الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 43 ... 82, 83, 84 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
بطل مصر
عضو مجتهد
عضو مجتهد
بطل مصر

ذكر
عدد الرسائل : 327
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 110
نقاط : 6400
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 112

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime24/9/2016, 00:11

نظرة التفاؤل


أنا سيدة فى الأربعين من عمرى تزوجت منذ حوالى عشرين عاما من شاب دمث الخلق،
طيب القلب, وعشت معه الحب والحنان والأمان ودفء الحياة، وكان يشغل وظيفة تدر عليه دخلا كبيرا، لكنه لم يدخر مالا، وما أعجبنى فيه أنه بار بأسرته وساعد والده فى زواج أخواته البنات، وتعليم أخيه الأصغر، فازددت احتراما له وتمسكا به، ومضت بنا الحياة فى هدوء وهناء وحب واحترام، وأنجبنا ولدين، ولكن دوام الحال من المحال ـ كما يقولون ـ إذ تعثرت الشركة، واستغنت عن الكثيرين من العمال، ومنهم زوجى، فأقام مشروعا صغيرا، وانفرجت الأزمة قليلا، وعاد الهدوء إلى حياتنا، لكن الأوضاع تدهورت من جديد، وصرنا مكبلين بالديون، ومازلت ألمح نظرة الرضا والتفاؤل فى عينى زوجى بالرغم من ظروفنا القاسية، إننى لا أكتب إليك رسالتى لأطلب مساعدة، فنحن لن نقبلها، وهو قادر على العمل وتصريف الأمور، ولكنى أبعث بها إليك لكى تعلم كل زوجة أن مع العسر يسرا، وأن الله مع الصابرين المجتهدين.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

لقد اختار زوجك الطريق الصحيح، وسار فيه متسلحا بالإيمان بالله وبقدرته على مواجهة الشدائد، فحقق الكثير مما كان يحلم به, ومع هذا النجاح كان من الطبيعى أن تصادفه عقبات، لكنه واجهها ومضى فى الطريق الذى رسمه لنفسه منذ البداية, فعالم التجارة مكسب وخسارة، والعاقل هو الذى يستفيد من تجاربه فيتمسك بعوامل النجاح ويتجنب أسباب الفشل, ويتحمل المشى على الأشواك فإذا كان زوجك قد خسر بعض ماله فى مكان ما، فلينقل تجارته إلى مكان آخر, ويحاول أن يشرح للمتعاملين معه مزاياها, وبقدر سعيه فى الأرض سيكون رزقه, وأعتقد أنه يعرف ذلك جيدا ويؤمن به, فالحق تبارك وتعالى يقول “فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور”، وأقول له: انفض عنك غبار الحزن، وابدأ مشروعا جديدا، ولا مانع من أن تعيد البحث عن عمل يناسب مؤهلك وخبرتك, والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بطل مصر
عضو مجتهد
عضو مجتهد
بطل مصر

ذكر
عدد الرسائل : 327
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 110
نقاط : 6400
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 112

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime24/9/2016, 00:27

بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البـرى
الغبار الأحمر!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 2016-636101756563286759-328

أكتب إليك قصتى لأستشيرك فى بعض أموري، وأعود بذاكرتى إلى الوراء عشر سنوات،
عندما كنت فى سن الرابعة والعشرين، فلقد تقدم لى وقتها شاب تعرف عليّ بالمصادفة، وترددت فى الارتباط به، ثم وافقت عليه تفاديا للصدام مع أبى الذى كان قد خرج إلى المعاش، وأراد الاطمئنان على حياتى المستقبلية، وكانت قناعته أن الزواج استقرار، لكنى كلما تقدم لى شاب ورآه من وجهة نظره مناسبا، يفاجأ برفضى له، فالحقيقة أننى عشت عدة سنوات وأنا مرعوبة من فكرة الارتباط، والانتقال إلى حياة أخرى مع شخص لا أعرفه، ولم تكن لى صداقات، ولا حتى مجرد معرفة بشاب من قبل، ونظرا لأنى رفضت عريسين فى أسبوع واحد، وكان هذا الشاب هو الثالث، فإننى استحييت من أبى أن أرفضه، فوافقت عليه أمام أسرتي، وفى قرارة نفسى أننى سأفسخ خطبتى له بعد فترة بأى حجة، واشترطت عليه أن تقتصر مراسم الخطبة على قراءة الفاتحة فى وجود أسرتينا فقط لكى لا يعلم الجيران والمعارف، ويحسبونها عليّ خطبة قبل أن أعرفه جيدا، ووافق الجميع على ذلك، ثم فوجئت يومها بامتلاء البيت بالمعازيم الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وتمت خطبتى وراقبت أحوال خطيبى فوجدته شابا مهذبا ومحترما ومكافحا، وبعد نحو شهرين أحسست بحبه يسرى فى قلبي، وزادنى ذكاؤه واحترام الجميع له ارتباطا به، واعتبره أبى ابنا له، وسهّل له أمورا كثيرة، فلقد تعثر فى إتمام الزواج خلال الفترة التى اتفق عليها مع أبي، فطلب منه أن يمد فترة الخطبة، فلم يمانع، وظللت مخطوبة لمدة سنتين، ثم جمعنا عش الزوجية فى شقته التى بناها بمنزل والده فى محافظتنا، وبرغم أنها شقة عادية فإننى وجدتها جنة بالنسبة لي، ويكفينى أننى اخترت كل شيء فيها، حتى ألوان دهان حوائطها، ومضت خمسة أشهر لم أعش أجمل منها من قبل، وأسرنى زوجى بحبه وعطفه وحنانه وتفهمه لأقصى درجة، ولا أستطيع أن أصف لك سعادتي، وأنا أسمعه يشكر فيّ أمام الجميع، وعندما نكون معا يكرر على مسامعى أنه يستكثرنى على نفسه، فأمازحه متسائلة: «أنا كثير عليك كما أم كيفا»؟!

وذات يوم أبلغنى بعد أن تناولنا طعام الإفطار بأنه سوف يسافر إلى بلدته لزيارة أهله، وكنت وقتها حاملا، فطلبت منه أن يصطحبنى معه، لكنه فضل أن أقضى اليوم مع والدتى خوفا عليّ من طول السفر ومشقته، وخرجنا معا وذهب هو إلى محطة القطار، واتجهت أنا إلى والدتي، وبعد وصولى إليها بدقائق دق جرس هاتفي، ووجدت على الجانب الآخر من يسألني: «ده تليفون فلانة»، قلت له نعم، قال: «فلان مات»! فأصابنى الذهول، وتسمرت فى مكانى وساد الوجوم على وجوه أهلي، وأسرعنا إلى المشرحة التى قال لنا من أبلغنا بالخبر المشئوم بأن جثته موجودة بها، وكم تمنيت أن يكون خبرا كاذبا، وما إن وصلنا إليها حتى كانت إجراءات الدفن قد اكتملت، وجرت مراسم الجنازة سريعا، وواريناه التراب، ولزمت بيت زوجى رحمه الله، فلم أغادره، وصار نهارى كليلي، وإذا تحدث معى أحد لا أرد عليه، وأصبحت حياتى بكاء ودموعا، ولا يشغل بالى شيء إلا جنينى الذى طالما حلمنا بأن نسميه معا، وأفقت بعد أشهر طويلة فوجدتنى أرملة لم تكمل خمسة وعشرين عاما، ولا دخل لى سوى راتب قدره مائة وخمسة وسبعون جنيها بعقد مؤقت، ولا أعرف كيف ستسير بى الحياة؟ وكلما ثار داخلى هذا السؤال أجد صوت أمى يقطع تفكيرى بأن الله سيكون معى دائما، وسوف تثبت الأيام ذلك، أما عن أهل زوجى (رحمه الله) فلقد شعرت وقتها بأن أمه هى أمي، وأن إخوته هم إخوتي، وتبنيت فى معاملتى لهم مبدأ مهما هو أن أعاملهم كما أحب أن يعامل زوجى أهلى إذا كنت أنا من رحلت عن الحياة، وهكذا بقيت بالشقة، وتركت لحماتى نسخة من مفتاحها، وظلت بجوارى نتناول الطعام، ونقضى الوقت كله معا، وتكفل والدى بكل متطلباتى المادية، ووضعت طفلي، وتجددت الأحزان كأنه يوم رحيل زوجي، ووجدتنى أصرخ بأعلى صوتي: «يارب بارك لى فى ابني.. ياربى اجعله مثل أبيه.. ياربى لا تخذلنى وهيئ لى من أمرى رشدا»، وبعدها بأسابيع طلب منى أبى أن أعود إلى بيتنا فرفضت وصممت على بقائى مع أسرة زوجى لإحساسى بألمهم، ورغبتهم فى أن أكون بجوارهم.

ووجدتنى أتحدى الظروف مستعينة بالله، فأكملت دراستى للماجستير، وحصلت عليه، ثم فوجئت بشقيق زوجى يعرض عليّ الارتباط به، فلم أتردد فى رفضه، وقلت له إننى مصممة على عدم الزواج مرة أخري، فلقد اتخذت عهدا على نفسى بأن أتفرغ لرعاية ابني، لكنه لم ييأس وأوعز إلى أمه للحديث معي، فقالت لي: أنت فى سن صغيرة ولن تستمرى بلا زواج طوال العمر، ولم أفلح فى إقناعها بموقفي، ولما علم أبى بذلك طلب منى أن أنتقل فورا إلى بيتنا لأنه لا يصح أن أعيش فى بيت به شباب، ومنهم من يريد أن يتزوجني، واقتنعت بكلامه هذه المرة ولم أقطع صلتى بهم، إذ كنت أتصل يوميا بوالدة زوجى للاطمئنان عليها، ومرت الأيام وأعددت رسالتى للدكتوراه، وحصلت عليها بامتياز، ومن باب صلة الرحم أخذت ابنى وفاجأت أهله بزيارتنا لهم، فاستقبلتنى حماتى بترحاب، وفى ثنايا الحديث أبلغتنى بأنهم يستعدون لفتح الشقتين اللتين تسكنان فيهما لكى يتزوج فى الشقة الجديدة ابنهم الذى رفضته، وأنهم نقلوا بعض الأثاث الموجود بهما إلى شقتى بعد أن وضعوا أثاثى فوق بعضه، فسألتها: ولماذا لم تخبرينى بما فعلتموه، خاصة أنك كنت معى قبل هذه الزيارة بيومين؟ فردت علىّ بأنه لم يرد بذهنها أن تخبرني، فاستأذنت وانصرفت وأنا مندهشة من موقفهم، وقصدت صديقة لى جلست عندها بعض الوقت، ثم اتصلت بزوجة شقيقى ورويت لها ما حدث، وبعد أن أنهيت مكالمتى معها، اتصل بى أبى فعرفت أنها أبلغته بما فعلوه، ولم يدع لى فرصة للكلام وقال: «الحمد لله أنها جت منهم، وأنا معك فى أى قرار تتخذينه، إذا أردت أن ترفعى دعوى فى المحكمة لكى تحصلى على حقوقك وحقوق ابنك.. أنا معك، وإذا رأيت أن تتعاملى معهم بأى أسلوب يرضيكى لن أمنعك.. المهم فكرى وخذى قرارك»، وفى تلك الليلة فكرت طويلا، وانتهيت إلى أننى لن أقف أمامهم بالمحاكم حتى لا أقطع صلة رحم ابنى بأهله، وإكراما لزوجى الراحل الذى لم أر منه إلا كل خير، وفى الصباح أخبرت أبى بأن يتصل بهم لكى أحصل على «عفشي»، وأرحل بسلام، ففعل ما طلبته، وحددوا له موعدا، وهناك فوجئ بعدد كبير من الرجال قالوا إنهم من جمعية خيرية، وعقدوا جلسة مطولة كتبوا فيها ورقة بتسليم ابنى شقته بعد بلوغه سن الرشد، واتفقوا على تسليمها لى بعد أخذ «عفشي»، وأخبرنى أبى بأن هذه الورقة ليست لها قيمة لأن إخوة زوجى ليست لهم صفة لتوقيع أى أوراق تخصني، لكنه ساير الموقف لكى يتبين ما الذى سيفعلونه فى حقوق ابني، وخلال أسبوع أخذت العفش ثم جاءتنى مكالمة من قريبة لهم تبلغنى بأنهم يريدون رؤية ابني، وتسألني: هل ستمنعينه عنهم؟ فقلت لهم: «ابنى أكبر بكثير من أن أضعه فى مقارنة بشقة، وإذا أرادوا أن يزوروه فى أى وقت فليتفضلوا، ولو أحبوا أن يأخذوه فى زيارة لديهم ليس لدى أى مانع» وتوالت الزيارات، وفى إحدى المرات اصطحبه عمه معه وعندما سألته أمى عن ورقة الشقة، رد عليها بأنها فى «الجمعية الخيرية» وسوف يتسلمها ابن شقيقه عندما يبلغ سن الرشد، وكان عمره وقتها ثلاث سنوات.

وانقطعت تماما عنهم، وفوضت أمرى إلى الله، وكنت أرى فى منامى أحلاما كثيرة، وأرى غبارا أحمر كثيرا فى الجو، فأصحو من نومى وأنا أسأله عز وجل أن يصلح لى أمرى حتى أؤدى رسالتى نحو ابنى على أكمل وجه، وصحوت ذات صباح فوجدت فى انتظارى مفاجأة من أبى وإخوتي، إذ قرروا أن يبنوا لى طابقا بالمنزل خاصا بى وبابني، وخلال ثمانية أشهر انتقلت إليه، وفى اللحظة التى كنت أرتب فيها أثاثي، تلقيت مكالمة من جامعة بالخارج تعرض التعاقد معى للتدريس فيها، فى البداية ظننت أنها مداعبة من أحد إخوتي، لكنى تأكدت أن الأمر جاد، ووافقت الجامعة على اصطحاب ابنى معي، ومضت الإجراءات سريعا، ولا أجد لذلك تفسيرا سوى رحمة ربي، ورافقنى أبى كمحرم لي، وترك تجارته فى مصر لكى يديرها إخوتي، وأحسست بأن الغربة أرهقته وأنه لم يستطع التأقلم عليها، فأعدت التفكير فى الزواج، خاصة أن الكثيرين يتقدمون لي، وقابلت بعضهم لكنى لم أرتح لأى منهم، ويبدو أن موقفى كان ظاهريا فقط، ومر عامان وأنا فى الغربة، ثم أبلغنى إخوتى بأن شقيق زوجى الذى كان يرغب فى الارتباط بى كرر طلبه من جديد قائلا: إنه على استعداد لكى يفعل كل ما أطلبه منه، وأنه لن يرتبط بأخرى لأننى بالنسبة له كل شيء، فكان كلامه غريبا، ولا يتناسب مع ما فعلوه معى أنا وابني، ورددت عليهم بأننى سأقابله فى الإجازة وجها لوجه، لكى أذكره بما فعلوه! ولما التقيت به وجدته يبرر ما حدث، وأنهم سوف يعيدون الشقة إليّ، فقلت له إننى لن أعود إلى مكان تعرضت فيه للإهانة، ولو حدث أننى أعدت النظر فى مسألة الزواج به فستكون لذلك ترتيبات محددة، وفى شقة أخري، فتظاهر بالموافقة، ثم حدثنى عن صعوبة توفير شقة أخرى فى الوقت الحالي، فأدركت ما يرمون إليه، وانتهى الموقف عند هذا الحد، وسافرت من جديد، وفى كل عام يجدد طلبه، وقد تزوج كل إخوته إلا هو.

وفى الصيف الماضى وخلال وجودى فى مصر اتصل بى وطلب منى أن يصطحب ابنى إلى بلدهم التى كان زوجى (رحمه الله) ذاهبا إليها عندما مات فى حادث على الطريق، فثرت عليه ورفضت رفضا قاطعا مجرد الحديث فى هذا الموضوع، وشكا لأخي، وجاءت أسرته كلها للحديث معنا، وكان هذا هو اللقاء الأول لى مع حماتى منذ سبع سنوات، وحدثتنى عن أن حق ابنى فى الحفظ والصون، وأنهم سوف ينتظروننى فى زيارة لاطلاعى على كل شيء يخصني، وذهبت إليهم بصحبة شقيقى فأبلغونى بأن المنزل مكون من أربعة طوابق، وأن ربعه مسجل فى الشهر العقارى باسم زوجى الراحل، وأنهم تأخروا فى إبلاغى بما تم فى هذا الشأن، ولم أهتم لكلامهم ليقينى بأن ابنى لن يحصل على شيء منهم، ولأن الله عوضنى بأكثر مما كنت أتطلع إليه، وفاتحونى فى الارتباط بشقيق زوجى الذى مازال ينتظرنى منذ عشر سنوات، والأغرب من ذلك أن شقيقه الأصغر طلب منى الزواج هو الآخر دون علمهم، وقال لى إنه على خلاف مع زوجته، وفى طريقه للانفصال عنها!

وعرف إخوتى بموقفه فأصابتهم الدهشة، وزاد تعجبنا أنه اتخذ موقفا مغايرا أمام أهله مدافعا عن شقيقه الذى ينتظر أن يلين موقفى منه بعد كل هذه السنوات ولم أعطهم ردا، وعدت إلى البلد الذى أعمل به، وفى هذه المرة كان أخى هو المحرم لي، بعد أن عاد أبى إلى مصر، وقد حدثت خلافات بين أخى وزوجته فطلقها وأخذت ثلاثة أطفال فى حضانتها، وقد سافرت هذا العام بمفردي، ولحق بى ابنى وأخى فى أول أيام عيد الأضحى المبارك، وبالأمس وأنا أكتب إليك رسالتى فى الذكرى العاشرة لرحيل زوجي، تلقينا خبر وفاة مطلقة أخي، فانخرطت فى البكاء واسودت الدنيا فى عيني، ولا أعرف ماذا أفعل لأولاد أخي، فلقد حان وقت رد جميله ووقوفه إلى جانبي، ثم تساءلت فى نفسي: هل أتجاوز عن مواقف أهل ابنى وأرتبط بعمه؟ أم أنتظر فربما أجد من هو أحن على ابنى منهم، أم ألغى فكرة الارتباط من الأساس وأضم أبناء أخى إلى ابنى وأتفرغ لتربيتهم؟

إن الدنيا تدور بى ولا أعرف الطريق الصواب من الخطأ، وبرغم ما أنجزته من نجاحات وسط الصعاب الجمة التى واجهتها، فإن ما عايشته من مفاجآت الحياة والموت المفاجئ لزوجى الراحل ومطلقة أخى وأم أولاده جعلنى أفقد كل متع الحياة، وأجدنى مضطربة التفكير، ولا أدرى ماذا أفعل، فبماذا تشير عليّ؟!

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

تؤكد تصرفاتك العقلانية فى المواقف والأحداث التى تمرين بها أن خبرات الحياة ليست فيما يتعرض له المرء من أحداث، وإنما فيما يفعله تجاه مايحدث له، فعندما رحل زوجك فجأة بعد خمسة أشهر من الزواج، لم تتركى بيتك، واحتويت العاصفة التى تنهار أمامها الكثيرات، ولولا موقف حماتك وإخوة زوجك من مسألة الميراث، لكان لك درب آخر غير الذى سرت عليه، وربما استجبت وقتها لنداء شقيقه بالزواج منه، سعيا إلى أن ينشأ ابنك فى كنف اهله، فيحدث التآلف وتتحقق القربي، ثم استمررت على دأبك من الكفاح، فنلت الماجستير والدكتوراه، ثم سافرت إلى الخارج، وصار لك اسم وشأن كبيران، ولم يكن «الغبار الأحمر» الذى رأيته فى منامك كثيرا سوى ما أنعم الله عليك به من نعم ظاهرة وباطنة، وفقا لتفسير ابن سيرين بأن رؤية الغبار بشرى بالمال الوفير، فلقد حققت الثراء والمكانة العلمية المرموقة معا، وعوضك الله خيرا عما ذقته من مرارات منذ رحيل زوجك وانتما فى عز الشباب.

ولعل المأخذ الوحيد عليك هو ترددك غير المبرر فى الاقدام على الزواج.. صحيح أن التريث مطلوب، ولكن ليس إلى هذه الدرجة المغالى فيها، فعلى الأقل يجب أن تتيحى لنفسك الفرصة للتعرف على من يبغى الارتباط بك، تماما مثلما فعلت مع زوجك الراحل الذى كنت تنوين فسخ خطبته، ولم توافقى عليه إلا استجابة لرغبة أبيك، ثم أحببته، واستحوذ على قلبك وعقلك، ولم تنسه حتى بعد عشر سنوات على رحيله، فالتريث لا يكون بالصورة المرضية التى تسيطر على تفكيرك، فأعط نفسك فرصا جديدة للتعرف على آخرين فى محيط عملك ودائرة معارفك، ولكن بعيدا عن أهل زوجك الراحل، فلا تتزوجى شقيقه الذى يدّعون أنه ينتظرك طوال السنوات الماضية، فهذا ليس صحيحا فلقد رفضته منذ البداية، وقالت لك والدته إنهم يجهزون شقته التى سيتزوج بها عندما حاولت تبرير موقفهم بوضع «عفشهم» فى شقتك وموقفهم من ميراث ابنك، ولا تعيرى أى اهتمام لما قاله شقيقه الثانى الذى يراك غنيمة وفريسة يريد اقتناصها، فأوهمك بأنه سوف يطلق زوجته لكى يرتبط بك، فكل من له صلة بأهل ابنك لا يناسبك بعد ما جرى منهم، وإذا كان البعض يحبذون ارتباط زوجة ابنهم المتوفى بشقيقه من باب الحفاظ على الأولاد. وينجح هذا المسعى فى بعض الأحيان، فإنه فى حالتك سيكون بابا جديدا للمتاعب، وسوف تتكرر مأساة الشقة والميراث وخلافه، كما أنهم ينظرون إلى وضعك المادى والأدبى أكثر من الاستقرار واحتواء حفيدهم الذى رحل أبوه قبل أن يخرج إلى الحياة.

نعم الطمع فيك هو دافعهم إلى أن ترتبطى بشقيق زوجك، وقد تناسوا أن ما فعلوه بأكلهم مال حفيدهم اليتيم إنما يأكلون فى بطونهم نارا، فجلسة «الخداع» التى كتبوا فيها ورقة وأودعوها فى جمعية خيرية والتى أيقن أبوك بعدها أنهم كاذبون، هذه الجلسة كفيلة وحدها بكشف مخططهم الخبيث، فالمعروف أن تركة القصر تكون تحت وصاية «النيابة الحسبية» وتتولى الأمر برمته محكمة الأسرة، ولا يستطيع أحد أن يتصرف فى التركة من تلقاء نفسه، وتستطيعين أخذ حقوق ابنك بالطريق الشرعى والرسمي، فلا تفرطى فيها، ودافعى عنها بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة وليعلم هؤلاء معدومو الضمير أن الله سبحانه وتعالى حذر من يستولون على أموال اليتامى فقال: «إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا»، وقال أيضا: «ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا» وسوف يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة، ولهب النار يخرج من فمه، وأنفه وأذنيه وعينيه، فيعرفه كل من يراه، فإذا استمر أهل ابنك فى غيهم وظلمهم، فليعلموا أن هذا هو مصيرهم الذى لا مفر منه.

ولاشك أن شهامة أخيك ووقوفه إلى جوارك فى محنتك، وسفره معك لكى لا تكونى بمفردك، تحتم عليك أن تسانديه فى محنته، ولو باستقدام أولاده فى زيارة إليك فى البلد الذى تعملين فيه، إلى أن تتهيأ له الفرصة للزواج بمن تكون أما لأولاده، وهناك الكثيرات ممن يرغبن فى أداء هذا الدور الانسانى النبيل، وأنت أيضا عليك أن تفتحى قلبك للحب والزواج، واستشراف مستقبل باسم يعوضك عما لقيته من متاعب وآلام، ولتكن تجربتك الناجحة درسا لمن يتقهقرون أمام أول تجربة فاشلة تواجههم فى الحياة، ولا يستطيعون مواجهة الأنواء والعواصف التى لا يسلم منها إنسان، لكن القليلين فقط هم الذين يتخطونها ولا ينحنون أمامها، فتحقيق الأمانى يحتاج إلى عزم وإرادة ومثابرة، وصدق الشاعر حين قال:

تريدين إدراك المعالى رخيصة

ولابد دون الشهد من إبر النحل

وعلى من يبحث عن النجاح أن يتجاوز التفكير السلبي، ويثق فى نفسه وقدراته، ولا يلقى بالا للانتقادات التى توجه إليه مادام أنه يدرك سلامة موقفه، وليؤمن بأن الله الذى أنعم عليه بكثير من النعم ظاهرة وباطنة، يبتليه بمصيبة ويختبر صبره عليها قبل أن يوفيه أجره، حيث يقول فى كتابه الكريم: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، وليعلم أيضا أن التفكير الايجابى هو المحرك الأول نحو النجاح، وإنى أرى أن خطواتك الدقيقة، وإيمانك بالله، ومساندتك شقيقك فى محنته ورعاية ابنك هى الشراع الحقيقية التى تساعدك على قيادة سفينتك بأمان فى نهر الحياة، ويكفيك أنك حققت الكثير مما كنت تهدفين إليه، فإذا كنا نسعى دائما إلى أن نحصل على ما نريد وأن نستمتع به، فإن الحكيم هو الذى يحقق الاستمتاع، ومهما يكن ما بين يدى المرء قليلا، فإن بإمكانه أن يستمتع به، وينظر إلى الجوانب الثرية فيه.

ابدئى صفحة جديدة صافية وخالية من الشوائب، واستعينى بالله، وتوكلى عليه، وسوف تحققين أهدافك وسعادتك وتنعمين بالطمأنينة وراحة الباب بإذنه وإرادته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
elmarid
عضو متميز
عضو متميز
elmarid

ذكر
عدد الرسائل : 588
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 710
نقاط : 6583
ترشيحات : 1

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime1/10/2016, 00:05


البئر السحيقة


لا أظن أنك صادفت فى حياتك رسالة مثل التى أبعث بها إليك، وأمامك أحد حلين، إما أن تتجاهلها بحجة أنها لا تليق، أو أن تنشرها على أمل أن تكون عبرة للآخرين، فأنا سيدة فى سن الثلاثين، نشأت فيما تسمونه «مناطق عشوائية»، وتعرضت منذ صغرى للتحرش من كثيرين بمن فيهم أقرب الناس منى فى عائلتنا إلى أن أصبحت شابة وكنت أشعر اننى أقل جمالا من بنات عائلتنا ومنطقتنا،
وأتعرض أحيانا للسخرية من بعض الشباب ثم تعرفت على أحدهم وجذبنى بكلامه المعسول، وأتقن دور الحبيب، إلى أن سلبنى أعز ما أملك، ثم اختفي، ولا أعلم مكانه حتى الآن، وكتمت سرى فى نفسى ولم أبح به لأحد، وسيطر الشيطان على عقلى وتفكيري، فلقد خرجت إلى العمل فى سن مبكرة لكى أنفق على تعليمي، وتكون بحوزتى المصروفات التى أحتاجها، وسوق العمل لمن هى مثلي، ليست للعمل فقط، وإنما أيضا للعب أدوار أخرى لإرضاء صاحب العمل، فالغرض واحد هو المتعة الجسدية الحرام مقابل المال والوظيفة.

لقد تحجر قلبي، ودفنت ضميرى مع كل ما لاقيته فى عمر مبكر، ليس فقط بالنسبة للرجال، ولكن أيضا تجاه الجميلات، واكتشفت طريقا آخر للحصول على نصيبى من المتعة والمال، فلقد عرفتنى زميلة لى على شيخ يسخر الجن، ويستخدم السحر فى تحقيق الأغراض مقابل تكليفنا بأداء مهمات خاصة مثل جمع معلومات أو عمل علاقات مع أشخاص بعينهم يسعى للحصول على متعلقاتهم أو أشياء تخصهم بالإضافة إلى متعته الجسدية، يومها فقط أحسست اننى امتلكت الدنيا، وأصبحت أتلذذ بالسيطرة على كل رجل أرغب فيه وأعمل عنده، ويصبح هو العبد المطيع لي، وعندما يتلاشى مفعول السحر أقوم بتجديده فورا ليصبح مسلوب الإرادة والعقل تماما، وصار هذا هو طريقى للوصول إلى أغراضى بسهولة، وإذا حاول أحد الوقوف أمامى أعاقبه لكى يتقى شرى ويبتعد عني، وإذا أردت أن أنهى علاقتى بأى رجل فإن الأمر يكون بيدى لا بيده فأنا التى أختار متى أضع نهاية كل رجل فى حياتي، وبالطبع لا تكون نهاية سعيدة فأحدهم أفلس وتم سجنه، وآخر مات بسبب الإجهاد، وثالث لا يستطيع الابتعاد عني.

ولا أجد لذة فى الرجل الأعزب بل أختار المتزوجين لأستمتع برؤيتهم، وهم يخدعون زوجاتهم، ويعيشون فى وهم كبير، وأحس بنشوة كبرى عندما أرى الحسناوات يحترقن بسبب شغف أزواجهن بي، وقد علمت أخيرا اننى أصبت بالسرطان، لكنى لم ألتفت إلى نصائح الأطباء، ولا اعتقد كثيرا فى العقاب بعد الموت، وكل ما أفكر فيه هو إننى سأترك للسائرات على دربى وحدهن هذه المتعة، بينما هن لم يصبن بالمرض اللعين مثلي!.. إن أى رجل هدف لكل امرأة، وليس السر فى عمليات التجميل أو الكوافير، وإنما فى السحر والأقراص المذابة التى لها مفعول خطير، ولا أملك التراجع بعد أن أصبحت مسلوبة الإرادة، ولا يثنينى شيء عن هذا الطريق الذى لن أحيد عنه!!

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

لقد حددت مرضك بنفسك، فالمرض الحقيقى الذى تعانينه هو أنك «مسلوبة الإرادة» وليس مرض السرطان، فالإصابة بالأمراض الجسدية يبتلى بها الله عباده ليختبر إيمانهم ويجزيهم عن صبرهم عليها، وما أكثر المؤمنين المبتلين بالأمراض والمصائب لكنهم يتخذون منها طريقا جديدا فى الحياة، وحتى أولئك الذين يرتكبون المعاصى كبيرها وصغيرها، يقلعون عنها ويتوبون إلى الله راجين رحمته وغفرانه، أما إصرارك على الكبائر التى ترتكبينها وعدم التوبة لأنك لا تعتقدين فى الحساب بعد الموت، وأن اصابتك بالسرطان لم تؤثر فى موقفك من المعاصي، وإنما تبكين فقط على إنك بعد الرحيل عن الدنيا سوف تتركين الساحة للسائرات على دربك، وتحقدين عليهن أنهن لم يصبن بالسرطان مثلك.. هذا الإصرار تفكير عجيب وغريب إذا انتهجه الإنسان السوى الطبيعى، لكنه بالنسبة لك أمر عادى بعد أن آنست نفسك المعاصي، وزالت منها هيبة الواحد القهار، فجرؤت على ارتكاب الكبائر، ولسوف تدركين فداحة معصيتك فى الدنيا قبل الآخرة، لكن تلك اللحظة لم تحن بعد.

وإننى أستغرب مجاهرتك بهذه الرذيلة، وتهاونك بستر الله لك، ولقد توقفت عند قول ابن مسعود رضى الله عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَّر على أنفه.

خل الذنوب صغيرها

وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق أرض

الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى

هذه هى حال المؤمن الذى تحققت له معرفة الله، واستقر فى قلبه الخوف من الذنب الذى ارتكبه، فيدفعه ذلك إلى الانخلاع من الذنوب والمعاصي، والعودة إلى الله حبا له ورجاء لرحمته ومغفرته وطاعة واستجابة لأوامره وتقربا إليه، ولكنك لا تدركين ذلك، وسقط من ذهنك وحساباتك قول الحق تبارك وتعالى «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون»

فأين أنت من هؤلاء؟ إن إصرارك على المضى فى هذا الطريق سيجلب لك مزيدا من المتاعب والأمراض، وسوف تلقين جزاءك العادل يوم القيامة التى لا تعتقدين فيها، ولا فى عذاب الله، أما الساحر الذى تسمينه الشيخ، فإن جزاءه جهنم، وسوف يخلد فيها بما ارتكبت يداه من أفعال مشينة، ولتعلمى أن كل ما ذكرتيه ليس دليلا على أن ما حدث، لضحاياك نتيجة السحر وإنما تتداخل فيه عوامل كثيرة، منها الابتلاء، والبعد عن الله، والأقدار، فالأعمار محددة، والأرزاق بيد المولى سبحانه وتعالي، ولن ينفع سحر، حتى لو سلمنا بوجوده إلا بإذن الله «ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله».. أعيدى النظر فى موقفك، وتوبى إلى الله يهيئ لك من أمرك رشدا، والله على كل شيء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
elmarid
عضو متميز
عضو متميز
elmarid

ذكر
عدد الرسائل : 588
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 710
نقاط : 6583
ترشيحات : 1

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime1/10/2016, 00:07

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
عائدة إلى الحياة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 2016-636107871071067002-106

قصتى حزينة، فأنا مجرد سيدة تائهة فى عالم الخيال، نشأت فى أسرة كثيرة العدد، حيث إن لى خمسة أشقاء ذكور، وأنا أصغر فرد فى البيت، وكان جدى وجدتى يعيشان معنا فى بيتنا، وقد تعبت من الطلبات المنزلية الملقاة على عاتقي، والتى تتحمل والدتى جانبا منها، لكنى مضيت أؤدى مهمتى بعزيمة ورضا وتفوقت فى الوقت نفسه فى كليتى التى اخترتها بإرادتى وخصصت أغلى وقتى للقراءة وأصبح خط سيرى من البيت إلى الجامعة، ثم العودة إلى مهامى المنزلية دون كلل أو ملل، واقتصر حديثى مع الآخرين على الاجابة عن أسئلتهم، وأحببت القراءة،
وهى متعتى الوحيدة فى الحياة، وحاولت صديقاتى أن يخرجننى من عزلتى التى فرضتها على نفسي، فاندمجت بعض الشيء معهن، وأنا فى الفرقة الثالثة، وأحسست بالراحة والطمأنينة، وأصبحت أكثر إقبالا على الحياة، وطرق بابى مهندس شاب من بلدتنا طالبا خطبتي، وما أن فاتح أهله أسرتى فى رغبته الزواج بي، حتى ثار إخوتى وأبى وأمي، ورفضوا هذه الزيجة، نظرا لسمعة أهله السيئة، ومواقفهم المحسوبة عليهم فى تعاملاتهم مع الجيران، ففاجأتهم بموافقتى عليه، فتسمر الجميع فى أماكنهم، ولم ينطقوا بكلمة واحدة، واتخذوا قرارا بعدم حضور إعلان الخطبة، وانضمت إليهم عماتي، ولم ينقذنى من هذا الموقف العصيب سوى أحد أشقائى الذى قال لهم إن هذا الشاب صديقه، وأنه مختلف عن أهله تماما، وقد ساعده على ذلك أنه يعمل فى الخارج منذ عشر سنوات، ويزور مصر على فترات متباعدة، وبعد الخطبة التى تمت بشكل مقتضب، سافر خطيبى لمدة عام، ووجدتنى سعيدة به، وتواصلت اتصالاتنا، وبعد حصولى على شهادتى الجامعية تزوجنا، وانضممت إلى عائلته، ولم يمض شهران حتى مات عمى بالمرض اللعين الذى انتشر فى أنحاء جسمه، وهو فى سن الثلاثين من عمره، ويالها من صدمة مروعة هزت كياني، فلقد كنت متعلقة به، وأجده الملاذ الآمن الذى أستأنس برأيه برغم صغر سنه، وبعدها سافر زوجى وتركنى مع أسرته، ووجدتنى حاملا فى توءمين، وتصورت وقتها أن أهله سيهتمون بى فى غيابه، فإذا بهم يذيقوننى كل ألوان الاهانات والشتائم التى لم تدر أبدا ببالي، علاوة على تلفيقهم التهم واختراع الأكاذيب، ولم أستطع الاستمرار معهم، وعدت إلى أهلي، وكان جدى يعانى وقتها بعض المتاعب والآلام، وقد أسلم الروح إلى بارئها، ونحن ملتفون حوله، بينما كانت جدتى تصارع الموت فى الحجرة المجاورة ولحقت به بعد أسابيع.

وخيّم الحزن على العائلة، ولم تجف عيوننا من البكاء على رحيل عمى وجدى وجدتي، وكنت وقتها على وشك الولادة، فطلب منى زوجى أن أعود إلى بيتي، فذكرته بما يفعله أهله معي، فأبوه دائم الإهانة لي، بل إنه يتلذذ ببذاءاته، ويتمادى فيها عندما اتجاهلها، وكذلك أمه، فرد عليّ بأنه رجل مريض وهو وأمه كبيران فى السن، ورجانى أن أتحملهما إلى أن يأخذنى معه فى البلد الذى يعمل به، فعدت مكرهة الى منزله، وظللت أدعو عليهما، ولم أرتح من العذاب اليومى إلا بعد رحيل أبيه عن الحياة، ومرت الأيام وجهز زوجى أوراق السفر لي، ولحقت به، وعرفت الحياة الرغدة لأول مرة معه. فلقد كان راتبه الشهرى كبيرا، واحتل فى الشركة التى يعمل بها مركزا مرموقا، وأبلغته برغبتى فى العمل بالتدريس الذى أحبه، وبالفعل التحقت بإحدى المدارس وأقبلت على الحياة بحب ونشاط، فكنت أصحو من نومى مبكرا، فأعد طعام الإفطار، ونتناوله معا ثم يذهب كل منا إلى عمله، ويجمعنا عشنا الهادئ من جديد آخر النهار، وحققت أول أحلامى بالاستقرار والزواج والوظيفة، ولكن للأسف لم أستعن بالكتمان والصمت، فأخبرت أهلى بما أعيشه وما وصلت إليه خلال فترة وجيزة، وكان هذا هو الخطأ الفادح الأول لي، فبعد شهرين فقط، ذاع الخبر فى كل مكان بالمنطقة التى نعيش فيها، فوجدتنى مصابة بنزلة برد شديدة، وأصابنى الإعياء لدرجة لم أستطع معها الوقوف على قدمي، فترددت على أكثر من طبيب، ووصف لى كل منهم علاجا مختلفا، واستمرت حالتى فى التدهور، وبعد ثلاثة أيام فقدت القدرة على التنفس الطبيعي، وأحسست بضيق شديد فى صدري، فنقلنى زوجى إلى أحد المستشفيات، ودخلت إلى غرفة الطوارئ، فوضعونى على التنفس الصناعى يومين كاملين، وتبين أن رئتى تنزفان دما، وكنت أفيق أحيانا وأفقد وعيى أحيانا أخرى، وسمعت الطبيب وهو يقول لزوجى إننى أصبت بأنفلونزا الخنازير، وأنهم سيبذلون أقصى ما فى وسعهم لإنقاذى لكن الأمل ضعيف، فدمعت عيناي، ودعوت ربى أن يخرجنى من هذه الحالة، وأن يشفينى بقدرته وعظمته، ونظرت إلى زوجى فوجدت عينيه وقد اغرورقتا بالدموع، فسحبت الدبلة من يدي، وأعطيتها له، ولم أدر بعدها بشيء.

وفى لحظة ما أفقت وفتحت عينىّ لأجد زوجى وعددا من الأطباء والممرضات ينظرون إليّ فى ذهول وهم يرددون «سبحان الله.. سبحان الله» وقد تهلل وجه الجميع فرحا بنجاتى من موت محقق، وقال لى زوجى «إنت حصلت لك معجزة، بقالك خمسين يوما فى غيبوبة، والحمد لله انت سليمة تماما من أنفلونزا الخنازير»، يا الله.. قلتها فى نفسى، وحاولت أن استفسر عن المزيد وهل سأخرج من المستشفى أم أن حياتى ستنتهى فيه؟ لكن صوتى لم يخرج، فقال لي: لا تحاولى الكلام فالأطباء أجروا لك شقا حنجريا، لأن رئتيك كانتا غارقتين فى المياه، فسكت، وأوكلت أمرى إلى الله، وبفضله سبحانه وتعالي، تعافيت تدريجيا، وعرفت أنهم كانوا يطلقون عليّ طوال ما يقرب من شهرين «الحالة الميتة» على أساس اننى مت اكلينيكيا، وأن قلبى ورئتى كادا أن يتوقفا عن العمل، لكن المسألة فى النهاية «أقدار وأعمار» والحقيقة أننى لم أستوعب شيئا مما حدث لي، وكنت ألمح «نظرات الشفقة» فى عينى كل من يراني.

وتعجب الأطباء أن أظل محتفظة بحملى وأنا على هذه الحال، ولم تمض أسابيع حتى وضعت التوءمين، وكانا ولدا وبنتا، وبقيت البنت على قيد الحياة، وتعجب فريق الأطباء الذى تابع حالتى مما حدث لي، وقالوا إنها معجزة بكل المقاييس، فعلاوة على مرض «انفلونزا الخنازير»، فإنهم وجدوا أن حالة قلبى سيئة كما أنه موجود جهة اليمين، ولولا ما تعرضت له ما اكتشفوا حقيقة مرضي.

سمعت الكثير، ودار حول صحتى جدل شديد، فلم ألتفت إلى أى كلام، وسمح لى الأطباء بالخروج والعودة إلى المنزل مع متابعة الفحص الدوري، وتلقى العلاج الدائم إلى حين البت فى أمر المرض الذى أعانيه فى القلب، وبعد نحو أسبوعين طلبت من زوجى أن أزور أهلى فى مصر للاطمئنان عليهم، وسيكون وجودى فى بلدنا فرصة لفحص حالتي، وما أن دخلت بيتنا حتى انهال الناس من كل صوب وحدب. لكى يروا الميتة العائدة إلى الحياة، وتصوروا أنهم سيرون جثة هامدة، جاءت لتموت فى مصر، فإذا بهم يروننى فى منتهى السعادة والاطمئنان والشياكة أيضا، وحتى أخوتى لم يصدقوا أعينهم عندما رأوني، فالكل كانوا ينتظرون وصول جثمانى لتشييعه، لكنهم فوجئوا بى سليمة تماما، وأمضيت أسبوعا فى استقبال من جاءوا لزيارتنا وتقديم التهنئة لأسرتى بشفائى ثم زرت طبيبا شهيرا فى أمراض القلب بالقاهرة، ولما فحصنى قال لي: إننى فى حاجة إلى عملية قلب مفتوح فورا، وأبلغ شقيقى الذى جاء معى إلى الطبيب أسرتى بأمري، وتم حجزي، وتكرر ما حدث من قبل، فتمددت على السرير، ودخلت إلى حجرة العمليات وشريط ما حدث لى من قبل يمر أمامي، وأنا فى شدة الخوف والألم، والحمد لله كتب لى ربنا النجاة مرة أخري، والجميع فى ذهول مما تعرضت له مريضة تتعافى فى كل مرة وتعود إلى الحياة من جديد!

أما ما أراح بالى وجعلنى مطمئنة فهو أننى واظبت على أداء الصلوات فى مواعيدها، وكنت أنادى الممرضة، وأطلب منها أن تمسح جسدى بالماء، ثم أصلى وأنا نائمة، ولم أترك الصلاة حتى فى أشد الحالات المرضية، وأيقنت أن خالقى لن يخذلني، وكيف ذلك، وهو يقول فى حديثه القدسي: «أنا عند ظن عبدى بى فليظن ما يشاء»، وبالفعل أحسنت الظن به عز وجل، وخرجت إلى الحياة مرة أخرى، ولما انتقلت إلى غرفتى تحسنت حالتى النفسية كثيرا، ولم أتوقف عن الضحك مع الممرضات، وعندما يجيء الطبيب لمتابعة حالتى ويرانى كذلك يقول مازحا: «إنتى مريضة ولا بتهزري»، وشيئا فشيئا أصبحت قادرة على الحركة، والجلوس بغير مساعدة، وحان وقت سفرى الى زوجي، وحاول أبى إقناعى بالبقاء فى مصر إلى أن تتحسن أحوالي، فاستأذنته أن ألحق بزوجى أنا وابنتي، وأن وجودنا معا سيخفف عنى المتاعب، فهو متفاهم وأجد راحتى معه، ووعدتهم بالزيارة كل صيف ولما وصلت إلى البلد العربى عرفت أنهم استغنوا عنى لطول فترة غيابي، فلم أيأس، وأحاول الحصول على عمل جديد، من منطلق أن الأمل ولو بنسبة واحد فى المائة من الممكن أن يتغلب على التسع وتسعين فى المائة لو أحسن المرء استخدامه، وعرف الطريق إلى تحقيق ما يصبو إليه ويتمناه، والحق أننى أصبحت أقرب إلى الله بكثير مما كنت عليه من قبل، ولم تعد الدنيا تساوى شيئا بالنسبة لي، فلقد جربت فقدانها، وعانيت تقلباتها مبكرا جدا ومع ذلك أجدنى يائسة فى أحيان كثيرة.

إننى الآن فى سن الثالثة والعشرين، لكنى أعانى حاجزا نفسيا، وتنتابنى كوابيس لا حصر لها، ومنها ما يتكرر كثيرا مثل شعورى بوجودى فى مستشفي، ولا أعرف متى ولا كيف سأخرج منه، وأيضا رؤيتى أنى فى امتحانات، ولم أذاكر، وخائفة من الفشل، وأحيانا أرى فى منامى أننى أتعرض للعديد من الحوادث، وأموت فيها.. سلسلة من الأحلام والكوابيس تنتابنى يوميا، بل يمر شريط الذكريات من البداية وحتى الآن كل ليلة فى ذاكرتي، ولا يفارق لسانى وقلبى الدعاء بأن يكون كل ما أراه فى منامى مجرد أوهام، إذ أننى لم أؤذ أحدا، ولم أظلم أى مخلوق، وأخاف الله، وأحمده سبحانه وتعالى على كل شيء، وقد بذلت أقصى ما فى استطاعتى للخلاص من أسر هذه الكوابيس فلم أستطع، فهل أجد لديك ما يساعدنى فى استعادة نفسي، والخلاص من العذاب الذى يتملكني، ولا أجد له مخرجا؟



> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

من عانت تجربتك ونجت من الموت المحقق مرتين بمقاييس الطب المتعارف عليها، لا تضل ولا تشقى بعد أن أدركت أن الأعمار بيد الله، وأن الذى نجاها من مرضها قادر على أن يزيح عنها أى مكروه، ومن ثم التسليم بأنه سبحانه وتعالى هو الشافي، فما تعانيه من كوابيس وأحلام مزعجة ليس إلا رد فعل طبيعى للتجربة التى مررت بها، ولا يمثل شيئا فى الحقيقة، وربما تحتاجين إلى بعض الوقت لكى تتأكدى من ذلك، ولن يستطيع أحد أن يخرجك من هذه الدوامة ولا سبيل أمامك للخلاص من حالة الخوف والتردد التى تعتريك إلا اليقين بأن المولى عز وجل عنده مفاتيح كل ما يخفى علينا، حيث يقول فى كتابه الكريم؛ «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين»، ويقول أيضا «ما أصاب من مصيبة فى الأرض، ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير»، فالإيمان بالقدر خيره وشره هو الذى يجنب الإنسان القلق النفسى ويحميه من الصراع والحسرة والجزع، فلابد أن يتقبل الإنسان الأحداث التى تواجهه بنفس راضية، فيشعر بالطمأنينة وراحة البال، فالخشية الحقيقية يجب أن تكون من الخالق، أما الحرص والخوف من فقد المكاسب الدنيوية فهو من الصفات التى تشير إلى ضعف الإيمان لقوله تعالى «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، وفى موضع آخر يقول «فعسى أن تكرهوا شيئا، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا».

والاتزان النفسى هو السبيل الأمثل نحو حياة مستقرة، حيث يطلب الله منا التوازن فى انفعالاتنا، إذ لا يحب لنا الفرح الشديد، ولا الحزن العميق، فقال «لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور»، ولنا فى رسول الله أسوة، فلقد حزن عند وفاة ابنه إبراهيم وقال «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما نرضى به ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

وإنى أراك عقلانية فى كل تصرفاتك، فلا تتوقفى كثيرا عند ما يسيطر على تفكيرك من أن إعلان التحاقك بفرصة عمل مجزية، قد جعلك موضع حسد من الأهل والمعارف، ولذلك أصبت بانفلونزا الخنازير ثم توالت متاعبك الصحية، صحيح ان الإنسان يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان، لكنه لا يخفى ما أفاء الله عليه به من نعم لقوله تعالى «وأما بنعمة ربك فحدث»، والله هو الرزاق، وما على المرء إلا أن يأخذ بالأسباب، ولا يقلق ولا يتوتر، ولا يخالف منهج الله لكى ينال بعض المكاسب الدنيوية، وليشعر بالاطمئنان لأن الله تكفل برزقه، وقدر له ما هو فيه ويقول الشاعر:

اقنع بما ترزق يا ذا الفتي

فليس ينسى ربنا نملة

إن أقبل الدهر فقم قائما

وإن تولى مدبرا نم له

إن النتيجة الحتمية لعدم الرضا بما قسمه الله، والقلق والخوف هو الضغط النفسى الذى يؤثر على الأعصاب فى الدماغ فتقل كميتها وتشابكها مع بعضها وتتعرقل وظائفها، وقد تؤدى إلى الإصابة ببعض الأمراض ومنها الأمراض الجلدية، والشعور الدائم بوجود مرض عضوى على غير الحقيقة، وتخيل أشياء لا وجود لها فى الواقع، والسبيل الوحيدة أمامك للتغلب على ما تعانينه هو أن تجلسى بمفردك، وتراجعى موقفك من الهموم التى تشغلك وليكن دعاؤك إلى الله بأن يمنحك القوة لتغيير الأشياء التى تستطيعين تغييرها، وقبول ما لا حيلة لك فيه، ولتضعى الأمور فى حجمها الصحيح، ولا تحمليها أكثر مما تحتمل، فما ترينه فى المنام دليل على حالة القلق التى تعتريك مثل وجودك فى مستشفي، وأنك تخوضين امتحانا صعبا، وما إلى ذلك من رد فعل طبيعى لخوفك من أن تتكرر تجربة مرضك، ولو فكرت قليلا لأرجعت الأمر الى مصدره الصحيح، ولأيقنت أن الله منحك الكثير من فضله وكرمه.

وتذكرى دائما أحوال الأشد منك بلاء، فمن يرى بلاء غيره يهون عليه بلاؤه، قال سلام بن ابى مطيع: «دخلت على مريض أعوده، فإذا هو يئن، فقلت له: اذكر المطروحين على الطريق، واذكر الذين لا مأوى لهم، وليس لديهم من يخدمهم ويقوم على شئونهم، ثم دخلت عليه بعد ذلك، فسمعته يقول لنفسه: أذكرى المطروحين فى الطريق، واذكرى من لا مأوى لهم، ومن لا يجدون من يخدمهم»، وتذكرى أيضا لطف الله عليك الذى نجاك مرتين من مرض عضال لدرجة أنهم أطلقوا عليك «الحالة الميتة»، ولتتأملى موقف عروة بن الزبير، فلقد مات له ابن، ومن قبل ذلك بترت ساقه، فقال رضى الله عنه «اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت، وإن كنت أخذت، فقد أبقيت، أخذت عضوا، وأبقيت أعضاء، وأخذت ابنا وأبقيت أبناء»، فالبلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتى إلا بالخير.. قال ابن مسعود، لأن أعض على جمرة، أو أن أقبض عليها حتى تبرد فى يدي، أحب إلىّ من أن أقول لشيء قضاه الله، ليته لم يكن»، ويقول ابن الجوزى «رأيت عموم الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجا يزيد عن الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت!.. وهل ينتظر الصحيح إلا السقم، والكبير إلا الهرم، والموجود سوى العدم؟

لكل ذلك عليك ألا تجزعي، وقد تلاشى بلاؤك بما كتبه الله لك من الشفاء، واذا كنت قد فقدت عملك فإن الله سوف يهيئ لك ما هو أفضل منه، ولتضعى نصب عينيك قول الله تعالى «ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون»، واذا سيطر عليك التفكير فى أى أمر من الأمور التى تثير قلقك، غيّرى مسار تفكيرك إلى شيء إيجابي، وافتحى صفحة جديدة من حياتك، قوامها الإيمان بالله والتوكل على الله وحينئذ سوف تتجاوزين الحاجز النفسي، وتجدين نفسك تحلقين فى عالم جديد من السعادة مع زوجك وابنتك، ويكفيك الحبوالحنان اللذان تتمتعين بهما من إخوتك وأبويك، وفقك الله وسدد خطاك وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أيام زمان
عضو فضى
عضو فضى
أيام زمان

ذكر
عدد الرسائل : 1314
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر المحروسة
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 510
نقاط : 7748
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime8/10/2016, 01:24

الفرحة العارمة
كما وعدت قراء «بريد الجمعة» بإبلاغهم بتطورات رسالة «الفزع الأكبر»
للقارئ الذى بعث بها من مكة المكرمة فى أثناء أدائه هو وزوجته فريضة الحج، راجيا ابنه الذى استولى على أمواله أن يعيد حق عماته إليهن، معترفا بخطئه حينما أكل أموالهن من الميراث بالباطل، وقد بعث لى ابنه بتعقيب على الرسالة بأنه نادم على ما فعله، وأن الفزع والخوف الذى يعترى والده من أن يلقى الله وهو على هذه المعصية، قد انتقل إليه، وأبدى استعداده بأن التقى معهم جميعا بعد العودة من الحج، وهذا ما حدث بالفعل، فلقد عقدنا جلسة مصارحة ومصالحة بين الأب والابن وعماته وإخواته، وتم الاتفاق على حساب التركة وقت وفاة رب الأسرة وتقسيمها وفقا لشرع الله، وتقدير قيمة الزيادة التى طرأت على الأسعار والأرباح المتوقعة عنها بعد استخلاص حق من قاموا على العمل، وحدد الرجل لكل منهن حقها، ووقع أوراقا بذلك، وآلت بقية التركة إليه، وقد جرت مفاوضات بينه وبين بناته واتفق الجميع على أن يظل باقى التركة باسمه وأن يحصل شقيقهن على مبلغ مناسب مقابل الجهد الكبير الذى يبذله فى هذه المشروعات، مع ترك كل شيء إلى ما بعد وفاة الرجل، وحينئذ يتم تقسيم تركته وفقا لشرع الله.

ما أحلى الرجوع إلى الحق، فبه تتحقق الطمأنينة، وتسود المحبة، ويعيش الجميع فى هدوء وأمان، وليت كل مغتصب حق ينتهج هذا المنهج، ويعلم أن ما يأكله بالباطل، إنما يأكل نارا، وسيصلى سعيرا.. أيها المغتصبون حقوق إخوانكم عودوا إلى رشدكم واعلموا أن الدنيا إلى زوال، وحاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم من لا يغفل ولا ينام، وإلى الله تصير الأمو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أيام زمان
عضو فضى
عضو فضى
أيام زمان

ذكر
عدد الرسائل : 1314
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر المحروسة
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 510
نقاط : 7748
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime8/10/2016, 01:25

بريد الجمعة يكتبه: أحـمد البـرى
الحيلة الماكرة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 2016-636113874542359437-235

أبعث إليك برسالتى وكلى أمل فى أن أجد من نصائحك ما ينير حياتي،
ويساعدنى على اتخاذ القرار المناسب الذى يضع حدا لمتاعبى وآلامي، فأنا سيدة فى الثانية والأربعين من عمري، نشأت فى قرية صغيرة بإحدى المحافظات لأب موظف بمصلحة حكومية، وأم ربة منزل، وخمسة أشقاء «ثلاثة ذكور وبنتين»، ولم تخل حياتنا من المشكلات والمنغصات مثل كل الأسر التى تعانى ضيق الحال، وساهمت فيها عمتى التى تكبر أبى ببضع سنوات، إذ كانت تحرضه ضدنا بلا أسباب، فلم يعرف سوى الضرب وسيلة للتعامل معنا، وصارت فى كل زيارة تبث فيه سموم كراهيتها لأمي، وحاولت كثيرا أن أفهم مراميها وأهدافها مما تفعله فينا، فلم أفلح، وكم استغربت التصاقها به وانسياقه إليها لدرجة أنه فى كل زيارة لها إلينا لا يغادر مجلسها، وعندما يحين موعد عودتها إلى بيتها لابد أن يوصلها بنفسه آخذا معه زيارة تستنفد راتبه كله، بل وكان يستدين أحيانا لتلبية ما تطلبه منه!

فى هذا الجو غير الطبيعى نشأنا، ولم نلتفت كثيرا لذلك، فقد كنا صغارا، وشغلتنا الدراسة عن أى شيء آخر، وتفوقت فى الابتدائية والإعدادية، ولما وصلت إلى الثانوية العامة، وفى خضم الاستعداد للامتحانات، جاءتنا عمتي، وفاجأتنا بطلب يدى أنا أو أختى التى تصغرنى بعامين للزواج من ابنها الفاشل، وكاد أبى أن يوافق على طلبها لولا أمى التى رفضت مجرد الحديث فى هذا الموضوع، ولم تبال برد فعله، إذ انهال عليها ضربا مبرحا، ثم طلقها على مرأى ومسمع من الجميع، فخرجت أمامنا وظللنا نبكى ونصرخ، وحاولنا أن نستعطفه، فلم يلن له جانب، وصار البيت نكدا فى نكد، ولم أذاكر كلمة واحدة بعدما خلا المنزل علينا من أمي، ورسبت فى امتحان ذلك العام، وظن المعارف والأقارب أن رسوبى معناه أننى لن أكمل تعليمي، وأن أبى سيوافق على أى شخص يطلبنى منه للزواج، فجاءنى من يريد خادمة لأمه وإخوته، حيث إنه يسافر للعمل بالخارج، ويأخذ إجازة شهرا واحدا فى السنة، ودارت مناقشات لا حصر لها فى أمره، وكان أبى قد رد أمى إلى عصمته، وانتهيا إلى موافقتهما عليه، لكنى تصديت لهما بكل قوة، وساندنى أخى الأكبر الذى عانى الكثير هو الآخر، والتحق بمدرسة ثانوية فنية، ولولا أننى هددت الجميع بالانتحار لما تراجع أبواى عن رأيهما، ولتزوجت ذلك الشخص رغما عني، وأعدت العام الدراسي، وحصلت على مجموع أهلنى لدخول كلية عملية لها مدينة جامعية، واجتهدت فيها، ودبرت حالى بالمصروف الزهيد الذى كنت أحصل عليه من أبي، والتحقت وأنا فى السنة الثالثة بعمل إلى جانب الدراسة، واستغنيت عما كنت أحصل عليه من أبي، وتباعدت زياراتى إلى المنزل، فكنت أذهب إليهم مرة كل شهر لمدة يومين، والتحق جميع اخوتى بالمدارس الثانوية الفنية، ووافقت أختاى على أول من تقدم للزواج بهما، ولم تنس عمتى أننا رفضنا ابنها، فناصبتنا العداء، أما أنا فرفضت مجرد التفكير فى الارتباط، ورفضت كل من تقدموا لخطبتى بحجة الدراسة والعمل معا، وكرهت أن يتحكم رجل فيّ، أو أن أجد من هى مثل عمتى التى لا تستطيع أن تتحملها أى زوجة لابنها!

ومرت سنوات وبلغت سن السابعة والعشرين، وركزت كل جهدى فى العمل، أما الحبوالزواج فلم يكن لى نصيب فيه، ولم يجذبنى أحد طوال تلك الفترة، ثم ارتحت إلى زميل لى حدثنى عن رغبته فى أن يتزوجني، وتقدم لي، وقرأنا الفاتحة، وظلت الأمور بيننا على ما يرام حوالى ثلاثة شهور، ثم تهرب منى وتوقف عن زيارتنا، واكتشفت أنه ارتبط بفتاة أصغر وأغنى مني، وفسخنا الخطبة فى هدوء، وبعد هذا الموقف العصيب الذى مازال يلازم مخيلتى حتى الآن، اضطربت حياتى تماما.. صحيح أن كثيرين أرادوا الارتباط بى لكن الأمور سارت على نحو غريب، فعندما كنت أوافق على أحدهم، يذهب ولا يعود مرة أخري، وعندما أرفضه يتمسك بي، لكنى أتجاهله ولا ألتفت إليه! وهكذا سارت بى الأيام إلى أن وجدتنى فى سن السادسة والثلاثين، وحدثتنى صديقة لى أن حياتى لن تستقيم بهذه الطريقة التى أعيشها، وأنه يجب أن يكون لى زوج وبيت مثل الأخريات وأشارت عليّ بعمل إعلان فى موقع للزواج، وستكون أمامى فرص كثيرة لاختيار من يناسبنى من رواد الموقع، ففوجئت بعدد كبير من راغبى الزواج، وطالعت بيانات الكثيرين، ومضت ستة أشهر دون اتصال مع أى منهم، ثم تعرفت على رجل أرمل توفيت زوجته قبل معرفتنا بعام، ولديه بنت عمرها أربعة عشر عاما، وولد عمره ثمانى سنوات، وهو يعمل فى السعودية، ويقطن فى مدينة بعيدة عن بلدتنا، ويعيش ابناه مع خالتهما التى لم تنجب، وتعتبرهما ابنيها بوصية من أختها الراحلة، وألح عليّ فى الزواج به، فعرضت الأمر على أمى وأختىّ، فحذرننى من هذه الطريقة فى الزواج، وقلن لى إن لم تقبلنى ابنته وهى فى هذه السن، فسوف تكون حياتى جحيما، ثم اننى لم أعرفه ولم أدرس طباعه، فكيف سأتزوجه وأنا التى أضعت سنوات طويلة بحثا عن الزوج المناسب؟!

ويبدو أن هذا الرجل هو قدرى فى الدنيا، إذ وجدتنى أوافق عليه، وليكن ما يكون، واتصل بأبى وشقيقى الأكبر، وحدد موعدا معهما لكى يزورنا إخوته لقراءة الفاتحة، إلى أن يعود من سفره بعد عدة أشهر للاتفاق على التفاصيل والشبكة وموعد الزفاف، ومضى كل شيء على ما يرام، وقال إنه سوف يجهز حجرة نوم جديدة، وأن ابنيه سوف يعيشان مع خالتهما، وطلب منى أن أوفر له مصاريف الزواج ومستلزماته بأن أدخله فى «الجمعيات» التى أنظمها، فأدخلته فى جمعية ثم أخري، وكان يرسل لى حوالة بالمبالغ المطلوبة منه، وقبضت له أكثر من جمعية، وأعطيتها له عندما عاد من السفر، وحجز أخى الأكبر قاعة الأفراح والبوفيه، ووجه الدعوات إلى الأقارب، وقبل الزفاف بثلاثة أيام اتصلت بى ابنته، وباركت زواجنا، وقالت لى إنها سوف تعيش معنا فنزل الخبر عليّ كالصاعقة، فلقد كان اتفاقنا أن نعيش بمفردنا، ولا يشاركنا حياتنا أحد وأن يقيم ابناه لدى خالتهما التى يحبانها كثيرا، تحقيقا لرغبتها وامتثالا لوصية أمهما، وسرحت بخيالى وسألت نفسي: كيف تكون حياتى مع بنت يتيمة الأم فى سن المراهقة، ثم تداركت الأمر سريعا، ورحبت بها، ولما التقيت أباها أبلغته بمكالمة ابنته، فرد عليّ بأنه عجز عن أن يرفض طلبها، بل إنها تشاجرت مع خالتها وتركت بيتها، وتقيم معه الآن.. أما شقيقها فسوف يظل عند خالته، ووجدتنى فى موقف صعب، ولا أدرى هل أكمل هذه الزيجة، أم أنهى خطبتى له، «فالجواب باين من عنوانه» كما يقولون، وفى النهاية امتثلت للأمر الواقع، وأنا أشعر بغصة فى حلقي، وانسقت إلى إتمام الزفاف وظللت أفكر دائما فى المجهول الذى أسير إليه بإرادتي، وفى يوم الزواج بادرت احدى عماتها بأخذها لديها خمسة أيام انقاذا للموقف، ولما دخلت الشقة لأول مرة، لم أجد حجرة النوم الجديدة التى اتفقنا عليها، واكتشفت أنه لم يجدد العفش القديم الموجود فيها، فانتابنى ضيق شديد، وظهر الغضب على وجهي، فأحس بالخجل، وبادرنى بقوله إنه لم يكن معه المبلغ الذى يكفى لشراء أثاث جديد، ووعدنى بأنه عندما يعود إلى عمله، سوف يرسل لى نقودا لأشترى الأثاث الذى أريده، وفى اليوم الثانى جاءنى أهلى وبعض أقربائي، فلم أعط فرصة لأحد للتعليق على الشقة ومحتوياتها.

ومرت الأيام الخمسة الأولي، وجاءت ابنة زوجى فإذا بها ضرة حقيقية مدللة جدا، فطلباتها مجابة، ولا تؤدى أى عمل فى المنزل مهما يكن صغيرا، فإذا أرادت أن تشرب، تنادى أباها لكى يحضر لها كوبا من الماء، وإذا رغبت فى أى شيء فإنها تأمره فيأتيها بما تريده، وهى جالسة أمام التليفزيون، وتتعمد شغله بكل ما أوتيت من حيل ودهاء، وتلاصقه فى كل حركة، وحتى عندما يدخل الحمام تظل واقفة أمام الباب، وتفتعل أى موضوعات للحديث معه فيها إلى أن يخرج، فتتعلق به ولا تغادر المكان الذى يجلس فيه، وعندما تجده يتحدث معي، تسرع إلى ارتداء ملابس أمها التى تحتفظ بها حتى قمصان النوم والملابس المثيرة، وتنخرط فى بكاء مرير، فيلازمها أبوها طول الليل، ويتبادلان الأحضان والقبلات كأنهما عاشقان محرومان من بعضهما، والتقيا فجأة!

وإذا خرج زوجى من البيت تدخل حجرتها، وتغلق الباب على نفسها، وأسمعها مندمجة فى الضحك وهى تحادث شخصا ما فى التليفون، فإذا جاء أبوها وطرق الباب عليها يعاودها البكاء والنحيب وتتورم عيناها فى دقائق، وتظل إلى جواره إلى أن يغط فى نوم عميق، فتنصرف إلى حجرتها، وبعد ساعة تعود إلينا مرة أخرى لتتبين ما إذا كان نائما أو مستيقظا، يعنى لا تترك لنا فرصة لنكون معا بمفردنا، وليس لدينا «ليلة خميس» ولا أى ليلة مادامت هى موجودة بالمنزل، ولا نغلق على نفسينا بابا إلا فى الأيام المتناثرة التى تدعوها فيها احدى عماتها للمبيت معها اشفاقا منها علينا، ولا يجمعنى بها حوار، وإذا تصادف ولفت نظرها إلى أمر ما، تتصل بأبيها وتغير الكلمات التى نصحتها بها، ثم تبكى كعادتها فمثلا عندما أنصحها بأن تغطى شعرها، ولا ترتدى الملابس الضيقة، حتى لا يعاكسها أحد، أو يقول إنها «بنت صايعة»، تقصر شكواها على اننى أصفها بأنها صايعة!، فتنهال عليّ الاتصالات من كل صوب، الكل يعاتبني، ويصبح عليّ أن أقدم تفسيرا مفصلا لكل كلمة أنطق بها، إن أفعالها وتصرفاتها توترني، وتستعمل أشيائى دون اذني، حتى تليفونى المحمول أفاجأ فى أحيان كثيرة بأن رصيدى انتهي، وكذلك تليفون أبيها، وتمسح الأرقام بعد كل مكالمة فلا نعلم بمن اتصلت، وتنكر دائما استعماله، ولم تسلم حقيبتى من التفتيش، حيث تأخذ منها بعض النقود، وأحيانا تأخذ من نقود أبيها ويعتقد اننى التى أخذتها، كما شككت فى أنه هو الذى يفتح حقيبتى ويتجرأ على ذلك، وحدث كل هذا خلال الشهر الأول من زواجنا!

وأنهى زوجى عمله بالخارج، والتحق بعمل فى مصر، لكن حياتنا لم تعرف طعم الاستقرار بسبب ابنته، وبمرور الأيام اكتشف بالمصادفة أنها على علاقة بشاب يبتزها، ويأخذ منها كل ما تطوله يداها من أموال، فقرر معاقبتها بعدم الخروج من المنزل وأخذ الدروس الخصوصية فيه، فلجأت إلى حيلة غريبة، إذ تفتق ذهنها عن أن تذهب إلى قسم الشرطة، وتحرر محضرا ضد أبيها بأنه تخلى عنها لينعم بزواجه من أخرى بعد وفاة والدتها، ويريدها أن تعيش مع خالتها التى تذلها وتضربها باستمرار!! نعم قالت ذلك وهى متأكدة من أن أحدا لن يكذبها أو يفشى ما تفعله، واستسلم أبوها وخالتها للأمر الواقع، وعادت إلى البيت من جديد، ولم تتوقف مشكلاتها، وكلما افتعلت مشاجرة أو مشكلة يكتفى زوجى بالصمت بعض الوقت، ثم سرعان ما يعود إلى الضحك والقبلات، فابنته خط أحمر، لا تُعاقب ولا تُعاتب حتى لو سرقت وكذبت واتهمت الناس بالباطل، أو دخلت فى علاقات مشبوهة مع شباب لأنها يتيمة.

وقد افتتح زوجى مشروعا، ساهمت فيه بأخذ قرض من البنك على راتبى على أن يسدده من عائد المشروع، لكنه لم يفعل، وظل يعاملنى باحترام، ولم يصدر منه لفظ يضايقنى لمدة عامين، وفى الوقت نفسه ترك الحبل على الغارب لابنته التى ارتبطت بعلاقة مع أكثر من شاب، وكلما مر بضائقة مالية فى المشروع، ولا أستطيع تدبير المبلغ الذى يريده، يصيبه الضيق والضجر، ثم تبدلت معاملته لي، وعندما أعاتبه يتطاول عليّ بألفاظ جارحة، وظهرت فى حياته نساء أخريات يتبادل معهن الضحكات، ويتحدث بالساعات، ونحن جالسان معا، ويدّعى أنهن أمهات زميلات ابنته ويأخذ آراءهن فى مشكلات البنات!، وشكوت صنيعه هو وابنته إلى شقيقاته فوعدننى بالتدخل والصبر، ثم أفاجأ بأن النتيجة مزيد من العناد والمضايقات، وصار عليّ أن أجارى ابنته فى الكذب، وإلا فلا مكان لى فى بيته!

ولقد بدأت رحلة البحث عن الحمل والانجاب حتى تهدأ نفسي، وليس لدى أى مانع عضوي، وأجريت لى عملية حقن مجهرى ولكن لم يحدث الحمل، ووصلت إلى مرحلة من الضيق الشديد، ولم أعد أطيق الحياة على هذا النحو المرير، وأتحجج بأى مناسبة عند أهلى لكى أخرج من البيت، فتتاح لى رؤية وجوه باسمة عدة ساعات قبل أن أعود إلى الدائرة نفسها من المضايقات التى لا نهاية لها، والحقيقة اننى لم أبح لأحد من أهلى بظروفي، فلقد حذرونى من هذه الزيجة، لكنى أصررت عليها وأتممتها رغما عنهم، ومر على زواجى حتى الآن أربع سنوات، وازدادت حالة ابنته سوءا بعد التحاقها بالجامعة، وحقوقى كزوجة مرتبطة بمشكلاتها، ومع كل يوم جديد أشعر بالحسرة والندم، وأفكر فى الخلاص مما أعانيه بطلب الطلاق، فهل أكون مخطئة إذا أقدمت عليه؟ وما الذى يمكننى أن أفعله حتى تستقر حياتي، وأشعر بالهدوء والسكينة اللذين لم أعرف إليهما طريقا حتى الآن؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

من ترتبط برجل سبق له الزواج ولديه أبناء صغار، يجب أن تدرك أن أبناءه سيعيشون معه إن آجلا أو عاجلا، ولذلك تحفظت أمك وأختاك على هذه الزيجة، لكنك أصررت على إتمامها، وفى يقينك أن زوجك سوف يلتزم بما وعدك به من أن ابنه وابنته سوف يعيشان مع خالتهما، لكنه لم يفعل ذلك، وأوعز الى ابنته أن تحدثك فى الهاتف، وتبارك لك زواجك من أبيها من أجل أن تزيل من نفسك ما يعلق بها تجاهها، وهو تصرف لا أعتقد أن البنت أتته من تلقاء نفسها، وإنما دفعها إليه أقاربها وربما خالتها، وعماتها بالاتفاق مع أبيها، فالبنت فى سنها الصغيرة من الصعب أن تفعل ذلك بمفردها، كما أن والدها لم يلتزم أيضا بما وعدك به من شراء حجرة نوم جديدة، وخلافه، بل إنه استغل عملك فى الحصول على قرض للمشروع الذى أسسه بعد إنهاء عمله بالخارج.. لقد كان عليك أن تدركى ذلك منذ البداية، فتقبلين ابنيه كما هما أو ترفضينهما، ويبدو أن هناك جوانب أخرى لم تذكريها تتعلق بابنه، وكيف يعيش هو مع خالته، ويترك أباه، وكيف تمضى الحياة به بعيدا عن أبيه، ولماذا لم ينضم الى أخته؟.

لقد تصور زوجك أن موقفك من ابنيه سيتغير بمرور الأيام، لكنك لم تفعلى ذلك ومازلت برغم مرور أربع سنوات على زواجك على نفس موقفك الرافض لابنته، وهى نفسها تعى ما يكنه صدرك تجاهها، وأحسب أنها تتعامل معك على هذا الأساس، ولذلك تفننت فى إبعادك عن أبيها من منطلق نفسى بحت، فهى عندما ترتدى ملابس أمها، فإن عقلها الباطن يرى أنها تؤدى نفس الدور المطلوب منك، وبالتالى سوف يتخلى أبوها عنك تدريجيا، ليعيش أجواء الماضى التى عاشها مع أمها، وكذلك حديثها الدائم له، حتى وهو فى الحمام، وهى تصرفات كان ينبغى عليك تجاوزها واحتواؤها فى مهدها، فتظهرين لها عدم ضيقك أو امتعاضك مما تفعله، ولو أنك فعلت ذلك، لتوقفت هى عن تكرار ما تفعله، لكن حالة الضيق والتبرم والغضب التى تعتريك عندما تفعل ذلك هى التى جعلتها تتمادى فى تقليد دور الزوجة.

وفاتك أيضا أن تعطيها هى وشقيقها الذى استقر مع خالته العاطفة والحب والحنان، فالوضع المعتاد بين زوجة الأب وابنائه يظل بين مد وجزر الى أن تكسب ثقتهم، وتقترب منهم، وتدخل الى عالمهم، وبالتأكيد سوف تنجح محاولاتها مع الزمن خاصة اذا عرفت أن مرحلة المراهقة تحتاج الى الكثير من الصبر والتفاهم، وهى مرحلة قد تعجز الأم نفسها عن حل مشكلاتها أحيانا، ومن هنا يمكن أن تكون زوجة الأب صديقة قاسية عند اللزوم، وحنونة دائما، لكى يتقبلها أولاد زوجها، مما يضفى على العائلة الاستقرار، والحقيقة أن هناك الكثيرات من زوجات الآباء يجسدن نموذجا حقيقيا للعطف والحنان والحب والتقدير والاحترام، بل إن زوجة الأب تتفوق أحيانا على الأم عندما تكون أكثر واقعية وتعليما وخبرة ومهارة.

وإذا كان قد فاتك حتى الآن أن تبثى ابنيّ زوجك الحب والعاطفة، فلتسارعى الى ذلك، فالحقيقة أن الزوجة التى يفتقر قلبها لأى عاطفة أو حب تجاه أبناء زوجها، فإنها تكون قد فقدت أهم الصفات البشرية، ألا وهى صفة الإنسانية، وأنت لو فعلت ذلك سوف تظهرين لابنة زوجك الجوانب الحسنة فيك، وينبغى أن تؤكدى لها أنك تتمنين لها السعادة والنجاح، وتعتبرينها ابنتك، فإذا لم يقدر الله لك الإنجاب، فلتكن هى وأخوها ابنين لك، إذ أن استمرارك على هذا النهج الرافض لهما لن يزيدك إلا هما وغما وغضبا، أما اذا ألنت جانبك تجاههما، فسوف تتسلل السعادة الى قلبك، وستدركين وقتها أنك أخطأت فى حق نفسك.

ولا شك أن تنشئتك الاجتماعية وسوء المعاملة من جانب أسرتك، هما اللذان جعلاك أكثر حقدا وكرها للآخرين، ومن ثم جاءت طريقتك فى التعامل على هذا النحو، ويمكنك مع زوجك فى جلسة من المصارحة التامة أن تتبينا خطوط حياتكما من جديد، ولتبادرى بطلب أن يكون الابنان معك وتحت رعايتك، وأن تراعى الله فى معاملتهما، وتلتزمى بما أمرنا به من الإحسان الى الصغير، وتحوّلى شعورك بالخوف والضعف والعجز وغيرها من الأحاسيس المتضاربة الى مشاعر محبة وعطف وحنان، وعلى زوجك أيضا مد جسور التواصل بينك وبينهما، وإقامة علاقة قوية معهما، ولتتخذا من التحاور والتشاور أسلوبا للتفاهم فى الأساليب المناسبة لتربيتهما.

وأراك قد امتلكت الحلم منذ ارتباطك بزوجك فى تعاملك مع ابنته، فلا تضيعى جهدك الآن بالغضب، وطلب الطلاق وتحضرنى كلمة بليغة لعبدالله بن عمر رضى الله عنهما، قال فيها «إياك وعزة الغضب فيصيرك الى ذل الاعتذار»، فالإنسان حين يغضب يتصور نفسه فوق الآخرين، وقد يأتى تصرفا يجبره على الاعتذار عنه عندما يفيق من غضبه، وقال الشاعر أيضا:

وفى الحلم ردع للسفيه عن الأذى

وفى الخرق إغراء فلا تك أخرقا

فتماسكى وافتحى صفحة جديدة مع زوجك الذى يجب عليه أن يدرك أنه اذا فقدك فلن يهدأ له بال، وليعلم أن معظم النار من مستصغر الشرر، فليتوقف عن الحديث مع من يدعى أنهن أمهات صديقات ابنته، وليتق الله فيك وفى ابنيه، وأرجو أن تعيدا النظر فى فلسفتكما معا فى الحياة، وتقربا المسافات بينكما، ولتحتوى ابنيه، وسوف تسعدين بهم جميعا بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بنت النيل الأصيل
عضو مجتهد
عضو مجتهد
بنت النيل الأصيل

انثى
عدد الرسائل : 359
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مركب شراعي
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Doctor10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 110
نقاط : 6490
ترشيحات : 4
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime14/10/2016, 23:18

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
العجوز التائهة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 2016-636119987907852955-785

أعرف أنك سوف تندهش من رسالتي، فربما لم تصادفك رسالة مثلها من قبل،
لكنى رأيت أن أعرضها عليك عسى أن تساعدنى على الخلاص من الكابوس الجاثم فوق صدرى، وما أكتبه إليك جزء بسيط من مأساة أعانيها منذ أن وعيت على الدنيا وحتى الآن، فأنا رجل تجاوزت سن الستين بقليل، وعملت مدرسا بالتربية والتعليم عقب تخرجى من الجامعة، وترتيبى قبل الأخير بين سبعة أشقاء «أربع بنات وثلاثة ذكور»، وعشنا فى كنف أب كان ملاكا بين البشر، يتميز بالحنان والخلق الرفيع والتواضع الجم، والكرم وبر الوالدين، وكل الصفات النبيلة، أما أمنا فعكس ذلك تماما، فلقد تملكها حب السيطرة والتسلط، ودأبت على محو شخصية كل من تتعامل معه، حتى نحن أولادها أهانتنا وأذلتنا، وحقرت من شأننا، ولم نسلم من ضربها المبرح لأتفه الأسباب، ولا أنسى أبدا أختى التى لسعتها بالنار لأنها تأخرت فى الكلية نصف ساعة، إذ تجمعنا حولها، وأبعدناها عنها بصعوبة بالغة، وسط صرخات أختى التى لم ترتكب إثما ولا جريرة، وعندما تجرأت إحدى شقيقاتى وردت عليها نالتها علقة ساخنة، وكوتها بالنار فى ذراعها، ولم تمح السنوات أثر هذه الحروق التى تشهد على جبروت أمى، وظللنا مجرد أدوات لتنفيذ رغباتها. «اذهب إلى فلان، وقل له كذا، لاتتعامل مع هذا الشخص، فلان يجب أن نحبه ونتعامل معه»، سلسلة طويلة من الاملاءات اليومية التى نتلقاها وننفذها فى صمت، ولا تسألنى عن شخصياتنا، فلقد محت تماما شخصية كل من تعامل معها، وذاق أبى الأمرين منها. فهى صاحبة القرار فى كل أمورنا، فإذا اقترح شيئا أو أبدى رأيه فى موقف، فهو رأى فاسد وباطل، ولا يناله من اقتراحه سوى السخرية والاستهزاء، وعندما تتكلم يسكت الجميع، وإلا فإنها تقيم الدنيا ولا تقعدها.

ولكى تحكم سيطرتها التامة علينا، استعانت بأشقائها فهى من إحدى محافظات الوجه البحري، وتعيش أسرتها هناك، وأبى من القاهرة، ونسكن فى أحد الأحياء بها، وكلما أنهى أحدهم دراسته يأتى الينا ويقيم معنا، إلى أن يجد عملا ومسكنا مستقلا، وتراوحت إقامة كل منهم فى بيتنا مابين خمس وسبع سنوات وخلال هذه المدة الطويلة تخدمهم أخواتى وتلبين مطالبهم، وتتولين كل أمورهم من ترتيب الغرفة إلى إعداد الطعام، وكى الملابس، وصارت لهم الكلمة العليا فى المنزل، يأمروننا بما يريدون، ويفعلون ما يشاءون، وساروا على دربها بالتقليل من شأننا، وإضعاف عزيمتنا، وضربنا بلا مبرر، فإذا تجرأنا وشكونا إليها ما يفعلونه بنا، فإنها تزيد عنفها ضدنا، وليس لنا مصير لديها سوى الضرب والإهانة، وهم لهم العزة والكرامة، ولم ينج أحد من هذه المهانة سواء منها أو من أخوتها سوى شقيقنا الأكبر، فهو فى نظرها المتفوق لأنه دخل كلية الهندسة، برغم أن إحدى شقيقاتى دخلت الكلية نفسها، لكنها رأت أنه كل شيء بالنسبة لها فمصير البنت ـ كما تراه ـ الى بيت زوجها، وعندما تذهب الى بلدتها فى أى مناسبة فإنها تتباهى به، وتقول عنه شعرا، ولم تعد ترى فى الدنيا غيره، فحلّ محل الجميع بمن فيهم أبي، وقد لا تصدق كلامى أننا شاهدناه أكثر من مرة فى وضع مشين معها، فأصابتنا حالة ذهول وهلع، وطار النوم من أعيننا، وتحولت حياتنا الى نكد دائم، لكننا كتمنا هذه الفضيحة داخلنا، ولم نبح بها لأبينا خوفا عليه من الصدمة القاتلة، وحاولنا أن نلفت نظرها من بعيد الى الجريمة التى ترتكبها فى حقنا وحقها وحق أبي، وأن ما تفعله حرام وسوف تلقى عذابا أليما يوم القيامة، فصاحت فينا، وكذبتنا، وهددتنا بالطرد من البيت إذا نطقنا بأى كلمة، وعلى هذا النحو استمرت حياتنا معها.

وقد تسألنى: أين أبوك من تصرفاتها التى تنبئ بأنها غير «سوية»، ولماذا تحمل كل هذا العذاب، ولم يطلقها، فيسترح من عذابها، وتستريحوا من غطرستها؟ فأجيبك بأن أبى كان يعمل فى أحد مصانع القطاع الخاص، ويظل فى عمله أكثر من ثمانى عشرة ساعة يوميا، ويعود منهك القوي، فينام على الفور، ولم يكن لديه وقت لمناقشتها أو الحديث معها، وكان كل همه المحافظة على صورتنا العامة وعدم الخروج على تقاليد عائلتنا التى تمنع الطلاق بل وتجرمه، ولعل ذلك هو ما جعل والدتنا تتمادى فى ظلمها لنا، ولم تكن تعنيها صورة كل أخت من أخواتى أمام أهل زوجها، فكانت تخرج من البيت ذليلة منكسرة، إذ أنها لم تساعد أيا منهن، ولذلك فإن من يخرج من البيت لا يريد العودة إليه، لا بنت، ولا ولد، وترقبنا جميعا سرعة الخلاص منها، وكفانا ما لاقيناه منها من كسر نفوسنا وإذلالنا، وخلا البيت عليها هى وأبي، فمارست سلطانها عليه إلى أن مات من الهم والكمد والقهر والغيظ.

ومرت سنوات طويلة استقل خلالها كل منا بحياته وأسرته، وحاولنا جميعا أن نكون على وفاق معها لكن هيهات لمثلها أن ترضي، وقاطعها الجميع بمن فيهم شقيقى الذى ربطته بها علاقة آثمة فى سن الشباب، ولم تسترح لأحد لا نحن أولادها، ولا أحفادها، ومات شقيقاي، وإحدى شقيقاتى، وتصورت أن رحيل عدد من أبنائها سوف يغير طباعها وتكون أكثر سكينة وقربا من الله، وحاولت أن أقترب منها، ودعوت الله أن يهديها، ويلين قلبها، ولكن هيهات أن تتزحزح قيد أنملة عن موقفها المتعنت، بل انها ازدادت شراسة، وعنفا، وإهانة لكل من يجرؤ على الاقتراب منها! وأصبحنا نخاف من زيارتها، ولقد استجمعت قواي، وذهبت إليها، وسألتها عما إذا كانت تريد أى شيء فألبيه لها، لكنها قابلتنى بنفس السخرية والاستهزاء والتقليل من شأنى، كما كانت تفعل وأنا شاب صغير.

إنها الآن فى التسعين من عمرها، وأنا خرجت إلى المعاش، وأريد أن نلقى الله، وقد عفا عنا لكنها لا تعطى فرصة لأحد لمجرد الحديث معها، وحتى اذا اتصلت بها عبر الهاتف المحمول لا أجد منها سوى السباب والشتائم، وقد لجأت إلى أولادي، وأفهمتهم أن يتحملوها وهى فى هذه السن المتقدمة، ولكن كلما زارها أحدهم يعود إليّ ويقسم بالله أنه لن يذهب إليها مرة أخري.. إن قصتنا مع أمى كلها غرائب وعجائب وما ذكرته لك قليل من كثير، وأرجوك أن تساعدنى على أن أكون إلى جوارها، ونحن على أبواب النهاية، فماذا أفعل؟، ولمن أذهب؟.. إن الدموع تنساب من عينىّ وأجدنى وحدى والناس نيام أنخرط فى بكاء مرير، وأتطلع إلى السماء وأرفع يدى داعيا الله سبحانه وتعالى أن يلين قلبها، وأن تدرك أخطاءها، حتى تعود إلى ربها راضية مرضية، ولك منى التحية والسلام.

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

عندما يغيب دور الأب والزوج فى حياة أسرته تنهار القيم والأخلاق وتتصدع «الرموز الوالدية» وتختل منظومة الأسرة، ومن ثم تتداخل الأدوار، فتقوم الأم بدور الأب، ويصبح الخال رجل البيت، أو يملك العم أو الأخ الأكبر زمام الأمور، ويستحوذ على الأم إلى الدرجة التى وصلت إليها أمكم مع أكبر أشقائك، فاضطربت الأدوار والعلاقات، وغابت معانى الحب والايثار والتراحم والمودة، وحلت محلها الغيرة والكراهية والتصارع والاستحواذ والحقد والرفض والاشمئزاز والحيرة والغضب والتشوش والتناقض، ومن ثم سقط النظام فى أسرتكم، وكل ذلك كان يقتضى منذ البداية أن يضع أبوك الأمور فى نصابها الصحيح، صحيح أنه لم يعلم بما فعلته والدتكم مع شقيقكم الأكبر، لكنه على الأقل كان يدرك أن المنهج الذى تسير عليه بفرض آرائها بالقوة والصوت العالي، ليس أمرا طبيعيا، ومن ثم يحدد معها حدود ما يمكن أن تتدخل فيه، فالقوامة للرجل، وليست للمرأة، فإذا سيطرت على كل شيء يصبح وجوده والعدم سواء، ولا يبرر غياب دوره أنه يعمل معظم ساعات اليوم، أو أنه يخشى الطلاق الذى تمنعه التقاليد، فالمرأة التى تتخطى حدودها، يصعب إصلاحها بمرور الأيام، ولو وضع الأمور فى مواضعها الصحيحة، لاعتدلت واستقامت، وإلا فليكن الطلاق هو الحل الذى لا بديل له.

وأغلب الظن أن أمك تعانى مرضا نفسيا مزمنا، فمن ترتبط بعلاقة آثمة مع ابنها لا يمكن أن تكون انسانة طبيعية أبدا، وكان يجب لفت نظر شقيقك الذى تورط فى هذه العلاقة إلى جرم ما يفعله، والذى كان من نتيجته تفكك الأسرة، وانفصال كل واحد إلى حياته الجديدة، رافضا العودة إلى بيت العائلة تحت أى ظرف من الظروف، بالاضافة إلى التلوث النفسى والأخلاقى والاجتماعي، والانهيار الروحي، وما قد نشأ من تلوث بيولوجى يتمثل فى اضطراب الجينات وتداخل الأنساب، فهى مريضة نفسيا، ومضطربة الوعى والشخصية، ولا أدرى كيف انجرفت إلى هذه الهاوية، فعلاقة الأم بالابن هى أكثر العلاقات احتراما وتحريما فى كل الثقافات، وليست فى الأديان وحدها، ولذلك فإن هذه العلاقة الآثمة هى الأكثر ندرة فى العالم كله، والغريب أنها لم تفطن إلى فداحة ما ارتكبته واعتقد أن شقيقك هو الذى انصرف عنها بعد استقلاله بحياته الخاصة، ولعله قد تاب عن ذنبه قبل رحيله عن الدنيا، وانتظاره لقاء الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أيضا فإن سياسة الصمت التى اتبعها أبوك، وأملتها عليكم أمكم للتغطية على ممارساتها غير المقبولة، كان الهدف منها المحافظة على استقرار البيت ولكن أين هو الاستقرار إذن؟ إنك تتناول أحداثا يزيد عمرها على أربعين عاما أو أكثر، ومع ذلك مازالت محفورة فى داخلك، ولا تغادر عقلك، وهذا العذاب النفسى عاناه بالتأكيد اخوتك، من رحل منهم، ومن مازال على قيد الحياة، وكان التفكير السليم يقتضى من أبيك مواجهة أمك برفضه املاءاتها، لا أن يسايرها فيها.

وإننى لا ألومك على انك واخوتك لم تتدخلوا وقتها لاصلاح اعوجاج أمكم، فالمسألة كانت وقتها أكبر من قدراتكم النفسية والعقلية، وأقدر معاناتك الآن، وهى فى هذه السن المتقدمة، ولكن ينبغى أن تصبر عليها وعلى طباعها، فهذا من البر الواجب والمعروف فى المصاحبة، وحسن العشرة، وعليك أن تدع كل حديث وأسلوب يستثيرها ويغضبها، وأن تقتصر فى الكلام على بيان ما قدمته لكم من خير، وما تريده وترغب فيه، وأن تبذل ما فى استطاعتك لتوفيره لها، فإذا ثارت فى وجهك كما هى عادتها، فاصمت تماما حتى تهدأ، ومهما حدث فهى أمك، وسيكون حسابها عند الله عز وجل، وربما تكون قد تابت إليه عز وجل، فهو أعلم بالسرائر، وما يأمرنا به هو أن نحسن معاملة آبائنا وأمهاتنا, حيث يقول تعالى «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا، إما يبلغن عندك الكبر، أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما» سورة الأسراء آية 23.

إننا مأمورون بصلة الرحم، وفى ذلك آيات وأحاديث كثيرة منها قول الله سبحانه وتعالى فى حديثه القدسى «أنا الله، وأنا الرحمن ، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته وبتته»، هذا فى الرحم، فكيف بالأم التى كانت سببا فى وجودك بعد الله جل وعلا؟، وحين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، قال: الصلاة فى وقتها، ثم بر الوالدين»، وإننى أقدر موقفك وسعيك إلى مد جسور الصلة مع والدتك فى هذه السن المتقدمة، ولتعلم أن لكل انسان مفتاحا ففتش عن مفتاح قلبها واستخدمه بذكاء وفطنة، وعليك أن تستعين بأخواتك اللاتى مازلن على قيد الحياة، وأولادهن وأولاد من مات من اخوتك، فيلتئم شمل العائلة من جديد، ومن المهم أن تتولى هذه المهمة بنفسك، فلديك الآن متسع من الوقت، وليتك تفاجئ أمك بزيارة جماعية، فتملأون عليها البيت وتنشلونها من وحدتها، أرجوك جرب وسوف تكون النتيجة هى ما تصبو إليه من إعادة والدتك التى تاهت فى زحام الحياة، ولا تجد الآن من يسليها وينقذها من وحدتها.. أسأل الله أن يعيدها إلى جادة الصواب، وأن يتوب عليها، وأن يحسن ختامها.. إنه على كل شيء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بنت النيل الأصيل
عضو مجتهد
عضو مجتهد
بنت النيل الأصيل

انثى
عدد الرسائل : 359
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مركب شراعي
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Doctor10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 110
نقاط : 6490
ترشيحات : 4
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime14/10/2016, 23:19

شركــاء الشـــر!

أنا سيدة فى السابعة والأربعين من عمري، نشأت فى حى شعبى عريق لأسرة من جذور ريفية،
وكان أبى يعمل موظفا فى مصلحة حكومية، وأمى ربة منزل، وهى ابنة عمه ولى خمسة أشقاء «أربعة أولاد، وبنت واحدة» وأنا أكبرهم، وتخرجنا جميعا فى كليات جامعية، وعشنا فى بيت كله صراحة وحب وكفاح، وكان لأمى شقيق وحيد، له ابن يكبرنى بسنة واحدة، وقالوا منذ صغرى اننى سأكون عروسا له، ولكنه مات فى أثناء حفل زفاف أخته الكبرى فجأة ودون اصابته بأى أمراض، وكان وقتها طالبا فى السنة الأولى بإحدى الكليات، وبعد حصولى على الثانوية العامة فى العام التالى تقدم لخطبتى الكثيرون لكنى رفضتهم جميعا بحجة الدراسة، ووضعت كل همى وتركيزى فى دراستى فكنت دائما من المتفوقين وخلال ذهابى إلى الكلية وعودتى منها أمر من أمام الجامع الذى يقع بالقرب من منزلنا، وكان يديره شيخ جليل يقترب عمره من سن التسعين، وله ابن صيدلى يدير أربع صيدليات فى القاهرة، ومتزوج من سيدة أرستقراطية، ولديهما ابن صيدلى حديث التخرج، ويقيم فى أوقات كثيرة مع جده وجدته اللذين يسكنان بنفس الشارع الذى نقطن فيه، وفوجئت ذات يوم عند عودتى من الجامعة بهذا الشيخ وابنه وحفيده فى بيتنا وطلبوا يدى لحفيده، ووافق أهلى على الخطبة على أن يتم الزفاف عقب تخرجى وكنت وقتها فى السنة الأخيرة بكليتى، ولكن قبل حفل الخطبة بيوم واحد جاءتنا أم العريس، وأخبرت والدتى أنهم اشتروا لابنهم شقة فى الحى الراقى الذى يسكنون فيه تضم أربع غرف، وصالة استقبال وقالت بالحرف الواحد «طبعا ماكنتوش تحلموا إن بنتكم تسكن فى الحى ده.. عليكم بقى فرش الشقة والمطبخ»، وعلى الفور ذهبت والدتى إلى جد العريس وجدته، وأخبرتهما بما حدث، فردا عليها بأن أمه كانت تريد أن تزوجه ابنة أختها، فلا تلقى بالا لكلامها، ووجدت أبى مهموما لما حدث، فسارعت إلى صيدلية والد العريس الموجودة فى شارعنا، واعتذرت له عن قبول ابنه زوجا لى لأننى أراه مثل أخى!

وصممت على قراري، ولم يمر شهر واحد على رفضى له حتى هاجر إلى أمريكا، وكانت فى انتظارى مفاجأة لم يتوقعها أحد، إذ جاءتنا جارتنا التى تسكن بالطابق الثانى فى العمارة التى نقطن بها، وهى مشهورة بأخلاقها الحميدة وربطتها بأمى علاقة وطيدة، وقالت لها إن أحد أشقائها يعمل مقاولا كبيرا وهو متزوج ولديه ستة أبناء، وفى سن أبي، ويلقبه أهل الشارع بـ «البرنس» نظرا لشياكته الفائقة، ولاقتنائه أحدث موديلات السيارات، وهو يرغب فى الزواج بي، وأنها مكسوفة من طلبه، لكنه ألح عليها بأن تعرض الأمر علينا فرفض أبى رفضا قاطعا مجرد الحديث فى هذا الموضوع فألححت عليه أن أصحبه إلى مكان هادئ للحديث معه فى هذا الأمر، وعلى مدى ثلاث ساعات تقريبا ناقشته فى أن زواجى من هذا الشخص سوف يجلب لى السعادة، فحذرنى من اننى سوف أظلم نفسى مع من يماثله سنا لكنى أصررت على موقفى، وكانت أعراض مضاعفات مرض الكبد قد بدأت فى الظهور على والدى، وتمت خطبتنا وقدم لى هذا الرجل شبكة تزن كيلو جراما من الذهب، وأثث شقة باسمى فى حى راق، وتم زفافنا بعد امتحانات الليسانس مباشرة، واكتشفت أن من بين أسباب زواجه بي، اصابة زوجته الأولى وهى ابنة عمه بعدة أمراض، وفشل أبنائه الستة فى التعليم فلم يحصل أى منهم على الاعدادية، وبينهم أربعة متزوجون، ولديهم أبناء، ولم أنج من المكيدة والمؤامرات الشريرة، فالتزمت الصبر مع الجميع حتى يقبلوا أن أكون واحدة منهم، فجميعهم متزوجون من داخل العائلة، ولا يوجد بينهم غريب سواى!

ورزقنى الله بثلاثة أبناء، ركزت كل وقتى لهم، وأدخلتهم المدارس الدولية، واستقدمت لهم أفضل المدرسين، وكنت محل فخر زوجى بما أصنعه معهم، وسافر زوجى مع ابنه الأكبر وزوج احدى بناته لافتتاح أعمال له هناك، وكان أبنائى وقتها فى المرحلة الابتدائية، ثم مات أبي، وجاءنى زوجى وطلب منى أن أصبر على سفره لأنه اكتشف تلاعبا فى الحسابات على يد ابنه وزوج ابنته، ومع بداية العام الدراسى الجديد طلبت أن يرسل لنا مصروفات المدارس، فرد عليّ بأنه يعانى بعض المشكلات فى السيولة، فبعت بعض مصاغى، وتكرر ذلك مرات حتى إنه لم يعد لديَّ جرام واحد من الذهب!

وتعب زوجى ودخل المستشفى لازالة حصوة بالكلي، وحرر توكيلا عاما لابنه الأكبر لإدارة أعماله، فوضع يده على كل شيء بهذا التوكيل، واندلعت ثورة عارمة بين أبناء زوجى الكبار «شركاء الشر»، وتبادل الجميع الاتهامات، وقال ابنه الأكبر إن زوج أخته وأمه يعملان لى ولأبنائى أعمالا سحرية، وردا عليه بأنه سرق كل شيء بالتزوير، ورأى زوجى ذلك فتملكه الحزن، وسافر إلى الامارات لانقاذ ما يمكن انقاذه! أما أنا فأخذت قرارا سريعا ببيع شقتى التى كتبها باسمي، واشتريت شقة صغيرة تسترنى أنا وبناتى بنصف الثمن، وخفضت مستوى معيشتنا، واستثمرت جزءا من أموالى فى تربية الماشية عن طريق خالى الوحيد، وكنا نأخذ الأرباح كل ستة أشهر، ولكن مرض الحمى القلاعية انتشر بعد حوالى عام، وخوفا من موت الماشية باعها خالى وأنقذنا من خراب محقق، وبعدها اشتريت قطعة أرض فى مدينة بدر، وذات يوم تعرض زوجى لحادث طريق نقل على أثره إلى المستشفى علاوة على الأمراض التى تكالبت عليه، وحاول ابنه الكبير أن يذل اخوته مني، فأمرهم مرة بكنس الأرض، ومرة بمسح سيارته، فمنعت أبنائى من الذهاب إليهم، فاستدار إلى التعليم وطلب من أولادى أن يكتفوا بما حصلوا عليه، ولا يكملوا تعليمهم فى الجامعة، وأيده أبوهم للأسف!! وقال أنا عمرى الآن ثلاثة وسبعون عاما وكفانى ما واجهته من متاعب فى حياتي، فطلبت الطلاق، فإذا به يتصل بإبنه الأكبر لتنفيذ طلبى، ووصل المأذون على الفور وتم الطلاق!، وأدركت بعد اثنين وعشرين عاما اننى ظلمت نفسى كما قال لى أبى رحمه الله. إن كل مالى مجمد فى قطعة الأرض، ولا أجد مشتريا لها لأكمل تعليم أبنائى الذين تخلى عنهم الجميع وتقطعت بى السبل، وصرت مرعوبة من كل شيء، ولا أدرى ماذا أفعل لكى أنقذ مستقبل أولادى وأنا لا أملك من حطام الدنيا سوى هذه الأرض؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

لقد اخترت الطريق الخطأ منذ البداية، وجذبك بريق الثراء الزائف، فتغاضيت عن أسباب التكافؤ فى الزواج ثقافيا واجتماعيا وماديا، وانسقت وراء الشقة الضخمة والسيارات الفاخرة، والذهب الذى أعطاه لك رجل فى سن والدك لكى ترضى به زوجا، ولم تدركى أن البدايات الخاطئة تؤدى دائما إلى عواقب وخيمة، ولو أنك قارنت وقتها بين وضع خطيبك الأول، ووضع زوجك المسن لكان الأول هو الأفضل لك، بعيدا عن كلمات أمه التى كانت تريد تزويجه من إحدى قريباتها، فلقد شرح لك جده وأبوه مراميها. ولكنه كان واضحا أن لك هدفا آخر, فزوجك لم يكن له غرض سوى أن يمتص رحيقك، ويتمتع بشبابك، وفارق السن الكبير بينكما، فلما تحقق له ما أراد، حان وقت الخلاص منك، فطلقك ليستأثر أبناؤه من زوجته الأولى بكل شيء، وعليه أن يتقى الله فى أولاده منك، وأن يعدل بين الجميع فهم فى مسئوليته، وسوف يحاسبه الله على تخليه عنهم، وإذا كان الله قد نجاه من الحادث الذى تعرض له، فليعد النظر فى مواقفه وتستطيعين أن تأخذى نفقة لهم وأن يكونوا تحت مسئوليته بحكم القانون.

أما قطعة الأرض التى تتحدثين عنها، فسوف يأتيك من يشتريها فى أى وقت، ولكن المسألة برمتها تقتضى التريث قبل اتخاذ خطوة جديدة قد تندمين عليها، وتبقى نقطة شديدة الأهمية تتعلق بعلاقة أبنائك بإخوتهم من الأب، فالمساحات المتباعدة بينهم سوف تخلف الضغينة بينهم، وتزيد الأحقاد، وتعمل على مزيد من التفكك بينهم، وسيأتى وقت يندم فيه الجميع على ما فعلوه بأنفسهم، وأحسب أن أباهم قادر على توطيد علاقتهم ببعضهم، ورأب الصدع الذى أصابهم، وبغير ذلك سيكون حصاده أكثر مرارة. وإنى أسأله: ألا تشعر بالحسرة والمرارة مما تعانيه الآن، وماذا كسبت من الزواج بمن هى أصغر من أولادك؟، فالدرس المستفاد من قصتكما ليس لكما وحدكما، وإنما هو عبرة وعظة لكل من يغريه المال، لأنه إلى زوال ولا تبقى سوى السكينة والهدوء وراحة البال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الكريم ربيع
عضو متألق
عضو متألق
عبد الكريم ربيع

ذكر
عدد الرسائل : 788
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 S3eed10
نقاط : 6855
ترشيحات : 6
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime22/10/2016, 00:43

بريد الجمعة يكتبه:أحمد البرى
الشبح الأسود!
أحمد البرى;


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 2016-636125958393886660-388


أتابع بريدك بانتظام وأتأمل تجارب قرائه فى بحر الحياة متلاطم الأمواج، وأحاول استخلاص الدروس والعبر من كل تجربة فيه، ولما ضاقت بى السبل، وانسدت أمامى الأبواب، لم أجد سواك لكى أعرض عليه حكايتى مع المتاعب والآلام،
فأنا سيدة مسيحية، نشأت فى أسرة مترابطة بالاسكندرية، وعشنا فى كنف أب حنون ربانا أحسن تربية، فالتحقنا جميعا بالكليات المختلفة عملية ونظرية، وأم سهرت على راحتنا، وعلمتنا الفضيلة، وغرست فى نفوسنا الحب والتعاون والنقاء وحسن الظن فى الآخرين، ولذلك أحبنا الجميع، المسلمون والمسيحيون، ولا أبالغ إذا قلت لك إن المسلمين دائما كانوا لنا أكثر قربا ومودة من بعض أهالينا وأفراد عائلتنا، وقد رحل أبى عن الحياة بعد تخرجى فى الجامعة، وتولت أمى مسئوليتنا بمفردها، وجاءتنى عروض زواج كثيرة، ولم أجد بين من تقدموا لى وقتها فارس أحلامى الذى طالما تمنيت أن ارتبط به، وكلما عرضت عليّ والدتى أحدهم أتحدث معها بصراحة عن عدم رغبتى فى الزواج به، فلا تعيد الحديث معى بشأنه مرة أخري، إلى أن طرق بابى مهندس حر جذب أمى بكلامه الرائع وأسلوبه الرشيق، فأثنت عليه ووصفته بأنه إنسان طموح، ولديه مشروع كبير فى مجال السياحة، لكنى لم أرتح له، وبخلاف كل مرة يزورنا فيها أحد الخطّاب، فإنها أعادت الحديث معى أكثر من مرة حول العريس الأخير، فوجدتنى مضطرة لقبوله من منطلق أن أمى تعرف مصلحتي، وتخشى عليّ من الرفض المتكرر للعرسان، كما أن هذا الشاب بدا لنا مختلفا عن الآخرين، ونحن نتقارب معا فى المستويات المادية والاجتماعية والتعليمية، وهو من الشرقية، وشاءت الأقدار أن نلتقى عن طريق أحد المعارف، ويكبرنى بعشر سنوات، واعتبرت أن هذا الفارق فى العمر سيجعله أكثر خبرة بالحياة، وسوف يكون أكثر عقلانية من الشباب المماثلين له فى العمر الذين لم تصقلهم التجارب، ولم يكتسبوا الخبرات التى يستطيعون أن يواجهوا بها ما يعترضهم من عقبات.

وبعد فترة خطبة استمرت ستة أشهر تزوجته، فإذا بى اكتشف منذ اليوم الأول لزواجنا انه ممثل بارع، فلقد أزاح القناع الذى كان يرتديه عن وجهه القبيح، وأذاقنى أقسى أنواع العذاب من ضرب وركل بالأقدام، ولم يكن يتركنى إلا عندما تنزف أنفى دما، وأسأله: ماذا فعلت لك لكى تعذبنى وتهينني، فيرد بالتمادى فى ضربي.. وفشلت فى معرفة ما أرتكبه من أخطاء تجعله ينكل بى هذا التنكيل، وذات يوم جاءنى هائجا وأخذ يضرب رأسى فى الحائط حتى سال الدم منها، فصرخت بأعلى صوتي، وسمعنى جيرانى المسلمون، فسارع بعضهم الينا، ودقوا جرس الشقة، ولما فتح لهم الباب جذبوه بعيدا عنى بينما طلب البعض الآخر شرطة النجدة، فجاءت قوة حررت محضرا بالواقعة وللأسف تم حفظ المحضر بعد أن استخدم نفوذه ومعارفه، لعدم تحويله إلى القضاء، وبت تلك الليلة فى شقتي، وأنا فى أشد حالات الرعب، ومع بشائر الصباح جمعت بعض متعلقاتى الشخصية، وذهبت إلى بيت أسرتى للإقامة مع أمي، واتخذت قرارا بألا أعود إلى هذا المجنون بأى حال من الأحوال، وكان وقتها قد مر عام على زواجنا، ولم يمض شهر واحد حتى انتابتنى بعض المتاعب، فذهبت إلى الطبيب بصحبة والدتى فأخبرنى بأنى حامل، ونزل عليّ الخبر كالصاعقة، إذ سيأتى مولودى إلى الدنيا وأنا وأبوه على خلاف حاد، ولا تبدو فى الأفق أى بارقة أمل لإصلاح أحواله، وبعد أن هدأت قليلا أبلغته بحملي، فلم يكترث أو يهتم بأمري، وتجاهل تماما أننى زوجته، وتصرف فى ملابسى ومتعلقاتى الشخصية وعفشى الثمين ومجوهراتى ولم يعد لى حق مطالبته بها، بل باع أيضا شقة الزوجية وانتقل إلى سكن آخر مجهول، وبحث عنه أهلى دون جدوي، ثم عرف مكانه بعض معارفنا، والتقوا به، وحاولوا بكل الطرق الودية والدينية الضغط عليه لكى تعود المياه إلى مجاريها بيننا لكنه رفض رفضا قاطعا أى محاولات للصلح، ولم أجد سببا لعناده إلى هذا الحد وهو الذى كان يهيننى ويذيقنى العذاب أشكالا وألوانا دون أن أرتكب فى حقه إثما ولا جريرة.

ووضعت ابنتى ونور عيني، وتولت أمى مصاريفنا من مالها الخاص البسيط، ومرت سنوات لا ندرى عنه شيئا، وكبرت الطفلة، ولم يفكر فى رؤيتها أو السؤال عنها. أو أن يصرف عليها مليما واحدا على الرغم من قدرته المادية، فهو مهندس حر، ولديه شركات وشاليهات بالغردقة وشرم الشيخ ويؤجرها للسياح بالدولار، وساءت أحوال والدتى المادية، فباعت الشقة الكبيرة، التى كانت تجمع الأسرة، واشترت شقة أصغر منها فى المنطقة نفسها التى نعيش فيها، ووفرت مبلغا من المال لتسيير أمورنا ومواجهة متطلبات المعيشة، ورأت أيضا أن الشقة الجديدة فى مكان بعيد عن الشقة السابقة، وبالتالى لن يعرف طريقا إلينا، وهذا ما حدث بالفعل لمدة أربع سنوات، ثم فوجئت بأنه كان يحصل على أحكام غيابية ضدى برؤية ابنته فى الشرقية، مع أننى أعيش فى الاسكندرية، وأرغمتنى المحكمة على إعلامه بمكاني، فأرسلت عنوانى إلى المحكمة، وبمجرد علمه به، أمطرنى بعدد هائل من القضايا منها قضية ثبوت طلاق أمام شهود هم أخوته!، ثم طلقنى غيابيا وأثبت ذلك فى الشهر العقارى بعد أن قام بتغيير الطائفة التى ينتمى إليها لكى تتاح له فرصة تطليقي، وكبرت ابنتى والتحقت بالمدرسة، فى الوقت الذى لم يشعر فيه أبوها بأى مسئولية تجاهها، واضطررت فى النهاية إلى الاقرار أمام المحكمة بالطلاق، وأصابنى الهم والغم، وانتشرت الأورام فى جسمي، ولم يحرك وضعنا المؤلم شيئا لديه، ولم آخذ منه أى مليم حتى عن طريق المحكمة.

وبعد أربع سنوات من الطلاق، صحوت ذات يوم على خبر مفزع، إذ وجدته فى العمارة المواجهة للعمارة التى نقطن بها، وعلمت أنه اشتراها بالكامل، وانتقل للاقامة فى الاسكندرية نهائيا، وتوالت المفاجآت حيث اكتشفت زواجه من شابة سنها عشرون سنة، وهو الآن فى سن الخمسين، ولما نظرت إليها وعرفت اسمها إذا بها خالة صديقة طفلتى بالمدرسة، وكنت أستضيفها لتأكل من أكلنا وتشرب من شربنا، وأخفت هذا الزواج الغريب عنا تماما، وكنا نذهب معا إلى الكنيسة لأداء الصلاة، ولا نعلم بما تفعله دون علمنا، وأخذت أضرب كفا بكف مما ارتكبته هذه اللئيمة التى سيطرت على والد ابنتي، ولا أدرى كيف تزوجته، وما الذى استند عليه فى زواجه من أخري؟.. هل استخدم أوراقا مزورة؟ وهل لجأ إلى الأكاذيب لتمرير الزواج؟

إننى أرى زوجى السابق شبحا أسود أمامى فى صحوى ومنامي، ويطاردنى فى كل تحركاتى حتى انه لم يعد يغمض لى جفن، وأنهض من عز النوم على هذا الشبح الذى يريد أن يفتك بى وبابنتي، فأضيء نور حجرتنا، وأدعو ربنا أن يزيل هذه الغمة الجاثمة فوق صدرينا، فلقد صارت حياتى كوابيس مزعجة، ولا أجد طريقا للخلاص منها، ولا أدرى ماذا أفعل لكى لا أرى هذه السيدة التى أحالت حياتنا إلى جحيم، فهى تتعمد أن تظهر فى الشباك مرة والبلكونة مرات خلال اليوم الواحد، وتبدو فى أتم زينتها وشبه عارية، ويحاول هو عن طريق دفعها لإقامة علاقات مع الجيران أن يتلصص علينا ويعرف أخبارنا، ويراقبنا فى كل خطوة نخطوها حتى ضقت ذرعا بتصرفاتهما، فالشعور بعدم الأمان شيء مرعب، ولا أريد شيئا سوى ابعادهما عن طريقنا، فالمضايقات لنا مستمرة، وهو لا يكلم ابنته ولا يهتم بأمرها، ومع ذلك لايتركنا فى حالنا، فهل ترى سبيلا إلى خلاصنا من هذا العذاب؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

لم تكن هناك أسس راسخة لزواجك منذ البداية إذ كان يتعين عليك أن تصرى على موقفك بعدم الارتباط بمن لا ترتاحين إليه، ولا تجدين فيه الزوج المناسب الذى تقضين معه بقية عمرك، فهذه المسألة ليست محل تجارب، وعلى الأسرة دائما التفرقة بين الكلام المعسول الذى يتخذه البعض حيلة للإيقاع بمن يريدون الفوز بهن، والكلام الواقعى الذى يضع النقاط فوق الحروف، فالزواج كيان متكامل. وهو فى الدين المسيحى رباط روحى بين رجل واحد، وامرأة واحدة، ويتساوى فيه الاثنان ويكملان بعضهما ويؤكد ذلك ما جاء فى الإنجيل من أن الرجل يترك أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكونان جسدا واحدا، بمعنى أنهما يذوبان فى المحبة المتبادلة والتفاهم، والمرأة هى النصف الآخر للرجل وبهما معا تدوم الرابطة الزوجية، وينجبان ذرية صالحة تتربى فى مخافة الله، فأين الرجل الذى دفعتك والدتك للزواج به من ذلك؟ بالطبع لم تجديه عند كلامه المعسول، ولم تشعرى معه بالأمان العاطفى ولا السكينة المفروض أن تسود بين الأزواج، ولم يعمل بوصية المسيح «كونوا دائما محبين لزوجاتكم»، وحتى لو أن موقفه تجاهك كان رد فعل لتصرفات منك لم ترضه كان عليه أن يراعى ظروفك، ويكون صبوراً معك، ولو فعل ذلك لقرّب المسافات بينكما، إذ كنت وقتها سوف تحسين بحبه لك وخوفه عليك.

إن الإنسان الطبيعى يثور ويهدأ، ويفرح ويحزن، وعندما ينتابه الضيق، من أمر ما لا يكون رد فعله فوريا، وإنما يتريث بعض الوقت، ويبحث عن موعد مناسب لمناقشة المسألة التى أزعجته أو أثرت فيه بشكل سلبي، وقد فاتكما أن من أهم العوامل التى تساعد فى تحقيق السعادة الزوجية، عدم الإفراط فى الحديث عن المشكلات، فكثرة تناولها تسبب التوتر والقلق النفسي، وعدم الإكثار من الكلام عن مسئوليات البيت الاجتماعية التى تتمثل فى مصروف المنزل، وبالاضافة الى ذلك فإن السعى إلى قضاء إجازة فى مكان هادئ يساعد على ردم المشكلات الزوجية، كذلك يلجأ البعض إلى التقليل من قدر زوجاتهم، كأن ينتقد الزوج شكل زوجته، أو يشير إلى أن وجهها بات شاحبا، وأنها لا تهتم بنفسها، وأى زوجة لا تتقبل ذلك من زوجها، وتكون انتقاداته لها عامل ضغط على الحياة الزوجية، ولو تبادل الاثنان الرد على بعضهما، تزيد الخلافات ويصبح من الصعب رأب الصدع الذى يصيب حياتهما معا، نتيجة هذه التصرفات الطائشة.

والحقيقة أنه لا تخلو أى أسرة من الخلافات البسيطة، والمهم أن يتداركها الزوجان قبل فوات الأوان، وتكون مناقشاتهما معا مستمرة عن طريق تضييق الفجوات بينهما، ولا تتحول إلى مشاجرات عقيمة، فالشجار العقيم هو ذلك الشجار الذى يوسع الهوة بين الزوجين دون أن يحل سبب المشكلة، ولذلك تستفحل الخلافات بينهما، وتستفحل مشاعر الأسى والخصام والغضب الشديد والكراهية، وفى كثير من الأحيان سوء المعاملة والعنف والطلاق، وأحسب أن ذلك هو ما حدث بينكما، إذ افتقدتما المهارة اللازمة لمناقشة المشكلات وتسويتها، لكنك فعلت ما فى استطاعتك لإعادة المياه إلى مجاريها بينكما، فلم يستجب لنداء العقل والحكمة، وبحث عن حيلة للخلاص منك بتغيير الطائفة التى ينتمى إليها، وما إلى ذلك من الأمور الدينية والقضائية التى ليس باستطاعتنا التدخل فيها، أو إبداء آراء بشأنها، فلقد حاولت أن ترممى علاقتكما بعد كل ما اعتراها من شروخ، وأمنت بأنك تستطيعين أن ترضى الله بصرف النظر عن تصرفاته، ولذلك وافقت على العودة إليه، فإذا به يرفض تماما جميع محاولات الصلح، ويحصل على الطلاق عن طريق القضاء.

وبالطبع فقد فات أوان عودة علاقتكما الزوجية، لكن وجود إبنة بينكما يحتم على كل منكما الاعتراف بالأمر الواقع، وأن يتوب عن خطيئته، ويصحح مساره، وعلى والد طفلتك أن يتحمل مسئوليتها، وأن يتوقف عن الكيد لك، فلقد مر على انفصالكما اثنا عشر عاما، وهى فترة كفيلة بأن تنسيكما الخلافات القديمة، ولا تزعجى نفسك بما إذا كان زواجه من تلك السيدة صحيحا أم باطلا، فأمامك مهمة كبرى هى ابنتك، وعليه أن يتكفل بكل شئونها، وإذا لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، فإن القضاء سوف يلزمه بمسئوليته عنها، ولا أدرى كيف يطاوعه قلبه أن يتخلى عن فلذة كبده، وهو يعيش فى ثراء كبير بامتلاكه العمارات والشاليهات، فى الوقت الذى لاتجد فيه ابنته ما يقيم أودها.. فليتق الله فيها، وليبعد السيدة التى ارتبط بها عن طريقك، وليعلم أن من غدرت بصديقتها لن تكون أمينة معه، وقد تتخلى عنه فى أى لحظة عندما تنال منه ما تريد، وسوف يعض نواجذ الندم على ما اقترفه فى حقك. فدعيه وشأنه وسوف يفتح الله لك أبواب الراحة والطمأنينة وكل ما عليك أن تأخذى بالأسباب، وأحسب أن هناك محامين فضلاء يمكنهم أن يدرسوا قضيتك ويحاولوا استعادة حق ابنتك، وبالتأكيد فإن القضاء سوف ينصفك لأنك صاحبة حق، وسيتم أخذ التعهدات اللازمة عليه بعدم التعرض لك، ومادام يسكن فى العمارة المواجهة لكم، فإنه لا يحتاج إلى ساعات للرؤية، فابنته أمام ناظريه ليل نهار، وأصبح عليه أن يتولى تربيتها تربية صالحة ولا يسيء إليك عندما تكون فى صحبته، وعليك أيضا ألا تسيئى إليه، وقولى لابنتك: إن الخلافات واردة بين كل الأزواج، وأن انفصالكما كان حتميا من أجل راحة الطرفين، وأسأل الله أن يرزقك الأمان والسكينة، وإليه سبحانه وتعالى تصير الأمور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الكريم ربيع
عضو متألق
عضو متألق
عبد الكريم ربيع

ذكر
عدد الرسائل : 788
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 S3eed10
نقاط : 6855
ترشيحات : 6
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 83 I_icon_minitime22/10/2016, 00:44

الانفصال المتحضر

أرجو من كل مقبل على الزواج أن يدقق فى اختيار عائلة شريك حياته، ويتعرف على مدى حبهم المال، وأتطلع الى أن يتحرك من بأيديهم الأمر لإصلاح وتقويم القوانين الحالية الظالمة التى تشجع الجشع لدى أهل المطلقة، وتضر الأطفال، وتربى أجيالا لا تصل الرحم،
فأنا شاب فى سن الخامسة والثلاثين، أقيم فى الخارج، وفى إحدى إجازاتى القصيرة تزوجت بطريق «الصالونات» من فتاة لم أعرف شيئا عنها ولا عن أسرتها، وأصر أهلها على أن يحصلوا على مهر كبير فى العقد لتفادى المصروفات الإدارية، وفقا لما قالوه لى وقتها، مع كتابة مؤخر صداق كبير، وكان منطقهم أنهم يريدون أن يضمنوا فى حالة طلاقى لها، وجود مال يكفيها للمعيشة والحياة، وقد وافق والداى وقتها على هذا الشرط على مضض.

وبعد عقد القران سارعت زوجتى إلى كتابة عنوان البيت الذى كنت أقيم فيه بالقاهرة، وهو عقار بناه ويمتلكه أبي، والمدون فى قسيمة الزواج، على بطاقتها الشخصية الجديدة لتتمكن من استخراج جواز سفر، واللحاق بى فى الخارج عقب الزفاف، ولم التفت لذلك حينها، وحينما جاءتنى فى البلد الذى أعمل به لاحظت بها عيوبا لا أطيقها كالكذب وحبها المال، والادعاء أمام الآخرين بثراء عائلتها على الرغم من أن ذلك غير حقيقي، وتعجبت من عقليتها التى تظن أن قيمتها أمام الناس مرتبطة بما قد تملكه من عقارات فى مصر أو فى الخارج، مما يدفعها الى التمادى فى الكذب، وبعد أن حملت فى طفلتنا طلبت منى أن يجيء والدها ووالدتها إلينا فى الخارج لمساعدتها فى عملية الولادة وما أن وطئت أقدامهما أرض البلد الأجنبى حتى اختلقت أزمات من أتفه المواقف، ومنها مثلا أنها لا يمكن أن تغسل الأطباق لأن ذلك ليس من مقامها، مع العلم بأن هذه الدولة ليس فيها أصلا «رفاهية الخدام» ولم يكن لدى أسرتها يوما أى خادم أو حتى مساعدة فى ترتيب المنزل!

وبعد أن رزقنا الله ببنت أصروا على العودة الى القاهرة، فرفضت فى البداية، ثم نزلت على رغبتها على أساس أنها سوف تعود إلىّ بعد ثلاثة أسابيع على أقصى تقدير، بحجة أنها فى حاجة الى فترة نقاهة فى بيت أسرتها، لكن ذلك لم يحدث، إذ راحت تتحجج بأسباب غير مقنعة لتبرير تأجيل عودتها إلىّ، وبمرور الوقت قررت أن أنهى عملى بالخارج لكى أكون قريبا من ابنتى التى لم أعد أعرف عنها شيئا، ولما جئت إلى القاهرة فوجئت برفضها الإقامة معى فى أى شقة مادامت غير مسجلة باسمها، وطال بعدها عنى الى عام ونصف العام، وهى مصرة على ذلك، ولكن ماذا أفعل، فحتى لو وافقت على تسجيل الشقة التى نسكن فيها، باسمها فإننى لن استطيع ذلك لأنها شقة أبي، ولما يئست من رفضها الدائم الرجوع الى شقتنا طلبت منها «الانفصال المتحضر»، بمعنى أن نتفق على الطلاق فى عقد ودي، مادامت تنفذ كلام والدها الذى يقدر المال أكثر من أى شيء آخر!

وكبرت ابنتى وبلغت عامين من عمرها، ولم أرها ولو مرة واحدة، وفوجئت بمطلقتى تتوجه الى قسم الشرطة وتدعى أنها تقيم معى فى الشقة وأننى طردتها منها، وتطلب تمكينها منها، وأكدت التحريات كذبها، وتم حفظ المحضر، وعرفت أن أهلها كانوا يهدفون من تطليقها إلى أن تتزوج من شخص كانت على علاقة به ويقيم فى الخارج!، ولم أجد سبيلا للحفاظ على ابنتى سوى رفع دعوى ضد مطلقتى لمنع ابنتى من السفر الى الخارج بصحبتها، وطلب رؤيتها، فحكمت لى المحكمة برؤيتها ثلاث ساعات أسبوعيا فى ناد عام!

وتعجبت من هذا الحكم فالطفل الذى لا يحتك بأبيه سوى هذه الفترة القصيرة يصبح معقدا نفسيا، وهناك ما يقرب من سبعة ملايين حالة مماثلة لوضع ابنتي، وهم ضحايا «قوانين ظالمة»، وأرجوك أن تتبنى إلغاء النظام العقيم المسمى «الرؤية»، فابنتى محكوم عليها ألا تعرف أهلها، ولا يمكنها أن تعرفنى أنا شخصيا ولا أخى ولا أختي، وهذا النظام يضر الطفل والأب أيضا، والأبوة فى النهاية معاشرة واحتكاك، فلماذا لا يتم وضع الطفل فى حالة الانفصال على قوائم الممنوعين من السفر تلقائيا لكى يضمن الطرفان عدم اختفائه، ثم يتم النص على استضافة والده له أسبوعا فى الشهر أو خلال فترات محددة، ولماذا تفعل ذلك دول ليست إسلامية مع أن صلة الرحم قيمة إسلامية فى الأساس، بل هى أمر إلهى فى القرآن الكريم؟.. ولماذا لا يتحرك أحد من المشرعين للطعن بعدم دستورية هذا النظام الذى يفكك العلاقة بين الطفل وأبيه؟ ولماذا لا يترك القانون للقضاة السلطة التقديرية فى الرؤية أو الاستضافة لكل حالة على حدة؟.. ثم هل الأب الذى يعمل فى الخارج، ولا يزور القاهرة سوى أيام معدودة يتعين عليه ألا يرى ابناءه سوى يوم الجمعة من الثالثة الى السادسة مساء؟.. ألا يكون الأفضل والأوفق أن يستضيفهم فى فترة إجازته؟ فبأى منطق وأى قسوة نسمح باستمرار هذا الوضع؟

إن تعديل القانون بحيث ينص على الاستضافة مع وجود ضمانات يحددها القاضى وليس الطرف الحاضن أو غير الحاضن، أمر سهل ويمكن أن يتحقق فى يوم واحد، كفانا كلاما ولغوا وعلينا إصلاح قانون الرؤية، وأرجوك أن تتبنى فى بريدك واسع الانتشار قضية الأطفال الذين يتيتمون وآباؤهم على قيد الحياة.


ولكاتب هذه الرسالة أقول :

لكل النتائج التى ذكرتها فى رسالتك والتى ترتبت على زواجك السريع دون تريث، ننصح دائما بأن يتحرى الطرفان عند الزواج أسباب نجاح زيجتهما واستمرارها الى النهاية، واذا كانت الشريعة الإسلامية قد أباحت الطلاق بالمعروف، فإنها طالبت أيضا بمراعاة الأبناء، والتأكيد على حسن تربيتهم وتنشئتهم، ولن يتحقق ذلك فى ظل استمرار الضغائن بين الأبوين، ومحاولة كل منكما تدبير المكائد للآخر، ولقد ناقشنا هذه القضية كثيرا، وحان الوقت لوضع قانون جديد شامل للأحوال الشخصية تحدد فيه الضمانات التى تكفل حياة مستقرة لأبناء الطلاق، ويتمكن الأب والأم من القيام بدورهما تجاه أبنائهما دون أن يجور أحدهما على حق الآخر بالاستئثار بأبنائه دونه، وصار على الجهات المسئولة فى الدولة إقرار القانون لوضع حد لمآسى هؤلاء الأطفال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 83 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 43 ... 82, 83, 84 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: