الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 111010
العمل : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Unknow10
الحالة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Mzboot11
نقاط : 17692
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 13156210

قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Empty
مُساهمةموضوع: قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير   قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير I_icon_minitime8/10/2009, 05:32


الأجساد تسقط في البنفسج : حضور الدال .. غياب المدلول



بقلم جبريل سبعي .




أحب أن أشير في هذه المقدمة إلى شدة ممانعة النص في ديوان " الأجساد تسقط في البنفسج " للشاعر القدير إبراهيم زولي ، ذلك أن لغة هذا الديوان نسجت على نحو مختلف ، وليس من اليسير أن يتآلف معها المتلقي من القراءة الأولى ، وإنما سيجد نفسه محتاجا إلى إعادة القراءة مرة بعد مرة ، حتى تتكشف له بعض الخفايا ، ويصبح في مقدوره أن يمد مع تلك اللغة جسورا من الفهم والألفة . وفي الحقيقة فقد احتجت في تعاملي مع " الأجساد تسقط في البنفسج " إلى مزيد من الوقت والجهد ، حتى أظفر بما جئب به في ورقتي هذه .

ليس النص الغائب :
لا أريد أن أتحدث عن منهج هذه القراءة ، الذي ينتقل من التفسير إلى التحليل إلى التأويل ، ولا عن المنطلقات الجمالية التي ليس أهمها فكرة التطابق التام ما بين المتخيل والملفوظ ، ولا عن الآليات التحليلية التي من أبرزها استنطاق الديوان بأكمله ، وبحث ما هو مكرور ومتواتر .

ما أود الوقوف لديه قليلا هو مفهوم " الغياب " الذي تضمنه عنوان هذه القراءة فلست أقصد بالغائب المصطلح النقدي المعروف بـ " النص الغائب " الذي تُعاد كتابته تناصّياً في نص جديد ، فالغائب في ورقتي هذه ليس " هو المصدر الذي يستقي منه النص الجديد المادة الأولية لإنتاجه ، ويتضمّن الرموز والإشارات التاريخية والاجتماعية والتراثية المختلفة التي تتوافر في النص الجديد " وليس " هو خلاصة لما لا يُحصى من النصوص الكائنة في الذاكرة أو القابعة في اللاّوعي الفردي أو الجمعي " وإنما مقصودنا بالغائب هنا هو ما كان متصلا بحياة الشاعر ، ثم حينما غاب أحدث معاناة ، وأصبحت هذه المعاناة هي وقود التجربة الشعرية .

تتنوع الأشياء التي تغيب ، حتى لا تكاد تحصر ، وكل شيء قد يحضر أو يغيب ، وتختلف أشكال الغياب ، وكذا آلياته ، فغياب الصديق مثلا إنما هو غياب الإنسان الذي كان يسد احتياجا للتنفيس والبوح ، وهذا الغياب قد يأخذ شكل الغيبوبة ، أو الرحيل ، أو الموت ، وتحققه قد يكون بآلية الابتعاد عبر المكان ، أو التقدم في العمر نحو الخرف ، أو التحول من الصحة إلى العزلة والمرض ، والأهم من ذلك عندما يتمظهر ذلك الغياب في لغة الشاعر ، وعندما يستقطب الرموز والأشياء التي ستشغل بحضورها اللغوي والفني مكان الغائب ، لا سيما أن الظاهرة الشعرية تنطوي " على مرجعين أساسيين : الأول معدوم والثاني موجود " وحيثيات الغياب والحضور ، هي الحياة التي تزخر بها الكثير من التجارب الشعرية الحديثة ، وهي كذلك المادة التي في مقدورها أن تعيد للذات توازنها ، وتخلصها من معاناة الفقد والحنين والحرمان ..

مشاهد الغياب :
يعج ديوان " الأجساد تسقط في البنفسج " على نحو ملفت بمشاهد الغياب ، ففي قصيدة " نصفد الهذيان فاتحة " يقول زولي : ( يقايض ما تبقى / من / ممالكه / لكي يبقى وسيما / كالهلال / كأجمل الفتيان / في الحي الترابي / الذي لا يعرف / الرغبات ) والملاحظ أن ممالكه تزول وهو يقايض ما تبقى منها ، وكذلك وسامته تنتهي فيستبقي شيئا منها ، وما ذلك التناقص في الممالك والوسامة إلا شكل من أشكال الغياب .

كذلك في قصيدة " أرتب فوضى الشجيرات " يتحدث الشاعر عن أبيه الغائب ، فيقول : ( هنالك كان أبي / يطعم الليل / والأرق / المتكبر / بعض رغيف / السهر ) إلى قوله يناجي ذلك الأب : ( ليس لي / أحد / يا أبي / فلمن سوف / أفتح صدري / يقاسمني الشاي / بعد الظهيرة / يوقظني للنداء / المقدس في الفجر ) .

وفي النص الموسوم بـ " البنايات " يتساءل شاعرنا عن أولئك الذين غابوا وكانوا قد حملوا الصخور وشيدوا : ( أتأمل / هذي / البنايات / ممهورة بالزبرجد / أسأل أين / الذي / شيدا / والذي حمل / الصخر / عاتقه / للمدى ؟ ) .

وفي قصيدة " غير رمل الطريق " يتحدث زولي عن ذلك الطفل الذي كان يسكن في الحي يشاغب في الليل أحلامه ويفيق ، يقول : ( هو ذا / ي / ت / ك / س / ر / خلف الرغيف / يحيك قميص البلاهة / في / الليل / فيما الملامح / تخرج عارية / باتجاه / الفناء ) .

وهذه شواهد متفرقة سأسردها من غير تفصيل ، وحسبنا أن نعلم أن شغلها واشتغالها إنما هو على موضوع الغياب ، وسأذكر عنوان النص ، ثم أنتقل مباشرة إلى الشاهد :

الجياع
( يجوع الجياع / علانية / يحجب / الظل / أسماءهم )

الساعة يأتي البحر
( تهرب البنت / إلى / وحشتها / لم توصد الأبواب / بالمزلاج لكن / روحها الخضراء / صارت / مطفأة ) .

امرأة
( من تكونين يا امرأة / لا تجيء سوى في الغياب / وعند / احتراق / المواسم ؟ ) ، ( جسدي متعب / نازلا في ظلام المسافة / والعزلة القروية / تأخذني للبعيد / البعيد ) .

ولو أردت سرد المزيد من الأمثلة والشواهد لفعلت ، ولكنني أخشى الإطالة ، ومن المهم أن أشير إلى أن ثلثي قصائد الديوان لا تخرج عن معالجة موضوع الغياب ، من خلال مشاهد مكتملة ، أو إشارات عابرة ، بل إن بعض القصائد كان الغياب هو عمودها الفقري ، كقصيدة " أرتب فوضى الشجيرات " و " البنايات " و " امرأة " و " عندما كنت في الثانوية " و " غير رمل الطريق " .

أشكال الغياب وآلياته :
اتخذ الغياب أشكالا عدة منها الرحيل والموت ، وكان يتحقق من خلال آليات متنوعة ، منها " التناقص " كما في " يقايض ما تبقى / من / ممالكه / لكي يبقى وسيما " ومن الآليات " التحول " كما في غياب فرح التلاميذ بتحوله إلى عبوس ، وفي غياب الطفولة حينما يتحول الطفل إلى فتى ، ومن الآليات الحجب ، كما في " يحجب الظل أسماءهم " وكذلك الهروب كما في " تهرب البنت إلى وحشتها " والاحتراق كما في " احتراق المواسم " ، وأيضا يتحقق الغياب من خلال الابتعاد ، والغروب ، والتلاشي ، والاحتجاب ، والخطف ، والأهم من ذلك أن هذه الآليات بعضها يتنفذ على الصعيد الزمني ، وبعضها الآخر يحتضنه المكان ، فـ ( نعش الصبا ) و ( احتراق المواسم ) وتلاشي تاريخ الهباء ، كل ذلك يحدث على مستوى الزمن ، بينما في : ( يا قابعا في الكهوف ) ، ( من خلف جدران الهشيم ) ، ( تهرب البنت إلى وحشتها ) فلا نملك إلا أن نقول بأن المكان هو الظرف الذي على صعيده تتنفذ آلية الغياب ، وكل ذلك سيدعو إلى موقف سلبي يتخذه الشاعر من الزمان والمكان بوصفهما الظروف التي سيتحقق على صعيدها الغياب ، وستأتي عن طريقها المعاناة ، ولهذه الفكرة ما يدعمها في الديوان ، فشاعرنا يقول عن المكان : ( في الحي الترابي الذي لا يعرف الرغبات ) ، ( الشوارع مأوى المجانين ) ، ( الشوارع قفر / بساتين أضرحة ) ، ( جسدي متعب / نازل في ظلام المسافة ) ، ( تخطف الطرقات ظلي ) وهو يقول أيضا عن الزمان : ( لا يستحم الفجر إلا / من خليج الصمت ) ، ( أقرأ التاريخ مكتوبا بحرف أعجمي ) ، ( لماذا الليل يأخذني بعيدا ) ولعل قصيدة " غانية " هي خير مثال لبيان موقف الشاعر من الزمان والمكان معا ، فهو يقول ، وسأذكر النص كاملا : ( تمشي على طرف / الرصيف / تتدافع الكلمات / تجلدها / وليل مالح / غابت ملامحه / يبللها / ينام / ممددا في عينها / كالموت / كالحزن الشفيف / تمشي على طرف الرصيف / تهوي / على / طرف / الرصيف ) فكما أن الزمان / الليل مالح .. غابت ملامحه .. يبلل تلك التي تسير ، وينام ممددا في عينها كالموت ، ليهيئها من خلال الفعل السلبي ( النوم ، الموت ) للغياب فكذلك المكان / الرصيف هو الظرف الذي على صعيده تسقط تلك الغانية ، أو تهوي .

مشاهد الحضور :
ولا أنسى فهناك أيضا كانت حفاوة بموضوع الحضور بوصفه أداة التعويض التي ستكفل للذات توازنها ، وهناك شواهد عديدة في هذا الشأن غير أنها أقل من تلك التي موضوعها الغياب ، ومن تلك الشواهد ما جاء في نص " الأجساد تسقط في البنفسج " : ( من فيض لوعته / يجيء مكللا / بالشعر / يصغي للعذوبة / في غناء الحقل / يزهو وحده / كالصالحين ) وفي نص " الساعة يأتي البحر " يقول زولي : ( الساعة يأتي البحر / من نزهته / يرجمه الأطفال / بالحلوى / وبعض الغيم ) ويقول في نص " المزمل بالوحشة " : ( كحصان أتى / من / جبهات / القتال ) إلى أن يقول : ( وجئت على / فرس الريح / مثل الغزاة ) .

وهناك قصائد بأكملها كان موضوعها الرئيسي هو الحضور ، كقصيدة " المزمل بالوحشة " و " رأيتك في ضمد " و " مطر يتخفى " كما إن هناك بعض القصائد آثرت أن تعالج الموضوعين معا كقصيدة " قمر واحد في السماء " ولعلنا نتأمل النص كاملا ، وهو نص قصير ، يقول فيه شاعرنا : ( قمر واحد / في السماء / يحوِّم مثل الفراشة / فوق الخبوت / البساتين / حيطان منزلنا / العالية / - العصافير غافية - / أيها القمر / المتسلل في / الليل / لا أحد في المدينة / غادرها الصحب / من سوف يأتيك / باللهب / القروي / يرمم مائدة / الضوء / يا أيها القمر / المتسلل / ليس طريقك / يا سيدي / من هنا / العناقيد في / شجري / بالية ) ففي حين يحضر القمر متسللا ، يغيب الصحب ، ليحضن المكان ممثلا في الفضاء ، و المدينة ، كلا من الحضور والغياب في لحظة واحدة .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 111010
العمل : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Unknow10
الحالة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Mzboot11
نقاط : 17692
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 13156210

قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير   قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير I_icon_minitime8/10/2009, 05:33


تكملة


ما الذي يحضر وما الذي يغيب ؟




بات من الواضح أن الغياب والحضور هما الموضوعين اللذين شكلا روح تجربة " الأجساد تسقط في البنفسج " ومن خلال جدلية العلاقة بينهما تتشكل رؤية الديوان ، وقبل أن أتحدث عن تلك العلاقة ، وعن طبيعتها ، وعن آفاق الرؤية ، وموقف الشاعر من العالم ، يجدر بنا أن نتساءل ما الذي يحضر وما الذي يغيب ؟ أهو الزمان ، أم المكان ، أم الإنسان ، أم القيمة ؟ أم هو غير هذا وذاك ؟ وللإجابة على هذا التقليدي المهم ، قمت بعملية إحصاء مشاهد الحضور والغياب ، لدراستها وتبين ما الذي يحضر أو يغيب فيها ، ولقد برزت في موضوع الغياب أربعة حقول دلالية تمثل أسماء الأشياء التي تغيب ، وأول تلك الحقول مفرداته ( الصبا ، الطفولة ، فرحة التلاميذ ) وثانيها ( الوسامة ، الحسن ، الملاحة ) وثالثها ( الأب ، البنت ، امرأة ، الصحب ، الشاعر نفسه ) ورابعها ( المواسم ، الأوراق ويقصد بها أوراق العمر ) وهذه الحقول يمكن جمعها في حقل واحد يمثل الإنسان في طفولته ، ووسامته ، وقوته ، ومواسم فرحه ، وإذن فالغياب إنما هو غياب الإنسان الطفل ، ولا غرابة فتجربة " الأجساد تسقط في البنفسج " إنما هي تجربة الأربعين . وبالمقابل كانت أسماء الأشياء التي تحضر ، هي : ( المطر ، البحر ، القمر ، حصان ، صباح ) ونلاحظ أنها جميعها تتحدى الغياب بما اتصفت به من الديمومة ، أو تجدد الولادة ، ونلاحظ أن القمر والمطر هي أكثر الأشياء التي كانت تحضر ، وعليه فإن هذه الأشياء هي المعادلات التي يستحضرها الشاعر بدافع الاحتياج ؛ ليستمد منها طفولته ، ووسامته ، وقوته ، ومواسم فرحه ، التي يراها تغيب ولا تحضر .

كيف يتأثر زولي بالغياب ، وكيف يتمظهر ذلك في لغته ؟


أحب أن أقف قليلا لدى كيفية تأثر الشاعر واستجابته النفسية عند تحقق الحضور والغياب ، بوصف ذلك سينعكس حتما في لغته ، ونلاحظ - أول ما نلاحظ - أن زولي لدى الغياب يستغرق في حالة التذكر كما في : ( هنالك كان أبي / يطعم الليل / والأرق / المتكبر / بعض رغيف / السهر ) ، ( عندما كان في الثانوية / .................... / كانت له الأرض سوسنة ) ، ( ألمحك الآن عابرة / شارع الروح ) ، وفي مواضع أخرى ، قد يرد اللفظ الصريح الذي يصف حالة التذكر هذه كما في : ( أذكر ذلك الحسن / المطوق بالرياحين ) ، ( أتذكر الأجساد / تسقط في البنفسج ) ، ( لم يعد يتذكر / ذاك الفتى / غير رمل الطريق / الذي كان في / ثوبه / عالقا ) .

وحينما يعيش شاعرنا فداحة الغياب ، فإنه ينادي ، وهذا شكل آخر من أشكال استجابة الشاعر لموضوع الغياب ، إنه ينادي ما كان غائبا كما في : ( ليس لي أحد / يا أبي / فلمن سوف / أفتح صدري / يقاسمني الشاي / بعد الظهيرة ) ، ( يا بنت قفي شاهدة / كي أجلد الأشجار ) ، ( من تكونين يا امرأة / لا تجيء سوى في الغياب ) ، ( يا مهرة تستحث الغواية والإفك ) ، ( يا زمان الوصل ) ، ( يا أحلى الصبايا ) ، ( أيها الظل يا قابعا / في الكهوف ) .

وأيضا مما يحرض عليه الغياب ، فيظهر كاستجابة لدى الشاعر ، هو التساؤل المرير كما في : ( أتأمل / هذي / البنايات / ممهورة بالزبرجد / أسأل أين / الذي / شيدا ) ، ( لماذا التلاميذ / لا يخرجون / من / البيت / إلا وهم عابسون ؟ / ............. / ............. / من اللص / يسرق / أفراحهم ؟ ) ، ( يجوع الجياع / علانية / يحجب / الظل / أسماءهم / من هو المستبد / الذي يتحكم / في / خبزهم ؟ ) .

وقد يدفع الإحساسُ بالغياب الشاعرَ إلى استحضار الغائب من خلال الفعل المضارع ، وضمائر الخطاب ، كما في قول الشاعر لأبيه : ( ليس لي / غير وجهك من سماوات السكينة / في جنح الليل / يشرق / والعالمين / نيام / نيام ) ، ( من تكونين يا امرأة / لا تجيء سوى في الغياب / وعند / احتراق / المواسم / ألمحك الآن عابرة / شارع الروح / تنتظرين / لقائي ) والألفاظ الشواهد هي : ( وجهك ، يشرق ، ألمحك ، تنتظرين ) وفي المثال المذكور أخيرا خطاب وتذكر ونداء وتساؤل ، وفي الحقيقة فهذه المناحي الأسلوبية إنما هي تمظهرات المتخيل الغائب في الملفوظ الحاضر .


كيف يتأثر زولي بالحضور ، وكيف يتمظهر ذلك في لغته ؟[/size]

عندما يعيش زولي لحظات الحضور فالملاحظ أنه يستقطب الرموز المذكورة سابقا والتي هي ( المطر ، البحر ، القمر ، حصان ، صباح ) لغرض أن يتحد بها الغائب فتتمازج صفاتهما ، ويصبحان شيئا واحدأ ، له ما له من الديمومة والقدرة على الولادة المتجددة ، وبهذا تتخلص ذاتُ الشاعر مما كانت عانته عند إحساسها بالغياب .

ومن الأمثلة على ذلك أنه حينما يتذكر المليحات الغائبات اللاتي كان يعاشرهن ، فإنه في لحظة التذكر يحولهن على المستوى اللغوي إلى مطر ، ليكتسبن من هذا الرمز صفة التجدد والاستمرار ، يقول : ( أنت الذي غسلتك المليحات / وكنت تعاشرهن / كما يحتفي الخبز بالملح / والأرض / بالمطر / الموسمي ) ، ويفعل الشاعر مثل هذا حينما يستحضر أباه ، فيحوله إلى قمر : ( ليس لي / غير وجهك من سماوات السكينة / في جنح الليل / يشرق / والعالمين / نيام / نيام ) ، وفي خطابه للفتى الغائب الذي أتى من الورد المخبأ يقول متخيلا ذلك الفتى قمرا : ( سهرت / سهرت / حتى جئت / ساقتك التعاويذ / التمائم / أنت لي الوهاج / في الظلماء ) ، وفي موضع آخر من الديوان يقول : ( سوف يأتي كما مطر / يتخفى / وراء الضواحي / البعيدة / كالعاشقين ) ، وبناء على هذه الرؤية يقاوم شاعرنا غيابه الشخصي أيضا بكونه قمرا : ( وحده الشاعر / يبقى في الأعالي / صاعدا من خلف / جدران / الهشيم ) .

إضاءات :



وإذن نخلص من هذا إلى عدة قضايا مهمة ، أولها أن موضوع التجربة ، تجربة ديوان " الأجساد تسقط في البنفسج " فيما يبدو ، وبحسب ما وصلت إليه هذه القراءة في خطواتها التفسيرية ، هو الغياب والحضور .

وثانيها أن إحساس الشاعر بالغياب ، إنما هو إحساس حقيقي وواقعي ينبع من الظرف العمري ، الذي يعيشه شاعرنا .

وثالثها أن ذلك الغياب ، الذي يدركه الشاعر ، ويعاني وجوده ، يتحقق من خلال آليات متعددة ومتنوعة ، والأهم من ذلك أن هذه الآليات هي في الحقيقة وسائل الزمان والمكان ، أو قل طريقة العالم ، في السلب والتغييب ، لذا نرى شاعرنا يتخذ موقفا سلبيا من العالم ، يتمثل ذلك الموقف في عدم الرضى عن الزمن الذي هو في منظور الشاعر ليس سوى ليل ( لماذا الليل يأخذني بعيدا ) - ولليل حضور ملفت في ديواننا موضوع هذه القراءة - وكذلك يتمثل ذلك الموقف في تشكيل صورة المكان الذي هو على الدوام طرقات وشوارع للسفر والخطف والتغييب ، والملاحظ أن للشوارع أيضا حضور كثيف يجب أن يلتفت إليه ، وأن يدرس .

ورابعها أن إحساس الشاعر بالغياب يتمظهر في أساليب فنية مختلفة ومتعددة ، فعندما يتذكر شاعرنا ذلك الشيء الغائب نجده – أي الشاعر – يقف لدى الغائب واصفا إياه ، وهذا ما يفسر وجود الوصف التذكري – إن جاز التعبير - كملمح سردي في النصوص الشعرية لدى زولي ، وكذلك فمن تلك الأساليب الفنية التي وجودها يمثل استجابة للحظة الإحساس بالغياب ، المناداة ، والتساؤل ، واستحضار الغائب من خلال الفعل المضارع ، وضمائر الخطاب ، وهناك أساليب فنية أخرى أغفلتها لكونها لم تتواتر على نحو يسمح بالحديث عنها كظاهرة لغوية أو أسلوبية أفرزها إحساس شاعرنا بالغياب .

وخامسها أن لحظة الشعور بالغياب شكلت المعاناة التي أرغمت الشاعر على مجابهة الغياب الدلالي باحتضان حضور لغوي وفني ، تمثل في استخدام حروف النداء ، والفعل المضارع ، وضمائر الخطاب ، ثم أخيرا في الرموز الفنية التي لها صفة الديمومة كالبحر أو القوة كالحصان ، أو الولادة والتجدد كالقمر والمطر ، وعند ذلك يصبح الغائب له قدرة اللغة على الحضور الموضوعي ، وقدرة الرمز على قهر الغياب وتحديه ، وعند ذلك أيضا تتحقق للشاعر فرصة الاتزان الشعوري ، والتغلب على المعاناة الغيابية - إذا جاز لنا التعبير – وإلى هنا أجدني ألتقي مع من يعتبر اللغة " وسيلة الإنسان في التعبير أَوجدها لينزل المجهول مرتبة المعلوم ... ويصارع بها قوى النسيان والتكتم وجعل ما وراء الطبيعة معطى طبيعياً موضوعياً " وأنها – أي اللغة - جهاز " مزدوج المرجع أحدهما معدوم والآخر معلوم وأن الكلمات حضور والمعنى غياب " .

ولا يفوتني فلهذه الأفكار أو المقولات ما يدعمها في الديوان ، وربما كانت هي المفتاح الذي سيضيء لنا ما كان غامضا ، أو متناقضا فيما يبدو ، وعليه سنفهم قول شاعرنا : ( من تكونين يا امرأة / لا تجيء سوى في الغياب ) فعندما تحضر المرأة المناداة على مستوى الدال ، فإنها غائبة في الحقيقة على مستوى المدلول ، وكذلك أوراق العمر التي سقطت وغابت ، تحضر الآن في الكلام وإن كانت في حقيقتها غائبة ، يقول شاعرنا : ( تهبط الأوراق / في ماء الكلام / الرحب / في نبض / المغيب ) ومن الأمثلة على ذلك أيضا : ( أقسم المجنون / أن يفتح أسر / الكلمات / فتلاشى كل / تاريخ / الهباء ) ومن الأمثلة على ذلك قول شاعرنا : ( زامر الطرقات / هزته القصيدة / خاشعا في حضرة الكلمات ) وفي هذه الأمثلة جميعها نلاحظ الجمع ما بين الغياب الذي يمثله المدلول ، والحضور ممثلا في الدال .

هذا و أتمنى أن أكون في هذه العجالة كشفت موضوعا مهما من مواضيع التجربة الشعرية في ديوان " الأجساد تسقط في البنفسج " للشاعر القدير إبراهيم زولي ، وأتمنى أن أكون وفقت في عرضي للغياب والحضور في تمظهراتها اللغوية ، والأسلوبية ، والرؤيوية ، والفكر أدبية على أمل ألا تكون هذه القراءة هي الأخيرة ، فالديوان ما زال مكتنزا بالأسرار ، والفنيات ، والرؤى الجمالية الرحبة .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
هويدا رأفت الجندى
مراقب عام
مراقب عام
هويدا رأفت الجندى

انثى
عدد الرسائل : 4821
قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 111010
العمل : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Collec10
الحالة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 2210
نقاط : 9982
ترشيحات : 11
الأوســــــــــمة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 1111110

قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير   قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير I_icon_minitime8/10/2009, 07:21

شكـــــــ وبارك الله فيكِ ـــــــراً

أستاذة عبيــــــــــــــر

يسعدنى متابعة موضوعاتكِ المتميزة

لا حرمنا الله منكِ ولا من جود قلمكِ المتميز

قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 01uqfdh3t7
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 111010
العمل : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Unknow10
الحالة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Mzboot11
نقاط : 17692
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير 13156210

قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير   قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير I_icon_minitime27/10/2009, 09:43

أختى الغالية هويدا

يسعدنى مرورك الطيب

واطلالتك الرائعة

لا حرمنى الله منها

دمتى بكل الخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
 
قراءة نقدية في ديوان إبراهيم زولي الأخير
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة نقدية فى ديوان : قربان لإله الحرب من كربلاء إلى قانا إلى القدس شعر حسن طلب "1- 2 "
» قراءة نقدية لرواية القلق السري
» قراءة في ديوان « فتاة تجرب حتفها » السفر في أحراش الظلمة وحدائق البنفسج
» رؤية نقدية حول ديوان (إحكى وقول يا ورق)
» أنموذح لدراسة نقدية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات الأدبية :: المنتديات الأدبية :: منتدى الدراسات النقدية والبلاغة-
انتقل الى: