الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 عبقرية طه حسين

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الوتر الحزين
شخصيات هامة
شخصيات هامة
الوتر الحزين

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 18803
عبقرية طه حسين 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : عبقرية طه حسين 111010
العمل : عبقرية طه حسين Unknow10
الحالة : عبقرية طه حسين Yragb11
نقاط : 32610
ترشيحات : 121
الأوســــــــــمة : عبقرية طه حسين 112

عبقرية طه حسين Empty
مُساهمةموضوع: عبقرية طه حسين   عبقرية طه حسين I_icon_minitime2/3/2010, 23:27

للأسف كثرت الأقلام المتطاولة على علم من أعلام مصر وتاريخ مصر ، رجل كان له دور
محوري في تحديث مصر وبناء تعليم مصر رجل لو كان لشخص في تاريخ مصر أن تحمل جامعة
إسمه لكان الدكتور طه حسين رائد عملية تحديث التعليم وإخراجه من قمقم القرون الوسطى
إلى رحابة البحث العلمي والتفكير الأكاديمي المنظم ثاني اثنين أولهما قاسم أمين
رائد مشروع الجامعة المصرية وتحرير المرأة.
طه حسين رجل تدرك تلك القلام التي
راحت تنهش سمعته وتلعنه وتكفره أنه غرس غراس العلم المنظم الأكاديمي ووطد منهجه
وأطلق طاقات العقل المعطلة المنشغلة بالكتب الصفراء في مصر ومن ورائها العالم
العربي ، رجل يكفيه شرفا أنه حقق حلمه وحلم المصريين الفقراء المعدميين عندما أقدم
على أهم انجاز في التاريخ الحديث لمصر نعم يا سادة أهم أنجاز لأن من يعرف قدر العلم
وقيمته لا يملك إلا أن ينحني إجلالا وإكبارا لطه حسين الرجل الذي وقع قرار مجانية
التعليم في مصر.
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده و سعد زغلول وقاسم أمين ود.طه
حسين وآخرين اسماء ذهبية امتدت في النصف الأول من القرن العشرين أسماء كانت وستظل
رغم حقد الحاقدين أعلاما ترفرف في سماء الأمة أعلام لا تاريخ إلا بهم لأن هؤلاء هم
تاريخنا الحقيقي المشرق .

طه حسين المفترى عليه أبدا، لك أن تتساءل عزيزي القارئ لماذا طه حسين بالذات؟

لأن طه حسين هذا الرجل الضرير استطاع بعبرقيته أن يخترق فضاء الجهل والتخلف
والمرض ، ولأن طه حسين دق المسمار الأساس في نعش معقولية القرون الوسطى ليفتح باب
النور مشرعا في وجه الأجيال التالية على العلم الحديث ويغلق إلى الأبد باب الظلمات
، ومهما حاولت قوى الظلام أن تنال من المعلم الدكتور طه حسين فإنها لن تزيد إسمه
إلا بريقا ولن تزيد أسماءها وإن تعلقت بثوب طه حسين إلا هبوطا واسفافا وإرهابا.



