فِي بَيَانِ نَمَاذِجَ مِن الْبِدْعِ الْمُعَاصِرَةِ
وهي:
الاحتفال بالمولد النبوي
التبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحوذلك
البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله
=======================
البدع
المعاصرة كثيرة بحكم تأخر الزمن وقلة العلم وكثرة الدعاة إلى البدع
والمخالفات وسريان التشبه بالكفار في عاداتهم وطقوسهم، مصداقًا لقوله صلى
الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) [تقدم تخريجه].
الاحْتِفَالُ بِمُنَاسَبَةِ الْمُولِدِ الْنَبَوِي فِي رَبِيِعِ الأَوَلِ
ومن
هذا التشبه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بالمولد النبوي. يحتفل
جهلة المسلمين. أو العلماء المضلون في ربيع الأول من كل سنة بمناسبة مولد
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يقيم هذا الاحتفال في
المساجد. ومنهم من يقيمه في البيوت أو الأمكنة المعدة لذلك ويحضره جموع
كثيرة من دهماء الناس وعوامهم، يعملون ذلك تشبهًا بالنصارى في ابتداعهم
الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام، والغالب أن هذا الاحتفال علاوة على
كونه بدعة وتشبهًا بالنصارى لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات؛ كإنشاد
القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة دعائه
من دون الله والاستغاثة به، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في
مدحه فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبده،
فقولوا عبد الله ورسوله) [تقدم تخريجه] والإطراء معناه: الغلو في
المدح، وربما يعتقدون أن الاحتفالات الأناشيد الجماعية المنغمة وضرب الطبول
وغير ذلك من عمل الأذكار الصوفية المبتدعة. وقد يكون فيها اختلاط بين
الرجال والنساء مما يسبب الفتنة ويجر إلى الوقوع في الفواحش. وحتى لو خلا
هذا الاحتفال من هذه المحاذير واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام وإظهار
الفرح - كما يقولون - فإنه بدعة محدثة (وكل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة) وأيضًا هو وسيلة إلى أن يتطور ويحصل فيه ما يحصل في الاحتفالات
الأخرى من المنكرات.
وقلنا: إنه بدعة؛ لأنه لا أصل له في
الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والقرون المفضلة، وإنما حدث متأخرًا بعد
القرن الرابع الهجري أحدثه الفاطميون الشيعة .
قال الإمام أبو حفص تاج
الدين الفاكهاني رحمه الله: أما بعد فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن
الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد، هل له
أصل في الدين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبينًا، والإيضاح عنه معينًا. فقلت
وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل
عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار
المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون (
وقال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك ما يحدثه بعض الناس. إما
مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه
وسلم وتعظيمًا. من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف
الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف. ولو كان هذا خيرًا محضًا أو
راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة للنبي
صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا وهم على الخير أحرص، وإنما كانت محبته
وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر
ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين
الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان (9) بتحقيق الدكتور
ناصر العقل. انتهى.
وقد ألفت في إنكار هذه البدعة كتب ورسائل
قديمة وحديثة، وهو علاوة على كونه بدعة وتشبهًا فإنه يجر إلى إقامة موالد
أخرى؛ كموالد الأولياء والمشايخ والزعماء فيفتح أبواب شر كثيرة.
----
الْتَبَرُّكُ بِالْأَمَاكِنَ وَالآثَارِ وَالأَشْخَاصِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا
التبرك:
طلب البركة - وهي ثبات الخير في الشيء وزيادته - وطلب ثبوت الخير وزيادته
إنما يكون ممن يملك ذلك ويقدر عليه وهو الله سبحانه، فهو الذي ينزل البركة
ويثبتها، أما المخلوق فإنه لا يقدر على منح البركة وإيجادها ولا على
إبقائها وتثبيتها، فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتًا لا
يجوز؛ لأنه إما شرك، إن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة، أو وسيلة إلى
الشرك، إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله.
وأما
ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وريقه
وما انفصل من جسمه صلى الله عليه وسلم فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم وفي
حال حياته، بدليل أن الصحابة لم يكونوا يتبركون بحجرته وقبره بعد موته ولا
كانوا يقصدون الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها، ليتبركوا بها وكذلك
مقامات الأولياء من باب أولى، ولم يكونوا يتبركون بالأشخاص الصالحين، كأبي
بكر وعمر وغيرهما من أفاضل الصحابة لا في الحياة ولا بعد الموت، ولم يكونوا
يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا، ولم يكونوا يذهبون إلى الطور
الذي كلم الله عليه موسى ليصلوا فيه ويدعوا، أو إلى غير هذه الأمكنة من
الجبال التي يقال: إن فيها مقامات الأنبياء وغيرهم، ولا إلى مشهد مبني
على أثر نبي من الأنبياء. وأيضًا فإن المكان الذي كان النبي صلى الله
عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائمًا لم يكن أحد من السلف يستلمه
ولا يقبله، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها. فإذا كان الموضع الذي
كان يطؤه بقديمه الكريمتين ويصلي عليه لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله
فكيف بما يقال إن غيره صلى فيه أو نام عليه؟! فتقبيل شيء من ذلك
والتمسح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعته
صلى الله عليه وسلم (10).
------
الْبِدْع فِي مَجَالِ الْعِبَادَاتِ وَالْتَقَرَّبِ إِلَى اللهِ
البدع
التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة؛ لأن الأصل في العبادات
التوقيف فلا يشرع شيء منها إلا بدليل وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة؛ لقوله
صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [رواه
البخاري (3 / 167)، ومسلم، الحديث برقم (1718) .].
،والعبادات التي تمارس الآن ولا دليل عليها كثيرة جدًّا :
منها:
الجهر بالنية للصلاة. بأن يقول: نويت أن أصلي لله كذا وكذا، وهذا بدعة؛
لأنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الله تعالى يقول:
{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[الحجرات: 16].
والنية محلها القلب فهي عمل قلبي لا عمل
لساني. ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة؛ لأن المشروع أن كل شخص يقول
الذكر الوارد منفردًا. ومنها طلب قراءة الفاتحة في المناسبات وبعد الدعاء
وللأموات. ومنها إقامة المآتم على الأموات وصناعة الأطعمة واستئجار
المقرئين، يزعمون أن ذلك من باب العزاء أو أن ذلك ينفع الميت وكل ذلك بدعة
لا أصل لها وآصار وأغلال ما أنزل الله بها من سلطان.
ومنها الاحتفال
بالمناسبات الدينية، كمناسبة الإسراء والمعراج ومناسبة الهجرة النبوية ،
وهذا الاحتفال بتلك المناسبات لا أصل له من الشرع.
ومن ذلك ما يفعل
في شهر رجب؛ كالعمرة الرجبية، وما يفعل فيه من العبادات الخاصة به؛ كالتطوع
بالصلاة والصياح فيه فإنه لا ميزة له على غيره من الشهور لا في العمرة
والصيام والصلاة والذبح للنسك فيه ولا غير ذلك.
ومن ذلك الأذكار الصوفية بأنواعها كلها بدع ومحدثات؛ لأنها مخالفة للأذكار المشروعة في صيغها وهيئاتها وأوقاتها.
ومن
ذلك تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام، ويوم النصف من شعبان بصيام؛ فإنه لم
يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء خاص به.
ومن ذلك
البناء على القبور واتخاذها مساجد وزيارتها لأجل التبرك بها والتوسل
بالموتى وغير ذلك من الأغراض الشركية، وزيارة النساء لها مع أن الرسول صلى
الله عليه وسلم لعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
وَخِتَامًا نَقُول:
إن
البدع بريد الكفر، وهي زيادة دين لم يشرعه الله ولا رسوله، والبدعة شر من
المعصية الكبيرة، والشيطان يفرح بها أكثر مما يفرح بالمعاصي الكبيرة؛ لأن
العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها. والمبتدع يفعل
البدعة يعتقدها دينًا يتقرب به إلى الله فلا يتوب منها، والبدع تقضي على
السنن، وتكره إلى أصحابها فعل السنن وأهل السنة، والبدعة تباعد عن الله
وتوجب غضبه وعقابه وتسبب زيغ القلوب وفسادها.
مَا يُعَامَل بِهِ الْمُبْتَدَعَةِ
=====================
تحرم
زيارة المبتدع ومجالسته إلا على وجه النصيحة له والإنكار عليه؛ لأن
مخالطته تؤثر على مخالطه شرًا وتنشر عدواه إلى غيره. ويجب التحذير منهم
ومن شرهم إذا لم يمكن الأخذ على أيديهم ومنعهم من مزاولة البدع، وإلا فإنه
يجب على علماء المسلمين وولاة أمورهم منع البدع والأخذ على أيدي المبتدعة
وردعهم عن شرهم؛ لأن خطرهم على الإسلام شديد. ثم إنه يجب أن يعلم أن دول
الكفر تشجع المبتدعة على نشر بدعتهم وتساعدهم على ذلك بشتى الطرق، لأن في
ذلك القضاء على الإسلام وتشويه صورته. نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه
ويعلي كلمته ويخذل أعداءه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
---------------
منقول من كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة