اللحوم العضـــوية

من المتوقع ان يزداد الطلب العالمي على الاغذية العضوية
بحيث يرتفع ريعها الى اكثر من 40 بليون دولار امريكي واكثر الدول
طلبا للاغذية العضوية هي الدول ذات الدخل العالي مثل سويسرا وامريكا
وسنغافورة وتستحوز الدول الصناعية السبع الكبرى على 80% من
المعروض من الغذاء العضوي في الوقت الذي تستضيف فيه 12%
من مزارع الانتاج العضوي . ان الدول المصدرة للحوم العضوية تشمل
استراليا والبرازيل ويتجه المنتجون الكبار للتوسع في انتاج اللحوم العضوية
بكل من شيلي ونيكاراجوا.والسودان بحكم ما يملك من موارد زراعية يمكن
ان يطرق باب الانتاج العضوي للحوم وبخاصة في المناطق الخالية من
الأمراض والتي تتوفر بها المياه والاراضي الخصبة الصالحة لزراعة الأعلاف
--------------------------------------------------------------------------------

تغيرت طرق انتاج الأعلاف وتغذية الحيوان اثر النهضة العلمية التي اجتاحت
العالم . و لجأ المنتجون ، لأسباب اقتصادية تتمثل في رفع معدلات انتاج
العلف وبالتالي توفير المزيد من الغذاء للحيوانات ، الى استخدام السماد
الاصطناعي مثل اليوريا والفوسفات لزيادة خصوبة التربة واستخدام المبيدات
الحشرية للحد من التأثير السلبي للآفات الزراعية على الانتاج . وبالمثل
أصبح مألوفا اليوم ولاعتبارات اقتصادية ، مثل زيادة معدل النمو ورفع
كفاءة تحويل الغذاء وتقليل تكلفته و تقليل ترسيب الشحم في الحيوان ، تغذية
الحيوانات على أصناف غير تقليدية من العلف ، مثل البروتين الحيواني من
الحيوانات النافقة والذبائح المستبعدة ، و مخلفات الذبيح مثل وجبة الدم
ومسحوق العظام ، وذرق الدواجن و المضادات الحيوية و الهرمونات .

لقد ثبت أن استخدام هذه التقنيات الحديثة ، في انتاج العلف أو تغذية الحيوانات ،
يعرض صحة الإنسان للخطر .فقد لوحظ عدم استجابة المرضى للعلاج ،
باستخدام المضادات الحيوية ، لأن ادخال المضادات الحيوية لجسم الحيوان
بجرعات أقل من الجرعات العلاجية يؤدي الى ظهور عترات جديدة من
الجراثيم التي تقاوم المضادات الحيوية من بين الجراثيم التي تعيش عادة
في جسم الحيوان . وعند اصابة الانسان بالمرض لاستهلاكه لحوما ملوثة
بهذه العترات ، و لم تطبخ جيدا ، فان المريض لن يستجيب للعلاج باستخدام
المضادات الحيوية. وسجلت حالات للتسمم الحاد و السرطان بعد استهلاك
الانسان للحوم من حيوانات وطيور تناولت أعلاف عولجت بمواد كيماوية
لابادة الآفات الزراعية . ومن ناحية ينتج عن استخدام الهرمونات ، كإضافات
علفية ، بقايا لهذه الهرمونات في لحم الحيوان وروثه. واستهلاك مثل هذه
اللحوم قد يؤدي الى اختلال التوزان الهرموني في الجسم وظهور علامات
البلوغ المبكر في الإناث والتخنث في الغلمان والاجهاض في السيدات
الحاملات والسرطان.
ومن الأمراض التي تعرض صحة الأنسان للخطر مرض جنون البقر .
و يصيب المرض البقر عند استهلاكها لعلف مركب يحتوي على بروتين
حيواني مصدره أغنام مريضة بمرض يصيب الدماغ يسمىScrapie .
وتفقد البقرة المصابة الاتزان والقدرة على الوقوف لأن المرض يؤثر على
خلايا المخ في البقر التي تبدو كقطعة الاسفنج ومنها جاء اسم المرض
باللغة الانجليزية Bovine
Spongiform Encephalopathy (BSE) . و استهلاك الإنسان
للحوم البقر ،المصابة بمرض جنون البقر، يصيبه بمرض قاتل يؤثر على الدماغ
يعرف باسم ( variant Creutzfeldt-Jakob Disease- vCJD ) .
وقد تعرضت صناعة لحوم البقر الأوربية لخسائر مالية فادحة ، نتيجة لظهور
المرض بالمملكة المتحدة عام 1986 وانتقاله لبعض الأقطار الأوربية ، تجاوزت
107 بليون دولار أمريكي.

تفاديا للأخطار الصحية عزف المستهلكون عن شراء منتجات الحيوانات والطيور
التي تتغذى على الأعلاف غير التقليدية في الوقت الذي برز فيه طلب عالمي
متزايد للحوم العضوية المنتجة على العلف التقليدي. ولقد نشطت عدة دول في
إنتاج هذه الصنف من اللحوم و السودان مهيئ لولوج هذا السوق لان طريقة
إنتاج اللحم تتفق مع معظم المعايير والمتطلبات القانونية لإنتاج اللحوم
العضوية حيث تتغذى الحيوانات ، المنتجة للحم ، بصورة رئيسة على المراعي
الطبيعية الخالية من الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية ولا تقدم لها
أعلاف مركبة بها اضافات علفية من المضادات الحيوية او الهرمونات. وهذه
ميزة تفضيلية تنفرد بها اللحوم السودانية لخلوها من هذه السموم الضارة بصحة
الأنسان . ولحوم الحيوانات السودانية ، التي تتغذى على المراعي الطبيعية ،
تستجيب كذلك لمطلوبات سوق عالمي جديد للحوم يعرف باللحوم الصحية
وهي اللحوم لتي تحتوي شحومها على نسبة عالية من الأحماض الدهنية غير
المشبعة (الأوميقا 3) ونسبة أقل من الأحماض الدهنية المشبعة حيث أوضحت
نتائج الأبحاث أن استهلاك الدهون المشبعة يزيد من فرص الإصابة بأمراض
الأوعية الدموية و القلب والعكس صحيح. وتحتوي شحوم الحيوانات التي
تتغذى على الحشائش الخضراء على نسبة عالية من الحمض الدهني أوميقا 3
بينما تحتوي شحوم الحيوانات التي تعتمد في غذائها على الحبوب ،بصورة كبيرة ،
على نسبة عالية من الأحماض الدهنية المشبعة.

والانتاج العضوي للحوم عبارة عن نظام لانتاج اللحم يستطيع اي منتج تبنيه
والحصول على شهادة بذلك تعينه على تسويق منتجه عالميا ومحليا . واللحم
العضوي منتج ذو مواصفات محددة بقانون وينبغي أن يكون المنتج مسجلا
ومفحوصا وموثقا . ويتم الفحص والتوثيق ، بواسطة موثقين قطريين قانونين ،
لكل مرحلة من مراحل الانتاج المتتابعة بدءا بالمزرعة وانتهاءا بوصول اللحم
لطبق المستهلك. إن الفلسفة وراء إنتاج اللحوم العضوية تكمن في رعاية
الحيوان بطريقة تهيئ له الظروف الملائمة ليحقق أسقفه الوراثية في الانتاج
ولممارسة سلوكه الطبيعي .لهذا يهتم الانتاج العضوي للحوم بمنح الحيوان
أعلى درجات الرعاية وعدم تعريضه لان نوع من المعاملة التي قد تؤثر على
سلوكه . وإذا كان ضروريا تأمين ملاذ للحيوان فيجب أن يسمح ذلك براحة
الحيوان وحركته . وتحدد مواصفات إنتاج اللحم العضوي أصناف العلف التي
لا يسمح بتقديمها للحيوان مثل الكبسولات البلاستيكية (كعلف مالئ للكرش)
و محفزات النمو من المضادات الحيوية والهرمونات والمعادن الثقيلة
والأعلاف ذات الأصل الحيواني و ان لا تكون الأعلاف قد أنتجت من
تربة عولجت بالمخصبات الاصطناعية او رشت بمبيدات الآفات الزراعية
الكيمائية. وفي الوقت الذي يمكن فيه علاج الحيوانات المريضة بالعقاقير
الكيمائية فانه لا يمكن تسويق لحومها كمنتجات عضوية . ومن المهم بمكان
ان لا تكون الحيوانات المنتجة للحم محورة وراثيا وان تكون مولودة لأمهات
اطعمت علفا عضويا ، على الأقل ، منذ الثلث الاخير للحمل بها . ويجب
الرفق بالحيون عند الذبح واستخدام الطرق الكفيلة بتخفيف تأثير الذبح على
الحيوان و الفصل تماما بين اللحوم العضوية واللحوم غير العضوية في
مرحلة تقطيع الذبائح . وينصح باستخدم منظفات ومعقمات عضوية في
المسالخ ومصانع اللحوم ويحظر استخدام المنظفات الكيمائية.

لكل من الولاية الشمالية وولاية نهر النيل خصائص ، تميزها عن بقية
ولايات السودان وتؤهلها لاستضافة مشروعات انتاج اللحوم العضوية .
فالانتاج العضوي للحوم يتطلب تزويد الحيوان بالعلف ومياه شرب
الحيوان دون انقطاع ما لا يتوفر عند تربية الحيوانات على المراعي
الطبيعية فقط . ان لمواطني الولايتين معرفة تامة بزراعة الأعلاف
باستخدام السماد الطبيعي لزيادة خصوبة التربة و هنالك مصادر هائلة
لانتاج الكمبوست ، من أوراق الأشجار البستانية والمخلفات الزراعية
الأخرى، الذي يمكن ان يستخدم كسماد طبيعي عوضا عن الأسمدة
الكيمائية. ومن المتوقع ان تتوفر كميات ضخمة من العلف بعد قيام
مشروعات سد مروي الزراعية. ومن الميزات التفضيلية الأخرى الهامة
خلو الولايتان من الأمراض ووجود تحركات محدودة للحيوانات داخل
الولاييتن ما لا يتيح فرصة لانتشار الأمراض والأوبئة ويحد من استخدام
العقاقير الكيمائية في علاج الحيوانات. ومن ناحية فان حركة دخول الابل
من شمال كردفان ودارفور لدنقلا ذات اتجاه واحد ولا تمر بمناطق تجمعات
كبيرة للحيوان . وميزة تفضلية اخرى للولايتين هي قربهما من الأسواق
التقليدية للحوم في مصر وليبيا و الدول الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط .
ان للولايتين امكانيات كبيرة للتحول للانتاج العضوي النباتي والذي يمكن
ان يتكامل مع مشروعات الانتاج العضوي للحوم التي ستستفيد من بقايا
المحاصيل العضوية ومخلفات تصنيع المنتجات الزراعية العضوية في تغذية
الحيوان . و يمكن ان تلعب الولايتان دورا رئيسا في تجهيز (تسمين )
الحيوانات صغيرة السن لانتاج اللحم العضوي من العجول والحواشي
(القعدان ) والجديان والحملان حيث يمكن الحصول على هذه الحيوانات
اليافعة من أمهات ، بغرب السودان ، تعيش على المراعي الطبيعية
بصورة مطلقة.

منقول