إقرأ عزيزي القارئ لترى أن من يهاجم طه حسين هو نفسه الذي يكفر كل
عباقرة ومبدعي مصر بدأ بأم كلثوم وليس انتهاء بنجيب محفوظ ، لذا ليس غريبا أن تهاجم
هذه الأقلام بالذات طه حسين ، هذه الأقلام التي لا ترى في عباقرة ورجالات مصر
والأمة العربية إلا خونة من محمد عبده إلى سعد زغلول إلى قاسم أمين إلى النحاس وعبد
الناصر إلى كتاب الأدب والرواية والمسرح ورواد السينما وأساتذة وأعمدة المؤسسات
الأكاديمية والملحنين العظام والمطربين لا ترى فيهم إلا كفرة زنادقة
عملاء وطابور خامس !!!!
ومن هم العباقرة في عرف هؤلاء
طبعا لا يمكن أن يكون
الرجل الذي هجر الأزهر أيامها رافضا منهج التلقين وفي الإعادة إفادة وممنوع أن
تحاور أو تفكر أو تناقش ، الرجل الذي فتح عقله لمناهج الفكر والفلسفة وحمل على
اكتافه هموم وطنه ليتلقى بجسده النحيل وبصره الضرير أعلام علماء عصره في السوربون
ويذهلهم بنبوغه وصبره وجلده منقطع النظير لا يمكن أن يقارن هذا الإنسان بابن لادن
مثلا ، الرجل الذي تصدى لكرامة الجامعة ورفض توزيع شهادات الدكتوراة الفخرية ولقي
في سبيل ذلك ما لقي لا يمكن مقارنته قطعا بمن أفتى في الجزائر بأن كل من ليس معنا
فدمه حلال وأن الانتخابات الديموقراطية حرام شرعا.
عزيزي القارئ سندع هؤلاء
وشأنهم الآن ، فأنت تعلم علم اليقين كيف يفكر هؤلاء وماذا يريدون ، وسنلتفت في هذه
السلسلة بدأ بالحلقة القادمة إلى سيرة الدكتور طه حسين، لنتذكر معا من هو طه حسين
وما دوره وأهميته ونتعلم كيف تمثلت في هذا الانسان المصري العبقري الخارج من طين
الأرض مقولة مصطفى كامل لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.


ولد طه حسين في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة الكيلو التي تقع على مسافة
كيلومتر من مغاغة بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط. وكان والده حسين عليّ موظفًا
صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر، يعول ثلاثة عشر ولدًا، سابعهم طه حسين.
فقد
طه حسين بصره على أثر إصابته بالرمد وبفعل الجهل والعلاج الخاطئ تطور الرمد إلى أن
فقد طه حسين بصره، واستكان صدر الطفل الصغير المقبل على المجهول حزن صامت عميق على
حد تعبيره " ذلك أنه سمع اخوته يصفون ما لا علم له به فعلم أنهم يرون ما لا يرى"،
إذن خطا الطفل طه خطواته الأولى في الحياة نحو المجهول مكبلا بفقد بصره محاطا بجهل
عرمرم يعم مصر ويئدها وأدا ، حمل طه شعورا عميقا بالظلم وذي الحاجة الخاصة أشد
احساسا بعاهة مجتمعه من حسها بها.

تناول طه الطفل يوما لقمته بكلتا يديه
ودفعها للصحن ثم لفيه فضحك منه إخوته واجهشت امه بالبكاء ، وقال والده بحزن ما هكذا
يا طه تؤخذ اللقمة ، ولم يدري طه كيف نام ليلته وألزم طه الجبار نفسه أن لا يأكل
أمام أحد أبدا شيء مما يؤكل بملعقة وما أن غادر لفرنسا حتى منع نفسه من الأكل أمام
أي كان حتى أعادته زوجه الانسانة عن هذه العادة ، وكم من طلسم في نفس طه فكته تلك
الانسانة التي عرفت كيف تداوي جراح طه حسين الانسان وآلامه ، لذلك كتب طه حسين فيما
كتب كيف أنه وعى تماما شعور أبي العلاء المعري وهو الضرير حين أكل دبسا فأتى منه
شيء على ثوبه فأضحك منه طلبته فما كان من أبي العلاء إلا أن حرمه على نفسه أبد
الدهر!

تعلم طه حسين حسن الاستماع بسبب اعاقته التي اقعدته عن ملاعبة
أترابه فكان يكثر الجلوس منصتا لمجالس أبيه ومجالس أمه دون أن يتدخل فما كان ذلك
بمسموح به لمن في مثل سنه، بل كان طه يجلس أذنا منصتة وعقل يعمل خلفها فيما ينظر له
كما مهملا ضريرا ضعيفا لا يحال له بصر ، وجل ما يأمله له أبواه أن يصبح الشيخ
الأزهري طه حسين ، لكن النفوس الكبار أبت إلا أن تسطر اسم طه حسين بحروف من مجد في
جبين التاريخ.
تأثر طه الطفل بما سمع وحفظ جل ما سمعه من أشعار التي تنشد أخبار
الهلاليين والزناتيين، ويتذكر طه فيما يتذكر أن غناء أخواته ما كان يحرك حسه لأنه
كان خاو من الحس ، بينما كان يهزه هزا عنيفا ويؤثر فيه تعديد أمه حين تحط الأحزان
رحالها في نفس أمه فتأخذ شأن المصريات من نساء القرى في ذلك الزمان تعدد وربما يصل
بها الأمر حد البكاء المر.

وجد طه في انشاد المتصوفة والدراويش وحلقات
الذكر التي كانت تدور رحاها في قريته خاصة في شهر رمضان سلواه حتى أنه حفظ جل ما
سمعه من الاذكار إلى جانب ما حفظه من القصص والاشعار والأوردة والأدعية وأناشيد
المتصوفة حفظ القرآن الكريم كله وهو ابن تسع.
ويروي الدكتور طه حسين قصة ذلك
الشيخ المعلم شيخ الكتاب الكذاب الذي قرأ القرآن عليه ، ذلك أنه حين أعاده عليه بعد
أن نسيه قال لأبيه " اقسم بالله ثلاثا ما نسيه ولا أقرأته وانما استمعت له القرآن
فتلاه كالماء الجاري لم يقف ولم يتردد" وكان صاحبنا يستمع لمقولة شيخه وغليظ قسمه
وهو مقتنع يقينا أن سيدنا كاذب أشر، بل أن سيدنا هذا طلق زوجه أمام أبا ه في مرة
طلاقا مثلثا إن لم يكن طه يقرأ عليه من القرآن اجزاء ست وما كان صاحبنا فاعلا ، تلك
أول صورة نمطية وقعت في وعي طه حسين لنموذج المنلقن المعلم شيخ الكتاب الذي ظل هو
الصورة النمطية المقيتة التي لازمت طه وقمعته في الأزهر فيما بعد نسخة مشوهة مكرورة
منذ القرون الوسطى.

حفل طه بادئ الأمر بلقب الشيخ الذي خلعه عليه أهله
وشيخه ، لكنه ما لبث أن زهد به فالشيخ في ذهن طه الصغير كان لقب يستوجب الجبة
والقفطان أما وأن مشيخته ما استتبعت جبة وقفطانا فما لبث أن زهد اللقب ثم كرهه وعف
عنه.
واشترط عليه أخوه حتى يصحبه للقاهرة أن يستظهر ألفية ابن مالك ويستذكر
مجموع المتون وأن يبدأ بحفظ الألفية كما درج طلبة العلم في العالم الاسلامي منذ
قرون طويلة فإذا حفظها حفظ من مجموع المتون اشياء غريبة تحمل تسميات كالجوهرة
والخريدة والسراجية ولامية الأفعال...الخ وكان الحفظ يقع من طه كما يصف موضع الزهو
بما حفظ لأنه لم يكد يدرك لهذه الألفاظ الرنانة معنى ، لكنه كان يرددها مطمئنا إلا
أنها تعني العلم كيف لا وديدن الأزهر أن يتخذها أمهات للكتب وأبوابا للعلم، ألم ينل
أخوه العالمية لأنه حفظها فصار عالما فهي العلم إذن!
كان للألفية منزلة خطيرة
فهي التي أخذ يختلف بها إلى الكتاب مزهوا على أقرانه وهي ساعة إذ تعدل في نفسه ونفس
من في الكتاب كل المصاحف كيف لا وكل أترابه يحملون المصاحف أما هو فيحمل الألفية
وما أدراك ما الألفية .
وكم كانت منزلة أخاه العلمية بين أهل القرية تهزه وتمثل
طموحا بذاته كيف لا وقد كان الناس يختلفون إليه يستمعون حديثه وكلامه وكأنه المجود
المرتل الذي لا يربوا له الشك!

لم تكن القاهرة التي سيقصدها طه حسين في
ذهنه إلا الأزهر وسيدنا الحسين والسيدة زينب وغيرهما من أولياء الله الصالحين
.

كان يوما من أيام الخريف في عام 1902 ، حمل
القطار طه حسين برفقة أخيه ليجاور في الأزهر الشريف ، وما هي إلا سويعات يجد عقبها
طه حسين نفسه مصلياً الجمعة في الأزهر ، ويذكر لنا أنه ما خلا الراءات والقافات
الفخمة ما وجد فرقا بين خطبة الخطيب هنا وخطبته في بلده فهي هي كما
تعودها.

سأله أخوه عن رأيه في درس القراءات والتجويد فأباه وقال بل أريد
العلم ، وكان العلم في حدود ما نما لمعرفة طه الفقه والنحو والمنطق والتوحيد، وما
أن استقر طه بجوار عامود من أعمدة الأزهر ومسه بكفه حتى ابتدره قول أبيه له: " إني
لأرجو أن أراك صاحب عامود في الأزهر" وما أن جلس طه لأول حلقات المشايخ حتى اهتزت
نفسه أسفاً ويصف شعوره ذاك بأنه "كان قد اسقط العلم في عينه فاحتقر العلم!" ذلك أن
الشيخ المحدث ما أن بدأ حتى وصل قوله "ولو قال لها أنت طَلَاقٌ أو أنت ظَلَامٌ أو
أنت طَلالٌ أو أنت طَلاةٌ ، وقع الطلاق ولا عبرة بتغير اللفظ ، فاهم يا أدع – يعني
جدع-" .

يكتب طه حسين ذلك وابنته في حجره يسلى عنها بقصة أوديب الملك ويختلف
لذهنه بين هنيهة وأخرى الفتى القاصد العائد للأزهر ومنه ، نحيلا شاحب اللون فقيراً
معدماً ، زري الهيئة ليستمع لشيخه يقول له "ولو قال لها أنت طَلَاقٌ أو أنت ظَلَامٌ
أو أنت طَلالٌ أو أنت طَلاةٌ ، وقع الطلاق ولا عبرة بتغير اللفظ ، فاهم يا أدع " ،
يتذكر كم يلقى الأزهري من مشقة في سبيل ما يحصل وكيف أنه يعيش على خبز الأزهر الغني
بصنوف من القش والحشرات والحصى شهوراً يتذكر كيف أن الأزهري من أهل الريف يجاهد
ويلقى من شظف العيش ما يصعب اليوم أن نتخيله مهما بلغ بنا ضيق ذات اليد وفقر الحال
ليحصل علماً أو ما كان يعرف بأنه العلم وما أن ينهي سنته ويقفل عائداً حتى يجلس
لوالديه محدثاً بنعيم كاذب ورغد عيش مزعوم لأنه أيضاً مطالب بأن لا يقلقهما ويثير
شفقتهما وشعورهما بالعجز.

كان طه مقبلا على الدرس بظمأ رهيب يصفه قائلاً "
كان له شعور غامض بأن العلم لا حد له وبأن الناس قد ينفقون حياتهم كلها ولا يبلغون
منه إلا أيسره . وكان يريد أن ينفق حياته كلها وأن يبلغ من هذا العلم أكثر ما
يستطيع أن يبلغ مهما يكن يسيراً. وكان يسمع من أبيه الشيخ ومن أصحابه من أهل العلم
أن العلم بحر لا ساحل له .... وأقبل إلى القاهرة وإلى الأزهر يريد أن يلقي نفسه في
هذا البحر فيشرب منه ما شاء الله له أن يشرب ثم يموت فيه غرقاً. وأي موت أحب إلى
الرجل النبيل من هذا الموت الذي يأتيه من العلم ويأتيه وهو غريق في
العلم!"

كم هو رائع أن يلقى الانسان فعلاً هذا المصير يأتيه الموت من العلم
ويأتيه وهو غريق في العلم ، تحضرني هنا بإلحاح جنة سقراط أبو الفلاسفة والمعلم
الأول حين حكم بالإعدام فقبله ورفض الهروب عنه كما أراد مريدوه فسألهم لماذا حكمت
أليس لرأي رأيته؟! فماذا بالموت إذن إما نوم هو راحة للنفس من شقاء مضطهدي وإما هي
جنة الله حيث تخلو لكل عقل تريد تحاوره حراً فلا تعدم ولا تكفر، تتداخل هذه النماذج
من البشر الذين كبرت نفوسهم وملأها حب المعرفة وتتبع الحقيقة واستجلائها ، وهل أعظم
من العلم مقصداً وغاية وبما ميز الله آدم على ملائكته؟ أليس بأنه علمه الأسماء
؟
يصف طه المكرور المكرور الذي يستفتح به ويعاد ولا يزاد من درس " بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله ونفعنا بعلمه آمين.....".

بدأ
طه دروسه فوجدها يسيرة الفهم وبدأ بالحديث فكان يفهم بجلاء ما يلقى عليه ولا ينكر
منه على حد وصفه " إلا تلك الأسماء التي كانت تساقط على الطلبة يتبع بعضها بعضا
تسبقها كلمة حدثنا وتفصل بينها كلمة عن". وما كان طه حافلاً لا بالعنعنة ولا
المعنعن عنهم وإليهم ولا بتفسير الشيخ وإنما بالمتن نفسه ، وكانت عبارة واحدة تعني
أن الدرس انتهى في الأزهر دائماً وهي والله أعلم، فيفهم صاحبنا أن الشيخ
انتهى.

كان طه الصبي يقاد إلى حجرته بعد الظهر ليجلسه أخوه على حصيرته فيها
ويغادره فيقضي طه ساعات وساعات وحيداً مهملاً بلا أنيس أو خليل ولأن نفسه كانت
عزيزة فما كان يشكو ليقضي في هذه الحال ما شاء الله له أن يقضي حتى يأتي المساء.

بعد أيام من اختلاف طه حسين للأزهر مجاورا ، اخبر باختبار القبول ليصبح طالبا رسميا
مقيدا في سجلات الازهر ، وكان لهذا اليوم ذكرى أليمة في نفس طه حسين ، يومها أخذ
إلى حيث يعقد الاختبار ووضع في زاوية العميان وشد ما هاله وحز في نفسه كالسكين
الجملة التي نودي بها ووقعت في قلبه أسوء موقع :"أقبل يا أعمى" فأجلس إليهم عنوة
بيد أخيه وما كاد يسأل عن سورة فيتلو عليهم مطلعها حتى يسأل عن أخرى ثم قيل له
إنصرف يا أعمى قتح الله عليك.

وقدرت سنه بخمس عشرة رغم أنه ما أتم الثالثة
عشر ذلك أن من شروط الانتساب للأزهر أن يتم سنيه الخمس عشرة الأولى ، فتعجب طه من
ذلك كيف كان الاختبار وقسوة المصطلح الذي نزل منه منزلا مؤلما عميق الغور والاختبار
ذاته الذي لا يختبر حفظا ولا يقدر معرفة ، والتسنين الذي جعل له ليسجل في الازهر كل
ذلك دار في ذهن الفتى مدارا كاملا حول جدوى مثل هذا الاسلوب في القبول والتصنيف
لطلبة العلم.

كان من حظ طه أن جلس أول ما جلس لشيخ مستجد من المشايخ الذين
تأثروا بفكر الأستاذ الإمام المجدد محمد عبده لكن تأثره كان كما وصفه طه :"كان
كغيره من أقرانه في ذلك الوقت بارعا في العلوم الازهرية كل البراعة. ساخطا على
طريقة تعليمها سخطا شديداً. قد بلغت تعاليم الأستاذ الإمام قلبه فأثرت فيه، ولكنها
لم تصل أعماقه. فلم يكن مجددا خالصا ولا حافظا خالصا، وإنما كان شيئا بين ذلك. وكان
هذا يكفي لينظر الشيوخ إليه شزرا و يلحظوه في شيء من الريبة والاشفاق" ، إذن كان طه
مؤمنا مقتنعا بمنهج الإمام الأكبر في التجديد لكنه يرى كما هو واضح من وصفه لشيخه
الأول أنه ما استطاع إلى ذلك سبيلا فالتجديد في التعليم كما فهم ذلك الشيخ أن لا
يقرأ على تلامذته مثلا من الكتاب وإنما يعلمهم مباشرة وأن لا يعطهم إعراب بسم الله
الرحمن الرحيم الذي كان يرهق التلاميذ صعدا بل يبتدر تلاميذه بتعليمهم الاعراب نفسه
، لكن ذلك ليس ما آمن به طه حسين من دعوة لتجديد التعليم التي كان محمد عبده مؤمنا
بها داعيا لها ، والتي قدر لصاحبنا فيما بعد أن يكون فارسها الحقيقي ، الدعوة التي
تروم فتح باب العقل والتفكير والنقد والبحث والكف عن الاكتفاء بالترديد والحفظ
وتكرار القديم كأنه مسلمات لا يرقى إليها الشك ، وكل ما يلزم ذلك من متطلبات العلم
الحديث والانفتاح على معارف الغرب وعلومه .

قطع ابن خالته عليه عزلته
المقيتة عندما جاء ليساكنه ويرافقه وهو في مثل سنة مزيلا بذلك عن نفسه غمة الغزلة
المقيتة وساعاتها الطوال التي كان يقضيها وحيدا مهملا ، فمنذ تلك اللحظة صار لطه
خليل يلزمه ويسري عنه وحدته ويصحبه من درس لدرس ومن مسجد لمسجد ، والأهم أن يقرأ له
ما تيسر قراءته وفي هذا لذة عقل طه المتعطش للعلم.

خلا طه لشرح الكفراوي في
النحو على أحد المشايخ وكان هذا الشيخ غليظ الطبائع كأغلب مشايخ ذلك الزمن ويفسر
لنا طه لماذا كان الطلبة لا يجرؤون على سؤاله أو مناقشته " كان سريع الغضب لا يكاد
يسأل حتى يشتم فإن ألح عليه السائل لم يعفه من لكمة إن كان قريبا منه، ومن رمية
بحذائه إن كان بعيدا من مجلسه ... وكانت نعله مليئة بالمسامير وكان ذلك أمتن للحذاء
وأمنع له من البلى. ففكِر في الطالب الذي كانت تصيبه مسامير هذا الحذاء في وجهه أو
فيما يبدو من جسمه!" ، ويصف لنا طه حسين فيما يصف أن الإذن بشتم التلاميذ وضربهم
يناله الشيخ ضمنا بنيله الدرجة.

عاد طه في أول إجازاته لقريته حاملا معه ما
حمل من البحر الذي لا ساحل له ، ولم تمضي أيام إلا وبدأ طه صدامه يوما مع أبيه حين
قال في قراءته للدلائل قراءتها عبث لا غناء فيه، فاستهجن منه ابوه ذلك وقال : هذا
ما تعلمته في الازهر؟ فرد طه : نعم وتعلمت أن كثيرا مما تقرؤوه في هذا الكتاب حرام
يضر ولا ينفع ، فما ينبغي أن يتوسل الانسان بالانبياء ولا بالأولياء، وما ينبغي أن
يكون بين الله وبين الناس واسطة ، وإنما هذا لون من الوثنية.

إكفهر الأب
لهول ما سمع ورده ردا عنيفا : اخرس قطع الله لسانك لا تعد إلى هذا الكلام وإني أقسم
لئن فعلت لأمسكنك في القرية ولأقطعنك عن الأزهر ولأجعلنك فقيها تقرأ القرآن في
المآتم والبيوت. لم تزد هذه القصة طه إلا إصرارا وعنادا من هنا نذر طه نفسه لمحاربة
الجهل والتعلق بالخرافات ونذر نفسه من أجل الحق لأن الحق أحق أن يتبع دائما حيث وجد
مهما كانت المعارك التي قد تتولد من ذلك لكنه كان هذا تماما محراك طه حسين ليس
الصبي فحسب بل طه حسين في كل ما كان منه وحوله وظل أبدا الإنسان الذي يثير زوبعة
حيث حل ذكره وتبادرت الأذهان ما كان من شأن هذا الإنسان، ومما يذكر بخصوص تلك القصة
التي دارت مع أبيه حول دلائل الخيرات ومنازل الأولياء يسرد طه ما أراه درسا فريدا
في التعامل مع الشخصية المصرية ، ومدخلا كذلك لإيصال العلم فأبوه الذي هاله رد طه
عليه بخصوص قراءة الدلائل ومنازل الأولياء عاد يسأله في غيرما وقت كيف ينفق وقته في
القاهرة ، فرد طه أنه ينفقه في زيارة الأولياء وقراءة الدلائل، فانفجر الحضور
بالضحك وأولهم أبوه الشيخ ، لتلحظ معي أمرين أولهما مرونة الانسان المصري البسيط
وأنه وإن كان ينكر بقوة الغريب عن ما توارثه ورسخ في صدره لكنه يعود إليه سائلا
مفتشا عن كنه هذا الرأي الغريب متقبلا رويدا رويدا إمكانية التفكير فيه ، لأن بذرة
الشك لا تلقى لديه أرضا بورا وإنما عقلا مهما أحكمت أقفاله لن يستعصي على تلقي بذرة
الشك وإنبات أوراقها وارفة مظلة ، إنها بذرة الشك التي عرف طه الصبي الأزهري قيمتها
مدخلا في الفكر قبل أن يعرفها منهجا فلسفيا كلف به أشد الكلف وهو منهج الشك
الديكارتي الذي تعلمه في السوربون.

ولم يلبث رأي طه في الكرامات والأولياء
أن ذاع وفشي في قريته فأنكره عليه المنكرون وقال بعضهم :"إن هذا الصبي ضال مضل قد
ذهب إلى القاهرة فسمع مقالات الشيخ محمد عبده الضارة وآراءه الفاسدة المفسدة، ثم
عاد بها ليضل الناس."
لكنهم صاروا يلحون في طلبه ومجادلته فيها وجلهم ينصرف عنه
مستغفرا الله من الذنب العظيم مستعيذا به من الشيطان الرجيم.

عاد طه للأزهر
أشد كلفا وولعا فلم يكن ليكتفي بدروس الأزهر بل صار يروم غيره من المساجد المحيطة
به يتلقى من هنا وهناك وعلى هذا الشيخ وذاك ، متنقلا بين الأزهر ومسجد محمد بك أبي
الذهب ومسجد الشيخ العدوي ، وكان طه لجب السؤال كثير الجدال يرهق شيخه صعدا ولذا
كان لا يحب الجلوس إلا لمن يرضى بالمجادل من الطلبة وما أقلهم ، ويتذكر طه حسين
شيخه الذي أحتد جداله معه حول علامة الفعل قد حتى صاح الشيخ :"الله يحكم بيني وبينك
يوم القيامة"!

يستذكر بإكرام شيخه هذا الذي ربت على كتفه بعد الدرس وقال له
:"شد حيلك الله يفتح عليك".
أمضى سنته الثالثة وما أحس أنه أصاب فيها شيء من
العلم إلا أقله وضاقت بأسئلته الحلقات وتكلف الصبر فما أطاقه وأكثر الشيوخ طرده من
حلقاتهم ما أن خالفهم الرأي أو جادلهم ، فضاق بهم طه كما ضاقوا به وكاد ينصرف عن
العلم وأخذه وما كان يدرك غير الأزهر آن ذاك له بابا ، حتى اهتدى إلى درس الأدب
الذي غير مساره وأشبع نهمه للمعرفة وفتح أمامه مجاهيل هوى لها عقله وفؤاده
معا.










عدل سابقا من قبل الوتر الحزين في 16/3/2010, 02:07 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com
نور الدين الجمال
عضو نشيط
عضو نشيط
نور الدين الجمال

ذكر
عدد الرسائل : 290
عبقرية طه حسين 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : عبقرية طه حسين 111010
العمل : عبقرية طه حسين Profes10
الحالة : عبقرية طه حسين 110
نقاط : 6127
ترشيحات : 3

عبقرية طه حسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبقرية طه حسين   عبقرية طه حسين I_icon_minitime15/3/2010, 19:49

للأسف كما قلت أستاذى الوتر الجميل كثرت الأقلام المأجورة من قبل أعداء الوطن للهجوم على كل ماهو قيمة وتراث لنا لتشويهه ومن ينكر الدكتور طه حسين الذى أخذنا مع داخل الأيام لنعيش معه رحلة حياة من أمتع ما قرأت وقرأ القارئ العربي وصاحب المقولة الشهيرة التعليم كالماء والهواء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسامة مصطفى
عضو لامع
عضو لامع
أسامة مصطفى

ذكر
عدد الرسائل : 1079
عبقرية طه حسين 210
بلد الإقامة : جمهورية مصر العربية
احترام القوانين : عبقرية طه حسين 111010
العمل : عبقرية طه حسين Profes10
الحالة : عبقرية طه حسين 1410
نقاط : 6816
ترشيحات : 10
الأوســــــــــمة : عبقرية طه حسين Awfeaa10

عبقرية طه حسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبقرية طه حسين   عبقرية طه حسين I_icon_minitime15/3/2010, 20:24

أستاذنا بارك الله فيك وفى طرحك المثمر فقد أوضحت لبعض الغافلين عن تاريخ طه حسين من يكون هذا العالمة

جزاك الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبير عبد القوى الأعلامى
نائب المدير الفني
نائب المدير الفني
عبير عبد القوى الأعلامى

انثى
عدد الرسائل : 9451
عبقرية طه حسين 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : عبقرية طه حسين 111010
العمل : عبقرية طه حسين Unknow10
الحالة : عبقرية طه حسين Mzboot11
نقاط : 17693
ترشيحات : 33
الأوســــــــــمة : عبقرية طه حسين 13156210

عبقرية طه حسين Empty
مُساهمةموضوع: رد: عبقرية طه حسين   عبقرية طه حسين I_icon_minitime17/3/2010, 14:20

أستاذى الشريف على الدين صاحب الوتر الحزين

نراك دائما أستاذنا حاملا بيدك شعله من نور



نورها المعرفة والعلم تسعى به بيننا


لتنير بها عقولنا


وتزيد من معارفنا


أستاذى الكريم


جزيل الشكر على ما تقدم لنا دائما

جزيت الخير فى الدارين

وبارك الله خطوك إلى الخير

ونفعنا الله بما تعلمنا

دمت متالقا


دمت بكل الخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alalamy1.yoo7.com/montada-f27/
 
عبقرية طه حسين
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أخطاء عبقرية !
» عبقرية البكتيريا
» لوحة مش ممكنة - عبقرية
» عبقرية الست المصرية
» عبقرية النصب والاحتيال عبر الإنترنت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات الأدبية :: المنتديات الأدبية :: منتدى الدراسات النقدية والبلاغة-
انتقل الى: