من الأحرف المشبهة بالفعل، تنصب الاسم وترفع الخبر. (انظر الأحرف المشبهة بالفعل) وقد تُحذَفُ لامها الأولى، فيقال: [علَّ] وهي لغةٌ فيها. ولها معانٍ أشهرها التوقّع، وهو تَرَجِّي ما يُحَبّ، نحو: [لعلّ المغتربَ راجعٌ]، والإشفاقُ مما يُكرَه، نحو: [لعلّ الصَديقَ قليلٌ]. يكثر اقتران خبرها بـ [أنْ]، نحو: [لعلّ المسافر أنْ يعود].
نماذج فصيحة من استعمال [لعلّ] قال صخر بن جعد [1]: فقلتُ عساها نارُ كأسٍ وعَلَّها تَشَكَّى فآتي نحوَها فأعودُها (كأس: اسم امرأة، وتَشَكّى = تَتَشكّى). [عَلَّ]: هي [لَعَلَّ]، حُذِفت لامُها الأولى، وهي لغة فيها. ويَكثر على ألسنة الناس قولهم: [علّ وعسى]. وقال امرؤ القيس (الديوان /107): وبُدِّلْتُ قَرحاً دامياً بعدَ صِحَّةٍ لعلَّ منايانا تَحَوَّلْنَ أَبؤُسا [لعلّ]: خبرها في البيت هو جملة الفعل الماضي: [تحوّلن]، وقد كان بين الأئمة نزاع حول مجيء خبر [لعلّ] ماضياً. والبيت شاهد على صحة ذلك. وأمّا مجيء خبرها فعلاً مضارعاً، فمنه قوله تعالى: ]وما يُدريك لعلّه يزّكّى[ (عبس 80/3) وقوله: ]لعلّه يتذكّر أو يخشى[ (طه 20/44) قال جميل بثينة [2]: أتَوني فقالوا: يا جميلُ تبدَّلَتْ بُثينةُ أبدالاً، فقلتُ لعلّها الأصل: [لعلّها فعلت ذلك]، لكن الشاعر حذف الخبر لدلالة السياق عليه. وحذْفُ ما يُعلَم جائز. قال العُجَيْر السَّلُولِيّ (الإنصاف /122): لكَ الخَيْرُ علِّلْنا بها، علَّ ساعةً تمرُّ وسِهْواءً من الليلِ يذهبُ (السِّهواء: ساعةٌ من الليل، أو صدرٌ منه). [علّ ساعةً تمرّ]: حذَف الشاعر اللام الأولى من [لعلّ]، وحذْفها لغة فيها. ويلاحظ أنّ الخبر - وهو جملة [تمرّ] - فِعْلُه مضارع على المنهاج. على حين يجوز أن يكون ماضياً، وإن كان قليلاً. وقال نافع بن سعد الطائيّ [3]: ولستُ بلوّامٍ على الأمر بعدما يفوت، ولكنْ علَّ أن أتقدّما في البيت مسألتان، الأولى أنّ الشاعر حذف اللام الأولى من [لعلّ]، وذلك لغةٌ فيها. والثانية أنّ خبرها اقترن بـ [أنْ]، وذلك في الاستعمال كثير، ومنه قول كثيّر عزّة [4]: أقول إذا ما الطيرُ مَرَّتْ سحيقةً لعلّكَ يوماً - فانتظرْ - أن تنالها
لكنْ
لكنْ: حرفٌ يقع بين نقيضين أبداً، ويفيد الاستدراك أبداً. وهو حرفُ عطف، بشروط ثلاثة: أن يكون المعطوف بعده مفرداً لا جملةً، وأن يسبقه نفي أو نهي، وألاّ يقترن بالواو. مثال ذلك: [ما شربتُ اللبنَ لكن الماءَ] [5]. فإذا تخلّف أحدُ هذه الشروط الثلاثة (أي: تلته جملة، أو اقترنت به الواو، أو لم يسبقه نفي أو نهي) كان حرفَ ابتداء واستدراك، يدخل على جملة، نحو: [نعملُ صباحاً ولكنْ نَقِيلُ ظُهراً](2)، وتكون الواو في هذه الحال هي العاطفة. نماذج فصيحة من استعمال [لكنْ] قال زهير بن أبي سُلمى: إنّ ابنَ وَرْقاءَ لا تُخشَى بَوادِرُهُ لكنْ وَقائِعُهُ في الحرب تُنْتَظَرُ [لكنْ وقائعُه تُنتظَر]: لكنْ في البيت حرف ابتداء، إذ تلتها جملة هي: [وقائعه تنتظر]. ومجيء جملةٍ بعدها، يوجب اعتدادَها حرفَ ابتداء، ويمنع من اعتدادها حرفَ عطف. (شروط العطف: ألاّ تتلوها جملة، وألاّ تقترن بالواو، وأن يسبقها نفي أو نهي). قال الشاعر [6]: وليس أخي مَنْ وَدَّنِي رأيَ عيْنِهِ ولكنْ أخي مَنْ وَدَّنِي وهو غائبُ [ولكنْ أخي مَنْ….]: لكنْ في البيت حرف ابتداء، إذ اقترنت بها الواو، واقترانها بها أوجب اعتدادَها حرفَ ابتداء، ومَنَع مِن اعتدادها حرفَ عطف. (شروط العطف: ألاّ تتلوها جملة، وألاّ تقترن بالواو، وأن يسبقها نفي أو نهي). ومن ثمّ تكون الواو في هذه الحال حرف عطف، يعطف جملة على جملة. [عطفت هنا جملةَ: (لكن أخي مَن…) على جملةِ: (ليس أخي مَن…)]. هذا، وحتى لو أسقطنا الواو - جدلاً - وأغفلناها، لظلّ في البيت مانعٌ آخر يمنع مِن أن تكون [لكنْ] حرف عطف، وهذا المانع هو مجيء جملة بعد [لكن]، فيَحْتِم اعتدادها حرف ابتداء. ومثل ما تقدّم طِبقاً، قول الشاعر: إذا ما قَضَيت الدَّينَ بالدَّينِ لم يكن قضاءً، ولكنْ كان غُرْماً على غُرمِ فقد اقترنت [لكن] هاهنا بالواو أيضاً، فالواو إذاً هي حرف العطف، وأما [لكن] فحرف ابتداء. وذلك أنّ اقترانها بالواو يمنع مِن اعتدادها حرفَ عطف. (شروط العطف: ألاّ تتلوها جملة، وألاّ تقترن بالواو، وأن يسبقها نفي أو نهي). ودعْ عنك أنّ في البيت مانعاً آخر يمنع مِن أن تكون [لكنْ] حرف عطف، وهو مجيءُ جملةٍ بعدها، فيَحْتِم اعتدادها حرف ابتداء. قال تعالى: [ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكنْ رسولَ الله] [7] [ولكنْ رسولَ الله]: اقترنت [لكنْ] بالواو، فالواو إذاً عاطفة، و[لكن] حرف ابتداء واستدراك، وبعده جملة، على المنهاج، أي: ولكن كان رسولَ الله.
لكنّ
حرف مشبّه بالفعل - من أخوات إنّ - ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، ويفيد الاستدراك. نحو: [حضر خالدٌ لكنّ سعيداً غائب]. (انظر الأحرف المشبهة بالفعل) إذا خُفِّفت أو اتصلت بها [ما] الزائدة بطل عملها نحو: [سافر زهيرٌ لكنْ خالدٌ مقيمٌ] و [حضر الطلاب لكنّما سعيدٌ غائبٌ]. نماذج فصيحة من استعمال [لكنّ] قال امرؤ القيس: ولكنّما أَسْعَى لِمجدٍ مُؤَثَّلٍ وقد يُدْرِكُ المجدَ المُؤَثَّلَ أَمْثالِي [لكنّما]: اتّصلت [ما] الزائدة بـ [لكنّ] فبطل عملها وزال اختصاصُها بالدخول على الأسماء. ومن هنا أنها دخلت على فعل: [أسعى]. ولهذا تقول كتب النحو: [لكنّما: كافّة ومكفوفة]، يريدون بذلك أنّ [ما] كَفَّتْ، و [لكنّ] كُفَّت، فالأولى كافّة، والثانية مكفوفة. قال الشاعر: إنّ ابنَ ورقاءَ لا تُخشى بوادرُه لكنْ وقائعُه في الحرب تُنتَظَرُ [لكنْ] مخففة من [لكنّ]، ومتى خُفِّفت بطل عملُها. فـ[وقائعه] مبتدأ، وجملة [تُنتظر] خبر. قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب [8]: وعَيْنُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ولكنّ عينَ السخطِ تُبدِي المَساوِيا [لكنّ]: جاءت في البيت - على المنهاج - عاملةً عمل الأحرف المشبهة بالفعل، فقد نصبت كلمةَ [عين] اسماً لها، وخبرها جملة [تبدي] في محلّ رفع. لَمْ
لَمْ: حرفٌ يجزم الفعل المضارع، وينفيه، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي. نحو: [لَمْ يَلِدْ ولم يولَد] [9]، [ألَمْ نشرح لك صدرك] [10]. ---- لَمّا
لَمّا: على وجهين: الأول: حرفٌ يجزم الفعل المضارع، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي، وينفيه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، نحو: [حضر المدعوّون ولمّا يحضر خالدٌ]. الثاني: ظرف زمان معناه [حين] [11]، تدخل على فعلٍ ماض، وتقتضي جواباً يكون فعلاً ماضياً، أو جملة اسمية مقترنة بـ [إذاْ] الفجائية. فالأول نحو: ]فلمّا جاء أمرنا نجّينا صالحاً] ( [12] والثاني نحو: ]فلمّا جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون] [13]. وقد يتقدم عليها جوابها نحو: [أكرمته لمّا زارني = لمّا زارني أكرمته]. نماذج فصيحة من استعمال [لمّا] [بل لمّا يذوقوا عذاب] [14] [لمّا يذوقوا]: لمّا، حرفٌ يجزم الفعل المضارع، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي، وينفيه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، فيكون المعنى: لم يذوقوا عذابي حتى وقت نزول الآية. وكان المضارع قبل الجزم: [يذوقون]. قال الممزّق العبديّ [15]: فإنْ كنتُ مأكولاً فكنْ خيرَ آكلٍ وإلاّ فأَدْركْني ولمّا أُمَزَّقِ [لمّا أُمَزَّق]: لمّا، حرف جازم ينفي ما يجزمه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، فيكون المعنى في البيت: لم أُمزَّق حتى وقت النطق بهذا الكلام. [فلمّا نجّاكمْ إلى البرّ أعرضتم] [16] [لمّا نجّاكم… أعرضتم]: لمّا، في الآية ظرفية (حينية)، ومتى كانت ظرفية دخلت على فعلٍ ماض، واقتضت جواباً يكون: إما فعلاً ماضياً كما في الآية، وإما جملة اسمية مقترنة بـ [إذاْ] الفجائية. ومثل ذلك طِبقاً قوله تعالى: [فلمّا جاء أمرنا نجّينا صالحاً والذين آمنوا معه] [17] فهي هنا أيضاً ظرفية، والفعل بعدها ماض، وجوابها ماضٍ كذلك. [فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يُشرِكون] [18] [لمّا نجّاهم… إذا]: لمّا، ظرفية (حينية)، ومتى كانت ظرفية دخلت على فعلٍ ماض، واقتضت جواباً يكون: إما جملة اسمية مقترنة بـ [إذاْ] الفجائية، كما في الآية، وإما فعلاً ماضياً. ومثل ذلك طِبقاً قولُه تعالى: [فلمّا جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون] [19]