المخادعة

فى أحد ضواحى مدينة الفيوم الهادئة حيث أسكن مع عائلتى المكونة من خمسة أفراد ننعم

بالسكينة والعيش الطيب . أبى يعمل مدرساً وكذلك أمى . كعادتنا دائماً نستيقظ فى الصباح الباكر

مع نسمات اليوم الجديد نصلى وندعوا الله أن يكون هذا اليوم يوماً سعيداً ويتأكد هذا بعد سماع

ضحكات أختى الصغير (منة الله) هذا أسمها. التحقت بالمرحلة الابتدائية هذا العام تشاكسنا دائماً

وخاصة فى هذه الأوقات التى لا تحتمل المداعبات فهى لا تعرف فى الحياة إلا اللعب والمرح

ومعاكستنا أثناء حياتنا اليومية ولكن كنا كلنا سعداء بهذه المشاكسات ونضحك عليها كثيراً بشرط

ألا تعوقنا عن ارتداء ملابسنا أنا وأخى (أحمد) التلميذ فى الصف الرابع الإبتدائى أما أنا أكبرهم

فأنا فى الصف الأول الأعدادىفعلى أن أتحمل أخوتى . وكانت تمر على (شيرين) صديقتى

ونمر نحن الاثنان على (ندى) فهما من أعز صديقاتى . آه .. أنى أسمع صوت (شيرين) تنادى

على للذهاب إلى المدرسة وردت عليها من الشرفة ... حاضر شيرين سأنزل حالاً . ونزلت

بسرعة وألقيت عليها السلام ومشينا معاً فمدرستنا قريبة وسنمر فى الطريق على منزل (ندا)

فهو فى الطريق وهنا قالت لى (شيرين) .

- أنا أصبحت لا أطيق السير مع (ندا) فهى دائمة الكذب علينا .

فقلت لها : إنها صديقتنا وبدلاً من مقاطعتها يجب نحاول إصلاحها ونصحها بالكلام الطيب فهذا

هو حقها علينا وحق صداقتنا . وهنا ظهرت ندا أما باب منزلها فهى على ما يبدو منتظرة منذ

فترة وألقينا عليها السلام وبادرتها (شرين) بالكلام .

شيرين : يا ترى ما هى كذبة هذا الصباح يا (ندى) ؟

ندى : أولاً أنا لست بكاذبة .

شيرين : هذه أول كذبة اليوم . هيا هاتى الكذب التالى

ندا : يبدو أننى لن أقــول لكم سبب سهــرى ليلــة

أمس حتى الساعة الثانية صباحاً .

وهنا تدخلت بسرعة حتى لا تقع مشكلة جديدة كالعادة بين شيرين وندا وطلبت من ندا أن تقول لنا

سبب سهرها أمس . وألتفتت لى ندا وقالت .

- أنا خالى جاء أمس من أمريكا فأنتم تعرفون أنه مقيم هناك منذ سنوات ولكنه رجع للاستجمام

بعد إدارته لحملة (بوش) الانتخابية و(بوش) أعطى له طائرته الخاصة وقال له أرح أعصابك

أسبوع فى مصر وتعالى لأنى سأحتاجك الفترة القادمة جداً .

وهنا ألتفتت لها (شيرين) والشرر يتطاير من عينيها وقالت بسخرية .

- ويا ترى خالك لم يوصلك للمدرسة بالطائرة لوجود عطل فيها أم.. ذهب ليشترى لها البرسيم .

وردت عليها (ندى) بعنف البـرسيم هذا فطــورك أنت يا .. وهنا تدخل صوت الأستاذ عبد

التواب مدرس التاريخ وهو يقول: بسرعة يا بنات الجرس خلاص . أخيراً وصلنا إلى المدرسة

ودخلنا مسرعين وكان ذلك حلا لمشكلة كبيرة كادت أن تشعل الدنيا من حولى فهما هكذا دائماً

كالماء والنار لا يتفقان رغم حبهما لبعضهما البعض أقصـد طبعاً( ندى ) و ( شيرين ) ف

( ندى ) دائمة الكذب و(شيرين) لا تطيق سماع أكاذيبها مثلى لكنها كانت على عكس مني فأنا

كنت أحاول إصلاحها باللين و(شيرين) كانت تصدها بعنف مما كان يسبب الخصام بينهما وكان

على فى كل مرة أصلح بينهما . أه ... نسيت أن أذكر لكم أن (ندا) كانت تغش فى الامتحانات

حتى إمتحانات التجربة حتى لو كانت تعرف إجابة السؤال فهى مريضة بالغش وتعتبره ميزة

وشطارة وكانت دائمة التفوق علينا فى درجات الامتحانات مما كان يثير غضب (شيرين) فهى

تعرف مصدر هذه الدرجات وكما كان الحال فى المرحلة الإعدادية كان كذلك فى الثانوية فنحن لم

نفترق نوعاً ما إلا فى المرحلة الجامعية (ندا) دخلت كلية الهندسة و(شيرين) كلية طب الأسنان

وأنا طب بشرى وكان يضمنا حرم جامعى واحد فكنا نتقابل مصادفة فى الكافيتريا بين

المحاضرات وكنا على صلة تلفونياً معاً وكانت تصلنى بعض أخبار صديقتى ( ندا ) عن طريق

بعض صديقاتى من كلية الهندسة فكم كنت أحزن عندما أعلم بأن زميلاتها الجدد قد أطلقــــوا

عليها بعض الألقــاب مثل ( الغشاشة – ندا الكذوبة – أبو لمعة ) وعلمت أيضاً إنها غير

محبوبة من معظم زميلاتها وقد نصحتها أكثر من مرة ولكنها كانت لا تكترث لكلامى ورغم ذلك

فهى تنجح كل عام بتفوق بطرقها الخاصة طبعاً الغير مشروعة عن طريق الغش والخداع .

وتخرجنا أنا و(شيرين) و(ندا) فى نفس العام وقررنا أن نحتفل بهذا النجاح فدعوتهما إلى منزلى

حيث كان أبى يقيم احتفالا أسرياً صغيراً لنجاحى . ولم يمانع أبى أن تحضر صديقتاى ونحتفل

سوياً بالنجاح . وأثناء الاحتفال بدأت( ندا) تتكلم بطريقة غريبة علينا فيها غرور وتعالى وتزهو

بتقديرها فهى قد حصلت على امتياز أما أنا و(شيرين) فقد حصلنا على جيد جداً ولكن نحن

نعرف مالا يعرفه أبى وأمى المعجبين ب(ندا) جداً وتفوقها وتقديرها الرائع حسب وصفهم لها .

وبدأت هى فى إغاظة (شيرين) .

ندا : يا ترى عرفتِ الآن من هو الأفضل يا (شيرى)؟

شيرين: يا (ندا) أنتِ تعلمين وأنا أعلم ولا داعى للكلام

ندا : تأكدتِ إننى على حق وأصبحت أحسن منكما ؟


شيرين: وليكن ما يكون أنا مازلت عند رأيى أنتى خطأ .

ندا : حتى لو علمتِ بأننى مرشحة لأكون معيدة وأمامى عروض كثيرة من

مكاتب استشارية هندسية كبيرة تتمنى أن أوافق للعمل معهم .

وهنا تدخلت بسرعة .. هيه.. يا جماعة مبروك يا (ندى) مبروك يا (شيرين) أنتم ستفسدون

هذه الليلة الجميلة بأمور الصغار المهم يا بنات إننا نجحنا كلنا هذا هو المهم . وبعد مرور عام

ألتحقت أثنائها بالعمل كطبيبة فى المستشفى القريب من المنزل وكذلك شيرين وأصبحنا نتقابل

كثيراً وكنا نذهب إلى المستشفى معاً ونعود معاً كسابق عهدنا أيام الدراسة وقد علمنا من (ندا) أنها

قد ألتحقت بالعمل بأحد المكاتب الاستشارية الكبرى بالقاهرة إلى أن جاء اليوم المشهود . وأثناء

انتظارى لشيرين أمام قسم الأسنان حتى نعود إلى منازلنا بعد ساعات عمل مرهقة وجدتها تجرى

نحوى مهرولة وهى تبكى بحرقة وفى يدها جريدة . فانزعجت من منظرها هذا ولكنها بادرتنى

بالكلام وصوتها متحشرج من فرط الانفعال والبكاء وتقول : هل رأيتِ هذه المصيبة . وهنا

حاولت أن أهدأ من روعها حتى أفهم ما حدث فقالت لى أنها وجدت هذه الجريد مع أحد الزوار .

وردت عليها :طيب وما المشكلة فى هذا . الجرائد غير ممنوعة هنا

قالت : لفت نظرى وجود صورة ل(ندى) فى الجريدة واستأذنت الرجل لأقرأ المكتوب عنها .

فقاطعتها: هذا شئ جميل أن تكون لنا صديقة صورها منشورة فى الجرائد يا ترى ما المكتوب عنها؟



وهنا أجهشت شيرين بالبكاء أكثر مما أثار قلقى الشديد وخطفت الجريدة من يدها ومع أول سطر

وجدت نفسى أصرخ بلا وعى . لا حول ولا قوة إلا بالله . يا ساتر يا ساتر . مش ممكن . أكيد

هناك خطأ . مش ممكن . وهنا تذكرت ما رأيته من منظر بشع ليلة أمس فى التلفزيون فى نشرة

الساعة التاسعة مساءاً حيث طلعت علينا المذيعة بخبر عن إنهيار برج سكنى جديد لم يمضى على

تسكينه شهر واحد . إذن (ندا) كانت المسؤلة عن بنائه كمهندسة . وأخذت أقرأ بسرعة المكتوب

عنها . إن التقرير الفنى يقول أن المهندسة المسؤلة لم تراعى أدنى مواصفات الرسوم الهندسية أو

البناء وأنها كانت تجهل هذه القواعد رغم أنها كانت من الخريجات المتفوقات . هذا ما كتب فى

الجريدة وأكثر من ذلك . وهنا أخذت (شيرين) بين زراعى أهدأ من روعها وأهدأ من روعى أنا

أيضاً . فقد أصبحت



( ندا ) الآن وراء القضبان تواجه مصيراً مجهولاً فلم تنفعها الشطارة فى الغش ولا الفهلوة كما

كانت تحب أن تقول هى . وهذا فى الدنيا وأما فى الآخرة فأين ستذهب وكل هؤلاء الضحايا

الأبرياء فى رقبتها أطفال وعجائز وشباب . كيف ستقابل الله وكل هؤلاء الضحايا وهى السبب فى

موتهم والمستشفيات التى أمتلأت عن آخرها بسبب الغش . نسأل الله لها المغفرة والسماح فهو

التواب الرحيم.

وأخذت عهداً على نفسي أن أحكى هذه القصة لمن بعدى وأوصيهم بأن يحكونها لمن بعدهم إلى أن تقوم الساعة .

[ بدأت ]

ههههه بارك الله فيك