الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 تفسير سورة الأنفال

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صفاء الروح
مراقب عام
مراقب عام
صفاء الروح

انثى
عدد الرسائل : 3955
تفسير سورة الأنفال 1510
بلد الإقامة : أرض الإسلام
احترام القوانين : تفسير سورة الأنفال 111010
العمل : تفسير سورة الأنفال Unknow10
الحالة : تفسير سورة الأنفال 510
نقاط : 9609
ترشيحات : 102
الأوســــــــــمة : تفسير سورة الأنفال 1111110

تفسير سورة الأنفال Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الأنفال   تفسير سورة الأنفال I_icon_minitime25/3/2010, 17:40



سورة الأنفال (Cool : الدرس 1/6 لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الموضوع : الإصلاح ، الآية 1 .
التدقيق اللغوي : الأستاذ غازي القدسي .
التنقيح النهائي : المهندس غسان السراقبي


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ يتوهم المسلمون أنّ أوامر الدين تقتصر على العبادات الخمس التي أشارت إليها الأركان الخمسة للإسلام ؛ من صلاة ، وصيام ، وحج ، وزكاة ، ونطقٍ بالشهادة .
لكن الحقيقة ؛ واسمعوا لهذه القاعدة ، أنّ كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، أيّ أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب .
لذلك أنت أمام ، آلاف بل عشرات الآلاف من الأوامر الإلهية ، وإذا كنت مؤمناً حقاً فكل آيةٍ قرآنيةٍ تتوجه إلى المؤمنين تشير إلى أمر : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " .
( سورة التوبة :119)
هذا أمر ، " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " .
(سورة الأنفال الآية : 1)
هذا أمر " وأقيموا الصلاة " .
( سورة البقرة : 43 )
هذا أمر ، فأيّ أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، وأنت حينما تقرأ كلام الله عز وجل ، انتبه إلى أفعال الأمر ، إذا أتى أمر فلم تتحرك نحو تطبيقه فلست مؤمناً .
والآن ما الأمر ؟ :

ما هي ذات البين ، هي النفس التي بين جوانحك ، أنت الآن مأمور من قِبَلِ الله عز وجل بآيةٍ قطعية الدلالة ، قطعية الثبوت أنْ تصلح ذات بينك ، وكيف تصلح ذات بينك ‍‍؟ عن طريق تطهيرها من الأدران ، وتحليتها بالكمال ، عن طريق تطهيرها من الأدران ، فأمراض النفس كثيرة ، الِكبرُ من أمراض النفس ، الأثرةُ من أمراض النفس عدم الإنصاف من أمراض النفس ، المحاباة من أمراض النفس ، النفاق من أمراض النفس ، العجُب من أمراض النفس ، الحقد من أمراض النفس ، القسوة من أمراض النفس ، "أصلحوا ذات بينكم " ، بتنقية نفوسكم من النقائص ، من الأدران ، من الأمراض ، هذه الأمراض هي التي تعذِّب صاحبها يوم القيامة ، بل إن أمراض الجسد تنتهي عند الموت لكن أمراض النفس تبدأ تأثيراتها السلبية المؤلمة الساحقة المُشقية عند الموت .
قال تعالى : "أصلحوا ذات بينكم " لا يُكتفَى بتطهير النفس من الأدران ، لا بد من تحليتها بالكمال ، تحليتها بالرحمة ، بالإنصاف ، بالإيثار ، بالتضحية بالإكرام ، بالالتزام ، بالتواضع ، هذا هو المعنى الأول ، وللآية ثلاثة معانٍ :
المعنى الأول أصلح نفسك ، والدليل : "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " .
( سورة : الشعراء 89 )
إذاً في جزء من وقتك يجب أن تستبطن ذاتك ، أن تتأمل هل هناك أغلاط ؟ هل هناك أمراض ؟ هل هناك أدران ؟ هل هناك نقائص ؟ هل هناك أمراض نفسية ؟ أفيَّ حقد وفيَّ كبر ؟ أفيَّ عُجب ومحاباة ؟ أعنديَ نفاق وتدليس ؟ ألديَّ تدجيل وتزوير ؟ ، هذه كلها أمراض تهلك صاحبها ، بعد أن كرمك الله بأن تتخلى ، أو أن تتطهر من هذه الأمراض ، هل هناك كرم ؟ هل هناك عفو ؟ هل هناك رحمة ؟ التخلية والتحلية ، التطهير والتنوير .
إذًا حسب المعنى الأول " ذات بينكم " أي النفس التي بين جوانحكم ، أمّا المعنى الثاني ، "أصلحوا ذات بينكم " أصلح ما بينك وبين إخوانك ، فما يكون لديكم تقاطع ، ولا تدابر وبغضاء ، ولا شحناء ، وخصومات ، مثل علاقات مالية سيئة ، علاقات اجتماعية سيئة ، "أصلحوا ذات بينكم " أصلح ما بينك وبين المؤمنين ، وهم أولى الناس بمودتك ، وأصلح ما بينك وبين الناس عامةً .
فما بينك وبين الناس قد يزول بالاعتذار ، بحل مشكلة ، فأحيانًا تنشب في خصومةٌ بينك وبين أخٍ ، فهديةٌ كما قال عليه الصلاة والسلام : هذه الهدية تذهب بوحل الصدر ، اعتذار ، اعتراف ، أداء حقوق ، طلب مسامحة ، تقديم هدية ، فهذه العلاقة السيئة ، هذه الخصومة ، هذه المشاحنة ، هذا الحقد ، هذا الارتباك ، هذا الاضطراب يجب أن يزول، وممكن إزالته وأنت على وجه الأرض ، هو قضية سهلة ، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة ، أيْ أدِّ الحق يسامحك ، أدِّ الحق يعفُ عنك .
المعنى الثالث ، أصلحْ ما بين الناس .
أولاً أصلح نفسك التي بين جنبيك داخلياً .
ثم أصلح ما بينك وبين الآخرين ، فهذه علاقة أنت أحد أطرافها .
ثم أصلح ما بين شخصين .
الإنسان المؤمن دائماً يصلح ولا يفسد ، يصل ولا يقطع ، فإذا دخل إلى بيت أخته مثلاً ، وأثنى على زوج أخته ، يقرِّب بين الزوجين ، أما إذا ذمَّ زوج أخته ، ما هذا البيت ؟! كيف وسعكما ؟! والله يليق بكِ قصر ، ماذا فعلت أنت ؟ لقد أفسدتَ بين أختك وزوجها ، أما إذا أثنيت على أخلاق صهرك ؛ إنسان شهم ، طيب ، والأصل الأخلاق يا أختي ، وهذا رجل عظيم ، وأسأل الله أنْ يكرمه لكل تكرمة ، فهذا كلام ، وذاك كلام ، لكن شتّان بين الإيجاب والسلب .
المؤمن دائماً يصلح بين زوجين ، بين أخوين ، بين شريكين ، بين أب وابنه ، بين أخ وأخيه ، بين شريك وشريكه ، دائماً يصلح ، ولا يفسد ، والشيطان دائماً يفسد ، كيف ما تحرك قطع العلائق ، فأول معنى ، أصلح نفسك ، بتطهيرها من الأدران ، وتحليتها بالكمال .
المعنى الثاني ، أصلح ما بينك وبين إخوانك ، وكن منصفًا ، أدِّ الذي عليك ، اعتذر إذا وقعتَ في خطأ ، أدِّ الحق إذا كان عليك حق ، وإذا كنتَ مقصِّرًا فعالج التقصير ، وإنْ تُحل القضية بهدية فقدِّم هدية ، وإنْ تُحل بزيارة فزرْهُ ، وبادره بالزيارة، لا تسمح ببقاء علاقة متوترة ، ولا علاقة متشنجة ، لا تَدَعْ حقدًا ، أو خصومة ، أو انحرافًا يفرِّق بينك وبين الآخرين ، أصلح ذات بينك .
الحالة الثالثة ، أنت تعيش في مجتمع ، لك جيران ، لك أقرباء لك أزواج بنات، لك أزواج أخوات ، لك أصهار ، لك أولاد ، حاول أنْ تقرِّب بين الناس .
لذلك أفضل شفاعةٍ أن تشفع بين اثنين في نكاح .
قال لي رجل : شكوت إلى أخٍ أختَه ، أخ زوجته ، أختك تفعل معي كذا ، أختك تفعل كذا .
قال له : طلقها ، واللهِ هذا أحسن لك ، أهذه نصيحة ‍!؟ لكني أقول : هذه قبيحة وليست نصيحة .
قال له : طلقها أحسن لك ، هذا إنسان مفسد ! فالشيطان دائماً يحلو له الإفساد، تقطيع العلاقات ، إيقاع ذات البين ، إقامة هوّة بين الناس ، المؤمن من صفاته الأساسية، يقرب ، يوحد ، يؤلف .
لذلك أحيانًا كلمة قد تكون مدمِّرة ، " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " لا يلقي لها بالاً ، " لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه "
قال : " يا رسول الله وهل نؤاخذ بما نقول ، قال ويحك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ".
قضية كبيرة ، فهذه آية ، لتَكُن القاعدة عندك ؛ وهي أنّ كل أمرٍ يقتضي الوجوب ، فأنت لستَ أمام خمسة أوامر في القرآن ، صوم ، وصلاة وحج ، وزكاة ، أنت أمام مئة ألف أمر ، هذا أمر منها .
قال لك : "اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" ، يجب أن تكون مع المؤمنين ، أن تكون معهم بكلِّيتك.
قال لك الله عز وجل :" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " .
( سورة الكهف : 28 )
هذا أمر .
فاقرأ القرآن ، وكلما وقفت على أمرٍ دقق ، أين أنا من هذا الأمر ؟ هل أنا مطبقٌ له ؟ فهذا أمر ، "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، أصلح نفسك وحدها ، وأصلح ما بينك وبين الآخرين ، وأنت طرفٌ ، وأصلح بين اثنين ، وهذا من صفات المؤمن ، والقرآن كما قال سيدنا علي : حمَّال أوجه ، أيْ له أوجه كثيرة .
إذاً مرة ثانية : "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" ، فإذا حفظ الإنسان هذه الآية ، وكلما جلس مع أخ ، بيَّن له معناها ، ولها ثلاثة معانٍ بسيطة :
أصلح نفسك بالاتصال بالله تشفَ من أمراضك .
أصلح نفسك بالاتصال بالله تتحلَّ بالكمال ، كمِّل نفسك أولاً ، وكل علاقة ، مع أقربائك، مع جيرانك ، مع زبائنك ، مع أصحابك ، مع زملائك بالمهنة ، أصلحها ، بالاعتذار ، بأداء الحقوق ، بتقديم هدية ، وكذلك أصلح بين اثنين إنْ كنت تعرف بوجود خصومة بين زوجين ، الزوج يكون ابن أخيك فرضاً ، والزوجة تكون بنت أختك مثلاً ، لا تقل: يصطفلوا ‍! "ينباعوا بالعزى" ! "فخار يكسر بعضه" ، هذا من أخلاق الشيطان ، لكنك أصلح ذات بينك ، وذات بين الناس .
أحيانًا تنشأ بين زوجين خصومة ، فالزوج ركِب رأسه ، والزوجة ركبت رأسها ، فهما يحتاجان طرفًا ثالثًا يوفِّق بينهما ، يكون هو كبش الفداء ، اذهب وزُرْ أهل الزوجة ، وبيِّن لهم شمائل الزوج ، وزُرْ الزوج ، وأقنعه أنّ زوجته جيدة ، وفِّق بينهما ، المؤمن من شأنه أن يصلح ، والمنافق من شأنه أن يفسد ، ودائماً يقطع العلاقات ، أمّا المؤمن فإنّه يصلها ، والنبي يقول : "ليس منا من فرق " ، ليس منا ، يعني برئ النبيُّ منه ومِمّن يفرّق بين الناس ، أحيانا يفرق بين علماء المسلمين ، يحضر مجلسَ علم ، يسمع كلمة فيخطفها خطفًا ولم يفهمها ، ينقلها لعالم آخر ، سيدي هكذا قال فلان ، فما قولكم ، فتحرجه أنت بكلام غلط ، تحدث أحيانا خصومات بين دعاةٍ ، ما السبب ؟ هم كلهم على حق ، لكن لأنّ النقل عنهم غلط ، النقل عنهم كان مغلوطًا .
فالمؤمن يصلح دائمًا ، ولا يفسد ، يصل ولا يقطع .
آخر حديث : أمرني ربي بتسع ؛ خشية الله في السر والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضى ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ، وأن أعف عمن ظلمني ، وأن أعطي من حرمني ، وأن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً ، والحمد لله رب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صفاء الروح
مراقب عام
مراقب عام
صفاء الروح

انثى
عدد الرسائل : 3955
تفسير سورة الأنفال 1510
بلد الإقامة : أرض الإسلام
احترام القوانين : تفسير سورة الأنفال 111010
العمل : تفسير سورة الأنفال Unknow10
الحالة : تفسير سورة الأنفال 510
نقاط : 9609
ترشيحات : 102
الأوســــــــــمة : تفسير سورة الأنفال 1111110

تفسير سورة الأنفال Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الأنفال   تفسير سورة الأنفال I_icon_minitime25/3/2010, 17:44


سورة الأنفال (Cool : الدرس 2/6 لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الموضوع : سلوك الإنسان الحقيقي ، الآيات 20-21-22 .

أيها الإخوة الكرام ؛ في سورة الأنفال آيات ، وهذه الآيات أرقامها عشرون وواحدة وعشرون واثنتان وعشرون ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :

من أدق الآيات المتعلقة بالسماع : "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه" ، تعرضوا عنه ، لا تديروا ظهوركم لهذه الدعوة ، لا تنصرفوا عنها ، هي تولوا عنه ، "وأنتم تسمعون" ، يعني كتاب الله يتلى عليكم صباحاً ومساء ، تستمع لهذا الكتاب ، بالمناسبات الحزينة ، في عقود القران أحياناً ، تسمع في الإذاعة أحياناً ، تقرؤه كل يوم ، أنت بين يديك كتاب الله عز وجل ، إذا أردت أن تخاطب الله فادعُهُ ، وإن أردت أن يخاطبك الله فاقرأ القرآن ،" لا تولوا عنه وأنتم تسمعون " ، مثلاً إنسان يقرأ القرآن ، يستمع للقرآن ، بلَغَهُ القرآن ، يَفهمُ القرآن ، ثم تجده يتعامل في بيته وفي تجارته بخلاف أحكام القرآن ‍‍.
لذلك ورد في الحديث أنه : "ما آمن بالقرآن من أستحل محارمه ما آمن بالقرآن من أستحل محارمه "، وورد أيضاً : رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ، وإذا قلت: صدق الله العظيم ، ولم تكن مطبقاً لأحكام القرآن ، فهذا كلام منكَ غير صحيح ، أنت ما صدقته ، أنت في الحقيقة تكذبه .
والاتجاه الجديد حاليًا في العالم كله ، أن الإنسان لا يُقَيَّم أبداً من أقواله ولا من معتقداته ، بل يُقَيَّم فقط من سلوكه ، لأن سلوك الإنسان هو الترجمة الحقيقة لمعتقداته وتصوراته ، فإذا قال إنسان : أنا مؤمن بالله ، وأسعى للآخرة ، وأخاف دخول جهنم ، ولم تر في عمله ما يؤكد ذلك فهو كاذب .
فبالسلوك إذًا التقييم الحقيقي ، لأنّ رفع الشعار سهل ، الادِّعاء سهل ، دعوة الانتماء سهلة ، كل إنسان لسانه يتكلم كما يشاء لكثرة الكذب والدجل والتزوير والانتماءات الباطلة ، والادعاءات الفارغة لدى الناس .
لذلك اتَّجه الناس الآن إلى تقييم الإنسان لا من أقواله ، ولا من تصوراته ، ولا من إشاراته ، ولا من لفتاته ، بل من عمله فقط ، هذا المعنى تؤكده هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون" . أيْ تسمع القرآن ، والآية الأخرى تقول : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " .
( سورة النور : 30 )
فكيف تطلق بصرك في الحرام ، والآية تقول : " ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " .
( سورة البقرة : 221 )
كيف ترضى لابنتك زوجًا غنيًا ولا يصلي ، وليس فيه دين .
والله عز وجل قال أيضًا : "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" .
( سورة البقرة : 276 )
فكيف تتعامل تعاملاً ربوياً .
والله عز وجل يقول : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم " .
( سورة التوبة : 103 )
فكيف تقصر في دفع الزكاة .
والله عز وجل يقول : "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " .
( سورة يوسف : 52 )
فكيف تحتال على بعض الناس ؟.
إنّ القرآن بين أيدينا ، وعلى الإنسان أنْ يكون صادقًا مع نفسه ، يعني هذه النشاطات الفارغة ، كل عبادة لا تكلف شيئًا يبادر لها ، أما عند الدفع ، عند الحلال ، عند الحرام ، عند الأخذ ، عند العطاء ، عند أداء الحقوق ، عند الاعتراف بالحقوق يقول : عليك بالمحاكم ، أهذا شأن المؤمن ؟ يقول لك : هذه المحاكم أمامك ، يجب أن تؤدي الحق من دون دعوى إنْ كنتَ مؤمنًا ، ومن دون محكمة ، فالمؤمن وقَّافٌ عند القرآن ، يؤدِّي كلّ حقٍّ عليه .
" ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون" ، الآية التي بعدها : "ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون " ، ذكرت هذا قبل فترةٍ في بعض أحاديثي ، ماذا أراد الله بكلمة أننا سمعنا ؟! وقد ذكرتُ يومها مثلاً يوضِّح الآية .
إذا شاهد شخصٌ على كتف صديقه عقربًا ، وقال له : العقرب العقرب ‍‍‍، فالذي على كتفه العقرب قال بهدوء وراحة وبساطة : أنا أشكرك أشدَّ الشكر على هذه الملاحظة القيِّمة ، وأنا لا أملك إلا أن أعبِّر عن تقديري الجزيل لهذه اللفتة البارعة ، فقد سمع ما قال له ، وحذَّره ، فإذا بقي هادئًا ، فلعلّ اهتزاز الصوت وصل إلى طبلة أذنه ولم يفهم شيئًا ، فالعلماء يفرقون بين الصوت والكلام ، ممكن أنْ تسمع ضجيجًا ، وممكن أنْ تسمع من بعيد إنسانًا يتكلم ، لكنّك لم تفهمْ من كلامه شيئًا ، فهذا يعني صوتًا، اهتزاز بوسط مرن ، هذا هو الصوت ، لكن مضمون هذا الصوت هل فهمته ؟ لا .
قال تعالى : "ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ".
يعني أنّ الله عز وجل أراد بالسماع التطبيق ، شيء طبيعي إذا قيل لإنسان : على كتفك عقرب فانتبه ، أن يقفز ، ويهيب واقفا ، وأن ترتعد مفاصله ، وبعد أن يزيله عن كتفه يقول : شكراً ، أما إذا جامله ، معنى ذلك أنه ما سمع قولَه ، لقد سمِع صوتًا ، ولم يفقه له معنًى .
فحينما يخاطب المؤمن خطاباً معيناً ولا يتحرك ، فهذا المؤمن إنْ لم يتحرك فهذا لم يفهم مِن الخطاب شيئًا ، نحن في ذكرى الهجرة هذه الأيام ، والله عز وجل قال: "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " .
( سورة الأنفال : 72 ) .
فإذا لم تأخذ موقفًا عمليًا ، وإذا لم تتحرك ، ولم تقف موقفًا إيجابيًا ، ولا اندفعت، ولا أعطيت ، ولا منعت ، ولا وصلت ، ولا قطعت ، ولا غضبت ، إن لـم تتحرك ، بناءً على معتقداتك ، فهذا الاعتقاد السلبي الذي لا يقدم ولا يؤخر لا شأن له عند الله .
"ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ".
لو سمعت الحق لأمضيت الوقت كله في التقرب إلى الله عز وجل ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في بعض الأحاديث : إنّ روح الميت ترفرف فوق النعش ، تقول يا أهلي يا ولدي ، لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حل وحرم، فأنفقته في حله وفي غير حله ، فالهناء لكم ، والتبعة عليّ .
جاء في الحديث الشريف أنه : ما من بيت ، إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات ، فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله ، وانقطع رزقه ، ألقى عليه غم الموت ، فغشيته سكراته ، فمن أهل البيت ، الناشرة شعرها والضاربة وجهها ، والصارخة بويلها ، يقول ملك الموت : ممَّ الفزع ؟ وممَّ الجزع ، ما أذهبت لواحد منكم رزقاً ، ولا قربت له أجلاً ، وإنّ لي فيكم لعودة ، ثم عودة ، حتى لا أبقي منكم أحداً ، يقول عليه الصلاة والسلام : فو الذي نفس محمد بيده ، لو يرون مكانه ، ويسمعون كلامه ، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم .
كثير ما تلاحظون أنه عندما يموت الإنسان ، إذا كانت يده قابضة يفرحون ، هو طبعاً في حزن معلن ، يطيلون شعرَ ذقونهم ، يلبسون الأسود ، لكن عملياً يفرحون ، لقد أخذوا الثروة ، فهذا الذي فرح ألم يعلم أنه حين يموت سيفرح الآخرُون مثل فرحه هو يوم أخذ الثروة .
منذ عدة سنوات توفي إنسان بهذه البلدة ، وترك ألف مليون ! أحد الورثة نصيبه مئة وعشرون مليونًا ، ترك عمله ، وترك محله التجاري ، وشمّر وبدأ يتابع حصر الإرث ، إنّه مبلغ ضخم ، لم يدخل إلى محله التجاري ستة أشهر ، وهو يتابع معاملة الميراث ، وفي أحد الأيام دخل الحمام ليغسل فسقط ميتاً ، قبل أن يأخذ قرشاً واحداً .
هذه الحياة ، فلذلك على الإنسان أنْ يحتاط ، "ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ".
معنى ذلك أنّ الله عز وجل يعني بالسمع أنْ تستجيب ، أعطاك أمرًا لتنفيذه ، هذا السماع ، وإلا فهذا الإنسانُ ميت إنْ لم ينفذ الأمرَ ، ثم يقول الله عز وجل - يا لطيف ما أدقَّ هذه الآية - : "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " ، يوصف بأنه ذو ضرس طيب ، أذواقه في الدنيا عالية ، يعرف من أين تؤكَل الكتف ، قناص درجة أولى ، يأخذ حقَّه حقَّ غيره ، لسانُه له سبع شطلات ، أما عند معرفة الحقوق ، وعند معرفة الله ، فهو جاهل ، " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون" .
مرة التقيت شخصًا أجنبيًا ، قلت : لعلى أُلقي على سمعه بعض الكلمات التي تذكِّره بالله عز وجل ، فذكرت له كلامًا موجزًا عن عظمة الخالق ، ففوجئت أنه يقول لي : هذه الموضوعات لا تعنيني ، ولا أهتم لها ، ولا أُلقي لها بالاً ، لا يعنيني إلا ثلاثة أشياء ؛ بيتٌ واسع ، وسيارةٌ فاخرة ، وامرأةٌ جميلة .
طيلة حياتي ما تذوقت هذه الآية ، كما تذوقتها حينما سمعت كلامه ، قال سبحانه : " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم " ، وقال عز وجل : " أمواتٌ غير أحياء".
( سورة النحل : 21 ) .
شخص عربي مسلم جلس في أمريكا بحديقة عامة ، وجلس إلى جانبه رجل أمريكي الأصل ، وهذا المسلم العربي لونه غامق ، فسأله الأمريكي : أنت من هنا ؟ ولو قال له : نعم لما كلمه إطلاقاً ، بسبب التفرقة العنصرية في تلك البلاد ، قال له : أنا من الشرق ، من أين ؟ قال : من البلد الفلاني ، قال : أنا مسلم ، قال له : حدثني عن الإسلام ، هذا رجل عالم ، فشمَّر وبدأ يعطيه خلال ساعةٍ خلاصةً مركزةً عن الإسلام ، بعد أن انتهى ، مدَّ يده إلى جيبه وأخرج دولارًا ، ثم قال له : أمّا أنا فهذا هو ربي .
"ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم "، يعني إذا كان الشخص فيه خير من تلك البلاد فلا بد أنْ يسوقه اللهُ إلى بلد مسلم ، أو أنّ الله يدله عليه ، فهذه الآية دقيقة ، يقول بعض الناس : هؤلاء قد تركهم الله وشأنهم ، ليس هذا صحيحًا ، "ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم " ، هذه الآية فيها بشرى لنا جميعاً ، إذا أسْمَع الله شخصًا الحقَّ فماذا يُفهَم من ذلك ؟ أن الله علم فيه خيراً ، المعنى المخالف ،" ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم" ، طبعاً ما أسمعهم ، لأنه لم يعلم فيهم خيراً ، فإذا أسمع الله عبداً الحقَّ ، فماذا يعني ذلك ؟ أنه علم فيه خيراً ، لمجرد أن الله سبحانه وتعالى ، شاءت حكمته أنْ تولد أنتَ في بلاد المسلمين ، فهذه رحمةٌ من الله عز وجل .
أحد إخواننا كان في بلد أجنبي ، يعمل سائق تكسي ، ركبت معه امرأة وهي تبكي ، وهو يقود السيارة ، سألته لمَ لمْ تسألني عن سبب بكائي ؟ فقال لها : هذا لا يعنيني ، قالت له : أبي يمارس معي الجنس منذ عشرين عامًا ، واليوم قدَّمت في حقه شكوى ، فقد كان زنى المحارم شائعًا هناك ، " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون "إذًا لو أسمعهم ، "لتولوا وهم معرضون "، هذه الآيات دقيقة ، "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ".
يعني شر الدواب ، "شر" اسم تفضيل ، شر دابةٍ على وجه الأرض ، الذي يأكل ويشرب ، ويستمتع ، لكنه لا يعقل ، لا يسمع ولا يفكر ، "الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم "، وليس فيهم الخير ، " لتولوا "، هذه الآية قد تذوقتُها ، عندما قال لي الأجنبي ، : هذه الموضوعات لا تعنيني أبداً ، ولا أهتم لها ، يعنيني زوجة جميلة ، وبيت واسع ، وسيارة فاخرة ، فقط ، فلا ترهِقْ نفسك معي ولا تتعب ، "ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون "، السماع عند الله ماذا يعني ؟ التطبيق ، وإنْ لم تطبّق فما سمعت شيئًا ، السماع يعني التطبيق ، الآيات بين أيدينا ، القرآن بين أيدينا ، الله يسره ، تقرؤه وقد طُبِع بخط جميل ، تسمعه بشريط ، وتسمعه بمولد ، وتسمعه في تعزية ، هذا شيء دقيق ، لكنّ السماع عند الله يعني التطبيق ، فإن لم تطبق فأنت لم تسمع ولم تفهم .
الحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صفاء الروح
مراقب عام
مراقب عام
صفاء الروح

انثى
عدد الرسائل : 3955
تفسير سورة الأنفال 1510
بلد الإقامة : أرض الإسلام
احترام القوانين : تفسير سورة الأنفال 111010
العمل : تفسير سورة الأنفال Unknow10
الحالة : تفسير سورة الأنفال 510
نقاط : 9609
ترشيحات : 102
الأوســــــــــمة : تفسير سورة الأنفال 1111110

تفسير سورة الأنفال Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الأنفال   تفسير سورة الأنفال I_icon_minitime25/3/2010, 17:47



سورة الأنفال (Cool : الدرس 3/6 لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الموضوع : التعريف بالمؤمنين ، الآيات 2-3-4 .


أيها الإخوة الكرام ؛ الآيات الثانية ، والثالثة ، والرابعة ، من سورة الأنفال ، وهي قوله تعالى :

هذه التعريفات للمؤمن لها وظيفتان .
الوظيفة الأولى : أنْ تعرف نفسك من خلالها .
الوظيفة الثانية : أنها تحدد الهدف أمامك .
تعرف وتتجه ، فلو قلت لك مثلاً : إن الوردة الطبيعية تنمو ، وهي ذات رائحة فوّاحة ، وأنت عندك وردة لا تنمو ، وليس لها رائحة فواحة ، فمعنى ذلك أنّها مِن بلاستيك ، فهذا التعريف الدقيق للورد الطبيعي يجعلك تقيِّم ما عندك ، فـ "إنما" أداة قصر وحصر ، يعني المؤمن هكذا ، وخلاف ذلك ليس بمؤمن ، تقول : إنما العلم بالتعلم ، يعني ليس ثمّة طريقة أخرى لكسب العلم إلا بالتعلم ، تفيد القصر ، مثلاً ، تقول:
"إنما يخشى الله من عباده العلماء" .
( سورة فاطر : 28 )
يعني العلماء وحدهم يخشون الله ، وليس أحدٌ سواهم .
يجب أن نعرف ماذا تعني "إنما" ؟ إنما أداة قصر ، وأداة حصر ، إذا قلنا : شوقي شاعر ، فقد يكون شوقي كاتبًا كذلك وتاجرًا ، وحقوقيًا ، وقاضيًا .
أما إذا قلنا إنما شوقي شاعر ، يعني أنّه شاعر فقط ، قصرنا شوقي على الشعر، لو قلنا : إنما الشاعر شوقي ، يعني ليس هناك شاعر آخر ، هو وحده الشاعر ، فإذا المؤمن عرف ماذا تعني كلمة "إنما" ، وقرأها في القرآن الكريم يصبح فهمه للآية دقيقاً.
قال لك : "إنما المؤمنون إخوة " .
( سورة الحجرات : 10 )
يعني إن لم تشعر بهذه الأخوة مع المؤمنين فلست مؤمناً ، إذا كنت تبغضهم وتحسدهم ، وتتمنى أن يفشو الخبر السيئ عنهم ، تتمنى تدميرهم ، فلست مؤمناً قطعاً ، لقوله تعالى : "إن تصبك حسنة تسؤهم " .
( سورة التوبة : 50 )
فقد صاروا منافقين ، فحيثما قرأت "إنما" في القرآن الكريم مثل : "إنما المؤمنون إخوة"، ومثل : "إنما يخشى الله من عباده العلماء " ونحو : "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، إن لم يكونوا كذلك فليسوا مؤمنين ، أما لو قلنا : المؤمنون وجلت قلوبهم ، فليس في الآية قصر ، وجلتْ قلوبهم أَوْ لا ، وغيرهم قد وجلت قلوبهم ، أما إذا قلنا ،" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قصرنا هذا الحال النفسي على المؤمنين ، فمن لم يشعر بهذا الحال النفسي فليس مؤمناً ، ولقد أردت من هذه اللقطة ، أو من هذه النظرة اللغوية ، أنكم كلما قرأتم آيةً قرآنيةً فيها كلمة "إنما" فاعلموا أنّ "إنما" تفيد القصر والحصر ، ولو أنّ الله عز وجل قال : العلماء يخشون الله ، يعني هذا الكلام أن غير العلماء كذلك يخشون الله ، أما إذا قلت : "إنما يخشى الله من عباده العلماء "، يعني العلماء وحدهم وليس أحد سواهم يخشـون الله ، إذا قلت : المؤمنون إخوة ، هذا لا يمنع أن يكون الكفار إخوة أيضًا ، والمنافقون إخوة ، أما إذا قلت : "إنما المؤمنون إخوة "، أي الأخوّة محصورةٌ ومقصورةٌ بين المؤمنين ، ومن لم يشعر بهذه الأخوّة فليس مؤمناً ، والكلام واضح .
وآيات اليوم التي نحن بصدد الاستفادة منها : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ".
يعني أنّ الله عز وجل يذكِّر بآياته الكونية ، يذكِّر بآياته التكوينية ، يذكر بآياته القرآنية ، وتذكر أيضًا أسماؤه الحسنى ، تذكر صفاته العظمى ، يذكر فضله ، تذكر عظمته ، يذكر حلمه ، تذكر رحمته ، تذكر قدرته ، ثم لا تضطرب ‍‍‍، ولا تهتز لك حاسة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، ولا تشعر بقشعريرة بجلدك ، لا تشعر بوجلٍ في قلبك ، لا تضطرب ‍‍‍، لا تبكي لا تتأثر ، فلست إذًا مؤمناً ، فالقلب ميت ، " أموات غير أحياء " .
( سورة النحل : 21 )
" وما أنت بمسمع من في القبور " .
( سورة فاطر : 22 ) .
ليس من مات فاستراح بميتٍ إنما الميت ميت الأحياء
إذاً هذه الآية مقياس وهدف ، هذا هو الهدف ، وذاك هو المقياس ، قِس نفسك ، المتر مئة سانتي ، عندك قطعة قماش قسها ، أنت ظننتها ستة أمتار ، وهي متر واحد ، المقياس أمامك ، " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ".
لذلك العلم غذاء العقل ، والذكر غذاء القلب ، والطعام والشراب غذاء الجسم .
أنت أيها الأخ الكريم ، بحاجة ماسة إلى أغذية ثلاثة ؛ غذاء لجسمك ، هذا شيء معروف ، وغذاء لعقلك ، وهو العلم ، غذاء لقلبك ، وهو الذكر .
واستمع إلى قوله تعالى : "ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .
( سورة الرعد : 28) .
استمع إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام : إن القلوب لتصدأ ، قيل وما جلاؤها ؟ قال: ذكر الله ، فإذا أردت أن تطمئن ، أن تستقر ، أن ترتاح نفسك أن تسعد ، فأكثر من ذكر الله ، ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ، فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم ، قالوا : بلى ، قال: ذكر الله .
لذلك نحن بحاجة إلى الذكر ، كي يغذى القلب ، وكي يذهب عنه القلق والخوف والقهر .
"إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ".
الآن : " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " ، العقل يؤمن ، لكن كلما رأى برهانًا جديداً وآية جديدة ازداد إيماناً ، لذلك قال العلماء : الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالأدلة والآيات والروائع القرآنية ، وينقص بالإهمال ، إذا توقف الإنسان عن طلب العلم، فمثلاً طبيب ، إذا بقي على معلومات الجامعة ، فبعد عشر سنوات ينسى معظمها، يبقى على معلومات بسيطة ، فالطبيب إذا لم يتلقَّ العلم بشكل مستمر فلن يواكب العصر، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، إذاً أنت بحاجة إلى غذاء للقلب : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، وبحاجة إلى غذاء للعقل : " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " ، محصلة غذاء القلب مع غذاء العقل ، وعلى ربهم يتوكلون، حال التوكل لا يعرفه إلا من ذاقه ، يعني ملك الملوك ، يدافع عنك ، يحبهم ويحبونه .
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " .
( سورة مريم : 96 )
" إن الله يدافع عن الذين آمنوا " .
( سورة الحج : 38 )
فربنا عز وجل يحفظ المؤمن قال سبحانه : " وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " ، هذا الدين كله إحسان واتصال ، حركة أفقية نحو الخلق بالإحسان إليهم ، وحركة علوية نحو الله بالاتصال به ، هذا الدين ، هذا الدين في أدق تعاريفه ، وفي أوجز تعريفاته ، اتصال بالخالق ، وإحسانٌ للمخلوق ، "الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " .
يصلي وينفق ، ويذكر الله ويزداد علماً ، العلم غذاءٌ لعقله ، والذكر غذاءٌ لقلبه ، ويخدم الناس ويتصل بالله ، "أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم "، لهم درجات عند ربهم ومغفرةٌ ، للماضي ، ورزقٌ كريم ، ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ، آيات موجزات عرفتك بالإيمان ، الإيمان غذاء للعقل ، بالآيات الكونية ، والتكوينية ، والقرآنية ، والإيمان ذكر للقلب ، للطمأنينة ، والإيمان اتصال بالخالق ، وإحسان للمخلوق .
النتائج ، التوكل ، وعلى ربهم يتوكلون لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ، هذا الطريق ، يعني أنّ شخصًا معه عملة ، بعضها مزور ، أخذ مقياسًا ليفحصها ، فوجد ثلاثة أرباعها مزورًا ، انتبهْ هذا مقياس لفحص العملة ، وهذه الآية مقياس فحص ، وتحديد هدف ، تُعرفك من أنت ، تحجم حالك ، لأنّ كل إنسان لا يرضى عن رزقه لكنه يرضى عن عقله ، يظن نفسه أعقل الناس ، ويرضى عن إيمانه، ويظن أنه في صفّ الصديق ، لكن لا شي في حياته العملية يؤكد ذلك .
إذاً هذه الآيات ، تعريف ، تحجيم ، تقييم ، قياس ، وهدف ، اجعلها هدفًا ، اجعل هدفك أنك إذا ذكرت الله طَرِبَ قلبك ، وإذا تلوتَ آياته ازداد إيمانك ، واجعل همك الأول الاتصال بالخالق ، والإحسان إلى المخلوق ، عندئذٍ يحسن توكلك على الله ، ويغفر الله لك ما سلف منك ، ويرزقك رزقاً كريماً .
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صفاء الروح
مراقب عام
مراقب عام
صفاء الروح

انثى
عدد الرسائل : 3955
تفسير سورة الأنفال 1510
بلد الإقامة : أرض الإسلام
احترام القوانين : تفسير سورة الأنفال 111010
العمل : تفسير سورة الأنفال Unknow10
الحالة : تفسير سورة الأنفال 510
نقاط : 9609
ترشيحات : 102
الأوســــــــــمة : تفسير سورة الأنفال 1111110

تفسير سورة الأنفال Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الأنفال   تفسير سورة الأنفال I_icon_minitime25/3/2010, 17:50



سورة الأنفال (Cool : الدرس 4/6 لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الموضوع : المعنى الحقيقي للهجرة ، الآية 72.


أيها الإخوة الكرام ؛ الآية الثانية والسبعون من سورة الأنفال قوله تعالى :

الهجرة أيها الإخوة ؛ ونحن هذه الأيام نعيش ذكرى الهجرة ، الهجرة هي المظهر العملي للإيمان .
الإيمان : ما وقر في القلب ، وأقره اللسان ، وصدقه العمل .
فالإنسان أيها الأخوة ؛ إذا آمن بالله ، آمن بالله ولكنْ من دون حركة نحو الله فذلك مستحيل ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، آمن بالله من دون تطوير لنمط حياته فهذا مستحيل ، آمن بالله من دون تغيير لطريقة كسب المال فهذا ليس إيماناً .
فكأن الله سبحانه وتعالى أراد من الهجرة ، معناها الواسع ، والهجرة لها معنى ضيق ، ولها معنى واسع ، فمعناها الضيق الانتقال من مكة إلى المدينة في عهد النبي ، لكن باب الهجرة أغلق بعد الفتح ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : لا هجرة بعد الفتح .
لكن باب الهجرة مفتوح إلى يوم القيامة ، بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة ، باب الهجرة مفتوح ، من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ويبقى هذا هو المعنى الضيق .
لكن المعنى الواسع : المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، لما يرتاد الإنسانُ بيوتَ الله ، ويدع الأماكن الموبوءة فقد هاجر إلى الله ، ولما ينضم الإنسان إلى المؤمنين ، ويأنس بهم ، ويدع الفسقة والفجار ، فقد هاجر إلى الله ، ولما يأوي الإنسان إلى بيته ويجعله كهفه في زمن الفتن ، والانحرافات ، والضلال فقد هاجر إلى الله ، وحينما يدع الإنسان الحرام ، ويأخذ الحلال فقد هاجر إلى الله .
فالهجرة بمعناها الواسع الانتقال من المعصية إلى الإيمان ، من التفلُّت إلى الانضباط ، من مجتمع الكفار ، إلى مجتمع المؤمنين ، من تقليد الكفار ، إلى تقليد المؤمنين ، من التخلي عن أهل الدنيا ، والانضمام إلى أهل الدين ، هذا المعنى الواسع، وهذا المعنى يسع الناس في كل زمان ، وفي كل مكان ، وأجمل ما في الموضوع الحديث القدسي ، الذي يقول الله جل جلاله فيه : "عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليّ "، الهرج الفتن ، يعني إذا كان الطريق ، مليئًا بالكاسيات العاريات ، فغضُّ البصر حينئذٍ هجرة ، ولزومُ مجالس العلم هجرة ، والالتجاء إلى بيوت الله هجرة ، والانضمام إلى المؤمنين الصادقين هجرة ، "عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليّ "، هذا ما يقوله الله عز وجل في الحديث القدسي .
لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام قال مرةً : "اشتقت لأحبابي قالوا أو لسنا أحبابك ، قال لا : أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان ، القابض منهم على دينه كالقابض على جمر أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم قال : بل منكم، قالوا : ولِمَ ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ".
الإنسان إذا تديّن حقًّا ، وإذا استقام حورِب من كل الناس ، حتى من أهله ، وزوجته ، وأولاده ، حتى من أقرب الناس إليه .
هكذا ، قال عليه الصلاة والسلام : بدأ الدين غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء أناسٌ صالحون في قوم سوءٍ كثير .
فإذا شعرت بالغربة فهي علامة صادقة على إيمانك ، يقول بعضهم : أخي الناس كلهم فسقة ، الناس كلهم منحرفون ، وأنا منهم ، وإلاّ فأين أذهب ، ثم يعايشهم ، أمّا أنت إن شعرت بالغربة فهذه علامة طيبة ، لأن الله عز وجل قال : "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " .
( سورة يوسف : 103 ) .
إخوانا الكرام ؛ إنّ الأحداث التي مرت بعهد النبي أحداثٌ ساقها الله عز وجل لحكمةٍ بالغةٍ بالغة ، ليقف النبي منها موقفاً كاملاً ، ليكون هذا الموقف تشريعاً إلى يوم القيامة ، لأن هذه الأحداث تتكرر .
الأحداث التي وقعت في عهد النبي ، ليست أحداثاً تاريخية وقعت ولن تقع ، وقعت وسوف تقع ، وسوف تقع دائماً .
لذلك جاءت في عهد النبي ، ووقف منها النبي موقفاً كاملاً ، ليكون هذا الموقف موقفاً تشريعياً لمَن كان في عصره ، ولمَن بعده إلى يوم القيامة .
أول درس أيها الأخوة من الهجرة ؛ أن الهجرة تعلمنا أنه إذا تعارضت مصالحك مع مبادئك فعليك بالمبادئ ، إذا تعارض حبُّك لبلدك ولمكان إقامتك مع طاعتك لله عز وجل ، فابحث عن مكانٍ تطيع فيه الله عز وجل ، " كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ".
( سورة النساء : 97 )
طبعا هناك كثير من الأقطار أو القرى أو المدن تلجأ إليها ، ففي العصور الوسطى حدَث اضطهاد ديني ، فالذين رضوا بالاضطهاد الديني ، تفلَّتتْ أمورهم ، وتركوا عباداتهم ، وأطلقوا لبناتهم العنان إرضاءً للمضطهدين ، ضيعوا دينهم وآخرتهم ، لكن الذين فروا بدينهم هم كثيرٌ ، فرُّوا بدينهم من الاضطهاد الديني ، فقد أنقذوا آخرتهم .
فالإنسان إذا كان الخيار صعبًا لديه ، بين أن يقيم شرع الله ، وبين أن يترك ، عليه أن يطيع الله في أي مكان آخر ، هذا أول درس .
الدرس الثاني أيها الإخوة ؛ النبي عليه الصلاة والسلام علمنا بحادثة الهجرة أنّ أخذ الأسباب لا يتناقض مع التوكل ، فقد رَسَمَ خطّةً محكمة ، وغطّى كل الثغرات ، أولاً سار باتجاه البحر ، وربض في غار ثور ، وكلف إنسانًا لتقصي الأخبار ، وإنسانًا لموح الآثار ، وإنسانًا ليأتي له بالزاد والأخبار ، واستأجر خبيرًا في الطريق ، لقد هيَّأَ كلَّ شيء ، هذا هو الأخذ بالأسباب ، ومع ذلك كان متوكِّلاً صادقًا .
أيها الإخوة ؛ المسلم الصادق يأخذ بالأسباب ، ويتوكل على رب الأرباب ، لأنّ عنده منزلقين .
أول منزلق : أن يأخذ بالأسباب وأن يعتمد عليها فيقع في الشرك .
ثاني منزلق : إنْ لم يأخذ بها وقع في المعصية .
فأنت أيها المسلم بين معصيتين ، أن تأخذ بالأسباب وتقع في الشرك ، أو أن تدع الأخذ بالأسباب فتقع في المعصية ، وما سبب تخلف المسلمين إلا أنهم أخذوا بالأسباب ، واعتمدوا عليها ، فأشركوا فأحبط الله أعمالهم ، وإما أنهم تركوا الأخذ بالأسباب ، لفهمٍ ساذجٍ للتوكل ، وقعوا في المعصية ، فلم يستحقوا نصر الله عز وجل .
هذا درسٌ بليغ ، يجب أن يضعه كل مسلم نصب عينيه في حياته اليومية كلها ، في كل شأنٍ من شؤون حياته ، حتى في شأن صحته ، سمِّ الله وكُلْ ، والتفاحة ليست مغسولة ، هذا ليس توكلاً ، هذا عدم أخذ بالأسباب ، ألا تلقح أولادك ؟ يا أخي ، أنا على الله متوكل ، هذه غفلة ومعصية ، عدم الأخذ بالأسباب معصية ، وأن تأخذ بالأسباب وتقول لا يوجد شيء ، وأنا عملت مراجعة للسيارة وهي جاهزة للسفر ، لن يحدث معي شي يسوؤني ، هذا شرك ، لأنّك اعتمدت عليها ، الله عز وجل قادر أنْ يخلق لك مشكلة ، وأنت آخذ بكل الأسباب .
أيها الإخوة : من لم يأخذ بالأسباب فقد عصى ، ومن أخذ بها واعتمد عليها فقد أشرك ، والنبي علمنا بالهجرة ، كيف أنه أخذ بالأسباب ، فلما جاؤوا إليه توكل على الله ، وصلوا له ، رغم كل الأسباب ، وصلوا إلى غار حراء ، فلأنه لم يعتمد عليها ، ولو اعتمد أنه عليها لانهار ، لكنه أخذ بها ، طاعةً لله ، ولم يعتمد عليها ، بل اعتمد على الله عز وجل ، لذلك لم يخف أبدًا.
قال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين ، الله ثالثهما ، قال أبو بكر : لقد رأونا ، قال : يا أبا بكر ، ألم تقرأ قول الله تعالى : "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" .
( سورة الأعراف : 198 )
يبدو أن أحد المطاردين وقعت عينه على عين أبي بكر رضي الله عنه ، قال له : لقد رأونا ، فقال له عليه الصلاة والسلام : ألم تقرأ قوله تعالى : "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ".
أنت حينما تأخذ بالأسباب ، ولا تكفي الأسباب ، فالله يرمم لك إياها ، أنت حينما تأخذ بالأسباب ، ولا تكفي الأسباب ، فالله يتولى الباقي ، أما إن لم تأخذ بها ، فهذه استهانةٌ بنظام الكون ، وهذا استخفافٌ بنظام الله عز وجل ، أما إذا أخذتها واعتمدت عليها ، ونسيت الله ، فقد أشركت ، وهذا الدرس الثاني .
الدرس الثالث أيها الإخوة ؛ هذا الحديث الشريف ، والله أتمنى عليكم أن يكون أمامكم في كل ساعة ؛ " ما ترك عبدٌ شيئًا لله إلاّ عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه "، أقسم بذات الله ، زوال الكون أهون على الله من أن يدع مؤمنٌ شيئًا لله ثم يخسر ؛" ما ترك عبدٌ شيئًا لله إلاّ عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه " .
أحد الصحابة ، حينما بايع النبي بيعة الهجرة ، عقبة بن عامر الجهني وعنده غنيمات ، يحرص عليها حرصاً بالغاً ، فكان يقول لأصحابه : اذهبوا أنتم إلى رسول الله ، ودعوني مع الغنمات ، يخاف عليها ، لأنّها كلها رأس ماله ، لكنه لم يلبث أنْ أجرى محاكمة مع نفسه ، أنا إلى متى أسمع عن النبي ، ولم أسمع منه مباشرةً ، فترك الغنيمات وذهب إلى النبي يسمع منه بنفسه وتصحبه سحابة يومه ، هذا الإنسان صار فاتح مصر ، وفاتح الشام ، وفاتح جزيرة رودس في البحر المتوسط ، وصار أكبر عالم من علماء الصحابة ، وأكبر قارئ قرآن ، لمَّا ترك الغنيمات ، وكان مجرد راعٍ ، فصار عالمًا جليلاً ، وصار واليَ مصر ، وفاتح الشام ، وفاتح رودس .
" ما ترك عبدٌ شيئًا لله إلاّ عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه "
أنا لن أقول لك جرِّب الله ، ولا أقول لك شارِط الله ، ولكن أنقلُ لك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، تركُ أمرٍ لله ، تركُ مبلغ لله ، إذا لم تأخده أضعافًا مضاعفة بطريق حلال، فإنّ الدين يكون باطلاً ، ؛" ما ترك عبدٌ شيئًا لله إلاّ عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه " .
دائماً كن مع الله ، دائماً كن مع الحق ، ضع مصلحتك تحت قدمك ، قل : يا ربِّ أبتغي رضاك ، والله عز وجل لا ينساك .
الخلاصة في الهجرة ثلاثة دروس :
أول درس ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولو كلفني ترك بلدي ، فإذا مُنِع المسلم من الصلاة ، مُنِع أن يقيم شعائر الله ، "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" ، فلا عذر لك أبدً ، لكن نحن والحمد لله نقيم شعائر الله بشكلٍ رائع ، وما من بلدةٍ في العالم كهذه البلدة الطيبة ، التي يعرف الجميع أن الله سبحانه وتعالى ، كما قال النبي: رأيت عمود الإسلام قد عمد به إلى الشام .
هذه نعمة كبيرة ، وإن شاء الله في بدرس قادم ، نتحدث عن الهجرة المعاكسة ، كيف أنّ الإنسان لمّا يترك بلدًا فيه مجالس علم ، وتقام فيه شعائر الله عز وجل ، من أجل الدرهم والدينار ، يضيع دينه ، وعرضه ، وأولاده ، هذه هجرة معاكسة ، في سبيل الشيطان
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صفاء الروح
مراقب عام
مراقب عام
صفاء الروح

انثى
عدد الرسائل : 3955
تفسير سورة الأنفال 1510
بلد الإقامة : أرض الإسلام
احترام القوانين : تفسير سورة الأنفال 111010
العمل : تفسير سورة الأنفال Unknow10
الحالة : تفسير سورة الأنفال 510
نقاط : 9609
ترشيحات : 102
الأوســــــــــمة : تفسير سورة الأنفال 1111110

تفسير سورة الأنفال Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الأنفال   تفسير سورة الأنفال I_icon_minitime25/3/2010, 17:54



سورة الأنفال ( 8 ) : الدرس 5/6 لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الموضوع : الإعداد للعدو ، الآية 60.



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ الآية الستون من سورة الأنفال ، يقول الله تعالى :

الحقيقة أنّ هذه الآية مِن أدق الآيات المتعلقة بالعلاقات الدولية في المنهج الإسلامي .
الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين فقال : "وأعدوا "، أما "هم" فتشير إلى أعداء المؤمنين ، الكفار ، "وأعدوا لهم" ، هذا أمر ، أمر تكليفي ، وكل أمرٍ في القرآن الكريم ، يقتضي الوجوب ، "وأعدوا لهم" ، طبعاً حينما يوجه الأمر إلى مجموع الأمة ، هو موجهٌ في الأصل إلى أولي الأمر ، لأنهم يمثلون مجموع الأمة .
إذاً ؛ هذه الآية موجَّهة إلى أولياء الأمور في العالم الإسلامي ، هذه الآية موجه إليهم بالذات ، "وأعدوا لهم ما استطعتم" ، هذا الفعل ، يفيد استنفاذ الجهد ، وقد يفهم إنسانٌ هذه الآية فهماً على عكس ما أراد الله ، "ما استطعتم" ، بين أن تفهم الآية ، في أن تبذل بعض الجهد ، و بين أن تفهم الآية ، في أن تبذل كل الجهد ، المعنى الذي أراده الله عز وجل ليس المعنى الشائع السوقي ، بل المعنى اللغوي الدقيق ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : "بلسانٍ عربيٍ مبين " .
( سورة الشعراء : 195 )
ومعنى ، "ما استطعتم" ، أي يجب أن تستنفذوا كل استطاعتكم في حشد القوة ، وقوله : "من قوةٍ "، القوة جاءت نكرة ، وهذا التنكير في اللغة ، يفيد الشمول ، يعني كل أنواع القوة ، المعلومات قوة ، الإعداد قوة ، التدريب قوة ، التوجيه الإعلامي قوة ، الأقمار الصناعية قوة .
إذا أردت أن تفهم الآية ، فهماً دقيقاً ، أصولياً ، فهماً نظامياً ، لغوياً وَفق قواعد علم أصول الفقه ، يجب أن نستعد لأعدائنا بكل أنواع القوى ، وما أكثر القوى ، التي تستخدمها المجتمعات كسلاحٍ على أعدائهم ، فالمعلومات قوة ، التغطية الفضائية قوة ، التدريب قوة ، الأسلحة المتفوقة قوة ، الأسلحة التي تحقق إصابات محكمةً قوة .
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ "، لكن أدق ما في الآية كلمة (من) ، هذه (من) أيها الإخوة ، تفيد استغراق أفراد النوع ، ولنضرب مثلاً ، لو أنّ رجلاَ سأل شخصًا آخر ، أعندك مالٌ لإنشاء مشروعٍ تجاري يكلف مليونين ، يقول المسؤول منهما: ما عندي مالٌ ، قد يقصد بهذا الجواب ، ما عندي مالٌ كافٍ لهذا المشروع ، فهو معه مئة ألف مثلاً ، بينما اطلبْ منه مليونًا ، والمشروع يحتاج إلى مليونين ، أما إذا قال لك المسؤول : ما عندي من مالٍ ، أضاف "من" ، فالمعنى الدقيق ، يعني ما عندي ولا ليرة سورية واحدة ، إذًا "من" تفيد استغراق أفراد النوع .
فربنا عز وجل قال : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ" ، يعني أيَّ شيءٍ ؛ العلم قوة ، التفوق في العلم قوة ، استطلاع المعلومات قوة ، هذا طبعاً يعني أنّ إخواننا الذين يدرسون في الأكاديميات العسكرية ، يعرفون ما معنى القوة أما الآية الكريمة ، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ".
إنّ هذه القوى ، المال قوة ، العلم قوة ، السلاح قوة ، التدريب قوة ، القيادة الحكيمة قوة ، المعلومات قوة ، هذه القوى ، يجب أن تستغرق كل أنواع القوى ، فكلمة "من" ، "ما استطعتم من قوةٍ "، يمكن أنْ تكون القوة الآن طائرة ، فعلى عهد النبي لم توجد طائرات ، فلكي يفهم أصحابه الكرام ما معنى قوة ، قال علماء الأصول : أحياناً نعطف بعض الشيء على ذاته ، قال : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل"، رباط الخيل قوة ، لكنْ هذه القوة مألوفة في عهد النبي ، فحتى يفهم أصحاب النبي ما القوة ، "ومن رباط الخيل "، من باب عطف الشيء على ذاته ، لكن هذه الآية تصلح بعد ألف سنة ، بعد ألفين ، بعد خمسة آلاف سنة ، فأيّة قوة يستخدمها المجتمع البشري ، لتكون سلاحاً ضد أعدائه فهذه قوة ، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ".
الآن يتبادر سؤال ؟ نحن أحياناً نقول : المسلمون ضعاف في العالم ، أما هؤلاء الأجانب الذين يخططون للنيل منهم أقوياء ، فمهما أعددنا من القوى لن نستطيع أن نصل إلى قوى تكافئ قوتهم ، إذًا ما الحل ؟ الجواب أنكم مأمورون أن تعدوا لهم ما استطعتم فقط ، فإن كانت استطاعتكم لا تبلغ القوة المكافئة لهم ، فالله سبحانه وتعالى يتولى ترميم النقص ، أنت عليك أن تعد نفسك ، المسلم عليه أن تكون معنوياته عالية ، فلو نظر إلى أعدائه على أنهم أقوياء ، لا ، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة "، لأن الإسلام مستهدف في كل أنحاء العالم الآن ، فما الذي يضعفنا ؟ ضعف معنوياتنا ، فأنتم يا عبادي ، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ، وأنْ يكون الاقتصاد قوة ، وأنْ يكون الإنتاج قوة ، وأنْ تكون السياسة الحكيمة التي تقود المركبة إلى جانب شاطئ السلام قوة .
فالإنسان مأمور أن يعد كل أنواع القوى ، استغراقاً ، لا اصطفاءً ، حتى نفهم ما هي القوة ، في عهد النبي كانت الخيل ، "ومن رباط الخيل "، قال سبحانه : هذه القوة قد لا تستخدمونها ، لكن لها وظيفة كبيرة ، هي أنكم ، "ترهبون به عدو الله وعدوكم" .
المشكلة يجب أن تكون هذه القوة موجهه إلى عدو الله وعدوكم ، يجب أن يكون عدوكم هو عدوٌ لله وعدوكم في وقتٍ واحد .
فإن كان الأخ يحارب أخاه ، فهذا خلاف المفهوم من القرآن ، فليس معقولاً أنّ المؤمنين يتقاتلون ، دقق معنى العدو ، "ترهبون به عدو الله وعدوكم " ، يعني لا يكون هذا عدواً لكم إلا إذا كان عدواً لله ، لأنكم مؤمنون ، أما أن تتوهَّموا أنه عدوكم وهو مؤمن ، وتقيموا حرباً طاحنةً قذرةً بين المؤمنين ، فهذا شيءٌ مخالفٌ لأصل الدين
لذلك ، لو كان لدى المجتمع وعي كبير ، فلو أُعطي الأمر للمسلم أن يضرب أخاه المسلم ، فعليه ألاّ ينفذ ، لا ينفذ ، لأن هذا مخالف للدين ، وهذه القوى تفتت الأمة داخلياً إن فُهِم الأمرُ مغلوطًا ، وهذا ما يحصل الآن في الأفغان ، وما يحصل في اليمن ، يجب أن يكون عدوكم عدواً لله عز وجل ، "ترهبون به عدو الله وعدوكم " ، وفي الآية نقطة دقيقة ، أنّ السلاح أحيانًا لا نستخدمه ، لكن نُرهب به ، فمثلاً كم دولة في العالم عندها سلاح نووي ، لا أحد يستطيع أن يتعرَّض لها ، مع أنها لم تستخدم هذا السلاح النووي إطلاقاً ، لكن هذا السلاح قوة ردع كما يسمونها ، فالسلاح ليس المهم أن نستخدمه ، لكن وظيفته الأولى أن نُرهب به عدوَّنا .
لذلك :"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" .
هذه الآية أيها الإخوة ؛ أصل في العلاقات بين المسلمين ، وبين غيرهم ، يعني لا وجودَ لمسلم ضعيف ، المسلمون حينما فهموا هذه الآية رفرفت راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها ، حينما فهموا هذه الآية كانت كلمتهم هي العليا ، حينما فهموا هذه الآية ما استطاع عدوُّهم أن ينال منهم ، لكن حينما تواكلوا ، وقصَّروا في تطبيق هذه الآية ، غُزُوا في عقر دارهم .
أقول لكم : إنّ الإسلام نظام متكامل ، لو نفذت بعض جوانبه لقطفتَ الثمار ، لكن لا تقطف الثمار اليانعة الكاملة ، إلا إذا أحاطَ المسلمون بكلِّ جوانبه .
طبعاً هذه الآية من أجل أن نعرف أنه لو طبَّقها المسلمون دائمًا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن مِن هوان .
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ".
هذه آية ثانية : أتمنى أن نقف عندها قليلاً ، قال تعالى يخاطب النبي :
"وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم" .
( سورة الأنفال : 62 ـ 63 ) .
يعني أنّ بين المؤمنين مودة ، إخواننا الكرام ؛ دققوا في معنى الآية، هذه المودة من خَلْق الله ، الله يخلقها ، "وألف بين قلوبهم" ، لو أنفقت يا محمد ، "ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ".
أحيانًا إنسان يتألف قلب إنسان بمالٍ ، فاعلم أنّك لو أنفقت أموال الدنيا من أجل الولاءات فلن تفلح ، لكن حينما يكون الإيمان بين رجلين فهذا الإيمان يؤلِّف بينهما ، وهذا أساس القوة .
الدين إذاً جعل بين المؤمنين مودة ، ومحبة ، وتراحمًا ، وتعاونًا وتعاضدًا ، وإخلاصًا ، وتضحية ، وإيثارًا ، وكلُّه مِن خَلْقِ الله ،" لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ".
يكفي أن تكون مؤمناً حقاً ، ويكفي أن يكون أخوك مؤمناً حقاً ، تجد اللقاء العفوي ، المحبة ، التعاون ، الإخلاص ، التضحية ، الإيثار ، ويصبح المؤمنون صفاً واحداً ، "كأنهم بنيان مرصوص " .
( سورة الصف : 4 )
يصبح المؤمنون " كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ، هذا الذي أراده الله عز وجل .
أمّا المعنى المخالف : إن رأيت بين المؤمنين عداوةً ، بغضاء تحاسدًا ، تدابرًا، تقاطعًا ، كيدًا ، إن رأيت هذا بين المؤمنين ، فاعلم أن أحد الطرفين ، أو كليهما ضعيف الإيمان ، ومن ضعف إيمانه عادى أخاه ، ولو كان مؤمناً حقاً ، وكان أخوه مؤمناً حقاً ، لانطبقت عليهم الآية الكريمة: "وألف بين قلوبهم " ، إذًا أنت يا محمد أنت ، "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ".
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : المؤمنون بعضهم لبعضٍ نصحةٌ متوادون ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعضٍ غششتٌ متحاسدون ولو اقتربت منازلهم.
وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي : وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ ، والمتباذلين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتحابون في جلالي ، على منابر من نور، يغبطهم عليها النبيون يوم القيامة .
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صفاء الروح
مراقب عام
مراقب عام
صفاء الروح

انثى
عدد الرسائل : 3955
تفسير سورة الأنفال 1510
بلد الإقامة : أرض الإسلام
احترام القوانين : تفسير سورة الأنفال 111010
العمل : تفسير سورة الأنفال Unknow10
الحالة : تفسير سورة الأنفال 510
نقاط : 9609
ترشيحات : 102
الأوســــــــــمة : تفسير سورة الأنفال 1111110

تفسير سورة الأنفال Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الأنفال   تفسير سورة الأنفال I_icon_minitime25/3/2010, 17:58



سورة الأنفال (Cool : الدرس 6/6 والأخير لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الموضوع : الحكمة المطلقة ، الآية 59.




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ الآية التاسعة والخمسون ، من سورة الأنفال ، وهي قوله تعالى :


بالنسبة لهذه الآية فقد وردت آياتٌ أخرى ، تشبهها في المعنى نفسه ، فما معنى أن يظن الكافر أنه سبق الله عز وجل ؟ " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا" .
علماء التفسير قالوا : ظن الكافر أنه سبق ، بمعنى أنه فعل شيئاً في كون الله لا يريده الله ، وهذا مستحيل ، لأن الحقيقة التوحيدية ، أن كل شيءٍ وقع أراده الله ، معنى أراده الله ، أي سمح به ، وكل شيءٍ أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق .
ما معنى حكمة مطلقة ؟ الإنسان حينما يكون عادلاً يكون عدلُه نسبيًا ، فلو أن قاضياً عادلاً أصدر تسعةً وتسعين حكماً عادلاً ، وحكماً واحد ظالماً ، يوصف عند بني البشر بأنه قاضٍ عادلٌ ، لأنه غلب على أحكامه العدل ، لو حكم في تسعين حكمًا بالعدل، وفي عشرة بالغلط ، فهو عند الناس قاضٍ عادل ، هذا في حق البشر ، أما في حق خالق البشر ، إذا قلنا : الله عادل ، وهو المتَّصِف بالعدل يعني : منذ أن خلق آدم إلى يوم القيامة ، لو أن نملةً ظلمت ليس بعادل ، لو أن إنساناً واحداً من آدم إلى يوم القيامة ، لم يُعطَ حقه فليس بعادل ، الله عدلُهُ مطلق ، الإنسان عدلُه نسبي ، فربنا عدالته مطلقة.
ما معنى حكمته مطلقة ؟ يعني إذا كان تصرف واحد لله عز وجل ليس فيه حكمة، فليس بحكيم .
لذلك ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيءٍ أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة ، والإنسان متى لا يكون حكيمًا ؟ في حال جاءه ضغط شديد ، فاضطر أن يقول قولاً ، أو أن يفعل فعلاً ليس مقتنعًا به ، يا أخي والله مضغوط ، وعليّ ضغطٌ شديدٌ ، فقال قولاً ليس مقتنعًا به ، أو فعل فعلاً ليس موقناً به ، أو وقع تحت إغراء شديد، فيفعل شيئاً غير حكيم ، بدافعٍ من شهوته ، أو لنقصٍ في علمه ، فهو إمّا لديه نقص في العلم ، أو ضغطٌ إكراهي ، أو إغراءٌ شديد ، لكن هذه الحالات الثلاثة هل تليق بالله عز وجل ؟ مستحيل .
إذاً حكمته مطلقة ، ما معنى حكمته مطلقة ؟ أن أي شيءٍ لو كان على خلاف ما كان ، فالله ليس بحكيم ، عطاؤه وَفق الحكمة ، منعه وفق الحكمة ، إعزازه وفق الحكمة ، إذلاله وفق الحكمة ،وعندنا دليل قطعي على ذلك :
" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير " .
( سورة آل عمران : 26 )
ما قال : بيدك الخير والشر ، لا ‍‍‍، بل الخير فقط ، فالإعزاز خير والإذلال خير ، حكمة مطلقة ، يعني كيف تكون حكمة مطلقة ، مثلاً أب طبيب جراح ، شعر أنّ ابنه عنده التهاب ، وإذا لم يسعفه خلال ساعة فلعله تقضي عليه ، أليس من الحكمة أن يأخذ ابنه إلى المستشفى ، وأن يمسك المبضع ، وأن يفتح بطنه ، والدم يخرج ، ويأتي بملاقط ، يشد هذه الشرايين ، ويستأصل الزائدة ، بعد أن يخدره ، الحكمة المطلقة فتح البطن .
لذلك كل شيءٍ وقع أراده الله ، وكل شيءٍ أراده الله وقع وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق ، والدليل : "بيدك الخير "، ما قال : والشر ، " وأنه على كل شيء قدير" .
( سورة الحج : 6 ) .
أما معنى قوله تعالى : "ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا "، يعني الكافر مهما كان قوياً ، لا يمكن أن يفعل شيئًا ما أراده الله ، لكل شيءٍ حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
لكن قد يقول قائل : هناك قتل ، هناك سرقة ، هناك زنى ، كيف أن الله سمح بها؟ الجواب : الإنسان مخير ، وعلى هذا الشرط جاء إلى الدنيا ، "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " .
( سورة الإنسان : 3 )
" وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " .
( سورة فصلت : 17 )
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " .
( سورة الكهف : 29 )
" ولكل وجهة هو موليها " .
( سورة البقرة : 148 )
الإنسان مخير ، لكن إذا اختار السرقة ، لا يستطيع أن يسرق ممن شاء ، فهو لا يسرق ، إلا ممن يشاء له الله أن يُسرق ، ففي الأمر تنسيق .
قال تعالى : "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " .
( سورة البقرة : الأنعام 129 ) .
إذاً إذا وقع شرٌ في الأرض ، لا نقول : إنّ الله أراده ، نقول : سمح به ، فما معنى أراده الله ؟ أيْ سمح به .
لذلك في التوحيد ، أراد ولم يرضَ ، أراد ولم يأمر ، يعني ما أمر بالزنى ، ولا رضي الزنى ، ولكن سمح به ، "الزاني لا ينكح إلا زانية " .
( سورة النور : 3 )
سمح به لأن الإنسان مخير ، وجاء إلى الدنيا على هذه الطريقة ، وهذا أساسُ التكليف .
أما معنى : "ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا "، يعني الكافر لا يستطيع أن يفعل شيئًا ما أراده الله ، وما دام وقع الشيء فقدْ أراده الله ، قال تعالى : " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغنَ بالأمس إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون والله يدعو إلى دار السلام " .
( سورة يونس : 24 ـ 25) .
لو شاهدت حربًا عالمية ، لو شاهدت دولة أغارت على دولة هذا بأمر الله عز وجل ، وليس كما يقولون : الله لا دخلَ له ، فالله في السماء ، فاعلمْ أنّ الله عز وجل قال : "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ".
( سورة الزخرف :84 ) .
أساساً الغربيون يعتقدون أن الله خلاقٌ وليس فعالاً ، لكن المؤمنين يعتقدون ، وهم على حق فيما يعتقدون ، أن الله خلاقٌ وفعال في الوقت نفسه ، بيده الأمر ، " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " .
( سورة الأنفال : 17 )
"يد الله فوق أيديهم " .
( سورة الفتح :10 ) .
إذاً : ما معنى "سبقوا "؟ أي أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله ، فكل شيء تسمعه في الأخبار وقع فقد أراده الله ، وليس المعنى أنّه رضي به ، ولا أنّه أمر به ، بل وقع ، لأنه سمح بوقوعه لحكمةٍ مطلقة ، لكن ما أراده ، ولا أمر به .
المعنى الثاني ، الكافر لا يُعجز الله عز وجل ، في بعض معامل الحديد رافعةٌ ضخمة مغناطيسية ، عبارة عن سطح حديدي حوله وشيعة كهربائية ، فإذا وقفت الرافعةُ كان الرافعة أو وقعت على كوم من الحديد ، قد يكون عشرين طنًا ، فهذه الرافعة ترفع الكمية بأكملها ، لو أراد إنسان أن ينتزع قطعة منها فلن يستطيع ، لأنّ الشدَّ قوي ، لكن العامل الذي على هذه الرافعة ، لو ضغط زرًا ، مقدار ربع ميلي وقطع الكهرباء عن هذه الوشيعة ، كل هذه الحمولة تسقط ، " إنهم لا يعجزون " .
( سورة الأنفال : 59 )
هذا مثل ذكرته لكم ، فأيّ إنسان تراه قوياً ، لو أن الله شاء له أن يضعف لتهاوى أمامك كبيت العنكبوت ، انظُر إلى قلعة كبيرة من قلاع الأرض ، قلاع الكفر ، كيف تهاوت كبيت العنكبوت ، " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " ، هذا الكلام يبث في قلب المؤمن الطمأنينة ، فالله عز وجل خلقك وما أسلمك لأحد ، فلو أسلمك لأحد لو يأمرك بعبادته ، وقلت عندئذٍ : يا رب أنا سأعبد ذاك لأنّ أمري بيده ، قال لك :" وإليه يرجع الأمر كله " .
( سورة هود : 123 )
وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك ، "وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه " ، ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن أمرك كله عائدٌ إليه ، الآية دقيق معناها ، وهذه الآية تَرِدُ كثيراً في القرآن ، أنا أذكر أنّها وردتْ أكثر من عشرين مرة ، "ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا " ، يعني الحروب العالمية ، أعمال القوى الشريرة في الأرض ، هذه لا تكون إلا بمشيئة الله ، والله عز وجل مشيئته كلها حكمة ، حكمة مطلقة ، لكن نحن نرى في الدنيا دمارًا ، ونقصًا في الأموال ، وزلازل ، وبراكين ، وحروبًا أهلية ، لكن الله سبحانه وتعالى يُعِدُّ الناس للآخرة ، لذلك فإذا ضحى بدنياهم من أجل أن يستفيدوا خلودًا في الجنة فلا مانع ، عالِم من علماء البلاد التي تعاني القهر ، والتطهير العرقي أُجرِيت معه مقابلة ، قال : نحن لم نكن مسلمين من قبل ، والآن أصبحنا مسلمين ، وعرفنا أننا كنّا منحرفين ، لقد ردَّتهُم المصائبُ إلى صوابهم ، معنى ذلك أن الإنسان يتألم ، فيردّه الألمُ إلى كتاب الله بعد المعاناة ، " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " ، الإنسان في قبضة الله دائماً ، في أيّة لحظة هو في قبضته ، ولا يفعل الكافر شيئاً إلا إذا أراده الله ، ولا يستطيع أن ينجوَ من قبضة الله ، أين المفرُّ ، "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم "
( سورة الجمعة : 8 )
هذه الآية فيها إعجاز ، إذا كان الشخصُ هاربًا من شخص آخر ، والخوف يلاحقه ويطارده ، وفجأة وجده نفسه يصعق ، " قل إن الموت الذي تفرون منه "، " فإنه ملاقيكم " ، فليس لأحد مهرَب .
أصاب شخصًا مرض عضال ، فاعتنى عناية فائقة بنفسه ، إلى درجة غير معقولة ، يعني من شدة خوفه من أن يموت بهذا المرض ، فلم يعُد يأكل إطلاقاً إلاّ قليلاً واعتنى بالرياضة ، والمشي والحمية ، جاء صهره من السعودية ، فذهبا معًا في نزهة إلى الزبداني ، فوقع لهما حادث في الطريق بالحادث ، فمات في هذا الحادث ، كان خائفًا أن يموت بمرض في قلبه ، فمات بحادث ، فالمعنى ، " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ".
أين المفر ، " لا ملجأ من الله إلا إليه " .
( سورة التوبة : 118 )
لا ننجو من بأس الله ، إلا إذا كنا معه ، لا ملجأ من الله إلا أن نكون في طاعته ، فالآية دقيقة ، ولها مثيلات، " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون"، الكفار في قبضة الله ، والدليل :

" قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم".
( سورة الأنعام : 65 )
كالصواعق ، والصواريخ ، "أو من تحت أرجلكم " ، كالزلازل والمتفجرات ، "أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض "، أيّ نوع من المصائب ، فإذا كان الإنسان قويًّا يعتدي على إنسان آخر ، فبمشيئة الله ، "ولو شاء الله لسلطهم عليكم " .
( سورة النساء : 90 )
الله عز وجل قال : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " .
( سورة النساء : 141 )
فإذا كان التسليط فمِنَ الله عز وجل ، ومن الله كل شيء ، لكن التوحيد مريح، وفيه النجاة والسلامة ، " فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين" .
( سورة الشعراء : 213 ) .
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة الأنفال
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة الهمزة
» تفسير سورة الإخلاص
» تفسير سورة الكهف
» برنامج فلاش آية 41 من سورة النور .. تفسير
» تفسير الشعراوي للآية 10 من سورة البقرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات الإسلامية :: المنتدى الإسلامي العام :: منتدى القرآن الكريم وعلومه-
انتقل الى: