كان رسول الله r يعيش بين أصحابه يعلمهم كل شؤون حياتهم، وكان اهتمام الصحابة بكل ما يصدر عنه رسول الله r فريداً، ليس له مثيل في تاريخ البشرية، فهم يؤمنون بأنه لا ينطق عن الهوى، وأن ما ينزل عليه وحي من الله تعالى.
وكان الرسول r يحثهم على سماع حديثه وتبليغه للناس فعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله r يقول: "نَضّرَّ الله امرءاً سمعَ مِنا شيئاً فَبَلَّغَه كما سَمِعَهُ" (1) وقد اهتم الصحابة، رضي الله عنهم، في تبليغ الحديث كما سمعوه من رسول الله r وقد وضع الصحابة ومن جاء بعدهم من العلماء بعض الأسس والقواعد لتبليغه إلى من بعدهم دون زيادة أو نقصان.
مفهوم علم الحديث وأنواعه
أولاً
علم الحديث: هو العلم الذي يبحث في حديث رسول الله r من حيث نقله وضبط ألفاظه وتدوينه. وهو نوعان:
1- علم الحديث روايةً: وهو العلم الذي يبحث في نقل الحديث من جيل إلى جيل بشكل منضبط، حفظاً في الصدور وكتابة في السطور وقد ساعد على حفظ الحديث أمور منها:
أ- قوة الذاكرة التي امتاز بها العرب، لقلة الكتبة بينهم، فكانت الغالبية تعتمد على الذاكرة حتى نمت وقويت، ولقلة تعقيدات حياتهم التي يعيشونها في الجزيرة العربية.
ب- اهتمام الصحابة بحفظ السنة لأهميتها في معرفة الأحكام الشرعية، وابتغاء الأجر في الآخرة.
ج- أسلوب النبي r الذي كان يساعد على الحفظ، فقد كان يتحدث بتأن دون استعجال، وكان يكرر بعض العبارات للتأكيد بالإضافة إلى بلاغته r.
د- قصر الحديث النبوي في أغلب الأحيان.
نشــاط
اذكر سببا آخر يساعد على حفظ الحديث الشريف.
2- علم الحديث درايةً: وهو العلم الذي يبحث في القواعد التي يعرف بها الحديث المقبول من الحديث المردود، فقد وضع العلماء مجموعة من الأسس والقواعد المتعلقة بسند الحديث ومتنه، والتي تساعد في الحكم على الحديث من حيث صحة نسبته إلى النبي r أو عدم صحتها، ويسمى علم الحديث درايةً علم مصطلح الحديث أو علم أصول الحديث.
أهداف علم الحديث
ثانياً
لعلم الحديث روايةً ودرايةً أهداف في غاية الأهمية منها:
1- حفظ الحديث النبوي من الضياع والاندثار، وذلك بروايته مشافهةً وكتابته جيلاً عن جيل، حتى وصل إلينا.
2- التمييز بين الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة، وقد منع هذا من دخول الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الدين.
3- بناء العقلية الإسلامية الناقدة الممحصة، التي لا تأخذ كلَّ ما تسمع وإنما تبحث وتتحرى وتنقب حتى تصل إلى الحقيقة، فإن صح الحديث عن رسول الله r قبلناه وإن لم يصح رددناه.
4- ابتغاء الأجر العظيم على بذل الجهد للمحافظة على سنة النبي r.
5- تسهيل مهمة المفسر والفقيه لاستنباط الأحكام.
نشأة علم الحديث
ثالثاً
علمت أن علم الحديث نوعان هما: علم الرِّواية وعلم الدِّراية، وقد نشأ علم الرواية زمن النبي r لأن الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا يسألونه ويبلغون ما يسمعون، فهل تَعرف نشأة علم الحديث درايةً؟
لم تكن معرفة علم الحديث درايةً ذات إشكالية في زمن النبي r، لأن الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا يسألونه عن أي حديث يشكون في نسبته إليه، وقد بدأت المشكلة بعد وفاتـه r، فكيف حافظ المسلمون على الحديث النبوي عبر القرون؟ هذا ما سنستعرضه على مرحلتين:
1- المرحلة الأولى: عصر الصحابة.
بحث الصحابة، رضي الله عنهم، في القرآن والسنة عن القواعد التي يعرف بها الحديث الصحيح من غيره، فوجدوا توجيهات تدل على ذلك منها:
أ- الأمر باتباع السنة، وطاعة الرسول r وهذا لا يتم إلا بحفظ السنة النبوية.
ب- التحذير من الكذب في الحديث النبوي الشريف قال r: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" (2).
ج- طلب التثبت من الأخبار قبل قبولها، واشتراط التقوى فيمن تقبل روايته، قال تعالى:
د- التحذير من نقل ما لا يعرف الراوي صحته، قال الله تعالى:
ولذلك بدأ الصحابة، رضي الله عنهم، يبنون على هذه الأسس علم الحديث الشريف، وكلما تعرضت السنة لخطر جديد وضعوا القواعد التي تكفل بقاءها نقية صافية.
لقد كان الخطر يتمثل في احتمال الخطأ في الرواية، أما الكذب فلم يثبت أن أحداً من الرواة كذب على رسول الله r، فكيف عالج العلماء احتمال وقوع الخطأ في هذه المرحلة؟
لقد استخدم العلماء أساليب عدة لمعالجة ذلك أهمها:
أ- اقتصار الراوي على رواية الأحاديث التي يطمئن إلى حفظها وضبطها، وعدم روايته لما يشك في حفظه من الأحاديث، فكل راو معرض للنسيان.
وهذا الأسلوب يعالج الخطأ والنسيان بشكل وقائي، أي قبل أن يقع، وقد قلل من وقوع الخطأ في الرواية إلى حد كبير.
نشــاط
بيّن الفرق بين الأسلوب الوقائي والأسلوب العلاجي وأهمية كل منهما.
ب- عرض رواية الراوي على القرآن الكريم، والثابت من السنة، فإن وجدوه يعارض شيئاً من القرآن أو الحديث، عرفوا أن الراوي قد أخطأ في الرواية.
ج- التثبت بشاهد أو يمين: فإن شهد مع الراوي شاهد آخر، أو طلبوا من الراوي اليمين فأقسم، تبين أنه متأكد من صحة ما روى، فيقبل حديثه.
ومثال ذلك أن عمر بن الخطاب طلب إلى أبي موسى الأشعري شاهداً على حديث: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع" (3) فشهد له الصحابة بذلك فقبله.
وهذا التثبت إنما يكون عند وجود شك في نسيان الراوي أو خطئه.
2- المرحلة الثانية: عصر ما بعد الصحابة.
في هذه المرحلة ظهر الكذب في الحديث، فاستحدث العلماء أساليب جديدة لحفظ الحديث منها:
أ- السؤال عن أسماء رواة الحديث للتأكد من مدى صدقهم ودقتهم، فنشأ علم الجرح والتعديل، وعلم الرجال.
ب- الرِّحلة إلى الراوي الذي سمع الحديث من النبي r للتأكد من صحة الحديث.
ج- المقارنة بين رواية الراوي ورواية غيره للحديث، لاكتشاف الكذب أو الخطأ. واستمرت هذه الأساليب وتوسعت على مرور الزمن إلى أن جُمعت وكتبت، كما ستعرف في تدوين علوم الحديث.
الأسئلـــة
1- ما الفرق بين علم الحديث روايةً وعلم الحديث درايةً؟
2- وضّح بداية نشأة علم الحديث روايةً.
3- كيف ساعد أسلوب النبي r على حفظ الحديث الشريف؟
4- بيّن كيف تعين علوم الحديث الشريف على محاربة الخرافات والإشاعات في المجتمع.
5- علّل ما يأتي:
أ - لم تنشأ علوم الحديث دراية في عهد النبي r.
ب- عدم قبول كل ما نسمع من الأحاديث.
6- لعلم الحديث رواية ودراية أهداف كثيرة، اكتب أهمها في رأيك، ولماذا؟
8- مقارنة ما يرويه الراوي برواية غيره من الرواة، لها أهمية في اكتشاف الكذب أو الخطأ، برأيك كيف يكون ذلك؟
9- أسهم علم الحديث روايةً ودرايةً في بناء العقلية الإسلامية الناقدة، وضّح ذلك.
منقووووووووووووول