: "فإن الحق فيها واحد، والمصيب واحد، والمخطئ آثم. وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما".
وقولهم: "ليس فيه دليل قاطع" لإخراج وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع. ففيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف، فليست محل الاجتهاد.
قال أبو الحسن البصري: "المسألة الاجتهادية هي التي اختلف فيها المجتهدون من الأحكام الشرعية". وهذا ضعيف، لأن جواز اختلاف المجتهدين مشروط بكون المسألة اجتهادية، فلو عرفنا كونها اجتهادية باختلافهم فيها لزم الدور!
وبعضهم لم يكتف بما ذكره الغزالي في تحديد المجتهد فيه، بل قال: "كل حكم شرعي عملي..الخ" فأضاف قيد "عملي" حتى يخرج المسائل الشرعية الاعتقادية من مجال الاجتهاد، لأنه لا مجال لمجتهد فيها أن يكون له عذر، فضلا عن أن يكون له أجر. ولهذا حملوا على عبيد الله بن الحسن العنبري إذ قال عن المختلفين في خلق أفعال العباد ونحوها: "هؤلاء قوم عظموا الله، وأولئك قوم نزهوا الله"!

والذي يظهر أن مجال الاجتهاد: هو كل مسألة شرعية ليس فيها دليل قطعي بالثبوت، قطعي الدلالة، سواء كانت من المسائل الأصلية الاعتقادية أم من المسائل الفرعية العملية.
ومجيئها في الشريعة على هذا الوجه دليل الإذن بالاجتهاد فيها، وإلا لجعل الله تعالى فيها من قواطع الأدلة، ومحكمات النصوص، ما يرفع التشابه، ويغني عن النظر، ويمنع الاختلاف، ولهذا أنزل الله تعالى في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) [سورة آل عمران:7].
ومن حكمة إنزال هذه المتشابهات أن تتسع لأكثر من فهم وأكثر من تفسير وبذلك يتسع دين الله للمختلفين وإن خطأ بعضهم بعضا، ولكن لا يكفر بعضهم بعضا.
أما تأثيم المجتهد في المسائل العلمية والاعتقادية، فهو مناف لما قرره القرآن والسنة في مثل قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [سورة البقرة:286]، (فاتقوا الله ما استطعتم) [سورة التغابن:16]، "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" الحديث.
ومن بذل وسعه في طلب الحقيقة، ولم يدخر جهدا في معرفتها، فقد أتى ما كلفه الله إياه. ولو أخطأ الطريق. فهذا هو وسعه وطاقته، وقد علم الله المؤمنين أن يدعوه فيقولوا: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) [سورة البقرة:286] وجاء في الصحيح: أن الله تعالى قد أجاب هذا الدعاء.
قال الإمام ابن دقيق العيد:
"ما نقل عن العنبري: إن أراد أن كل واحد من المجتهدين مصيب لما في نفس الأمر فباطل. وإن أريد به أن من بذل الوسع ولم يقصر في الأصوليات يكون معذورا غير معاقب، فهذا أقرب، لأنه قد يعتقد فيه أنه لو عوقب وكلف بعد استفراغه غاية الجهد لزم تكليفه بما لا يطيق".
وهذا هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا، قال في إحدى رسائله:
"فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية والعملية، أو المسائل الفروعية العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام".
وأما تفريق المسائل إلى أصول يكفر بإنكارها، ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها، فهذا التفريق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام. وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم، وهو تفريق متناقض.
أما إخراج المسائل العلمية الاعتقادية من مجال الاجتهاد ـ وإن لم تكن أدلتها قطعية ـ والمبالغة في تأثيم المجتهدين فيها، فإنه انتهى بقوم إلى تكفير المخالفين لهم في الأصول، كما فعل المعتزلة و كثير من الفرق الأخرى، وبعض أهل السنة أيضا. مع أن باب التكفير باب خطر، ولا ينبغي لمسلم بصير أن يلجه ما لم يسلك المسالك كلها، ولا يجد مجالا لعذر أو تأويل.
قال الشوكاني: "واعلم أن التكفير لمجتهدي الإسلام بمجرد الخطأ في الاجتهاد في شيء من مسائل العقل عقبة كئود لا يصعد إليها إلا من لا يبالي بدينه ولا يحرص عليه، لأنه مبني على شفا جرف هار، وعلى ظلمات بعضها فوق بعض، وغالب القول به ناشئ عن العصبية، وبعضه ناشئ عن شبه واهية ليست من الحجة في شيء، ولا يحل التمسك بها في أيسر أمر من أمور الدين فضلا عن هذا الأمر الذي هو مزلة الأقدام، ومدحضة كثير من علماء الإسلام. والحاصل أن الكتاب والسنة ومذهب خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم يدفع ذلك دفعا ولا شك فيه ولا شبهة. فإياك أن تغتر بقول من يقول منهم إنه يدل على ما ذهب إليه الكتاب والسنة، فإن ذلك دعوى باطلة مترتبة على شبهة داحضة، وليس هذا المقام مقام بسط الكلام على هذا المرام لوضعه في علم الكلام".

هل يدخل الاجتهاد أصول الفقه؟
وإذا كان بعض مسائل الاعتقاد قابلا لأن يدخل دائرة الاجتهاد، فأولى منه بالدخول بعض مسائل "أصول الفقه"، على الرغم مما شاع لدى كثير من الدارسين أن أصول الفقه قطعية، وأن الأصول إذا لم تكن قطعية ودخلها الاجتهاد كغيرها، لم يعد لنا معيار نحتكم إليه إذا اختلفنا في الفروع!
ومنذ سنوات ثارت هذه القصة على صفحات العدد الافتتاحي من مجلة "المسلم المعاصر" حيث تبنت المجلة الدعوة إلى اجتهاد معاصر قوي يعتمد على أصول الإسلام، ولا يغفل حاجات العصر، ولم تقصر دعوتها على الاجتهاد في الفقه، بل شملت الاجتهاد في أصوله.
واعترض بعض الباحثين المعاصرين على هذه الدعوة بأن أصول الفقه قطعية، فكيف نجتهد فيها؟
وكان لي شرف المشاركة في تجلية هذه القضية في العدد التالي وكان مما قلته فيها:
لا ريب أن الشاطبي رحمه الله بذل جهده لإثبات أن الأصول قطعية، ولكن ما المراد بالأصول هنا؟ يحسن بنا أن ننقل من تعليق العلامة الشيخ عبدالله دراز على "الموافقات" ما يوضح المقام حيث يقول:
تطلق الأصول على الكليات المنصوصة في الكتاب والسنة: مثل "لا ضرر ولا ضرار" الحديث، (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [سورة فاطر:18]، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [سورة الحج:78]، "إنما الأعمال بالنيات" الحديث. هكذا. وهذه تسمى أدلة أيضا كالكتاب والسنة والإجماع..الخ وهي قطعية بلا نزاع.
وتطلق أيضا على القوانين المستنبطة من الكتاب والسنة، التي توزن بها الأدلة الجزئية عند استنباط الأحكام الشرعية منها، وهذه القوانين هي من الأصول. فمنها ما هو قطعي باتفاق، ومنها ما فيه النزاع بالظنية والقطعية.
فالقاضي: "أبو بكر الباقلاني" ومن وافقه على أن من هذه المسائل الأصولية ما هو ظني، والشاطبي قد عارض هذا بأدلة ذكرها، مقررا في النهاية أن ما كان ظنيا يطرح من علم الأصول، فيكون ذكره تبعيا لا غير. (انظر الموافقات جـ، حاشية ص29 ط التجارية).
والذي يطالع علم أصول الفقه يتبين له أن رأي القاضي ومن وافقه هو الراجح، وذلك لما يرى من الخلاف المنتشر في كثير من مسائل الأصول، فهناك من الأدلة ما هو مختلف فيه بين مثبت بإطلاق، وناف بإطلاق، وقائل بالتفصيل. مثل اختلافهم في المصالح المرسلة، والاستحسان، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي، والاستصحاب وغيرها. مما هو معلوم لكل دارس للأصول.
والقياس وهو من الأدلة الأربعة الأساسية لدى المذاهب المتبوعة، فيه نزاع وكلام طويل الذيول من الظاهرية وغيرهم.
حتى الإجماع لا يخلو من كلام حول إمكانه ووقوعه، والعلم به، وحجيته.
هذا إلى أن القواعد والقوانين التي وضعها أئمة هذا العلم، لضبط الفهم، والاستنباط من المصدرين الأساسيين القطعيين: "الكتاب والسنة"، لم تسلم من الخلاف وتعارض وجهات النظر، كما يتضح ذلك في مسائل العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، والناسخ والمنسوخ.. وغيرها، فضلا عما تختص به السنة من خلاف حول ثبوت الآحاد منها، وشروط الاحتجاج بها، واختلاف المذاهب في ذلك أمر معلوم مشهور، نلمس أثره بوضوح في علم أصول الحديث، كما نلمسه في علم أصول الفقه.
وإذا كان مثل هذا الخلاف واقعا في أصول الفقه، فلا نستطيع أن نوافق الإمام الشاطبي على اعتبار كل مسائل الأصول قطعية. فالقطعي لا يسع مثل هذا الاختلاف ولا يحتمله، من ثم ألف العلامة الشوكاني كتابه الذي سماه "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" محاولا فيه تمحيص الخلاف، وتصحيح الصحيح، ونبذ الضعيف، وقال في مقدمته:
"إن علم أصول الفقه لما كان هو العلم الذي يأوي إليه الأعلام، والملجأ الذي يلجأ إليه عند تحرير المسائل، وتقرير الدلائل، في غالب الأحكام، وكانت مسائله المقررة، وقواعده المحررة، تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين، كما تراه في مباحث الباحثين، وتصانيف المصنفين، فإن أحدهم إذا استشهد بكلمة من كلام أهل الأصول، أذعن له المنازعون، وإن كانوا من الفحول، لاعتقادهم أن مسائل هذا الفن قواعد مؤسسة على الحق الحقيق بالقبول، مربوطة بأدلة علمية (أي يقينية) من المعقول والمنقول، تقصر عن القدح في شيء منها أيدي الفحول، وإن تبالغت في الطول، وبهذه الوسيلة صار كثير من أهل العلم واقعا في الرأي رافعا أعظم راية، وهو يظن أنه لم يعمل بغير علم الرواية ـ حملني على ذلك ـ بعد سؤال جماعة لي من أهل العلم ـ على التصنيف في هذا العلم الشريف، قاصدا به إيضاح راجحه من مرجوحه، وبيان سقيمه من صحيحه، موضحا لما يصلح منه للرد إليه، وما لا يصلح للتعويل عليه. ليكون العالم على بصيرة في علمه يتضح له بها الصواب، ولا بيني وبينه وبين درك الحق الحقيق بالقبول حجاب.. لأن تحرير ما هو الحق هو غاية الطلبات، ونهاية الرغبات، لا سيما في مثل هذا الفن الذي رجع كثير من المجتهدين بالرجوع إليه إلى التقليد من حيث لا يشعرون، ووقع غالب المتمسكين بالأدلة بسببه في الرأي البحت وهو لا يعلمون".
وبهذا كله يتضح أن للاجتهاد في أصول الفقه مجالا رحبا، هو مجال التمحيص والتحرير والترجيح فيما تنازع فيه الأصوليون من قضايا جمة، ومحاولة الشوكاني "تحقيق الحق" منها لا يعنى أنه لا يدع لمن بعده شيئا، فالباب لا يزال مفتوحا لمن وهبه الله المؤهلاتولو لوجه، ولكل مجتهد نصيب، وقد يتهيأ للمفضول مالا يتهيأ للفاضل.
الأمر الذي يجب تأكيده بقوة هو أن ما ثبت بدليل قطعي لا يجوز أن ندع للمتلاعبين أن يجترئوا على اقتحام حماه. فإن هذه "القطعيات" هي عماد الوحدة الاعتقادية والفكرية والعملية للأمة. وهي لها بمثابة الرواسي للأرض، تمنعها أن تميد وتضطرب. ولا يجوز لنا التساهل مع قوم من الأدعياء، يريدون أن يحولوا القطعيات إلى محتملات، والمحكمات إلى متشابهات، ويجعلوا الدين كله عجينة لينة في أيديهم يشكلونها كيف شاءت لهم أهواؤهم، ووسوست إليهم شياطينهم.
ولقد بلغ التلاعب بهؤلاء إلى حد أنهم اجترئوا على الأحكام الثابتة بصريح القرآن، مثل توريث الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، فهم يريدون أن "يجتهدوا" في التسوية بين الذكر والأنثى! بدعوى أن التفاوت كان في زمن لم تكن المرأة فيه تعمل مثل الرجل، وجهل هؤلاء أو تجاهلوا أن المرأة ـ وإن عملت وخرجت من مملكتها وزاحمت الرجال بالمناكب ـ تظل في كفالة الرجل ونفقته: ابنة وأختا وزوجة وأما غنية كانت أو فقيرة، وأن أعباءها المالية دون أعبائه، فهو يتزوج فيدفع مهرا، ويتحمل نفقة، وهي تتزوج فتأخذ مهرا، وينفق عليها، ولو كانت من ذوات الثراء.
وبلغ التلاعب ببعضهم أن قالوا: أن الخنازير التي حرمها القرآن وجعل لحمها رجسا، كانت خنازير سيئة التغذية، أما خنازير اليوم فتربى تحت إشراف لم تنله الخنازير القديمة.

وهكذا يريد هؤلاء لشرع الله أن يتبع أهواء الناس، لا أن تخضع أهواء الناس لشرع الله (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن) [سورة المؤمنون:71].
إننا نقول لهؤلاء الذين عبدوا أنفسهم لفكرة التطور المطلق ويطالبون الإسلام أن يتطور! نقول لهم: لماذا تطالبون الإسلام أن يتطور، ولا تطالبون التطور أن يسلم؟!
والإسلام إنما شرعه الله ليحكم لا ليحكم، وليقود لا ليقاد، فكيف تجعلون الحاكم محكوما، والمتبوع تابعا؟! (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [سورة المائدة:50]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:28

مراتب الاجتهاد

قال العلامة الدهلوي في رسالة "عقد الجيد": قد صرح الرافعي والنووي وغيرهما ممن لا يحصي كثرة بأن المجتهد المطلق قسمان: مستقل ومنتسب، ويظهر من كلامهم أن المستقل يمتاز بثلاث خصال:

إحداهما: التصرف في الأصول التي عليها بناء مجتهداته.

الثانية: تتبع الآيات والآثار بمعرفة الأحكام التي سبق الجواب فيها واختيار بعض الأدلة المتعارضة على بعض، وبيان الراجح من محتملاته والتنبيه لمآخذ الأحكام من تلك الأدلة، والذي نرى ـ والله أعلم ـ أن ذلك ثلثا علم الشافعي.

الثالثة: الكلام في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها، أخذا من تلك الأدلة.

والمنتسب من سلم أصول شيخه، واستعان بكلامه كثيرا في تتبع الأدلة، والتنبيه للمآخذ، وهو مع ذلك مستيقن بالأحكام من قبل أدلتها، قادر على استنباط المسائل منها، قل ذلك أو أكثر، وإنما تشترط الأمور المذكورة في المجتهد المطلق يعنى بقسميه.

وأما الذي هو دونه في المرتبة فهو مجتهد في المذهب، وهو مقلد لإمامه فيما ظهر فيه نصه، ولكنه يعرف قواعد إمامه وما بني عليه، فإذا وقعت حادثة لم يعرف لإمامه فيها نصا، اجتهد على مذهبه، وخرجها من أقواله وعلى منواله.

ودونه في المرتبة: مجتهد الفتيا، وهو المتبحر في مذهب إمامه، المتمكن من ترجيح قول على آخر، ووجه من وجوه الأصحاب على آخر.

والاجتهاد إذا أطلق في عباراتهم ينصرف إلى الاجتهاد المطلق سواء أكان مستقلا أم منتسبا، ولا يحمل على الاجتهاد في المذهب أو الفتوى إلا مقيدا.

والاجتهاد المطلق أعم من الاجتهاد المستقل والمنتسب فكل اجتهاد مستقل اجتهاد مطلق ولا عكس، وكل اجتهاد منتسب اجتهاد مطلق ولا عكس، والاجتهاد المستقل والمنتسب متباينان.

ومرتبة الاجتهاد المطلق المستقل يدخل فيها كل فقهاء الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب المتبوعة: الأربعة ومن في منزلتهم مثل الأئمة: زيد بن علي وجعفر الصادق والثوري والأوزاعي والليث بن سعد، والطبري وداود بن علي وغيرهم.

ومرتبة الاجتهاد المطلق المنتسب فتشمل أصحاب الأئمة الذين وافقهم على أصولهم، وكان لهم اجتهادهم واستنباطهم في عامة مسائل الفقه، فوافقوا وخالفوا.

مثل أصحاب أبي حنيفة: أبي يوسف ومحمد وزفر، ومثل أصحاب مالك: ابن القاسم وأشهب وأصبغ.. ومثل أصحاب الشافعي: المزني والبويطي وأصحاب أحمد: الخلال.. وغيرهم.

ويرى الشيخان أبو زهرة وخلاف رحمهما الله: أن مثل أبي يوسف ومحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة لا ينزلون عن رتبة الاجتهاد المطلق المستقل، ومنزلتهم من أبي حنيفة مثل منزلة أبي حنيفة من شيخه إبراهيم النخعي، ومنزلة الشافعي من مالك، وأحمد من الشافعي.

وهو كلام وجيه. وينطبق كذلك على أصحاب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد، ومنزلتهم في الاجتهاد معروفة غير منكورة. ولكن يبدو أن تسمية هؤلاء وأمثالهم بالمجتهدين المنتسبين أصبحت شبه "اصطلاح" على المجتهدين من أصحاب الأئمة المتبوعين الذين توضع أراءهم بجوار رأي إمام المذهب نفسه، وكثيرا ما تكون الفتوى عليها، وإذا كان هذا اصطلاحا فلا مشاحة في الاصطلاح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 111010
العمل : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Collec10
الحالة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 2210
نقاط : 9965
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية 1111110

الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية   الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية I_icon_minitime27/7/2008, 20:30

مشروعية الاجتهاد وحكمه

الاجتهاد مشروع بلا ريب في الإسلام، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [سورة النساء:83].

وقال تعالى في وصف المؤمنين: (وأمرهم شورى بينهم) [سورة الشورى:28]. والشورى تعني البحث عن الصواب فيما يعرض من أمور وفق أدلة الشرع، منصوصة أو غير منصوصة، وهذا لا يكون إلا من خلال الاجتهاد من أهل الرأي على اختلاف تخصصاتهم وتنوع خبراتهم.

وأما السنة، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم:

"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".

وتقريره صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لما صلى في إحدى السرايا بأصحابه وكان جنبا ولم يغتسل، بل تيمم، وكانت الليلة شديدة البرودة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، ردا على شكوى من كان معه: تذكرت قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما) [سورة النساء:29] فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرره على ذلك.

ومن ذلك نداؤه بعد منصرفه من غزوة الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فاجتهد قوم فصلوها في الطريق خوف فوت الوقت عملا بمقصود النص، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فات الوقت! وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فما عنف أحد من الفريقين.

ومن ذلك تقريره لمعاذ على اجتهاده حينما بعثه إلى اليمن، وقال له: "بم تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي لا آلو (أي لا أقصر) فقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى الله ورسوله"!

وهو حديث تلقاه فقهاء الأمة بالقبول وقواه ابن عبد البر، وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير، وغيرهم، وقال الشوكاني: هو حديث حسن له طرق يرتقي بمجموعها إلى القبول.

وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة بكل مذاهبها على مشروعية الاجتهاد، وممارسته بالفعل، وكان من ثمراته هذه الثروة الفقهية العريضة.

والعقل كذلك يوجب الاجتهاد، لأن معظم أدلة الأحكام الشرعية العملية ظنية قابلة لأكثر من فهم، فلابد من الاجتهاد لتعيين الرأي الراجح أو الأرجح. وكذلك مالا نص فيه لابد من الاجتهاد لبيان الحكم الشرعي فيه، بوجه من وجوه الاستدلال، إذ الشريعة حاكمة على جميع أفعال العباد، وذلك لا يكون إلا بطريق الاجتهاد.

وإذا كان الاجتهاد مشروعا ولاشك فما حكمه شرعا؟ ونعني بحكمه هنا الوصف الذي يعطيه له الشرع من الأحكام: أهو فرض أو واجب أو مندوب..الخ؟

والذي يتضح من تعريف الاجتهاد ـ وهو بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ـ أن تحصيله واجب بالنسبة للأمة، وهو من فروض الكفايات التي يترتب على وجودها قيام مصالحها العامة، وعلى عدمها اضطراب أمورها، واختلال أمر دينها ودنياها.

وإذا كان إتقان علم الطب والحساب وغيرهما من علوم الدنيا فرض كفاية على المجتمع المسلم كما قرر الغزالي والشاطبي وغيرهما. بل إذا كانت الصناعات والحرف المختلفة مثل النجارة والحدادة الخياطة والبناء وغيرها من فروض الكفايات فكيف لا يكون الاجتهاد في الشرع، واستنباط الأحكام من أدلته فرضا على الأمة؟

وإذا كان الاجتهاد فرض كفاية على الأمة، فمعنى هذا أنه يجب أن يكون لديها عدد كاف من الفقهاء المتمكنين من الاجتهاد، يدلونها على حكم الشريعة في الملمات ويفتونها على علم في النوازل. فإن وجد هذا العدد الكافي سقط الإثم والحرج عن الأمة. ودل ذلك على سلامة الأمة من الخلل في هذا الجانب، وإن لم يوجد ذلك أثمت الأمة عامة، وأولو الأمر فيها خاصة. لأن من مسئوليتهم أن يعملوا على سد الثغرات، وتهيئة من يقوم بفروض الكفايات.

وهذا الوضع الذي تفقد فيه الأمة أهل العلم والبصيرة هو الذي يعرضها للضلال بفتوى الجهال الذين يتزيون بزي العلماء، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويسقطون ما أوجب الله. وفي هؤلاء جاء حديث عبدالله بن عمرو في الصحيحين مرفوعا: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

ولهذا نقل الشوكاني عن بعض الفقهاء: أنه لابد أن يكون في كل قطر من يقوم بالاجتهاد على الكفاية، لأن الاجتهاد من فروض الكفايات.

وقال الشهرستاني في "الملل والنحل": الاجتهاد فرض كفاية، حتى لو استقل بتحصيله واحد سقط الفرض عن الجميع، وإن قصر فيه أهل عصر عصوا بتركه، وأشرفوا على خطر عظيم، فإن الأحكام الاجتهادية إذا كانت مترتبة على الاجتهاد ترتب المسبب على السبب، ولم يوجد سبب، كانت الأحكام عاطلة، والآراء كلها متماثلة، فلابد من مجتهد.

وذكر النووي في "المجموع" أن الاجتهاد المستقل قد فقد من رأس المائة الرابعة.. وأما الاجتهاد المنتسب فهو باق إلى أن تأتي أشراط الساعة الكبرى ولا يجوز انقطاعه شرعا، لأنه فرض كفاية، ومتى قصر فيه أهل مصر حتى تركوه أثموا كلهم، وعصوا بأسرهم. كما صرح به الماوردي والروباني والبنوي وغيرهم.

قال ابن الصلاح: "الذي رأيته في كتب الأئمة مشعر بأنه يتأدى فرض الكفاية بالمجتهد المقيد، والذي يظهر لي أنه يتأدى فرض الكفاية في الفتوى، وإن لم يتأد به في إحياء العلوم التي منها الاستمداد في الفتوى".

وهذا يعني أن فرض الكفاية لا يتحقق إلا بالمجتهد المطلق الذي يستمد أدلته من الشرع رأسا.

وهنا يتعين على العالم الذي وجد في نفسه أهلية الحصول على ملكة الاجتهاد وتهيأت له وسائله، أن يستكمل أدواته العلمية، ويمضي في طريق التبحر، والتعمق حتى يبلغ درجة الاجتهاد المطلق، حتى يسد الثغرة، ويرتفع الحرج عن الأمة به وبأمثاله.

وهذا حكم عام في كل عمل من فروض الكفايات إذا وجد من هو متهيئ له، فإن عليه أن يتقدم ليملأ الفراغ، شكرا لنعمة الله تعالى عليه.

وهذا حكم الاجتهاد باعتباره صفة وقدرة وملكة، ولكن ما حكم الاجتهاد باعتباره ممارسة وفعلا، أعني: إذا وجد المجتهد ووجدت الواقعة التي تتطلب بيان حكمها في الشرع، إفتاء أو قضاء؟

وهنا يقسم بعض الأصوليين الاجتهاد في حق العلماء إلى ثلاثة أضرب: فرض عين، وفرض كفاية، وندب.

فالأول: وهو فرض عين، على حالين:

1. اجتهاد في حق نفسه عند نزول الحادثة (أي يفرض عليه أن يجتهد لنفسه فيما يتعلق بعبادته ومعاملاته، وزواجه وطلاقه ونحوها).

2. اجتهاد فيما يتعين عليه الحكم فيه (بأن لم يكن في البلد أحد غيره يطمأن إلى فقه ودينه، فيجب عليه الاجتهاد حينئذ) فإن ضاق فرض الحادثة كان على الفور، وإلا كان من على التراخي.

والثاني: وهو فرض الكفاية، على الحالين:

أحدهما: إذا نزلت بالمستفتي حادثة، فاستفتى أحد العلماء، توجه الفرض على جميعهم، وأخصهم بمعرفتها من خص بالسؤال عنها، فإن أجاب هو أو غيره سقط الفرض، وإلا أثموا جميعا.

والثاني: أن يتردد الحكم بين قاضيين مشتركين في النظر فيكون فرض الاجتهاد مشتركا بينهما فأيهما تفرد بالحكم فيه سقط فرضه عنها.

والثالث: ندب على الحالين:

أحدهما: فيما يجتهد فيه العالم منغير النوازل يسبق إلى معرفة حكمه قبل نزوله.

والثاني: أن يستفتيه قبل نزولها. انتهى.

وزاد بعضهم أن الاجتهاد يكون حراما أيضا، وذلك إذا كان في مقابلة دليل قاطع، لأنه اجتهاد في غير محله، ومثل ذلك اجتهاد من ليس أهلا للاجتهاد وهو اجتهاد الرءوس الجهال الذين ذكرهم الحديث بأنهم يفتون بغير علم فيضلون ويضلون.

المــــــــــــــــــــــــــــــــرجع:-
كتاب الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية مع نظرات تحليلة فى الاجتهاد المعاصر
اسم المؤلف: يوسف القرضاوى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» [شرح] حقوق أهل الذمة في الشريعة الإسلامية
» الشريعة الإسلامية وقواعد الحرب
» الذبح وفق الشريعة الإسلامية ..سلاح هولندا للرفق بالحيوان
» ليبيا: الشريعة الإسلامية مادة "فوق الدستور" لا يجوز الاستفتاء عليها
» الاجتهاد .. شروطه وحكمه ودرجاته

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات الإسلامية :: المنتدى الإسلامي العام-
انتقل الى: