دعوة إلى التراث الشعبي (الحلقة الثالثة)مميزات المادة الفلكلورية د. شريف كناعنة مميزات المادة الفلكلورية *
د. شريف كناعنة تطرقنا في الحلقتين السابقتين (العددان 42، 43) إلى الظروف التاريخية التي سببت"الفوضى الفولكلورية" عند الفلسطينيين خصوصاً في الربع الرابع من القرن العشرين، وتوصلّنا إلى أن الفوضى جاءت من سوء فهم بعض المبادئ النظرية لحقل الفلكلور ، وخصوصاً عدم التمييز بين ما هو "رسمي" وما هو "شعبي" من جهة، وما هو "تراثي" أو "غير تراثي" من جهة أخرى، وتوصلنا إلى أن الفلكلور يضم ما هو "تراثي" و"شعبي" وهو أكثر مصطلح عربي مستعمل كمقابل لمصطلح "فلكلور" الغربي والذي كاد يصبح مصطلحاً عالميّاً.
كان الحديث في الحلقة السابقة نظرياً بحتاً وننتقل في هذه الحلقة إلى المستوى العملي التطبيقي. لهذا الغرض نقول إنَّ المواد الفلكلورية تتوفّر فيها مجموعة من المواصفات ولا تتوفّر في المواد غير الفلكلورية. ولا نعني هنا أن هناك صفة واحدة إذا توفّرت في مادة ما جعلتها بالضرورة فلكلوريّة ، أو أن هناك صفة ما إذا غابت من مادة ما مَنَعت حتماً كونها فلكلورية، وإنما يعني أن هناك صفات يجتمع عدد كبير منها عادة في المادة الفلكلورية وكلما زاد عدد مثل تلك الصفات المجتمعة في مادة ما أصبحنا نميل أكثر فأكثر إلى تصنيف تلك المادة كمادة فلكلورية، وعكس ذلك صحيح.
ونذكر هنا عدداً من تلك الصفات:
1- العمومية: أي أن المادة الفلكلورية كي تعتَبر جزءاً من فلكلور مجتمع ما يجب أن تكون معروفة وممارَسة من قِبَل عدد كبير من أفراد ذلك المجتمع وأن تكون منتشرة في جميع أجزاء ذلك المجتمع سواء كان التقسيم جغرافياًَ أو طبقياً أو عائلياً أو غير ذلك من التقسيمات داخل المجتمع، وإذا عُرفت لدى فئة واحدة من المجتمع فهي من فلكلور تلك الفئة وليس المجتمع ككل، فالفلكلور الموجود بين الفلسطينيين فقط ولا يوجد في البلدان العربية الأخرى هو فلكلور فلسطيني وليس عربيًّا.
2- الخصوصية: لكي تُعتبرَ المادة الفلكلورية جزءاً من فلكلور مجتمع ما، يجب أن تكون خاصة بذلك المجتمع أي أن تميّزه عن غيره من المجتمعات، فإذا وُجدت نفس الأغاني مثلاً مثل العتابا في جميع الدول العربية بما فيها فلسطين فهي ليست من الفلكلور الفلسطيني بل العربي.
3- التقليدية: المادة الفلكلورية تكون تقليدية في المجتمع الموجودة فيه، أي تكون موروثة عبر الأجيال، ويشترط البعض انتقالها عبر جيلين على الأقل، أي من الآباء إلى الأبناء، وتزداد إمكانية تصنيف مادة ما ضمن الفلكلور بازدياد عمق الأجيال التي توارثتها.
4- القِدَم: بغض النظر عن عدد الأجيال فإنَّ من صفات الفلكلور القِدَم، ولا يوجد عمر محدد لمادة الفلكلور ولكنَّ قِدَمَ المادةِ يزيد من قَبولها ضمن فلكلور المجتمع. وتتفاعل صفة القِدم طبعاً مع صفات أخرى مثل التقليد وسعة الانتشار.
5- الحياة: بِغَضِّ النظر عن عمر مادة أو عمق الأجيال التي مرّت عبرها تلك المادة لا تكون جزءاً من فلكلور المجتمع إلا إذا كانت حيّة، أي أن أفراد المتجمع يعرفونها ويمارسونها. فإذا اكتشفنا مثلاً في مخطوط قديم نصّاً لأغنية كانت دارجة في فلسطين قبل مائتي سنة ولكن لا أحد يعرفها أو يستعملها اليوم فهذه الأغنية ليست من الفلكلور الفلسطيني الحالي، هذا طبعاً لا يمنع من إعادة التعريف بها واستعمالها من جديد فإذا لاقت قبولاً وأصبح لها انتشار واسع بين أفراد المجتمع الحالي، عندها فقط تعود فتصبح جزءاً من التراث الشعبي الفلسطيني المعاصر.
6- الانتقال الشفوي: قلنا إنَّ الفلكلور ينتقل من جيل إلى جيل، ويكون هذا الانتقال اجتماعياً أي بالتعلُّم والتعليم وليس انتقالاً بيولوجيا بالجينات ومع أن الانتقال الاجتماعي -أي التعلّم- يمكن أن يحدث بعدة طرق منها المشاركة والملاحظة والتقليد والقراءة إلا أن معظم التراث الشعبي ينتقل "مشافهة" أي عن طريق الكلام المنطوق وهناك من يشترطون الانتقال الشفوي معيارًا ضروريًّا في تعريف الفلكلور.
7- الانتقال العفوي: سواء أكان نقل الفلكلور يأتي عن طريق المشافهة أو عن طريق المعانية والملاحظة والتقليد فإنَّ هذا الانتقال عادة يأتي عفوياً عن طريق الممارسات اليومية للفلكلور وليس عن طريق التعليم الرسمي أو التدريس المقصود من قِبَل مؤسسات المجتمع الرسمية. فإذا دُوِّن الفلكلور كتابةً ودخل ضمن المناهج التعليمية فإنَّه يصبح جزءاً من التراث الرسمي وليس الشعبي. فالشعر الجاهلي كان في حينه تراثاً شعبيّاً يتناقله الناس مشافهة أمَّا الآن فنعرف ذلك الشعر من الكتب والمناهج المدرسية فقط وبذلك يكون قد تحول من تراث شعبي إلى تراث رسمي.