وسطية أهل السنة
في التعامل مع أهل الأهواء والبدع
الحمد لله، إن مما يَحِقُّ لصاحب البدعة على أهل السنة والجماعة طَلَب الهداية له، ودعوته إلى الله جل وعلا، وهذا أمر من الأمور المهمة الواجبة علينا جميعًا، وعلى أهل السنة جميعًا الذين وُفِّقُوا للحق واتباعه.
فإن من الواجب علينا نحو أهل البدع والأهواء أن نلتزم:
1-أمرَهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.
2-إرشادهم للحق.
3-إبلاغهم الحُجَّة.
4-تفهيمهم إياها بالحسنى والحكمة.
وفي تاريخنا الإسلامي وفي عهد الصحابة -رضي الله عنهم- وفي آخر عهد الخلفاء الراشدين تطالعنا تلك القصة العظيمة والحادثة التي وقعت في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مع الخوارج، وكيف أنه أرسل ابن عباس -رضي الله عنهما- لِمُحَاجَّتِهم ومحاورتهم رغبته في هدايتهم وإصلاحهم؛ لأنهم قد حَادُوا عن الجادة وعن الطريق المستقيم.
فذهب إليهم ابن عباس -رضي الله عنهما- وحَاجَّهُم وجادلهم وحاورهم تلك المحاورة المعروفة والمشهورة، فكان بذلك خيرٌ عظيم، وقد سألوه عدة أسئلة واستفهموا عن بعض الأمور، فأجابهم عنها سؤالاً سؤالاً؛ حتى اقتنع منهم آلاف كما ذكر ذلك المؤرِّخون.
وهذا الموقف من ابن عباس -رضي الله عنهما- يدل على أن واجبنا نحوهم أو نحو المبتدعة ونحو الخوارج ومن شاكَلَهُم أن ننصحهم، وأن نوجههم، وأن نعتني بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؛ رغبةً في هدايتهم وصلاحهم.
ولأن في هدايتهم وصلاحهم صلاحًا للإسلام وتكثيرًا لِسَوَاد أهل السنة والجماعة، وكفًّا لشرهم، وهذا هو المتَّبَع حتى في عصرنا الحاضر.
من حَادَ عن جَادَّة الصواب واتبع غير طريق المؤمنين وانحرف به الفكر أو المنهج؛ فإنه يناصَح ويحاوَر لعل الله –تعالى- أن يهديه ويُصْلِح حاله، وإلا فيلجأ إلى القوة والحزم والشدة في ذلك؛ لأن دين الله -جل وعلا- هو القوي؛ لتكون كلمة الله هي العليا.
هناك ثمرات ونتائج تترتب على اتباع منهج أهل السنة والجماعة والسير عليه في معاملة أهل البدع، سواء كان بالشدة، أو بالرفق واللين، ومن ذلك اتباع الكتاب والسنة بالعدل مع الخصوم، يترتب على ذلك أن يكون أهل السنة قد اتبعوا الكتاب والسنة في العدل مع الخصوم، والله جل وعلا يقول: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} يعني بُغْضَكم لقوم {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
والعدل يُقَرِّب القلوب، ويُؤَلِّف بينها، ويجمعها، وقد يكون هذا العدل مع الخصوم ومع الأعداء ومع المبتدعة سببًا في هدايتهم، وصلاح حالهم، واستقامة صاحب الهوى، ورجوعه عن هواه وبدعته بإذن الله تعالى.
ومن هذه الثمرات أيضًا: حصول الأجر والثواب العظيم لمن دعا إلى الله تعالى، ولمن هَدَى الله على يديه كافرًا أو مبتدعًا أو ضالاًّ أو صاحبَ هَوًى، ففي الحديث: «لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمُر النَّعَم».
ومن هذه الثمرات أيضًا: كَفُّ شر أهل البدع والأهواء عن المسلمين أهل السنة والجماعة واتقاء فُحْشِهم، وذلك أبعد عن أن يسبُّوا ديننا أو منهجنا، وذلك لأننا إذا لم نتعرَّض لمذهبهم ودينهم بالسب أمامهم أو القذف فيما يعتقدون وإنما بدعوتهم بالحسنى، فإن ذلك يكون سببًا لكفِّ شرهم عن المسلمين، {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
ومن الفوائد والمصالح المترتبة على اتباع منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أهل البدع: اجتماع الكلمة، ووَحْدَة الصف، وحصول الوحدة الوطنية، وتحقيق الانتماء الوطني، بما لا يخالف الشريعة، وذلك مطلب شرعي، وسبب في استقامة أحوال الناس وصلاح أمورهم، وأبعد عن الفوضى والخلاف والنزاع، ولا يَخْفَى على الجميع ما يحصل في بعض البلدان التي نَشَبَتْ بينهم صراعات مذهبية أو صراعات طائفية، وصار كل حزب بما لديهم فَرِحِين، كيف حَصَل التفرُّق والنزاع والاختلاف؟! وليت هذا فَحَسْب؛ بل كذلك دماء أُرِيقت، وأعراض انْتُهِكَت، وأموال وممتلكات اعْتُدِيَ عليها.
ومن هذه الثمرات أيضًا: أمن الأفراد في أنفسهم أو على أنفسهم وعِمَارة الحياة، والتعاون على ما فيه الصلاح للإسلام والمسلمين، وأخيرًا إقامة الحجة على المخالفين {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. وبالله بالتوفيق.
———————
assakina
الكاتب:فضيلة الشيخ الدكتور /خالد راشد العبدان