الإبرة الفلسـطينيـة في مواجهـة الاحتلال محمد توفيق السـهلي إن الدارس المتخصص المتفحص بعين خبيرة لتلك الخطوط المتقاطعـة والرسومات المختلفـة على أي ثوب من أثواب المرأة الفلسـطينيـة، سـيكتشـف أن تلك الرسـومات وهاتيك الخطوط مسـتمدة من مثيلاتها المحفورة في الجدران الصخريـة الفلسـطينيـة التي تم اكتشـافها في كهوف أجدادنا العرب الكنعانيين؛ فالثوب الفلسـطيني ضارب في جذوره وصولاً إلى آلاف السـنين. ومما يُلفت الانتباه في معظم أثواب النسـاء الفلسـطينيات، تلك النجمـة الثُمانيـة، وهي النجمـة الكنعانيـة المشـهورة المحفورة أصلاً في مختلف كهوف "أريحا" في فلسـطين، ويُقدر تاريخ حفر تلك النجمـة بنحو 4500 سـنـة، وقد عثرت عليها الباحثـة الألمانيـة (كاتلين كانون)، مما يُشـير إلى أصالـة تلك الأزياء وعراقتها وارتباطها بالثوب الفلسـطيني الأول في فلسـطين.
لقد أدرك الصهاينـة المحتلون خطورة التطريز وأعمال "الكنفـة"؛ إذ أن الإبرة التي تُطرز الثوب الفلسـطيني بيدٍ فلسـطينيـةٍ خبيرةٍ تُخيف الآن الصهاينـة أكثر من أي شـيء آخر... لذلك يقوم الصهاينـة وباسـتمرار بمنع توفير المواد الأوليـة المتعلقـة بصناعـة الأزياء الشـعبيـة وغيرها من الصناعات الشـعبيـة لا سـيما ما لـه صلـة بأعمال الإبرة والتطريز. ويفرضون على تلك المواد الأوليـة ضرائب باهظـة جداً، ويُضيقون الخناق على دروب الإبرة الفلسـطينيـة، ويُحاولون منع تصدير نتاج أشـغال الإبرة لأنهم يعرفون أن لا تاريخ لهم في هذه الأرض، ولا علاقـة تربطهم بها، ويُدركون في قرارة أنفسـهم أنهم ليسـوا من نبت هذه الأرض الطيبـة التي لا تُنبت إلا طيباً... إن إحساسهم العميق بالغربـة دفعهم إلى فعل ما فعلوه وما يُمكن أن يفعلوه في قادم الأيام والسـنين.
لقد سـرقوا أرضنا واقتعلوا شـعبنا ويُريدون أن يسـرقوا تاريخنا وحضارتنا وتراثنا، وبالتالي هويتنا كي يُغيبونا عن الوجود.
ادعى الصهاينـة أن بعض الأكلات الشعبية الفلسطينية هي أكلات "إسرائيلية"، مثل "الفلافل" و"الحُمص" و"المقلوبـة" و"المسـخن"...!!! ومؤخراً قام مصمم "إسـرائيلي" بتقليد الكوفيـة العربيـة الفلسـطينيـة (الحطَّـة)، لكنـه عمد إلى تغيير لونها لتُصبح بالأزرق والأبيض مع النجمـة السُـداسـيـة، ونشـرتها صحيفـة (جويـش كرونيكل) التي تصدر في لندن، ومصمم هذه الكوفيـة المزورة هو اليهودي (موشـيـه هاريل).
ويتحدث الصهاينـة في كتاباتهم بوقاحـة لا مثيل لها عن ما يُسـمى "اللباس اليهودي الأصيل"؛ فنقرأ مثلاً: أن هذا اللباس هو (الدمايـة أو الديمايـة) ونحن نعرف أن الدمايـة العربيـة الفلسـطينيـة تضرب جذورها في أعماق التاريخ العربي الكنعاني...
إنهم يُقيمون المعارض التي يعرضون فيها أزياءنا الشـعبيـة الفلسـطينيـة على أنها "أزياء شـعبيـة يهوديـة"... إنهم يبحثون عن أي شـيء يُمكن أن "يُقنعوا بـه العالم الغربي بأن هذه الأرض هي أرضهم"، ويبحثون عن كل ما من شـأنـه أن يُزيلنا عن الخارطـة ويمحو وجودنا بكل مقوماتـه...
لقد اغتصبوا تراثنا الشـعبي الفلسـطيني وادعوه لأنفسـهم... سـرقوا دبكتنا الشـعبية... اغتصبوا أزياءنا ومأكولاتنا... اغتصبوا الزنانير الفلسـطينيـة والشـالات...
وبُعيد عدوان حزيران 1967م، اسـتكمل الصهاينـة سـرقـة الأرض الفلسـطينيـة فاسـتكملوا خططهم الراميـة إلى سـرقـة تراثنا الشـعبي فلم يتركوا آنيـة فخاريـة في قريـة أو مدينـة وقعت أعينهم عليها، إلا سـرقوها كي يقوموا بعرض قسـم منها في معارض يدعون فيها أنها من الأواني الفخاريـة التاريخيـة التي تعود إلى "تاريخ يهودي قديم"، وباعوا قسـماً كبيراً من هذه الأواني الفلسـطينيـة للسـواح الغربيين كي يُسـهم هؤلاء السـواح بنشـر الأكاذيب الصهيونيـة الباطلـة في بلادهم.
إن التراث الشـعبي الفلسـطيني بكل معطياتـه وجزئياتـه وتفاصيلـه، يصل حاضرنا بماضينا الموغل في القِدم وصولاً إلى الجذور الممتدة حتى عصر أجدادنا العرب الكنعانيين، مما يُثبت أن فلسـطين عربيـة الجذور والامتداد والانتماء والتاريخ والحضارة، وبالتالي يُؤكد على الهويـة الوطنيـة للشـعب الفلسـطيني... وهذا في حد ذاتـه يُشـكل خطراً كبيراً على الوجود الصهيوني في بلادنا.
لذلك نجد الصهاينـة، ومنذ البدايات الأولى لتأسـيـس كيانهم المصطنع فوق أرض فلسـطين، يُحاولون أن يقطعوا هذا الحاضر الفلسـطيني عن ماضيـه السـحيق. وقد اعتمدوا في ذلك أسـاليب ووسـائل عديدة، من سـرقـة للتراث الشـعبي الفلسـطيني وادعاء أنـه "تراث يهودي"، إلى محاولات طمـس هذا التراث... لقد حاولوا وبشـراسـة سـحق تراثنا الشـعبي بل مقوماتـه وعناصره، لأنهم يعرفون ويُدركون تماماً مدى خطورتـه على كيانهم الدخيل...!!!
إن التراث الشـعبي الفلسـطيني يُعتبر بحق إحدى أهم الجبهات في مواجهـة الاحتلال الإحلالي الصهيوني في فلسـطين، وأحد أبرز الخنادق الأماميـة القويـة والمحصنـة في تلك المواجهـة.