الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 111010
العمل : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Unknow10
الحالة : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Mzboot11
نقاط : 17667
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 13156210

جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Empty
مُساهمةموضوع: جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد   جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد I_icon_minitime1/3/2010, 10:51

جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد


- يستقبل غناء القينة على أنه بكاء نياق متجاوبة على ولدها .
- ما يحول دون اندماج طرفة في قبيلته، هو أنه صاحب فلسفة خاصة، تشتمل على مبادئ ثلاثة .
- ويوظف الشاعر عقيدته في الموت الذي لا بعث بعده في التعبير عن يأسه من الخير.
- إن حزن الشاعر على نفسه شديد لأنه يدرك تميزه وتعاليه ولذلك يريد أن يكون موته مختلفاً .
- كان التضاد الأساسي بين الشاعر والآخر في هذه القصيدة يرجع إلى اختلاف هموم كل منهما .


****************

تحاول هذه القراءة استكناه صور الجدل بين الأنا والآخر في معلقة طرفة بن العبد، من خلال رصد المكونات الدلالية للعلامات اللغوية الرئيسة، والكشف عن العلاقات المتشابكة بينها، على ضوء مفاهيم التزامن والثنائيات الضدية. وتتيح معلقة طرفة هذه الدراسة، ففضلاً على طول هذه القصيدة، التي تزيد أبياتها عن مائة بيت، تبرز فيها أنا الشاعر الجاهلي المتوارية في أكثر الشعر الجاهلي خلف النظام القبلي، مما يوجد في هذه المعلقة أصواتا متعددة (بوليفونية) ، وإن تم عرضها من خلال رؤية الشاعر ؛ مما يمكن معها اقتراح الجدل بين الأنا والآخر باعتباره البنية أو النسق الذي يحكم مجموعة العناصر التي تشكل هذا العمل الأدبي . فالبنية تصور عقلي يرجع إلى الناقد، تعينه عليه طبيعة العمل الأدبي، يحقق الناقد معه عن طريق الكشف عن العلاقة بين العناصر أو الأجزاء، وحدةَ العمل الأدبي . وعلى الرغم من ثبات البنية وبقاء نسقها، إلا أنها قد تخضع لسلسلة من التحولات لها قوانينها الخاصة التي تزيد من ثرائها . (1)

يشتمل الفضاء الشعري للمعلقة على صور متعددة لجدل الأنا والآخر أولها :

1 - جدل الأنا المتعالية والقبيلة :

إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني
عُنيت فلم أكسل ولم أتبلد

ولست بحلاّل التلاع مخافة
ولكن متى يسترفد القوم أرفد(2)

فإن تبغني في حلقة القوم تلقني
وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد

وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني
إلى ذروة البيت الشريف المصمِّد

نداماى بيض كالنجوم وقينة
تروح علينا بينُ برد ومجسد

رحيب قطاب الجيب منها رقيقة
بجسِّ الندامي بضة المتجرد(3)

إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا
على رسلها مطروقة لم تشدد

إذا رجّعت في صوتها خلت صوتها
تجاوب أظآر على رُبع ردي(4)

وما زال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي

إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت إفراد البعير المعبد

فنجد النسيج الداخلي للأبيات تتقاسمه ثنائية متضادة رئيسة هي القوم والفتى، إذ يقدم لنا البيت الأول القبيلة في صيغة التعريف (القوم) والفتى، في حين تبدو أنا الشاعر غارقة في التنكير (فتى) ولهذا دلالات متعددة واضحة، نشير منها إلى أن أنا الشاعر لم يكن لها حتى زمن البيت السابق التميز الكافي لتعريفها، وإنما تكتسب تميزها - لتكافئ تعريف القبيلة- بتراكم الأوصاف لها، حتى إذا اكتمل تميزها أخذت زمام المبادرة إلى الظهور في البيت الثاني، إذ يسبق وجودها فيه وجود القوم . ويلاحظ أن صورة الأنا تحاول التضخم من خلال القيم القبلية التي تشكل ثقافة المجتمع لكي يكتمل لها كيان مستقل فيما بعد يوضع بإزاء القبيلة وبينما يبدو حرص الشاعر على التكيف مع العالم القبلي من سرعة استجابته لقبيلته التي يعكسها استخدام حرف العطف الفاء، يبدو أيضاً الحرص على تميز الذات (خلت أنني عنيت) .

وتسهم صور العلو في رفد الأنا وتكريس تميزها عن القبيلة : العلو المعنوي – بالعطاء في البيت الأول، وفي الشطر الثاني من البيت الثاني : متى يسترفد القوم أرفد، فللشاعر اليد العليا على قومه، وتلك أفضلية مقررة في الثقافة العربية، والعلو المادي في قوله (ولست بحلال التلاع مخافة) فالشاعر لا ينفي بعده أو تعاليه في المكان ، وإنما ينفى عن نفسه الخوف من طلب عطائها، وفي ذلك إعلاء لذاته فضلاً على أن هذه السكنى بعيداً عن القوم تحفظ لذاته استقلالها، ومن صور العلو أيضاً قوله (… تلاقني إلى ذروة البيت الشريف المصمَّد) وفيها تميز الشاعر عن قبيلته بعلو نسبه علواً مطلقاً، والنسب من أهم مقومات السيادة في الثقافة العربية، وكذلك قول الشاعر : نداماي بيض كالنجوم ..) فالبياض شرف وارتفاع، تصلح للتعبير عنه النجوم فهي أيضاً – متعالية وتتحكم في مصير البشر في الفكر العربي الجاهلي .

ويبدو الشاعر من خلال قوله :

فإن تبغني في حلقة القوم تلقني
وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
مطلوباً في القلب من حلقة القوم، يصرف شؤون القبيلة، وفي القلب من الحوانيت، يشبع ذاته، ويكرس فرديتها . فأنا الشاعر موزعة متقاسمة بين الانتماء للقبيلة، والانتماء لنفسها . وتلك هي المشكلة في وجه مهم من وجوهها، فالنظام القبلي وقتذاك، كان يريده - شأن سائر أفراد القبيلة – ملكاً خالصاً لقبيلته ، وتبدو الصورتان " نداماي بيض كالنجوم " ، " في حلقة القوم تلقني " ـ على ضوء رمزية الشكل الدائري ـ متساويتان في الدلالة على تعاليه وتفّرده وبعده عن الأرض .

واعتمد الشاعر خلال المقطع السابق – في تصوير علاقاته بقبيلته على أسلوب الشرط، ليدل على التكرار، وتلازم الشرط والجواب يفيد الحتمية والثبات على هذا النحو من العلاقة، والأهم من ذلك أن الشرط قائم على الافتراض، فيبدو أن ذلك كله مما يدور في ذهن الشاعر ويشكل تصوراته .

ثم تظهر محاولة الشاعر الأولى – الفاشلة كما سيتضح لنا لإقامة مجتمع بديل عن قبيلته ذلك هو مجتمع الحانة، ونجده يتحدث بضمير الجمع لأول مرة في القصيدة، ولكن ضمير الجمع هنا ذو طبيعة خاصة فإنه يرتبط بالمجتمع الخاص الذي أقامه الشاعر ليشبع ذاتيته (قلنا – أسمعينا – انبرت لنا)، ويشير استعماله إلى اتفاقه هو ورفاقه وتعاقدهم الظاهر، ولكن الصورة التشبيهيه في قوله :

إذا رجَّعت في صوتها خلت صوتها
تجاوب أظآر على ربع ردى
تفضح تميزه، فإذا كان المشبه خارجياً متفقا عليه من مجتمع الحانة، فإن المشبه به يمتاح من داخل الشاعر، ويكشف استجابته المتميزة لذلك المؤثر السابق، فإنه يستقبل غناء القينة في ذلك المشهد الجاهلي البهيج على أنه (تجاوب أظآر على ربع ردي) بكاء نياق متجاوبة على ولدها الردى، ويكشف سر هذا الحزن قوله في البيتين بعده : (وما زال تشرابي … إلى أن تحامتني العشيرة كلها، وأفردت إفراد البعير المعبد) . فإن إصرار الشاعر على ذاتيته، الذي فرط بسببه في تراث قبيلته (وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي)، يتكرس بعده إفراد الشاعر ونفيه عن قبيلته . فيتأكد ما سبق ظهوره من تناسب عكسي بين الانتماء للذات والانتماء للقبيلة كما تظهر الثنائية المتضادة (القرب × البعد)، والتي ستشغل فضاء القصيدة فيما سيأتي من أبيات أكثر مما مضى، ويلاحظ أن موقف القبيلة الحاسم بإبعاد الشاعر يأتي في إطار الزمن الماضي (تحامتني العشيرة كلها وأفردت ….) ولذلك ربما كان يصلح بداية للصورة الشعرية في الأبيات السابقة .

2- جدل الأنا والآخر (الموت) .

ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مُخلدي

فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى
وجدك لم أحفل متى قام عودي

فمنهن سبق العاذلات بشربة
كميت متى ما تعل بالماء تزبد

وكرى إذا نادى المضاف محنبا
كسيد الغضا نبهته المتورد(5)

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب
ببهكنة تحت الطراف المعمد(6)

كريم يروى نفسه في حياته
ستعلم إن متنا غدا أيُّنا الصدى

أرى قبر نحام بخيل بماله
كقبر غوى في البطالة مفسد

ترى جثوتين من تراب عليهما
صفائح صم من صفيح منضد

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد

أرى العيش كنزاً ناقصا كل ليلة
وما تنقص الأيام والدهر ينفد

لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكا لطول المرخى وثنياه باليد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 111010
العمل : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Unknow10
الحالة : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Mzboot11
نقاط : 17667
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 13156210

جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Empty
مُساهمةموضوع: رد: جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد   جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد I_icon_minitime1/3/2010, 10:53

نكتشف من خلال هذا الجزء من القصيدة أن ما يحول دون اندماج طرفة في قبيلته، هو أنه صاحب فلسفة خاصة، تشتمل على مبادئ ثلاثة . أعني أنه في هذه المعلقة من الطبقة الوسطى الفكرية ـ لا الاجتماعية – فهو ليس من الفلاسفة الخلص، وليس كذلك من العامة أو الدهماء الذين يعيشون حياة القطيع دون أن يتأملوها . ولو كان من إحدى الطبقتين الفكريتين السابقتين لاستراح، بالانعزال التام أو بالتكيف التام أيضاً، ولكنه من الطبقة الوسطى، وهذه الطبقة سواء أكانت طبقة فكرية أم طبقة اجتماعية هي في الغالب طبقة قلقة حائرة، متوترة، وقد تعاني الاغتراب . تنتمي إلى الواقع، وترغب فيه، ولكنها لا تقبل التكيف معه إلا وفق شروطها الفكرية أو فلسفتها الخاصة . وهذه الفلسفة الخاصة نشأت لدى طرفة من تأمله - من خلال بيئته – في مشكلة الموت، ويلاحظ أن الثنائية الأساسية التي تتقاسم هذه الصورة الشعرية (في الأبيات السابقة) طرفاها : الذات الشاعرة، والموت .

مع أن الأبيات قد بدأت بالآخر / القبيلة لكن الموت ترافق قدومه – في القصيدة مع إبعاد الشاعر عن القبيلة، وسيطرت صورته : (مخلدي – منيتي – إن متنا – قبر – جثوتين من تراب – الموت – الموت .. الخ) على فضاء القصيدة .

ينزاح اللائم ليفسح المجال لتأملات الموت، وتصبح السخرية من اللائم (هل أنت مخلدي ؟) سخرية من الاجتماعي لصالح الميتافيزيقي، فإن الآخر / القبيلة لا يصلح طرفاً في قضية الموت عندما يواجهه الشاعر فمواجهة المنية عمل فردي – لاحظ ارتباطها في السياقات السابقة بضمير المفرد ياء المتكلم، ولاحظ أيضاء ظهور الموت مرتبطا بالفرد في الأبيات قبل أن يظهر مرتبطا بضمير الجمع – إن متنا – وفي هذه المواجهة يهزم الجمع، ويولون الأدبار، فعندما يحين الموت (متى قام عوّدي) يحين قيام العود . وعندما لا تجدي الجماعية يهرع الشاعر إلى مبادئه الذاتية، ليحقق على مستوى الشعر عيشة الفتى، وتتجلى صور سبق الآخر / القبيلة إلى مبادرة الموت واقتناص سر الحياة (الماء) ويتوحد الانتصار على المجتمع بالانتصار على الموت . ولذلك تظهر صور الماء – مانح الحياة وسرها – وتطغى :

ـ في صورة الخمر : (متى ما تعل بالماء تزبد) حيث يعلو الماءُ الخمرَ

ـ في صورة الذئب المتورد الماء : الذي يصلح أن يكون صورة من الشاعر أيضاً لا الفرس فقط .

ـ في صورة المرأة : الدجن : الغيوم = ماء بالقوة أو بالفعل .

والمرأة الشجرة التي تعلق عليها الحلي، وهي صورة من الميثولوجيا الجاهلية والعشر والسلع مما ورد من الشجر – في طقوس الاستمطار عند العرب الجاهليين كما رواها الجاحظ في الحيوان وغيره(7) .

وإذا كانت الحياة – في رؤية الشاعر – رَّياً (كريم يروّي نفسه في حياته) فإن الموت ظمأ : (ستعلم إن متنا غداً أينا الصدى) وهو أيضاً صخر، ويباس يضاد الماء : ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صمٌ من صفيح منضدِ ، فقد بالغ من خلال عقيدته الجاهلية، التي تجهل البعث في مراكمة التراب وصفائح الحجارة الصم، والصفيح المنضد، وذلك من خلال مراكمة الصفات (من تراب – عليهما صفائح صم – من صفيح – منضد). من أجل حجب الميت حجباً مبالغاً فيه عن الحياة إلى الأبد، ويحاول الشاعر أن يمتلك الفعالية ويمسك زمام المبادرة في مواجهة الموت، فيبدو فاعلاً من خلال الأشياء: سبق العاذلات – كرى – تقصير يوم الدجن (تفعيله لصالح الشاعر) . يحاول تحقيق وجوده من خلال الأفعال، فيعادل وجوده الفعل أي يصبح هو أيضاً حدثاً في الزمن، له بدء وله انتهاء . وهنا يستحضر أمام أذهاننا : ثنائية الحياة / الحركة في مقابل الموت / السكون . أمَا الموت فيبدو فاعلاً في الأشياء : يعتام الكرام – يصطفي عقيلة مال الفاحش – ما أخطأ الفتى . ويلاحظ أن الذات الشاعرة في هذا المقطع من القصيدة، قد صارت معرفة (الفتى) بما تراكم لها من وصف، وبما حققت من وعي . ويلاحظ أن طرفة بن العبد يرى الموت قريباً (إن متنا غداً) وأنه مع الموت قد يغيب ذاته، ويدمجها في الجماعة (يعتام الكرام) اختباء وراءها وربما احتماء بها ، ويصور نفسه من الخلف أو من بعد : (كريم يروي نفسه في حياته) وتشديد الفعل دليل التوتر وقوة الحدث وتكراره، والإضافة إلى هاء الغائب (في حياته) تفيد اعتزازه وحرصه على ما يمتلك لأنه آنيَ. فلئن كان الموت يبدو مشكلة جماعية في قوله (يعتام الكرام) لكن مواجهته – كما سبق – على المستوى الوجودي – عمل فردي وعندما يواجه الشاعر خصمه في المجتمع، يستحضر ذاته لأنها تكفي للمواجهة ، أما مع الموت فتضمحل الذوات، وينتفي الحضور . ولذلك قد تتواري الذات كما قام العوّد من قبل.

ويلاحظ أيضاً أن طرفة يقدم فلسفته الخاصة في زمن الحاضر، لأنها اعتقاده الآني الذي يراه، وهي ناتجة عن نظر حسي ومشاهدة للواقع قبل أن تكون تأملاً عقلياً خالصاً، لأنه ليس فيلسوفاً وإنما هو صاحب فلسفة خاصة ومبادئ في السلوك .

ويلاحظ أخيراً أن اللائم ظهر ثانية في صورة العاذلات ثم ظهر ثالثة في صورة النحّام (البخيل المتشدد) في مقابلة وتضاد مع الذات الشاعرة، التي عبر عنها الشاعر أو رآها من زاوية نظر مجتمعه فرآها في صورة (غوى في البطالة مفسد)، مما يدل على تورط الآخر في الإسهام في صياغة العالم الشعري في هذا الجزء من القصيدة وفي سائرها، وجدله مع الشاعر فيها .

3- جدل الأنا والآخر (ابن العم) :

فمالي أراني وابن عمي مالكا
متى أدن منه ينأ عني ويبعد
يلوم وما أدري علام يلومني
كما لامني في الحي قرط بن معبد
وأياسني من كل خير طلبته
كأنا وضعناه إلى رمس ملحد
بلا حدث أحدثته وكمحدث
هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي
وقربت بالقربى وجدك إنني
متى يك أمر للنكيثة أشهد
وان أدع للجلى أكن من حماتها
وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد
وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم
بكأس حياض الموت قبل التهدد
فذرني وخلقي إنني لك شاكر
ولو حل بيتي نائياً عند ضرغد
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد
ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مال كثير وزارني
بنون كرام ٌسادةٌ لمسوّدِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 111010
العمل : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Unknow10
الحالة : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Mzboot11
نقاط : 17667
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 13156210

جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Empty
مُساهمةموضوع: رد: جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد   جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد I_icon_minitime1/3/2010, 10:55

إن جدل الشاعر وابن العم صورة من جدل الأنا الشاعرة والآخر الاجتماعي، ولذلك تحكمه الثنائيات السابقة من القرب والبعد، والعلو والسفل . فثنائية القرب والبعد، تحكم علاقة الشاعر بابن العم على النحو التالي :
البيت الأول (متى أدن منه ينأى عني) ، وفي البيت الخامس (وقربت بالقربى) فإن محاولات الشاعر المتكررة للاقتراب من ابن العم تقابل بإسراف ابن العم وإيغاله في البعد وإصراره عليه: ينأ عني ويبعد أي يبعد مرتين ؛ في البيت الثاني يلوم ابن العم وفي المقابل لا يلومه الشاعر أو يجني عليه شيئاً وفي البيت الرابع من هذه الأبيات : يوجه ابن العم إلى الشاعر : الهجاء والشكوى والطرد، وفي المقابل يحمل موقف الشاعر قوله (بلا حدث أحدثته وكمحدث) يؤكد ما ذكره من قبل : (وما أدري علام يلومني) و يطابقه.وليس لوم ابن العم تسجيلاً لحدث فردي بقدر ما هو تعبير عن موقف القبيلة من الشاعر أي أنه لا يفيد التعيين للواقع فقط وإنما يصلح حيلة فنية لإثبات لوم قبيلته وهذا ما نجح في التعبير عنه قوله (كما لامني في الحيّ قرط بن معبد) فقد تتابع اللائمون، وتكاثرت أسماؤهم وصار الحي إطاراً يسمح بلومه فقوله (كما لامني في الحي) يكشف عن أن لومه أمر مقبول يحظى بإقرار الحي يتم بمرأى ومسمع منهم، لأنه يعبر عن موقفهم من الشاعر، ولذلك وقع العقاب الاجتماعي على الشاعر (وأفردت إفراد البعير المعبد) ولم يقع على ابن عمه مع أنه في هذه الأبيات هو الذي يلوم ويهجو ويطرد الشاعر ويعتدي عليه، فهذا الأخير صوت القبيلة وباطنها الذي يعاقب الشاعر .

ويكشف استخدام الشاعر أسلوب الشرط ثنائية (العلو – السفل) التي يستبطنها موقف الشاعر من ابن عمه ويفضح تعاليه، على الرغم من حرصه الظاهر على التواصل مع ابن عمه والانتماء إلى قبيلته : متى يك أمر للنكيثه أشهد ؛ وإن أدع للجلَي أكن من حماتها، وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم ؛ فأسلوب الشرط طرفاه : فعل يتعلق بابن العم ويفضح إمكان انتهاكه من قبل الأعداء ؛ وجواب يتعلق بالشاعر يبين جاهزيته للرد والمعاونة، وأسلوب الشرط – على هذا النحو – يخدم صورة الشاعر ويظهر انتماءه، ويستبطن تعاليه على ابن عمه .

ويوظف الشاعر عقيدته في الموت الذي لا بعث بعده في التعبير عن يأسه من الخير في ابن عمه (كأنا وضعناه إلى رمس ملحد) ولاشك في أن إلحاح هاجس الموت في هذه المعلقة كان دافعاً إلى أن تكمل الثقافة العربية دراما الشخصية فجعلته في أدبياتها الشاب القتيل (Cool

وعندما يصل الشاعر في هذه الأبيات إلى حد اليأس من ابن عمه وقبيلته، وصورة القبر السابقة تجسده ، إذ الخلاف بينهما من شأنه الثبات، لأنه يرتبط بطريقة كل منهما في مواجهة مشكلة الحياة (فذرني وخلقي إنني لك شاكر) وللجملة الاسمية دلالتها على الثبات، ولذلك يصل التباعد بينه وبين قبيلته إلى أقصى مداه (ولو حل بيتي نائياً عند ضرغد) عندئذ يسعى الشاعر مرة ثانية إلى خلق عالم خيالي مواز للقبيلة يعوضه عنه، وينجح الشاعر في ذلك – هذه المرة – فلا يرتبط بالحزن كما في المحاولة السابقة، لأنه صاغ عالمه البديل هذه المرة من عناصر قبليه خالصة تدعم ما هو اجتماعي وتشبع رغبة الانتماء إلى جماعة لديه :

فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد
ولو شاء ربي كنتُ عمرو بن مرثد

فأصبحت ذا مال كثير وزارني
بنون كرام سادةٌ لمسوّد

فقبيلة طرفة المتمناة الخاصة به قوامها :

المال الكثير (لاحظ : التضاد بين هذا المجتمع الجديد ومجتمع الحانة السابق، الذي كان يبدد فيه المال الطارف والتالد) + بنون كرام = والنتيجة قبيلة متميزة أيضاً = سادة لمسَود، فلا ينسى في تكوين هذا المجتمع الخاص الثقافة العربية القبلية .

ويلاحظ أن زمن الأفعال في هذا المقطع الشعري قد بدأ في الماضي : (وأيأسني – قربت – لامني) ثم استقر ليعبر عن مواقف ثابتة في الحاضر (أراني – يلوم وما أدري) وأصبح لا يغيرها ما ينوى طرفة فعله في المستقبل بواسطة أسلوب الشرط . ويلاحظ أيضاً أن استعلاء طرفة في المعلقة يتحقق في هذا المقطع وسائر مقاطع القصيدة من خلال تمسكه بالثقافة القبلية ومبادئها .

3- جدل الأنا والآخر في ختام القصيدة :

فإن مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
ولا تجعليني كامريء ليس همه
كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
بطيء عن الجلي سريع الى الخنا
ذلول بأجماع الرجال ملهد
فلو كنت وغلا في الرجال لضرني
عداوة ذي الأصحاب والمتوحد
ولكن نفى عني الرجال جراءتي
عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي
لعمرك ما أمري علي بغمة
نهاري ولا ليلي علي بسرمد
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
في هذا المقطع يستمر الجدل بين الأنا والآخر (ابن العم) لكنه يتم من خلال إلحاح هاجس الموت فإن الشاعر ليأسى على المصير الموحد بينه وبين غيره .
أرى قبر نحام بخيل بماله
كقبر غويٍّ في البطالة مفسد
إن حزن الشاعر على نفسه شديد لأنه يدرك تميزه وتعاليه ولذلك يريد أن يكون موته مختلفاً لا في طبيعته، فطبيعته يحوطها العماء، وإنما في وقعه على المجتمع الذي كان يتمنى منه أن يعي تميّز ويقدره : (إذا مت فانعيني بما أنا أهله) …

ويستمر التضاد بينه وبين ابن عمه، الذي يقدمه بصفاته فقط دون أن يسميه، فقد حوله الشاعر من فرد متعين إلى أنموذج، بعد أن كثر أشباهه ويقدمه الشاعر في البيت الثاني بصفاته عن طريق السلب : ليس همَه كهمي، ولا يغني غنائي ومشهدي .

فالتباين بينهما واضح لأنه يتمثل في الهموم (المبادئ، والطموحات)، ويتمثل أيضاً في العمل والفعالية. والاختلاف في الهم يعمق التباين بينهما أكثر مما يعمقه السلوك . وإذا كان الشاعر وصف ذاته من قبل في قوله : (وإن أدع للجلى أكن من حماتها) فقد وصف الآخر وصفاً مضاداً في قوله : (بطيء عن الجلى) وعندما وصف الآخر بقوله Sadذلول بأجماع الرجل ملهد) وصف الشاعر نفسه بما يضاده :

فلو كنت وغلاً في الرجال لضرني
عداوة ذي الأصحاب والمتوحد
فالآخر ضعيف أمام الجماعة منقاد لها :
أما الشاعر فقوي يثبت للجماعة، ويقدر على مقاومتها، ومع أنه يعد الانتماء المتعالي إلى القبيلة من مقومات شخصيته إلا أنه يؤخره ليأتي في المرتبة بعد مكوناته الذاتية .

ولكن نفى عن الرجال جراءتي
عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي

فكرم الأصل القبلي يأتي أخيراً فشخصية طرفة – إن جاز الوصف – شخصية ذاتية أولاً جماعية ثانياً، والقبيلة كما ذكرنا من قبل – تريده شخصية جماعية خالصة .

ولما كان التضاد الأساسي بين الشاعر والآخر في هذه القصيدة يرجع إلى اختلاف هموم كل منهما (ليس همه كهمي) فإن الشاعر يكمل صورة الخلاف الجذري بينه وبين الآخر، عندما يذكر أنه يمتلك وضوح الرؤية الواضحة في كل أموره :

لعمرك ما امري على بغمة
نهاري ولا ليلي على بسرمد

ولعل هذه الرؤية الواضحة ترجع إلى اختياره لفلسفته الخاصة بمبادئها الثلاثة، وهذا مما جعله يمتلك زمام المبادرة فيما مضى - أما الآخر - فإنه رهن بما تأتي به الأيام لأنه لا يمتلك مثله رؤية واضحة، ولا يمتلك بالتالي زمام المبادرة :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ومع ذلك تبقى نهاية القصيدة، التي جاءت في شكل الحكمة نهاية مفتوحة فيها قدرية وتسليم ورهبة من الزمن دالة على استمرار القضية بينه وبين قبيلته .

وتزداد أهمية الخاتمة، لأنها وفق تقاليد الشفاهية التي نتجت القصيدة العربية من خلالها، تكون آخر ما تطرق الأسماع وآخر ما يبقى فيها بعد انتهاء القصيدة، ويترك في نفس المتلقي الانطباع الأخير الذي يكاد يلخص القصيدة عنده .

الهوامش

1 . انظر : د. عبدالله الغذامي . الخطيئة والتكفير ، الفصل الخاص بالبنيوية .

2 . الرفد والاسترفاد . الإعانة والاستعانة .

3 . قطاب الجيب : مخرج الرأس منه . الجس : اللمس .

4 . الظئر : التي ولد لها . والدرى : الهلاك ، والربع : أول الولد .

5 . الكّر : العطف ، السِّيد : الذئب ، المضاف : الخائف .

6 . الدّجن : إلباس الغيم آفاق السماء ، البهكنة : المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة، المعمّد: المرفوع بالعمد.

7 . د. جواد علي. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. ج5 ص241، وما أشار إليه من مصادر.

8 . ابن سلام الجمحي. طبقات فحول الشعراء. الطبقة الأولى الإسلامية. ترجمة جرير.


د. عمر محمد عبد الواحد
نشر بتاريخ 01-02-2007
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
محب شهاب الدين
عضو ماسي
عضو ماسي
محب شهاب الدين

ذكر
عدد الرسائل : 1764
جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 111010
العمل : جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Collec10
نقاط : 9768
ترشيحات : 0

جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد Empty
مُساهمةموضوع: رد: جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد   جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد I_icon_minitime5/7/2016, 04:30

جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد 811292
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جدلية الأنا والآخر: قراءة في معلقة طرفة بن العبد
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معلقة طرفة بن العبد البكري
» المبالغة في الشعر الجاهلي بين الأنا الفرد والأنا الجمعي
» قصة منازل وشوارع نصفها في هولندا والآخر في بلجيكا
» معلقة امرؤ القيس
» معلقة الحارث ابن حلزة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات الأدبية :: المنتديات الأدبية :: منتدى الدراسات النقدية والبلاغة-
انتقل الى: