(تصوير: فايز الزيادي): بقدر ما تتميز مساجد دول البلقان بنمطها المعماري، ونسقها وجمالياتها، إلا أن هناك ما هو أجمل من ذلك، وهو تفعيل دور تلك المساجد بشكل استثنائي كما هو دورها الحقيقي في الإسلام، كما يقول أحد أئمة المساجد الذين التقتهم "سبق".
يقوم المسجد في البلقان بدور كبير - وإن كان هناك تباين - ربما بحكم وضع البلاد؛ إذ لا يوجد تعليم ديني في المدارس العامة، كما أن الحكومات العلمانية الديمقراطية لا تسمح بذلك؛ لذا يعتبر المسجد أهم منابر التعليم الديني الذي تعتمد عليه المشيخيات الإسلامية ودور الإفتاء في البلقان لتعزيز تعاليم الدين وتدريسها.
- مسجد "حي البلاج":
في ألبانيا، وفي مدينة دورسي الساحلية، يلفتك أحد أجمل المساجد التي يمكن أن تشاهدها فعلاً أثناء زيارتك لهذا البلد الجميل.
مسجد "حي البلاج" كما يطلقون عليه قد لا تكون له تلك القصة الغريبة، غير أنه يعكس تمامًا مقولة أحد مَن التقيناهم أنه "ليس من الضروري أن يكون المسجد كبيرًا جدًّا، لكنه يجب أن يكون في أجمل ما يمكن بما يعكس حقيقة الشعور الإسلامي في قلب من قام ببنائه".
هذا المسجد الذي يتحول ليلاً إلى لوحة ضوئية ساحرة بناه ثلاثة أشقاء من التجار. يقول أحد هؤلاء الإخوة لـ"سبق" بعدما طلب عدم ذكر اسمه: "نحن ثلاثة أخوة، نمتلك شركة مقاولات. في عام 2000 اجتمعنا، وكنا نفكر في القيام بمشروع خيري بأية طريقة. كانت هناك خيارات عديدة أمامنا، هي إما جمعية خيرية، أو مشروع اجتماعي مثل حفر الآبار، أو تسوير المقابر، أو غيرها. وفي النهاية اتفقنا على بناء هذا المسجد؛ إذ إن المنطقة هنا بحاجة لمسجد".
- نمط البناء:
وعن فترة البناء ونمطه يقول: "حاولنا أن يجمع المسجد في نمطه وتصميمه بين الطراز البنائي القديم والجديد. اتفقنا مع مصمم المخطط، وكذلك مجموعة من البنائين المهرة. هم ألبان، أحضرناهم من مقدونيا. كنا متفائلين، وتجاوزنا كل العقبات، ولم نواجه صعوبات كبيرة والحمد لله".
ويضيف: "مثل هذه الأعمال لا تشعر معها بالخسارة، بل شعرنا بأننا كسبنا، ونربح مع الأيام، بالرغم من معارضة بعض الجيران في البداية. كما أن الأرض لم تكن مهيأة، ودفعنا تعويضات لأهلها قبل تمهيدها للشروع في البناء. وبفضل الله المشروع تم في أقل من سنة، وكنت أحرص على الوجود معظم اليوم، كل يوم، بل كنت أنام وأصحو في موقع المشروع".
داخل حرم المسجد يوجد مطعم صغير في رمضان المبارك، يقوم بتقديم إفطار صائم طوال الشهر.
- أهمية الدور:
عن دور المسجد يقول الشيخ أحمد كالاي لـ"سبق" - وهو أحد أهم أئمة مساجد تيرانا ومفتيها -: "المسجد في نظر الإسلام ليس فقط مكان التعبد؛ فهو مكان التلاقي والتآخي؛ فدوره أكثر وأعظم؛ لذا نحرص على أن يكون دور المسجد أكبر وأشمل. نحن لا نريد أن يكون المسجد في عزلة أو مقصورًا على نشاط معين بخمسة أوقات في اليوم والليلة فقط. ونعمل بشفافية. والمسجد هنا ينطلق من جانبين: تعبدي وخدمة المجتمع".
- استفتاء شعبي:
ويضيف: نريد أن نخرج المسجد من الإطار التقليدي. المسجد يقوم بأنشطة مثل تبرعات الدم ودعم المحتاجين والمرضى وإغاثة المنكوبين. ومرة قمنا بإجراء استفتاء شعبي لإرسال خطاب لمنظمة التعاون الإسلامي، وجمعنا 51 ألف توقيع لحث المنظمة على الضغط للاعتراف باستقلال كوسوفا. حاليًا ألبانيا – للأسف - تتجه لأوروبا بقوانينها وغيرها؛ لذا ننشط لخدمة الناس والمجتمع والتوعية بالإسلام. نشاطنا ليس عليه قيود، والحكومة لا تجد حرجًا في ذلك.
وعن رمضان: النشاط يتضاعف ويختلف؛ فهناك إفطار صائم والصدقات وإقامة صلاة التراويح والقيام.. وتكون هناك جماعات تطوعية أكثر في أوجه الخير كافة. وهناك لجان خاصة لجمع التبرعات والزكوات، وتوزيعها. ونتعاون مع القنوات ووسائل الإعلام لبث مواد توعوية. وفي ليلة القدر الجميع يصوم حتى النصارى.
- دور مجتمعي:
ويقول الشيخ كلاي: "سأعطيك مثلاً على دورنا المجتمعي: اخترنا طلابًا من المرحلة الثانوية. أردنا أن يكون لهم نشاط مجتمعي؛ فأسميناهم (شباب البديل الإسلامي)؛ فهناك مناهج عديدة تواجههم في حياتهم. نريدهم أن يقدموا صورة السلوك الإسلامي المجتمعي المتسامح والمعتدل؛ ليكونوا البديل لما يحدث وتنتج منه سلبيات. وبالفعل، بدأ مجموعة من الشباب تحت هذا الشعار وتحت إشرافنا تقديم صورة لروعة الإسلام وتسامحه وشموليته".
مضيفًا: نحن نراقب التزامهم بالجانب الشرعي وطريقة التنفيذ. نشاط شبابي (البديل الإسلامي).. هذه هي الرؤية الشاملة. أهاليهم لم يعارضوا، وسعدوا كثيرًا عندما شاهدوا أبناءهم يقومون بأنشطة مجتمعية تخدم الجميع. وحتى هؤلاء الشباب انعكس ذلك عليهم؛ فتفوقوا في دراستهم وتعاملهم مع أسرهم، وأصبحوا في مستوى متميز. من أبرز الأنشطة الاجتماعية والدينية أنهم يخدمون الجميع بلا تفريق.. ونقوم بالمتابعة المستمرة.
- أنظمة:
المساجد تتبع المشيخيات الإسلامية ودور الإفتاء غالبًا. ويتم بناء المساجد وترميمها بموافقة تلك المشيخيات. ويتم تسجيل المساجد في سجلات التسجيل العقاري لكل محافظة. وهي تعتبر ملكًا للمشيخة، وتتم صيانتها من قِبلها أو من دور الإفتاء. جميع المساجد التي يتم بناؤها من قِبل فاعلي الخير أو الجمعيات الخيرية داخليًّا وخارجيًّا تصبح ملكًا للمشيخيات، وتشرف عليها بشكل رسمي. وفي بعض المشيخيات هناك ما يسمى (إدارة الشباب والعلاقات مع جماعة المسجد).
المساجد بشكل عام - ومنها هذا المسجد - تحظى في رمضان بإقبال أكثر من المسلمين، ويتم فيها توزيع بعض الكتيبات والمطويات التعريفية، التي تبيّن فضل الشهر الكريم. كما - وهذا بحسب كبر المساجد وليس كلها - يتم استضافة عدد من الأئمة والعلماء لتقديم عدد من المحاضرات. ويحرص الكثير من المسلمين على ختم القرآن الكريم في هذا الشهر؛ إذ يقضون وقتًا أطول في المسجد.
sabq.org