الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 37 ... 71, 72, 73 ... 80 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
عبد الكريم ربيع
عضو متألق
عضو متألق
عبد الكريم ربيع

ذكر
عدد الرسائل : 788
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 S3eed10
نقاط : 6872
ترشيحات : 6
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime19/12/2014, 17:11

بريد الجمعه : يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الجوهرة الحزينة !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 2014-635545336504233571-423

نا سيدة فى مقتبل العمر، نشأت فى أسرة متوسطة تجمعها الألفة، ووجدت منذ صباى اهتماما بالغا من والديّ،

وعرفت أن الاهتمام بتربية الأبناء هو شيمة أجدادي، وشغلهم الشاغل، وعشت حياة مثالية حسدتنى عليها صديقاتي، وربطتنى بأبى علاقة قوية، فكنت أستمع إليه بإنصات شديد، وأنفذ أوامره بالحرف الواحد، واستقر فى وجدانى ما ردده على مسامعى كثيرا من أن الفتاة سيئة السلوك تجعل رأس أبيها فى الأرض، أما أنا فلست من هؤلاء، لذلك يتباهى بأدبى وأخلاقي، وعندما يزوجنى سوف يضع «رِجْلا على رجل» متفاخرا بأن ابنته جوهرة تستحق من يقدرها، وأمى أيضا ستكون فخورة بأدبى الذى تراه بالنسبة لإبنتها أهم من شهادتها وجمالها، وعائلتها المعروفة، فهو التاج الذى تتزين به، ويميزها عن الكثيرات ممن حولها، وروت لى أمثلة عديدة عن زوجات فشلن فى حياتهن، وأخريات يعانين المر من أزواجهن، وغيرهن ممن لم يتزوجن لعدم تمسكهن بالأدب والأخلاق، وانتهى الأمر بهن إلى الطلاق، وهكذا انغرست هذه الأفكار فى نفسي، واستقر فى أعماقى الهدف الأسمي، وهو أن أجعل رأس أبى فى السماء، وأن أتخذ من سلوكه هو وأمى معا منهجا فى حياتي.

ومرت سنوات الدراسة حتى المرحلة الجامعية دون أن أتعرف على أى شاب، أو أقترب من أى زميل لي، إلى أن جاءنى وأنا فى العام الأخير بكليتى شاب يتمتع بأكثر من الصفات التى تمنيتها فى زوج المستقبل، فوافقت عليه، فهو وسيم ومحترم، وغني، ومن عائلة كبيرة، واعتبرته هدية السماء لي، وظللنا ما يقرب من عام على علاقة هادئة، فلم تثر بيننا خلافات أو نختلف فى شيء، ثم فوجئت به يشكونى لأبى بأننى خجولة و«ما بقولش كلام حلو»، وأنا بالفعل كذلك، لكنى لست معقدة، وكل ما فى الأمر أن حيائى يمنعنى من أن أقول كلاما قد يحسب عليّ، خصوصا أننا لم نتزوج بعد، وشيئا فشيئا وجدت أنه لا يريد المناقشة فيما يعنينا من أمور، فهو لا يعرف إلى الحوار سبيلا، فلقد تأثر بأسلوب أمه المتسلط فى إدارة المنزل فهى «رجل البيت»، وقد شرب منها هذه الطريقة فى المعاملة، لذلك كرر على مسامعى كثيرا قوله: «أنا اللى أقول عليه يمين يبقى يمين، واللى أقول عليه شمال يبقى شمال»، بمعنى أنه يريد فرض إملاءاته عليّ دون أى نقاش، فإذا تبين له فيما بعد أن القرار الذى اتخذه خطأ، فإنه سيتحمل نتيجته، وفى ظل هذا التعنت كان طبيعيا أن يذهب كل منا إلى حاله، فحسمت أمرى معه واتخذنا قرار فسخ الخطبة بعقلانية شديدة، ولا أنكر أننى تألمت كثيرا لهذا القرار، إذ لم يكن هناك بد منه، فأمه نفسها قالت له إنه لن يجد من تقبل تهميشها إلى هذه الدرجة.

ومر عام ونصف العام، وأنا فى حالة قلق بعد فشل خطبتي، ثم تقدم لى شاب متوسط فى كل شيء، واستمعت إليه، وزارنا أهله، فوجدتهم أناسا بسطاء، وأسعدنى ما سمعته منه من أنه يريد أن أفكر جيدا قبل الرد عليه بالقبول أو الرفض حيث قال لي: «أنا لا عايز أظلم ولا أتظلم»، فمست هذه العبارة نفسى وجعلتنى أوافق عليه، واشترطت قبل إتمام الخطبة أن أستكمل دراستى العليا فى كليتي، وأن يقع السكن فى مكان هادئ وليس حيا شعبيا، فأيدنى تماما، وبعدها سافر إلى الخارج حيث كان يعمل فى دولة عربية، وتوالت الاتصالات بيننا، وحدثنى كثيرا عن أحلامه، وعن أنه فى أول إجازة له سوف يفتتح «هايبر ماركت» وصيدلية، وحاول إقناع أبى وأخى بأن يرسل مبلغا لأخى لعمل مشروع معين، فيشارك هو برأس المال وشقيقى بالإدارة، لكن أبى رفض بشدة هذه التجارة المشتركة، وأخبرته بموقف والدي، ففسر الأمر بقوله: «إن أخاك مكسب لي، ولن أقف أمام أحد منكم حتى لو خسرت رأس المال، أو فشل المشروع»، وبعدها حدثنى عن شهر العسل، وسألنى عن أى بلد أرغب فى أن أقضيه به، وكنت كلما استمعت إليه أجدنى سعيدة بطموحه وليس بماله.



ولم أتوقف عند بعض المواقف البسيطة التى لمست فيها عندا منه، كما تعنت والده فى أمور أخرى مع اقتراب الزفاف، وعندما حدثته بشأنها اتصل بوالده وأنا معه على الخط، وسمعت الحوار كله، وفهمت منه أن خطيبى يؤيدنا فى موقفنا، واستجاب أبوه وكان لكلمة خطيبى له «أنت يا حاج الخير والبركة» مفعول السحر، وقربنا المسافات بيننا، وتزوجنا، وأنا أتطلع إلى الحياة السعيدة التى رددها عليّ فى كل لقاء أو مكالمة بيننا، ومنذ اليوم التالى للزفاف فوجئت بأن وعوده لى كانت مجرد أحلام، أو خيالات لا أساس لها فى الواقع، فلم نسافر إلى أى بلد، ولم يوفر لى الكثير مما وعدنى به، وبعد أشهر رحل والده عن الحياة، واستمر فى كذبه. بل وفى كل مرة أذكره بما قاله لى قبل الزواج يقسم كذبا مرة بالله، وأخرى برحمة أبيه،أن الظروف تقف ضده، وشيئا فشيئا لاحظت تجاهلا من أهله لي، فكانوا يتصلون به كثيرا، وأنا معه، ولم يكلفوا أنفسهم ولو بمجرد السلام، وأخبرنى انه لن يسافر مرة أخري، وإنه سوف يستقر فى مصر لإقامة مشروع من المشروعات التى يطمح إليها.

ولعبت المصادفة دورا فى أن أجد خطابات وصورا لفتاة كان يعرفها، فأخفيتها، وفى نيتى تقطيعها، ولما بحث عنها ولم يجدها ضربني، وبعدها سقط القناع الذى يتخفى به، حيث اكتشفت مغامراته على الفيس بوك، مع فتيات وسيدات يعرف بعضهن منذ خطبتنا، ومازال يتصل بهن عن طريق الهاتف، والأغرب أنه يبحث عن أخريات لعمل علاقة معهن، وبعد أن أصبحت مغامراته معروفة ولا سبيل أمامه لإنكارها، بكى وقال إنه أخطأ، ووعدنى بأن يغير سلوكه، ولكن هيهات أن يتغير، وحاولت أن أتماسك وأن أحقق ذاتى فى الدراسات العليا التى اشترطت عليه أن أستكملها قبل الزواج، فإذا به يخبرنى بأنه غير ملزم بأن يصرف على هذه الدراسات.

ومرت ثلاثة أشهر، وهو جالس فى المنزل بلا عمل، فسألته عن مشروعه الذى ترك عمله من أجله، فرد عليّ بأنه ليس معه أى مليم، وأنه وضع كل ما لديه فى عفش الزوجية وهذا بالطبع غير صحيح، بل إنه هو نفسه الذى قال لى من قبل إن أباه رحمه الله، كان يأخذ منه أموالا ويعطيها لأخيه الأكبر برغم أنه يعمل هو وزوجته، وساءت معاملته لى كثيرا، وتعود على ضربي، حتى إنه انهال عليّ ركلا وعضا وأنا حامل وسبنى بألفاظ سيئة، علاوة على تكشيرته التى لم تعد تغادر وجهه، ومزاجه المتقلب، وطردنى من المنزل، وعلقت بذهنه أفكار غريبة، إذ يرى أن الرجل الذى يسعى لتحسين ظروفه لاسعاد زوجته «إمرأة»، ومن يعمل لتوفير حياة مرفهة لأطفاله، يفعل ذلك من أجل المنظرة، وعندما أحدثه عن أننا نريد أن نعلم أولادنا فى المستقبل تعليما جيدا، وأن نسكن جميعا فى منزل ملكنا، ينظر لى باشمئزاز، وبرغم مواقفه التى طرأ عليها هذا التغيير الهائل، فإننى التمست له الأعذار، لأنه بدون عمل، ولايريد أن يظهر لى نقصا فى حياتنا، ولذلك كنت أتدارك الأمر، وأسرد له قصص أشخاص سمعت عنهم، أو أعرفهم مروا بمحن، ورزقهم الله رزقا واسعا، ومنها قصص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلما أجده فى حالة ضيق، أؤكد له أننا أحسن من غيرنا، ويكفينا نعمة الصحة التى منّ الله بها علينا، ونصحته أكثر من مرة بأن يجعل «زعله إيجابيا» بالبحث عن عمل، وأن يستغل مؤهلاته فى عمل مناسب، وأنا أيضا أحاول العمل، ولى تجارب فى البيع «أون لاين» لأعمال يدوية، لكنى لم أوفق فيها، وقد طلبت منه البحث عن مدرسة لتعليم القيادة فألتحق بها لتعليم الفتيات قيادة السيارات، فرفض لأننى لا يصح أن أمتهن هذا العمل غير المناسب لي.

لقد اجتهدت كثيرا فى الوقوف إلى جواره، لكن أسلوبه معى صار من سيئ إلى أسوأ فى العشرة والمعاملة، ولم يبال بظروف حملى السيئة، إذ أخبره الطبيب أننى حامل، ولى ظروف خاصة، ولا أتحمل «الزعل»، واعتمدت على أهلى فى توفير متطلباتي، وبعدها بشهور عرفت أنه ورث عن أبيه ميراثا كبيرا، وجاءته أموال من أكثر من مصدر، وعندما واجهته بأحواله المادية الميسورة التى يخفيها عني، تعصب عليّ ليخفى كذبه، وادعى أن أوراق الميراث كانت بها أخطاء كثيرة، فحزنت على حالي، ووصلت إلى الشهر التاسع فى الحمل، ورفض أن يشترى أى ملابس للمولود قبل ولادته، وفى المستشفى وضعت طفلة جميلة جاءتها ملابس كهدايا من معارفنا وأهلنا.

وتوالت اكتشافاتى لطباعه السيئة التى أخفاها عني، فهو شكاك بدرجة غريبة، وأى شيء يخصه يخفيه فى مكان ما ومعه مفتاحه، ويفتش فى أغراضى كثيرا، وكلما عرفت أنه عبث بها أندب حالي، وليس له هم الآن إلا مساعدة أمه وإخوته.. هل تتصور ياسيدى أنه أخذ كل ما معى حتى نقطة «المولودة» واشترى لنفسه ملابس جديدة، ولم أعبأ بنفسى رغم حاجتى لملابس جديدة بعد تغير جسمى نتيجة الحمل والولادة. وكتمت أحزاني، وصحوت ذات يوم من نومى على إصابتى بشلل فى وجهي، فذهبت بصحبته إلى الطبيب، الذى أبلغه أننى أصبت بالعصب السابع نتيجة لحزنى الشديد، وساءت نفسيتى التى وصلت إلى ما تحت الصفر، ولم يكن وقتها قد مرّ على ولادتى لطفلتى اربعون يوما، وتوقعت أن يشعر بتأنيب ضميره على الأقل تجاهي، لكنى للأسف وجدت منه سلبية بلا حدود، واكتفى بتوصيلى إلى الطبيب للعلاج بالكهرباء، وانتقلت للإقامة عند أهلى لخدمتى أنا وابنتى المولودة، ولم يسأل عن ابنته، وكان عندما أسأله، ألا تريد أن تراها، يقول لى غدا، لأنه ذاهب إلى والدته الآن!!

وتقاعس عن عرضى على الأطباء، وفقا لنتيجة فحص حالتى التى اقتضت المتابعة المستمرة، فطلبت منه «روشتاتي» لكى استكمل الكورس العلاجي، وكذلك أوراق تطعيم ابنتي، بعد أن حل موعد أول تطعيم لها، فلم يعطنى شيئا، ولما ذهبت إلى شقتنا لأخذ هذه الأوراق منها، وجدت أنه سرق ذهبى الخاص بي، وشبكتي، ومبلغا يخصني، وتليفزيونا أنا التى دفعت ثمنه، وملابسى أنا وابنتي.. وساءت حالتى أكثر وأكثر، فلم أتصور أننى تزوجت لصا، وشخصا لا يصون «العيش والملح»... وليس زوجا ساندته بكل ما أملك، وتحملت كل ما ادعاه عن ظروفه التى فاجأنى بها بعد الزواج على غير الحقيقة.

فمن يصدق أن هذه الأحداث على النحو الذى ذكرته، وقعت خلال عام واحد، وكل من حولى لا يصدقون أن يفعل ما فعله زوجى معى دون أن أرتكب خطأ يستحق هذا العقاب القاسي، وحتى من حوله يتعجبون لأمره، ومنهم من عاتبه لموقفه من إبنته التى لم يطلب رؤيتها، وانضموا إلى صفى ضده، ومع استحالة العشرة فى ظل هذا التعنت غير المبرر، أرسلت إليه أطلب الطلاق دون قضايا لأن بيننا طفلة، فساومنى هو وأخوه بمؤخر الصداق، بالإضافة إلى ما سرقه من ممتلكاتي، فلم يرد عليّ، وإنما أرسل لى عفشى عن طريق الشرطة، ودخلت القسم لأول مرة فى حياتى لتسلمه، طبعا بدون الذهب... وحاول عدد من الوسطاء تسوية الموضوع، وطلبوا منه التفاهم، وإنهاء الزواج بشكل ودي، فلم يكن منه سوى الكذب، وإنكار أى شيء جيد فعلته من أجله، وتناسى كل ما قدمته له، وتوقف عند كلمة واحدة فقط قلتها من شدة ضيقى وضجري، بعد عام طويل من الضرب والمشاحنات والإهمال، وطردى من المنزل وهى كلمة يا «جِبّلة»!.

وبالطبع لم نتفق، ولم تتوقف دموعى لحظة واحدة حزنا على المصير الذى يهدد ابنتنا مع هذا الأب القاسي، فهناك أناس يتمنون طفلا، وهذا الشخص يرمى لحمه، والله يا سيدى قالها لى بكل برود أن «لحمه رخيص».

ووجدتنى مضطرة إلى رفع دعاوى ضده أمام القضاء لكى أحصل على حقها منه، وأنا مازلت فى نظر القانون زوجته، وقد أظل كذلك لمدة ثلاث سنوات، بينما فى الحقيقة أنه تركنى قبل أربعة أشهر، ولم يصرف عليّ، وكل من حولى «يعرفون ذلك»، وهو سبب كاف للطلاق الرسمي؟.. فما الجرم الذى ارتكبته لكى أجنى هذا الحصاد المر، وأنا فى هذه السن الصغيرة؟

إن هذا الزمن الغريب نجد فيه الرجال لا يصونون الزوجة المحترمة الأصيلة التى هى على استعداد أن تتحمل زوجها مهما بلغت صعوبة ظروفه، بشرط أن يشعرها أنها زوجة وإنسانة... وإنى اسألك يا سيدى كيف السبيل إلى الخلاص من هذا الشخص؟. ومتى تتغير القوانين، ويصبح تنفيذها بصورة أسرع من هذا البطء الشديد، فلولا أهلى لأصبحت الآن فى الشارع، وكثيرا ما تخطر ببالى السيدات اللاتى يعشن ظروفا مشابهة لظروفي، وليس لديهن أهل على قيد الحياة يقفون إلى جوارهن، فمن ينجد هؤلاء؟.. ومن أين سيدفعن أجور المحامين فى قضايا النفقة بالمحاكم؟... ثم ما هى الأرقام المضحكة التى يتم الحكم بها على الأزواج الغدارين فى ظل الغلاء الرهيب الذى يجتاح حياتنا؟.

لقد كرمنا ديننا، لكن نهان فى بلادنا، وفى الغرب يكرمون الزوجة بأن تأخذ نصف ما يملكه الرجل، وهذا أقل اعتبار للزوجة المهانة، ثم هل من سبيل للتوافق فى الحياة الزوجية، حتى لا أتعرض لصدمة جديدة قد تكون معها نهايتي؟.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

صحيح أن الأخلاق الحميدة، والأدب الجم من أهم عوامل استقرار ونجاح المرأة فى حياتها الزوجية، لكن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عنها، ومنها التفاهم والحب، والبحث عن طريق مشترك يسير عليه الزوجان، وهو ما افتقدته يا سيدتى فصارت الحياة من طرف واحد، فكان الرجل هو المرسل، وأنت المستقبل بلا تفاعل حقيقى بينكما، حدث ذلك مع خطيبك الأول، وغاب الحوار اللازم للتعرف عليه، ولذلك كنت بالنسبة له «غامضة»، ولا تقولين له كلاما حلوا، واعترفت بذلك، واعتبرت موقفك قمة الأدب والأخلاق، وفاتك أن التعبير عن الارتياح النفسى أمر مطلوب مادام ذلك فى حدود الكلام القائم على الاحترام والتقدير من كل طرف للآخر.



ولا أرى أى صلة بين الأمثلة التى عددتها لك والدتك، وكانت سببا فى طلاق الكثيرات ممن تعرفونهن، وبين ما يتصل بك.. كما تكرر الأمر وبصورة غريبة مع زوجك الذى لم تقتنعى به منذ البداية، إذ وصفتيه بأنه «متوسط فى كل شيء» ولكنك وافقت عليه لمجرد أنه بنى لك قصورا من الأوهام عن الحياة السعيدة المنتظرة، وشهر العسل الذى ستختارين البلد الذى تريدينه لقضاء فترة الزواج الأولى به، والمشروعات الكبرى التى سيقيمها بعد أن ينهى عقده فى الخارج وتستقر به الحال فى مصر، الى آخر ما وعدك به من وعود ليس لها أساس فى الواقع.



والحقيقة أن ملاحظة أبيك عنه كانت فى محلها، عندما رفض مشاركة شقيقك فى مشروعاته الوهمية، فالخلط فى هذه المسائل يؤدى الى طريق مسدود.. لكن أباك فاته أن يلفت نظرك الى أن هذا الشخص غير مناسب، أو على الأقل كان الأمر يستوجب منه تدقيقا قبل الموافقة عليه، فما جعلت الخطبة إلا لمزيد من فحص وتبيان كل ما يتعلق بالقادم للزواج.



لقد قامت زيجتك على غير أساس، ولذلك انهارت سريعا، ولن تجدى قوانين الدنيا كلها نفعا فى اصلاح ما أفسدته الأطماع، فالزواج القائم على المودة والمحبة والإيثار يدوم ويبقي، أما الزواج من أجل المنفعة الشخصية والأنانية، فإنه يتحطم على أول مشكلة تصادف الزوجين، حتى لو كانت مشكلات تافهة كالتى تحدثت عنها، ولو أن بينكما أرضية صلبة من العلاقة الراسخة لصمدت زيجتكما لكل العواصف والأنواء، إلا أن كلاكما نظر الى الزواج بمنظوره الخاص، فلما لم تتوافر الشروط الداخلية التى توسمها فى الآخر راح يكيل له الاتهامات، ويذكره بفضله عليه، فتحولت الزيجة الى معركة خسرتماها، ومعكما ضحية بريئة لا ذنب لها فيما جنيتماه.



نعم هذه هى الحقيقة التى تنطق بها سطور رسالتك، ولم تكن كلمة «جِبّلة» وحدها هى التى قلتيها له وليدة لحظة غضب، ونتيجة تراكمات عام واحد من الزواج، وإنما جاءت ضمن سلسلة متصلة من المشاحنات لم تشرى إليها، كما أنك أدخلت شقيقه وزوجته وأمه أطرافا فى المشكلة العالقة بينكما، بل وأباه أيضا رحمه الله، بمعنى أن الجميع كانوا يتربصون بك، ويستغلونه أيضا لمصلحة شقيقه.. فهل كنت تتوقعين أن زيجة بهذا الشكل ستعرف طريق الاستمرار والاستقرار، كلا يا سيدتي، وهو أيضا يتحمل مسئولية كذبه ووعوده الزائفة، ولن يفلت من عقاب الله عز وجل لتغريره بك وايهامك بأنك ستعيشين حياة مرفهة على غير الحقيقة، فالله يمهل ولا يهمل، وسوف يتجرع كأس المرارة قريبا، ولعله يتدارك بعض ما فات بإعطائك حقوقك، واننى أخاطب فيه الأب والإنسان ألا يضطرك للجوء الى المحاكم، وأن يعطيك مستحقاتك ومستحقات ابنته عن طريق مجلس عرفى ترتضيانه معا، بعيدا عن أقسام الشرطة، وأن يدرك أن تنشئة ابنته فى جو سوى بين أبوين، حتى ولو منفصلين، أمر ضرورى ولازم لصحتها النفسية، فسوف تمر الأيام وتكبر البنت، ويتقدم اليه من يرغب فى الزواج منها، ووقتها سوف يتفاخر بها أمام الآخرين، فليعمل حساب هذا اليوم، ويتقى الله فيها.



وأما نصيحتى لك، فهى أن تنسى هذه التجربة بكل مآسيها، وأن تنشدى حياة جديدة مع من تتأكدين أنه الشخص المناسب لك، بعد فحص وتدقيق، ولتدرك السيدات والفتيات أن الرجل يذوب حبا فى المرأة الوديعة الهادئة اللبقة التى يحس أنها تطاوعه، أى يهبها قلبه وعقله وماله ومستقبله، وعلى كلا الزوجين أن يصبر على الآخر، وفى ذلك يقول الشاعر:



ألا بالصبر تبلغ ما تريد... وبالتقوى يلين لك الحديد



فالصبر وحده هو الطريق لتضييق الفجوات بين الأزواج والزوجات، وتؤكد ذلك دراسة توصلت الى أن ما يقرب من ثمانين بالمائة من العلاقات الزوجية قائمة على الصبر، ومحاولة التكيف مع واقع الحياة، إذ لا يوجد فيها توافق وانسجام تام بينهم، وأن الكثيرين منهم لو خيروا للعودة الى الوراء، لما اختاروا شركاء حياتهم الذين يعيشون معهم، فيا أيتها الزوجة التى تعانين من مشكلة ما مع زوجك، لست وحدك من تكابد المتاعب، وانما هى سنة الحياة، فما من أسرة إلا وتعانى بعض المرارات والصعوبات، ولكننا لا نلاحظ ذلك، وربما يخفى الكثيرون أوجاعهم من أجل أن تستمر سفينة الحياة.



إن المشكلات الزوجية أمر طبيعى لا تخلو منه أى علاقة زوجية مهما عظم الحب والاحترام، ومقدار التدين بين طرفيها، وحتى البيت النبوى والذى طرفاه نبى وزوجة نبى مبشرة بالجنة لم يسلم منها، فلقد ذهب أبوبكر الصديق رضى الله عنه، الى بيت ابنته عائشة ذات مرة، فسمعها من خلف الباب، وهى ترفع صوتها على رسول الله غاضبة منه، فدخل عليها وقد بدا فى منتهى الغضب، وهم أن يضربها لولا أنها احتمت بظهر زوجها وحبيبها صلى الله عليه وسلم ليحميها منه.



والقضية ليست فى وجود مشكلة زوجية، فما أكثر المشكلات بين الأزواج، وانما مكمن الخطورة فى عدم التصرف لحلها والخروج منها دون أن تترك أثرا سيئا يتراكم على مر السنين.



وقد تسأليني: هل يمكننى أن أغير ما أكرهه فى زوجى فأقول لك: نعم يمكنك أن تصلحى ما لا يعجبك فيه، والأمر لا علاقة له بكون شخصيتك قوية أو ضعيفة، ولا درجة جمالك أو كثرة مالك، وانما يتطلب أن تكون لديك عزيمة على تغييره بشرط أن تتأكدى أولا من صلاح نفسك، إذ يقول تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وأن تجاهديها على التحلى بالصبر والحلم وحسن الخلق والبشاشة والكلمة الطيبة وسعة الصدر، وألا تسمحى لليأس بأن يتسلل الى قلبك حتى لو طالت المدة دون أن تجدى النتيجة التى ترضيك، وكونى أكثر استعدادا للنجاح، فمهما تكن نظرتك الى نفسك فأنت أكبر مما تتصورين.



أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأدعو زوجك الى تغليب لغة العقل فلا يدرى ما ستفعله الأيام به، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الكريم ربيع
عضو متألق
عضو متألق
عبد الكريم ربيع

ذكر
عدد الرسائل : 788
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 S3eed10
نقاط : 6872
ترشيحات : 6
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime19/12/2014, 17:16

الأم العنيدة!

أنا فتاة تعديت سن العشرين بقليل، وعملت فى وظيفة مرموقة بعد تخرجى

فى إحدى كليات القمة، وأنتمى إلى أسرة ميسورة الحال، وقد رحل والدى عن الحياة منذ شهور فترك فراغا كبيرا فى حياتى حيث إننى أحببته حبا لا أستطيع وصفه، وكم تمنيت وهو على فراش المرض أن أموت قبله، ومرت فترة دراستى بالكامل دون أن أتعرف فيها على أى شاب، وبعد أن عملت فى الجهة المرموقة، تعرفت على زميل لى يعمل فى وظيفة غير التى أعمل بها، وأبدى لى رغبته فى الزواج مني، فأخبرت أمى بما قاله لي، فلم توافق عليه مع أنها لم تقابله، أو حتى تتحدث معه بالتليفون لأنه يشغل وظيفة تراها أقل من مستواي، بالرغم من أنه مناسب لى من الناحيتين الاجتماعية والمادية، ولم أجد مفرا من أن أرفضه نزولا على رغبة أمي، ومضت الأيام وأنا أشعر بندم شديد على رفضه، بل ووجدتنى منجذبة نحوه بشكل كبير، ومع كل يوم يمر من حياتى ازداد ارتباطا به، وأحس الآن أننى لن أستطيع الاستمرار فى الحياة بدونه، وأدعو الله فى كل وقت أن يجعله نصيبى الأول والأخير، لأننى لم أقتنع أبدا أن أعيش مع شخص لم أعرفه من قبل، وكنت أحس بخوف شديد كلما خطرت لى مسألة الزواج، حتى دخل هذا الشخص حياتى فتحولت إلى النقيض تماما.

وطلب منى أن يتقدم مرة ثانية عسى أن تلين أمى له، ولكنى لم أستطع إقناعها، فهى عنيدة وقوية الشخصية، وتلغى شخصيتى تماما، ولا تعترف بأن من حقى أن أختار الشخص الذى أرتاح إليه، وترى أن هذا الحق لها وحدها، وأنه لا يهمنى إلا أن يكون مقبول الشكل لا أكثر ولا أقل!

وإزاء هذا التعنت الذى لا مثيل له، ركزت فى عملي، ورحت أضيف ساعات طويلة إلى مواعيدى الأساسية، حتى أصبحت أعمل صباحا ومساء، لكى أقلل احتكاكى بها، بل وأصبحت أتعاطى أدوية مهدئة ومضادة للإكتئاب، وأنا حائرة لا أدرى ماذا أفعل؟ وكيف أقنع أمى برأيى ومن أراه مناسبا لي، وكيف أخرج من ذهنها أننى معمول لى سحر، وأن على ألا أضغط عليها أكثر من ذلك وإلا فسوف تضطر إلى منعى من العمل والجلوس فى البيت؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

إننى أتعجب لموقف أمك الغريب، فلا يعقل أن تقف حجرا عثرة أمام من ارتضيتيه زوجا لك، ولا ترين غيره شخصا مناسبا، مادامت لا تنكر عليه أخلاقه وعمله ومستوى أسرته الذى يماثل مستوى أسرتك، حتى لو كنت قد تخرجت فى كلية من الكليات التى تسمى «القمة»، وتخرج هو فى كلية أخري، فواقع الحال أن المستوى التعليمى متقارب إن لم يكن واحدا، كما أن لك مجالك، وله مجاله، وهذا شرط كاف لتحقيق زيجة ناجحة، بالإضافة إلى الشرط الأهم وهو القبول.

وأقول لوالدتك: كفى عنادا حتى لا تخسرى ابنتك التى توشك على الضياع بتعاطيها أدوية الاكتئاب، والدخول فى مرحلة نفسية معقدة لا يرجى شفاؤها، فالحياة أكبر من أن تحصريها فى هذه الزاوية الضيقة التى تقارنين فيها بين ابنتك والشاب الذى يريد التقدم إليها، وتراه فارس أحلامها عن يقين واقتناع.. وكونى أكثر حكمة، ولا تتحدثى عن أنه معمول لها «سحر» وغير ذلك من الكلام الذى لا قيمة له، فلو أن السحر ينفع إلى هذه الدرجة التى تتصورينها لسحر الناس بعضهم للحصول على مآربهم، وأهدافهم دون حق أو جهد.

إننى أخاطب فيك الأمومة بأن تدرسى الأمر جيدا، وأن تقابلى هذا الشاب وتتحرى كل شيء عنه، فإذا ثبت لك بما لا يدع مجالا للشك أنه من بيئة طيبة، ولم تنكرى عليه أخلاقه، فلتوافقى عليه، وعليك أن تشركى ابنتك معك فى اتخاذ القرار المناسب، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زيكو ناجزاكي
عضو جديد
عضو جديد
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 39
بلد الإقامة : مصر
نقاط : 6000
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime2/1/2015, 09:11

بريد الجمعة :يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الكابوس المرعب!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 2015-635557423600680454-68

أنا سيدة لم أكمل الثلاثين بعد، ونشأت فى أسرة متوسطة الحال، وعشت سنوات شبابى ودراستى الجامعية فى راحة نفسية وسعادة لم يعكر صفوها شيء،

وعملت فور تخرجى فى شركة أدوية، ومضت حياتى على ما يرام، ونظرا لطبيعتنا المنغلقة على نفسها لم أتعرف على أى شاب، أو تربطنى صلة بأى من زملائي، ثم تعرفت على شاب عن طريق الإنترنت يعمل فى جهة مهمة، وله شأن كبير فى وظيفته، والتقيت به كثيرا، وجذبنى اليه بنجاحه الكبير فى العمل، وشيئا فشيئا أفضى لى بأسراره الشخصية، وكيف أنه فشل مرتين فى حياته الزوجية، فلقد تزوج فور تخرجه من إحدى معارفه، وأنجب منها ولدا، وساورته الشكوك فى أنه ابنه، ولذلك انفصل عنها، والولد مكتوب باسمه، وتحدثت معه أكثر من مرة فى أن يجرى تحليل «دي.إن.إيه» لإثبات نسبه له من عدمه، حتى يريح نفسه من هذا العذاب، لكنه يرفض بشدة أى إجراء من هذا النوع حفاظا على صورته أمام الناس، وقال «لو عملت كده، حتفضح وسط زمايلي»!، وبعد تطليقه لها، لم يطل به الوقت حتى تزوج من أخري، آملا فى أن يجد فيها تعويضا عن العذاب الذى لاقاه من الأولى هكذا قال لى واستمر معها عدة سنوات أنجب خلالها بنتين، ثم تفجرت الخلافات بينهما، وانتهت بالطلاق، وتشتتت به السبل، ووجد نفسه ضائعا بين مطلقتين وأولاده منهما!

واستمعت الى ما رواه لى فى اهتمام، وحاولت التسرية عنه، وخلال هذه الفترة، لاحظت أنه إنسان سلبي، لكنى ألقيت باللائمة على زوجتيه السابقتين، وقد سألنى عن رأيى فيه، فقلت له إنه شاب «كويس»، لكن سوء حظه هو الذى أوقعه فى هاتين الزيجتين، فعرض علىّ الارتباط به، طالبا منى أن أكون سنده فى الحياة، فرددت عليه بأن الأمر يتطلب تفكيرا طويلا فهو يحتاج الى زوجة بمواصفات خاصة، وتكون لها تجربة سابقة فى الزواج، كما أن أهلى لن يوافقوا على زواجى منه عندما يعلمون بتفاصيل حكايته مع مطلقتيه، فألح علىّ أن أفاتحهم فى الزواج منه، فنقلت ما دار بيننا الى أسرتي، فرأوا من منظور روايته أن سبب فشله فى الحياة الزوجية، يرجع الى من ارتبط بهما، وليس إليه، ولم يمانعوا فى زواجنا، وصادف ما انتهوا إليه ارتياحا داخلي، وأعلنا خطبتنا وبدأنا فى تجهيز عش الزوجية، وعندما سألته عن الشقة التى سنتزوج فيها، قال إننا سنعيش مع أمه فى الشقة الواسعة التى يسكنان فيها، وهى شقة «إيجار قديم» كان والده قد حصل عليها، وعرفنى بأنه رحمه الله كان يشغل منصبا مهما فى جهة كبرى بالدولة، فاستغربت ذلك، وقلت له، كيف يتسنى لنا أن نحيا معا حياة مستقرة وهادئة فى وجودها، حيث انها بالطبع سوف تتدخل فى كل كبيرة وصغيرة تخصنا، فأكد لى أننى ستكون لى حياتى المستقلة بعيدا عنها، ولن تناقش معى أى أمر يخصني، بما يعنى أن لى حرية التصرف دون املاءات منها، وأعاد على أهلى الكلام نفسه، فصدقناه، وتزوجته، وسافرنا الى مدينة ساحلية لقضاء شهر العسل، وهناك شعرت بتعب شديد، نقلنى على اثره الى المستشفى حيث قضيت به عشرين يوما، الى أن تماثلت للشفاء، ولم أنعم بلحظة سعادة من اللحظات التى يعيشها العرسان، وعدنا الى المنزل، فوجدت أمه فى البيت، فسألته بصورة تلقائية: هل والدتك ستعيش معنا، ونحن عروسان فى شهر العسل؟.. فرد بتساؤل: هل تريدين أن أخرجها من البيت؟.. فأعدت الكلام، ممكن تعيش مع أخيك هذه الفترة، ولو أيام الزواج الأولي، فلم يرد، كأنه لم يسمعني!



وبعد أسبوع واحد سافر الى السويس، حيث يقع مقر عمله، ثم ما لبثت ثورة الخامس والعشرين من يناير أن اندلعت، وتم فرض حظر التجول، وأذيع الخبر فى وسائل الإعلام، ومع ذلك وجدتها تأمرنى بالذهاب الى البنك لكى أحضر «فلوسا» منه، فحاولت أن أكرر على مسامعها ما كانت تعرفه لكنها تتجاهله، وهو أن البنوك لا تعمل، وليس بها أى أموال لدواع أمنية، واننى لا استطيع الخروج فى هذه الظروف، لكنها تعمدت استفزازى بتكرار طلبها، فاتصلت به، وقلت له: كيف أخرج من البيت والتجول ممنوع، فكلمها هاتفيا، واستفسر منها عما طلبته مني، فإذا بها تنكر أن تكون قد فعلت ذلك!!



وعندما جاءنا فى موعد اجازته، وخلال جلسة جمعتنا نحن الثلاثة فوجئت بها توجه حديثها الى زوجى قائلة «ياريت ماتخلفش تاني»، بدعوى أنه يكفيه ثلاثة أولاد من زيجتيه الفاشلتين، فنظرت إليه، وأنا أتعجب مما قالته، فرد عليها: ولماذا أحرمها من الإنجاب؟، وهكذا ناصبتنى حماتى العداء، ووصل الأمر بها الى حد أنها «بتدعى علىّ بعدم الخلفة»!.. ومرت الأيام، ولم أحمل ولجأت الى الطبيب، وبعد فحوص وتحاليل واشعات أجريت لى عمليتا حقن مجهري، لكنهما فشلتا، والمحزن أنها سعدت لذلك، وبدت عليها علامات الفرحة فى المرتين، ولم تخف موقفها الغريب، بل وقالت بالحرف الواحد «خلاص بقى مالكيش فى الخلفة»، فوجدتنى أبكى بحرقة وألم من هذا الكلام الجارح، فهى تكرهنى بشدة، وترى أننى السبب فى تطليق ابنها زوجته الثانية، ولم تصدق أننى لم أعرفه إلا بعد طلاقهما.



ومن هنا تزايدت خلافاتنا، وألححت عليه بأن يخبر أمه بالحقيقة، وأن يشرح لها كيف تعرفت عليه، لكنه رد علىّ بإجابته التى لم تتغير حتى الآن وهى «سيبيها تقول اللى هى عايزاه.. بكرة تزهق».. وواصلت أمه استفزازاتها، وحولت اجازاته الى نكد، ووصل الشقاق بيننا الى حد الطلاق، وجاء يوم تمادى فيه فى ايذائى بعد مشادة كلامية، وضربنى وسبنى وطردنى من البيت فى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وألقى بأشيائى على الأرض، وبعثر متعلقاتى فى كل مكان، واتصل بوالدى وقال له «تعال خد بنتك.. أنا طلقتها».. مع اننى المفروض «أقعد العدة فى البيت»، وقال له أبى هذا الكلام!! فرد عليه: أنا لا أضمن عواقب جلوسها مع أمى ولا ما الذى يمكن أن تفعله بها؟! وجاء أبى فى هذا الوقت المتأخر من المحافظة التى يعمل بها، وانزعج لحالي، فلقد أصبت بكدمات فى وجهى وذراعي، ونزيف فى الأنف، وأخذنى أبى الى منزلنا.



وفكرت فى أن أحرر له محضرا فى قسم الشرطة، ثم أذهب الى المستشفى لعلاجي، والحصول على تقرير طبى بإصاباتي، لكنى لم أشأ أن أفعل ذلك، ورفضت أى إجراء من الممكن أن يتعرض بسببه للأذى فى وظيفته الحساسة.. واستقرت بى الحال فى بيت أبي، وألقى زوجى علىّ يمين الطلاق للمرة الثانية، وغيرت حماتى «كالون» باب الشقة، وليس معى أى نسخة من المفتاح حتى لا أعود الى البيت فى أى وقت بعد ذلك، وسافر زوجى الى عمله كالمعتاد، وفى الاجازة جاءني، وتم الصلح بيننا، وعدت معه الى الشقة، بالطبع فى وجود أمه، التى تسعى الى تطليقى للمرة الثالثة والأخيرة، ومازالت تضغط علىّ بشدة، وتروى له حكايات كلها غير صحيحة، فمثلا تقول: إننى أسبها فى «الداخلة والخارجة»، مع أننى أعود الى البيت يوميا بعد الثانية عشرة مساء وأقضى الوقت كله فى العمل، ولدى أسرتى لكى أبعد عن شرها، لكنها لا تريد أن تتركنى فى حالي، وقد ألححت عليه أن يبحث لنا عن أى سكن، ولو شقة صغيرة، فقال انه لا يملك المال الذى يمكننا الحصول به على شقة، فطليقتاه تحصلان على مبالغ كبيرة منه، وتأتيه كل يوم محاضر بجلسات فى المحكمة، لكى يزيد نفقة الأولاد، والغريب أن أمه تحصل على دخل كبير يقترب من سبعة آلاف وخمسمائة جنيه قيمة معاشها ومعاش حماى رحمه الله، ولا تنسى أن تذكرنى فى كل شجار بأننا نعيش فى بيتها، وان هذا الوضع اذا لم يكن يعجبنى فلأبحث لى عن شقة لوحدي!



ولقد انتقل زوجى الى فرع عمله بالقاهرة، وسوف تزيد شجاراتنا، وكل ما أسعى إليه هو أن أعيش مستريحة من النكد الذى لا يفارقني.. وأرغب أن أنعم بالاستقرار مثل كل الناس، وأريد أن أكون على حريتي.. والله، يا سيدي، مازالت لدى ملابس اشتريتها خلال فترة الخطبة، ولم ألبسها، وموجودة فى أكياسها كما هي، وليست لدى فرصة لارتدائها فى البيت مثل كل الزوجات، فحماتى ترمقنى بنظرات حادة وغريبة، وتعلق على كل شيء حتى الطعام، وتركز عينيها على أكلنا وشربنا، لأن لها طعاما خاصا بها حيث انها مصابة بمرض فى القلب، وفيروس «سي» فى الكبد، وصارت حياتى معها عذابا فى عذاب، ولقد تعبت من هذه الحياة الكئيبة، وعلى مدى أربع سنوات لم أر يوما واحدا حلوا، ولا أدرى ماذا أفعل؟.. وأنا الآن بصدد عملية حقن مجهرى جديدة، وأخشى ألا تنجح اذا استمر اضطرابى على النحو الذى أعيشه الآن.. نعم كل ما أتمناه أن تكون أعصابى هادئة، ولكن كيف السبيل الى ذلك؟ اننى فكرت فى الهروب الى مكان لا يعرفنى فيه أحد، وأظل به الى أن أموت ويوارينى التراب فى مقابر مجهولة، فلقد كرهت الحياة والدنيا كلها من كثرة الضغط علىّ بصورة لا يتحملها بشر، فهل ترى لى مخرجا من هذا «الكابوس المرعب» الذى يوقظنى من عز النوم فلا يغمض لى جفن بعد ذلك، وأخشى أن يأتى النهار تحسبا لما سوف ألاقيه من عذاب حماتي، وقسوة زوجى الذى لم أتصور أبدا أن يكون بهذا السوء عندما تعرفت عليه؟.. ان الخناق يضيق علىّ وصرت على وشك الانهيار، وأرجو أن تجد لى حلا ينتشلنى قبل الطلاق الأخير.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



تتداخل العوامل التى أدت بك الى هذا الوضع السيئ الذى تعانينه الآن، فمنذ بداية معرفتك بالشاب الذى ارتبطت به عن طريق الإنترنت، ولقاءاتك المتكررة معه، كان واضحا أنك اعتبرتيه «عريسا لقطة» بحكم وظيفته والجهة المهمة التى يعمل بها، وكذلك وظيفة أبيه فى جهة مماثلة، ولم تتوقعى وعلى الأصح تجاهلت زيجتيه السابقتين، واقنعت نفسك بكل كلمة قالها عن حياته معهما دون أن تتحرى الحقيقة فيما قاله، بل ورميت زوجته الأولى ــ بناء على كلامه ــ بما يمس شرفها، وأن ابنه منها ليس من صلبه، لكنه لا يريد اللجوء الى تحليل الـ«دي.إن.إيه» لاثبات نسب الطفل اليه من عدمه، بحجة أنه يخشى الفضائح، ولو أن هذا صحيح، فأيهما الطريق السليم.. أن يقطع الشك باليقين ويستريح من عذاب أليم سيظل يطارده مدى حياته، وقد تترتب عليه أوضاع خطيرة فيما بعد من ميراث وربما زواج وغير ذلك من المسائل المصيرية؟.. أم أن يضع الأمور فى نصابها الصحيح، وقد انفصل عن أم الطفل الذى تقولين إنه يشك فى نسبه إليه؟.. وأما زوجته الثانية فلم تذكرى سببا واحدا ادعاه عليها هى الأخرى لكى يطلقها بعد أن انجبت منه بنتين.. ألم يكن فشل هاتين الزيجتين سببا كافيا للتروى قبل الارتباط به؟.. ثم ألم يلفت نظرك أن ما قاله لك بأنك سوف تعيشين مع أمه، ووافقت على هذا المبدأ دون أن تربطى بين فشل زيجتيه ووجوده معها فى شقة واحدة؟



بالطبع كل ذلك كنت تدركينه جيدا، لكن الوضع الاجتماعى والوظيفى له، ولوالده رحمه الله، هو الذى دفعك الى الزواج منه، والواضح أنك أخفيت داخلك هدفك الأساسى وهو: إما تطفيش والدته، أو الانتقال الى سكن مستقل، بدليل أن أول ما تبادر الى ذهنك بعد عودتك من «شهر العسل» الذى تحول الى «شهر مرض» فى المستشفي، هو أن تترك أمه البيت لكما، وتذهب الى بيت أخيه، ولو لفترة عسل تعويضية عن شهر المعاناة، أى أنك كنت تنتظرين أن يطرد أمه، وهذا الموقف المتعنت من جانبك تجاهها هو بداية الحرب الحقيقية التى أعلنتها هى عليك، إذ رأت فيك خطرا عليها جعلها تشك فى نياتك بالنسبة لها هى وابنها، ولذلك راحت تقارن بينك وبين مطلقته الثانية التى يبدو أنها ذاقت الأمرين فى هذا البيت، ولم تدرك حماتك فعلتها إلا بعد أن تزوجت أنت ابنها وعاملتيها بقسوة، ولم تنزليها منزلة أمك.



لقد كان بإمكانك أن تكسبى ودها، وتجعليها فى صفك بكلمات فيها معنى الرحمة واللين والرفق، حتى لو قست عليك ببعض المطالب أو العبارات التى تصدر عادة من الحموات، فمن السهل تدارك مثل هذه الخلافات فى مهدها بعيدا عن «المعاملة الندية» التى يكون مصيرها دائما هو الفشل.



وأما مسألة الإنجاب، فكيف تحاولين الإنجاب من زوجك، والحال بينكما بهذا السوء، وأنت معرضة للطلاق للمرة الثالثة فى أى لحظة كما تقولين.. أليس من الأفضل أن تتريثى بعض الشيء فى هذه المسألة، خصوصا وأنت فى سن صغيرة، ولم يمض على زواجك أربع سنوات، فتؤجلين الإنجاب الى حين استقرار أوضاعك الحياتية وتمهدين طريقا الى الراحة الزوجية مع حماتك؟



إن حالة التربص القائمة بينكم الآن أنت وزوجك وحماتك لا ترجى معها حياة مستقرة، والأمر فى حاجة الى تغليب لغة العقل، واننى ألمح بين سطور رسالتك ما يؤكد رغبتك فى الحياة معه، وكذلك أهلك، حتى أنك كنت ترفضين مغادرة بيت والدته الذى تسكنان فيه، استنادا إلى قوله عز وجل «لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا بفاحشة مبينة»، ولقد فهمت مغزى ما قاله والدك على النحو الذى ذكرتيه، وهو ان وجودك فى البيت سيكون عاملا فى تهدئة النفوس، وعودة الحياة الى طبيعتها مع زوال بركان الغضب بعد يوم أو يومين. وذلك هو المتبع دينيا فى الطلاق الرجعى خلال فترة العدة وفى ذلك يقول تعالى «لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا»، ويتم الصلح بينكما.



وبعيدا عن المغالاة فى الكلام، والاستفاضة فى شرح مواقف مفهومة وتحدث عادة فى كل البيوت، أقول لك بكل وضوح: إن الحماة من الممكن أن تكون نعمة فى حياة الزوجة قبل أن تكون نقمة، فلو أدركت الزوجة كيف تتعامل معها، وتتصرف حيالها بأسلوب ذكي، فإنها سوف تكسب حبها واحترامها، وعلى الزوج أن يتدخل دائما لتوطيد علاقتهما حتى تستمر الحياة الزوجية فى سلام وأمان، وعندما تقع مشكلة بينهما، فإن الحل بيد الزوج، وليس بيد أى منهما، فإذا وقف الى جانب امه، خسر زوجته، واذا ساند زوجته، خسر أمه، والحل المناسب هو اتباع «الذكاء الاجتماعي» وتلطيف الأجواء بالكلمات الحلوة والمريحة لكلا الطرفين.



ولقد جاء فى مجمع الأمثال للميداني.. إن الحماة أولعت بالكنة، وأولعت كنها بالظنة، والكنة هى زوجة الابن، وزوجة الأخ أيضا، والظنة هى التهمة، ومن الأمثال الشعبية العربية كذلك «لابد يا كنة تصيرى حماة»، فاعملى على تحسين صلتك بحماتك، ولا تفشى أسرارك الزوجية، مهما يحدث بينك وبين زوجك لها أو لغيرها.



إن علاقتك بحماتك صارت حربا بينكما، فهدفك أن تنالى قلب زوجك، وهدفها أن تنال قلب ابنها، وغاب عنكما أن قلبه يتسع لكما معا، وتحتاج المسألة فقط الى تفهم ومرونة بينكم جميعا، والواقع أن ما تعانونه ناتج عن خلل فى التنشئة التى يجب أن تقوم على التعاون والبر والرحمة، والتجاوز عن هفوات الآخرين، ومن هذا المنطلق أقول لحماتك: إن ما تصنعه معك سوف تنعكس آثاره السلبية غدا على ابنها الذى لا يحتمل زيجة رابعة، وربما تتوالى الزيجات الفاشلة، فيخسر كل شيء بسببها، فأخوه يعيش حياة مستقرة لم تشيرى الى أى متاعب يعانيها، وعلى الأرجح فإنه سعيد بحياته لأنه يعيش فى مكان مستقل، وأرجو أن تعى موقف ابنها الرائع منها، فهو لا يريد أن يخسرها، وأرجوها أن تبنى مع والدتك علاقة جديدة، وتتبادل مع أهلك الزيارات التى تزيد حجم التعايش بين الطرفين، ولا تتدخل فى أى أمر يخصك أنت وزوجك، وكما يقول المثل العربي، «إن الإناء الكبير يتسع للإناء الصغير»، فمسئولية الآباء والأمهات أن يفتحوا قلوبهم لأولادهم وزوجاتهم، وبناتهم وأزواجهن، فيجد الجميع مكانا للراحة والسلامة، ويكون الأهل ملجأ لهم وأمانا، وليسوا تهديدا لاستقرار حياتهم، وأن يسهموا فى تقوية روابطهم حتى يصبحوا قادرين على تربية الأحفاد.



افتحوا صفحة جديدة قائمة على الصراحة والوضوح، ولتكن البداية بجلسة صلح مع حماتك يتولاها زوجك، مع طى الماضى بكل مآسيه، والتطلع الى المستقبل بعين يملؤها الأمل والرضا بعيدا عن المغالاة فى الخصام ورعونة التصرف.. ووفقكم الله وسدد خطاكم على طريق السعادة والاستقرار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زيكو ناجزاكي
عضو جديد
عضو جديد
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 39
بلد الإقامة : مصر
نقاط : 6000
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime2/1/2015, 09:14

المشهد الدامى

أرسل إليك بمعاناتى راجية من الله أن تكون عونا لي، كما أنت دائما لكل قراء بريد الجمعة،

فأنا فتاة فى سن الثلاثين من عمرى ولم أتزوج بعد، ولا أرغب فى الزواج، وكيف أتزوج وأنا لا أثق فى الرجال واشمئز منهم، بل ويصيبنى القرف الشديد من كل ما يخصهم؟.. نعم هذه هى أنا، والسبب فى اضطرابى هو أبي!

لقد كنت طفلة طبيعية أحب أبى حبا جما، وكانت أمى وأخوتى وجميع أقاربى يعرفون أنى ابنة أبى المدللة، وكنت تلميذة متفوقة فى دراستى من الأوائل، وأحب المذاكرة والتفوق، وأبى هو قدوتي، وكان دائم الحديث معنا عن الأخلاق والقيم والصدق المنجي، ورأيته على الدوام فارسا بلا منازع وحنونا وحليما إلى أبعد مدي، ولم أر فى الحياة غير وجهها الأبيض.. وعندما كان عمرى أربعة عشر عاما اشترى لنا أول جهاز كمبيوتر.. وقتها أخبرنا أنه اشتراه لنا لنتعلم عليه، ولم أدر أن له هدفا آخر، فذات يوم صحوت من نومى فوجدت شقيقى الصغير جالسا أمام شاشة الكمبيوتر، وصعقت عندما رأيت ما يشاهده على الشاشة، فلقد وجدت عليها مباشرة مشاهد إباحية بين رجل وامرأة عاريين تماما ويمارسان الرذيلة، ولك أن تتخيل صدمتي، ففى سنى الصغيرة لم أكن أعلم عن علاقة الرجل بالمرأة سوى أقل القليل من الدروس العلمية بالمدرسة، وكان المدرسون يخجلون من شرحها لنا، فكنا لا نعرف شيئا سوى رسوم للأجهزة التناسلية، دون شرح لطبيعة العلاقة الزوجية، ووجدتنى أبكى بشدة، ونهرت أخي، وصحت فيه، فقال لي: إنه وجد قرصا مضغوطا بجهاز الكمبيوتر، وأنه ليس هو من أحضره، وعندما هددته بأننى سأروى لوالدنا ما حدث، قال: إن أبى هو الذى يضع هذا القرص فى الكمبيوتر، وأنه هو الذى أتى به!

نعم يا سيدي.. أبى هو الذى أدخل هذا السم إلى منزلنا، وتركه دون اعتناء وباستهتار بالغ بجوار جهاز الكمبيوتر، فهو يشاهد المواد الإباحية وأدمنها تماما، وهذا ما اكتشفته طوال الأعوام الستة عشر الماضية!، واكتشفت أيضا أن أبى ليس فارسا ولا ملاكا، إذ يحدثنا عن الصدق، ويكذب كثيرا، ويحاضرنا عن الأمانة، وهو غير مؤتمن، ولا أستطيع أن أروى لك ما حدث طوال هذه الأعوام الطويلة، ولكنى سأتحدث إليك عن التطورات الأخيرة التى لحقت به فى هذا الشأن، فمنذ عامين وهو يلح علىّ لكى أنشيء له حسابا على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وأنا أرفض بشدة، لما أعلمه عنه من ضعف نفسه، ففى هذه المواقع الصالح والطالح، وخشيت أن ينجرف مع التيار الفاسد، لكنه أصر على أن أنفذ له طلبه، وغضب مني، وهو لا يعلم أننى أخشى عليه من نفسه الأمارة بالسوء!.. نعم فالأمور تبدلت، وأصبحت الإبنة هى الراعية، ووجدتنى أمام إلحاحه الشديد أقيم له الحساب المذكور، وأنا أدعو الله أن يخلف ظنى فيه، وأن يكون بالفعل قد تغير، بعد أن أدى فريضة الحج، واعتمر أكثر من مرة، وفوجئت للأسف الشديد بأنه يدخل على الصفحات الإباحية تاركا «تعليقات وإعجابات» بالصور المشينة، بل ويرسل طلبات صداقة لفتيات يحترفن الرذيلة، وكل هذا ـ كما تعلم ـ على الملأ، وأمام أقاربنا، وزملائه فى العمل، فهذه المواقع لا تحمى خصوصية عملائها!

وأمام هذا التطور السييء للأحداث، وجدتنى مضطرة لمواجهته بعد كل هذه السنين.. أتدرى ماذا كان رد فعله؟.. إنه اتهمنى بالكذب، وبأننى أدعى عليه، ما ليس فيه، واعتبرنى إبنة عاقة لا تقدر المواقف. فهو ـ على حد قوله ـ من ينفق علينا، وهو من يفعل ما يشاء.

صحيح أنه حر كما يقول.. ولكن ماذا عنى أنا؟.. لقد عشت حياة مضطربة سنوات طويلة، ولم أفق من صدمتى فيه بعد، ومازلت لا أطيق اقترابه مني، أو أسمع منه نصحا، فكيف أتعامل معه، وما هو السبيل إلى الخلاص من كل هذا الإحساس بالمرارة؟.. فهو من قراء بابك الدائمين ومن يشجعنا على قراءته، وأرجو أن تتحدث إليه عسى أن يعود إلى رشده قبل فوات الأوان، وليعلم أننا أولاده لم نعد أطفالا، وأننا نرى ما يفعله، وقبل الجميع يراه الله ونصيحتى لكل شاب يدمن هذه العادة السيئة أن يقلع عنها، قبل أن تصبح بالنسبة له كالدم الذى يسرى فى عروقه، ثم يسقط ذات يوم فى نظر أبنائه وأقاربه، وقبل أن يتعرض للفضيحة على الملأ فى مشهد يوم عظيم.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ياله من مشهد دام الذى رأيت فيه والدك وهو يتابع الأفلام الإباحية على الإنترنت، ويغيب عنه طوال هذه السنوات أنه من السهل على من يفتح جهاز الكمبيوتر أن يسترجع ما تم فتحه من صفحات، والمؤسف أنه لم يتراجع عن موقفه، وزاد عناده، وإننى أقدر الموقف الصعب الذى عشتيه طوال ستة عشر عاما، وكتمانك هذا السر اللعين حتى سيطرت المتاعب عليك، وأصابتك الأمراض والوساوس من فعلته التى لا تليق برجل عاقل مثله، ولا يقر بها كثيرون من الشباب فما بالنا برجل متزوج، ولديه أبناء يتخذونه المثل والقدوة فى كل خطواتهم؟

والحقيقة أنه كان ينبغى عليك أن تخبرى والدتك بشيء من الحكمة والتروى بأن الكمبيوتر به أشياء إباحية، وأنك تخشين أن يقع أبوك فى المحظور إذا فتح موقعا إباحيا، وكان من الممكن أن تقوم بإبلاغه بالرسالة بطريقة أو بأخرى فينصرف عن هذا السلوك غير السوي.. ولكن أوان معالجة الوضع بهذه الطريقة قد انتهى وأصبحتم تعيشون واقعا يجب مواجهته بشكل مباشر. وإنى أسأله: ما هو شعورك عندما أبلغتك ابنتك بما عرفته عنك طوال السنوات الماضية؟.. ألم تحس بالخطر المحدق بها،.. ألم تشعر بأنها من الممكن أن تنجرف إلى هذا التيار فتخسرها، وتخسر حياتك؟

.. وما موقفك ممن يعلمون بحقيقة ما تفعله عبر الفيس بوك؟.. ثم ألا تدرى أن هذا السلوك نوع من أنواع الرذيلة التى تتنافى تماما مع تعاليم الأديان السماوية، فما بالنا برجل حج بيت الله الحرام واعتمر عدة مرات؟.. أعلم يا سيدى أن «من شابه أباه فما ظلم»، وسوف تندم أشد الندم على صنيعك هذا فتب عن هذه الخطيئة وغيرها من الخطايا التى انجررت إليها بكل تأكيد، وربما لا يعلم أولادك ولا زوجتك عنها شيئا.. قبل أن يأتى يوم لا ينفع فيه الندم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الليلة الكبيرة
مرشح
الليلة الكبيرة

انثى
عدد الرسائل : 786
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 110
نقاط : 6840
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime8/1/2015, 23:33


بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الأطبــاق المكســورة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 2015-635563500312900937-290

أنا شاب فى العشرين من عمري، أدرس بالصف الثالث الجامعي،

وأبعث رسالتى إليك راجيا أن ترشدنى الى الطريق الذى أبدأ به حياتى من جديد، فأنا وحيد أبوي، تربيت بمفردى بلا أخ ولا أخت، وكرهت الوحدة، ولم أجد من يشاركنى حياتي، وتداخلت عوامل كثيرة فى اضطرابها، فوالدى كان قاسيا فى معاملته، ويتفوه دائما بألفاظ نابية كان نصيب أمى منها الجزء الأكبر، ولم يكن يعطيها سوى أربعمائة جنيه فى الشهر كله، على أساس أنها موظفة، وتصرف راتبها فى شئون البيت، أما بالنسبة لى فكان يعطينى ما أريده من نقود لكى أشترى مستلزماتي، وكنت عاقلا ومتزنا، فلم أسرف فيها، وادخرت مبلغا كبيرا عبر السنين، وبرغم معاملته الطيبة لي، وحنانه الذى أحاطنى به، فإن قسوته على والدتى جعلتنى أكرهه بشدة، وزاد ضيقى منه ما حدث ذات يوم، وأنا فى الصف الثالث الثانوي، حيث كانت شركة الغاز الطبيعى تقوم بتوصيل خط الغاز الى شقتنا والشقة المواجهة لها، وطلب منى جارنا الذى يسكن فى الشقة التى تقع فى الدور الأسفل للطابق الذى نقطن به، أن أساعده فى ترتيب بعض الأشياء، وحمّلنى صينية صغيرة عليها أربعة أطباق للصعود بها الى شقتنا، فأخذتها منه وأنا واثق أن الأطباق فى وضع غير مستقر، ومن الممكن أن تقع فى أى لحظة، ليس لأننى لا أستطيع حملها، ولكن لأن الصينية أصغر من أن تحتوى هذا العدد من الأطباق، وهذا ما حدث بالفعل، ففى أثناء صعودى السلم سقط أحدها على الأرض، وكنت قد اقتربت من شقتنا، وكان أبى ومن معه يراقبون هذا المشهد، وانتظرت أن يقول لى «قدر الله وما شاء فعل، فداك مليون طبق»، ولكنى فوجئت به يسبنى ويلعننى بأحط الألفاظ والعبارات التى أخجل من ذكرها.. وقالها لى على مرأى ومسمع من الجميع، فوقفت فى ذهول، ثم القيت بالصينية على الأرض، وثرت عليه، وبصقت فى وجهه، وأنا فى حالة هيستيريا، ثم انخرطت فى بكاء مرير، وهرولت على السلم خارجا من البيت.

ويبدو أنه أحس بتجاوزه علىّ، فلم يحاسبنى على انفعالى عليه، وعلى رد فعلى الذى أعترف بأنه كان قاسيا، ومع ذلك تعمقت كراهيتى له، وأحسست دائما بوجود حائل بيننا، ومضت علاقتى به على نحو فاتر، وبنفس طريقة «الهزار» التى تعودت عليها، فكنت أناديه باسم «فوزي»، وأنادى والدتى باسم دلع أيضا، فأنا إنسان وحيد، وأبواى هما كل عالمي، ولا أعرف مكانا آخر غير المنزل الذى أعيش فيه، والمدرسة التى أدرس بها، وبضع ساعات كل أسبوع فى صالة «جيم»، وشيئا فشيئا عرفت أن أبى كان متزوجا قبل والدتي، وأنجب من زوجته الأولى أربعة أبناء، ولكنى لم أعرف أى تفاصيل عنهم، ولم أر أيا منهم طوال حياتي، وعندما سألته: أين هم، ولماذا لا نلتقى بهم ولا يزوروننا، ولا نزورهم؟.. رد علىّ قائلا: «إنهم أخوتك عند الحكومة، لكن فى الحقيقة لا!».. ومازلت أجهل ـ حتى الآن ـ سبب هذا الجفاء لدرجة أننى لا أعرف حتى مجرد أشكالهم!

ولم يفارق خيالى أن يكون لى أخوة لا أعرفهم وترسبت فى أعماقى كراهيتى الشديدة لأبي، ومرت سنوات طويلة وأنا على هذه الحال، حتى جاء يوم منذ عام وشهرين تقريبا وكنت أستذكر دروسى فى حجرتي، وفى حوالى الساعة التاسعة مساء طلبت من أبى مصروفا إضافيا فقال لى «حاضر يا قلبى من جوة».. فاستغربت الجملة التى لم يقلها من قبل، ولاحظت ابتسامة عريضة على شفتيه لم أرها من قبل، وأخذت منه النقود، وعدت الى حجرتي، وتركته ووالدتى معا فى غرفة المعيشة، وفى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل نادتنى أمى بصوت متحشرج، فأسرعت إليها، ووجدتها تبكى بشدة، وتقول: «أبوك مات».. فقلت لها »إزاي.. مش فاهم»، ونظرت الى الكرسى الذى كان جالسا عليه قبل ساعات وهو فى أتم الصحة عندما طلبت منه مصروفي، فهالنى منظره، وارتميت على الأرض مغشيا علىّ، وتعالت صرخات أمي، وتجمع الجيران فى مشهد مهيب، وأفاقونى من إغمائي، وجاءت ثلاث سيارات اسعاف، وتم نقله الى المستشفي، وهناك أكد الأطباء أنه فارق الحياة.

وسألنا الجيران عن المكان الذى سيتم دفنه فيه، فقالت والدتي، إن أبى طلب منها فى الليلة نفسها أن يتم دفنه فى بلده «بورسعيد»، وخرج موكب حزين، ومعنا أقاربى لوالدتي، والجيران، واتجهنا الى مقابر العائلة، وأنا لا أعرف لى أخا ولا قريبا، وكان هناك شخص آخر متوفي، وصلينا الجنازة على الاثنين معا، ثم جرت عملية الدفن، ووقفت بعيدا عن الناس، حيث اننى لم أتحمل هذا المشهد الصعب.

وانتهى كل شيء، ووجدتنا أنا وأمى بمفردنا، وتغيرت حياتى تماما، وتبدلت شخصيتي، وصرت إنسانا آخر، أفكر فى وضعي، وما آلت إليه أحوالي.. أين أهلي؟.. وأين أخوتي؟.. ولماذا أجدنى مقطوعا من شجرة؟.. ولا أجد اجابة سوى الواقع المر الذى أحياه، والذى يجعلنى أفضى إليك ـ يا سيدى بأمر مهم يسيطر على عقلى وتفكيري، وهو أننى مازلت أكره أبي، ولا أطيق مجرد سماع اسمه، فلا يحدثنى أحد عن سيرته، إلا وأغيرّ مجرى الحديث، وكلما ذكرت أمى شيئا عنه أطلب منها ألا تذكره، ومع ذلك فإننى فى الوقت نفسه أدعو له بالرحمة، ولعلك تهزأ بأفكاري، لكنى أنقل إليك ما يدور بداخلى من «أفكار مشوشة»، نعم هذه هى الحقيقة، وأذكرها لك لكى تعلم أننى أفعل أشياء كثيرة ليس من باب الاقتناع بها، ولكن لأن الواقع هو الذى يفرضها علىّ، فمثلا أتذكر أن أبى بعد أن خرج الى المعاش كان دائما يعد طعام الغداء، ووالدتى فى العمل، ووقتها قال لى «ياريت تفتكرنى لما أموت ولا تجد من يصنع لك الطعام، وتقول الله يرحمك يا بابا».. وبالفعل كلما تذكرت هذا الموقف، أدعو له بالرحمة.. وهذا شيء داخلي، ولكن لا أريد ذكر اسمه أمامي، فمازالت تشغلنى مسألة أخوتى الذين لا أعرفهم، وهم ورثة معى فى الشقة التمليك التى نسكنها أنا ووالدتي، فهى مسجلة باسم أبي، وعند استخراج «إعلام الوراثة» قال لى المحامى الذى أوكلنا إليه هذه المهمة «من الممكن أن نضرب عقد الشقة باسمك، وتريح نفسك»، فرفضت بشدة عرضه، وقلت له: لن أقبل أى شيء حرام، ولابد من كتابة أسماء أخوتى جميعا معنا أنا وأمي، قلت ذلك وأصررت عليه، وأنا لم أرهم ولا أْعرف عنهم شيئا، ولا أدرى إن كانوا أحياء أم رحلوا عن الحياة، ولم يشاركوا فى دفن أبيهم، وكل ما أعلمه من واقع الأوراق التى كان أبى يحتفظ بها أن أكبر أخوتى منه عمره الآن أربعون عاما، وكان عمر والدى عند وفاته أربعة وستين عاما.. ولقد تركت موضوع الشقة كما هو، ونعيش فيها أنا وأمى البالغة من العمر الآن ستة وخمسين عاما، وهى مأوانا الوحيد.

ولما كانت هذه هى أوضاعى، فلقد تسلل الاضطراب الى حياتى العاطفية، فكل تجاربى فاشلة، ولم اقتنع بأى فتاة لتكون شريكة حياتي، حيث عرفت أربع بنات عن طريق الإنترنت، ودارت بيننا حوارات كثيرة، كلها تتسم بالاحترام، ثم قابلت إحداهن فى القاهرة، وكانت أول مرة أكلم فيها بنتا.. وفوجئت بمعاملتها السيئة لدرجة أنها تتفوه بألفاظ غير لائقة، ولا تفارق لسانها كلمات سباب لم أتصور أن ينطق بها لسان فتاة، ولم تطل الأيام بنا وقلت لها «كفاية كده»، وانتهت علاقتنا عند هذا الحد، إذ اننى لم أقتنع بها منذ أن رأيتها لأول مرة، ومع ذلك قلت لها «بحبك».. كده وخلاص!

إننى أعلم أن سلوكى هذا خاطئ، لكنى كنت أحاول تعويض إحساس الوحدة القاسى الذى أعانيه، وأبحث عمن أتحدث معها، وأخاف عليها، و«تطبطب» علىّ، وأنا حريص منذ صغرى على الصلاة وقراءة القرآن والكتب الدينية، وأريد الآن أن أخطب فتاة أجد راحتى عندها، وتكون سندى فى الحياة، فتاة أكون فى عقلها وقلبها وروحها، فتحتوينى وتسرى عنى همي، وأبكى بين يديها الى أن أرتاح، أريد تكوين أسرة أساسها الحب والرحمة والمودة، لا تكون مقطوعة الأوصال كما وجدتنى أنا وأخوتى الذين لم أرهم ولا أعرف أين هم، وأتمنى أن يرزقنى الله ببنت أكون أباها وصاحبها، فتحكى لى ماذا عملت فى المدرسة وتروى لى حكايتها مع صاحباتها، ومن حولها.

ربما تضحك من رسالتي، أو تستغربها، لكنى أكتب إليك ما يدور داخلى دون ترتيب راجيا أن ترشدنى الى ما يجب أن أصنعه فى حياتي، وكيف السبيل الى تدارك ما صنعه أبى بنا؟.



ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد فات أبواك أن التنشئة السليمة للابن الوحيد تقوم على عوامل عدة، أهمها أن يربطاه بعائلته وأقاربه من خلال التجمعات الأسرية، حتى يتعرف عليهم ويبنى علاقات قوية بهم، فلم تذكر شيئا عن أقاربك من ناحية والدتك، كما أن والدك ارتكب خطأ جسيما هو السبب فى كل ما آلت إليه أحوالك بعدم تعريفك بإخوتك الذين قال لك عنهم «انهم أخوتك عند الحكومة.. أما فى الواقع فلا»! فالطبيعى أن المرء يبحث عن معارفه وأقاربه، ويقيم معهم وشائج وصلات تساعدهم على التلاقى دائما، لا أن يوجد حالة جفاء معهم، كما صنع والدك مع إخوتك منه، ولم تذكر مع من عاشوا، هل مع أمهم بعد طلاقها من أبيك؟.. أم أنها توفيت، وتربوا مع أقاربهم، ثم ألم يكن يعطيهم نفقة للمعيشة على الأقل بحكم القانون؟.. وهل لك أقارب آخرون كالأعمام وأولادهم؟.. وأين اخوالك وخالاتك وأبناؤهم؟

إن انعزالك عن هؤلاء جميعا، وانحصار كل عالمك فى والديك، هو الذى أوصلك الى الحالة النفسية السيئة التى تعانيها، وأحسب أنهما جنيا عليك بهذا الأسلوب الخاطئ فى التربية، فحتى الأصدقاء حرموك منهم، فليس لك صديق واحد، وكان الواجب عليهما أن يعلماك كيف تكون صداقات ناجحة مع زملائك، ويتم التواصل مع أسرهم، وظنا أن توفير ما تطلبه منهما هو السبيل لحمايتك واحتوائك، ولكن للأسف، لم يكن ذلك شيئا جيدا، وقد أخطأ والدك خطأ فادحا حينما آعطاك كل ما تريد من مال، فى الوقت الذى خصص فيه أربعمائة جنيه فقط لوالدتك كمساهمة فى مصروف البيت، فمن ناحية ترك ذلك أثرا سلبيا لديها، ومن ناحية أخرى كانت له نتائج عكسية من جانبك، فالطفل عندما يجد كل شيء يطلبه، لا يشعر أبدا بقيمة الأشياء، وسوف يصطدم يوما بالحياة التى لا تعطينا دائما كل ما نريد.. فالمسألة لا تتعلق بالمال وحده، وانما تكمن فى جوانب الحياة المتشابكة والمعقدة والتى تحتاج الى خبرة وممارسة وليس انعزالا وانطواء، كما أن والدك أخطأ بعدم التواصل معك عن طريق الحوار والمتابعة، وفاته أن يقيم علاقة قوية بينكما، وأن يقضى وقتا كافيا فى الحديث المتبادل الذى يشعرك بالحب والأمان، ومضى فى تدليلك على نحو مبالغ فيه حتى اذا عنفك فى موقف «الأطباق المكسورة» ثرت عليه وبصقت فى وجهه، وهو تصرف لا يعقل أن يرتكبه ابن مع أبيه، لكنه هو الذى أوصلك الى هذا الوضع غير السوي، بتربيته الخاطئة لك، والغريب أنه لم يعاقبك أو يحاسبك على رد فعلك السيئ تجاهه، فى واقعة «الصينية»، فأى أب هذا؟ وأى تربية هذه؟.. سواء بالنسبة لك أو بالنسبة لإخوتك الذين سيحاسبه الله عن تقصيره فى حقهم وجفائه لهم، وأرجو أن يستوعب الآباء والأمهات هذا الدرس فيربون أبناءهم بطريقة صحيحة بعيدا عن التدليل الزائد على الحد، أو تضييق الخناق عليهم الى درجة قاتلة.

ولقد كان طبيعيا ـ والحال كذلك ـ أن تعيش صراعا نفسيا رهيبا لكن الله نجاك من الدوامة التى عشتها، وساعدك على ذلك أن تصرفاتك الانفعالية ناتجة عن «المواقف اللحظية» وليست متأصلة فيك، فانس ما فات، ولا تسيء الى والدك، بأى حال، وتصرف بحكمة وحسنا ما فعلته بعد رحيله بإقرارك بحق أخوتك فى ميراث أبيهم، سواء فى الشقة أو فى أى تركة أخرى من مال وخلافه، ولم تركن لكلام المحامى معدوم الضمير، فعلاوة على أن أخوتك لهم الحق فيما أقره الشرع والقانون، فإن تصفية نفسك واراحة ضميرك، من أهم الخطوات التى ستساعدك على استعادة الطريق المستقيم فى الحياة، وبدء صفحة جديدة معهم.. نعم عليك أن تفعل ذلك، ولتكن المبادرة منك، وأنت أصغرهم، وسيكون وقع ذلك عليهم رائعا، وسيحسبون لك هذه الخطوة التى لم يتوقعوها، والتى ربما يريدون أن يأخذوا زمام المبادرة بها لولا خوفهم من تفسيرك أنت ووالدتك الأمر على نحو أنهم جاءوكم بحثا عن الميراث، وان كان حقهم.

وأما عن الخطبة والزواج، فلا تتعجل، فمازال مشوار الحياة أمامك طويلا، ولعلك تترك هذه المسألة الى حين أن تتخرج وتعمل، فحينئذ تكون قد اصقلت تجاربك فى الحياة، واندمجت فى العلاقات الاجتماعية التى حرمتك منها التربية الخاطئة، واياك والتسرع فى علاقات الإنترنت، فهى غير محمودة العواقب، فالزواج مشاركة بين اثنين متوافقين فى أمور كثيرة، وليس مجرد اعجاب سرعان ما تذروه أى خلافات بسيطة، كما أن كلمة الطلاق صارت سهلة على ألسنة الكثيرين من الشباب، وكأن الزواج أصبح لعبة يلهون بها، وليس مسئولية تتطلب الصبر والهدوء واعمال العقل.

ولن يهتدى الى السعادة وينعم بها إلا من اتبع الصراط المستقيم الذى تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد طرفيه، وطرفه الآخر فى الجنة، وقال تعالى «ولهديناهم صراطا مستقيما»، وأحسب أنك ببذرتك النقية تسعى حثيثا إلى انتهاج المنهج الصحيح فى حياتك، وتدارك ما فات، وما أجله وأروعه من منهج، فسعادة من يلزم الصراط المستقيم أنه يكون مطمئنا إلى حسن العاقبة، واثقا من طيب المصير، راضيا بقضاء الله، وفى قلبه نور وهو ساع إلى الخير، وبعد كل ذلك يطلب الهدى من الله امتثالا لقوله عز وجل «ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده».

فدع القلق، واتخذ من الماضى عبرة، ولتساعدك أمك فى تجاوز هذه الفترة الحرجة التى تمر بها، اذ أننى لا أجد لها دورا فى حياتك، وقد تركتك هى ووالدك رحمه الله، دون أن يدركا العواقب الوخيمة لتجاهلهما لك على مستقبلك، ولكنى أثمن رؤيتك للواقع الذى تعيشه الآن، وعدم رضائك عن مقاطعتك أخوتك، واننى على ثقة من أنك سوف تصل رحمك، وتبنى جسر التواصل معهم، فإحرص على الا تبقى معزولا، فالعزلة مصدر التعاسة وكل هذا التوتر الذى تشعر به، سوف يختفى حينما تلتحم بأخوتك وأقاربك، وعليك أن تحارب النكد، وأن تعود الى مزاولة الرياضة التى كنت تمارسها من قبل، ولا تحبس مشاعرك فكبت المشاعر يسبب التوتر، ويحول دون الشعور بالسعادة، وعبر عنها بأسلوب مناسب ينفث الضغوط عن نفسك.

إن كلماتك التلقائية التى تصورت أنها مضحكة ـ على حد تعبيرك ـ تكشف عن شاب واع يتطلع الى حياة سوية طبيعية مع من حوله، ولذلك أرى أن ما ترمى إليه من التواصل مع الآخرين والزواج والاستقرار.. كلها أهداف سوف تتحقق تباعا، فاستمر فى طريق النور الذى تتلمس خطاه، وأذكرك بقول الشاعر:

ألم تر أن الليل لما تكاملت

غياهبه جاء الصبح بنوره

وقد آن للصبح أن يأتى لينير طريقك فى الحياة، فكن واثقا من نفسك.. وفقك الله وسدد خطاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 110
نقاط : 17029
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime16/1/2015, 13:15

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
السـر الكبيـر !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 2015-635569531463906793-390

ترددت كثيرا فى أن أبعث إليك رسالتي، وكنت فى كل مرة أنوى كتابتها ينتابنى شيء من الخوف.

ثم استجمعت قواي، ووجدتنى أرويها لك بعد أن شدتنى ردودك الحكيمة، ودروسك التى استقيتها من خبرتك فى الحياة، فأنا فتاة فى الرابعة والعشرين من عمري، تخرجت فى إحدى الكليات الجامعية، وترتيبى الثانية بين أخوتي، حيث تكبرنى شقيقة واحدة، ويصغرنى شقيقان لي، وعشنا حياة مرفهة مع أبى وأمى لسنوات عديدة، وتطلعت إلى أبى دائما على أنه القدوة الصالحة التى أحتذى بها، والحقيقة أنه تعامل معنا أنا وأخوتى بكل سهولة ويسر، ووفر كل ما تمنيناه، وعمّ حياتنا الهدوء، لكنه على جانب آخر كان دائم الشجار مع أمي، وامتلأت حياتهما معا بالمشاجرات، ومع ذلك كانا يتداركانها سريعا، ويصلان إلى حل لمشكلاتهما، وتوقفت أمام الطريقة الغريبة التى يتعامل بها معها، فهو خارج المنزل يظهر بأسلوب جميل مع جميع الناس، أما داخله فيتحول إلى شخص صامت لا يتكلم، وبرغم هذا الجو المضطرب تواصلت حياتنا على نحو مستقر.

وكان أبى يعمل بالتجارة، وتحسنت أحواله المادية كثيرا، فانتقلنا إلى بيت أوسع بكثير من بيتنا الذى نسكن فيه، بيت به خدم يساعدون أمى فى شئوننا، وكل المستلزمات المطلوبة للعزومات التى يقيمها أبي، وكان من بينهم شاب عمره عشرون عاما، كانت أمى تتركه معنا، فنلعب سويا، وذات يوم اقترب مني، ولمسنى بطريقة استفزازية، وكان عمرى وقتها تسع سنوات، ولم أدرك ما فعله، ولما كررها ابتعدت عنه، وتحاشيت الجلوس معه فى مكان واحد واستغربت أن تتركه أمى معنا ولا أدرى ما الذى جعلها ترى أنه ولدها الذى لم تلده!



وكتمت هذا الأمر فى نفسي، ولم أحدث به أحدا، لكنه ترك أثرا نفسيا سيئا عليّ. وكلما تذكرته أشعر بالضيق، وأتحسس جسمي، وشغلتنى هذه المسألة إلى حد المرض. وقد أقمنا فى هذا البيت أربع سنوات.



ثم سرعان ما تغيرت الحال، ووجدت أبى يتفق مع أمى على بيعه لكى يسدد بثمنه الديون التى تراكمت عليه، بعد فشل أكثر من مشروع تجارى له، ولم يكن هناك حل آخر لكى تستمر عجلة الحياة، وهكذا رجعنا إلى بيتنا القديم، وكان عمرى وقتها ثلاثة عشر عاما، ورحل بعيدا عنا كل من كانوا يساعدون أمى فى أعمال المنزل بمن فيهم هذا الشخص، وجاءت عودتنا إلى البيت القديم مختلفة تماما إذ تتالت المصاعب فى حياتنا، وعجز أبى عن تسديد ديونه للآخرين، فلجأوا إلى المحاكم وصدرت أحكام عديدة ضده، وبعد عام واحد تم تنفيذ بعضها، ودخل السجن وسط دموعنا وصرخاتنا، وانتابتنا حالة نفسية لا أستطيع أن أصفها لك، وخيم السكون على حياتنا، وانسحبت بعيدا عن كل الناس، وتغيرت طباعي، وصرت كتومة جدا، ولا أكاد أنطق بأى كلمات بين صديقاتى وأقاربي، وحتى أمى لم أبح لها بما يضيق به صدري، ولم يفارقنى المشهد المؤلم لحركة الشاب الاستفزازية معى وأنا صغيرة، وعندما كبرت أدركت كل شيء، وذات يوم سردت على أمى حكاية هذا الخادم، وصعقت من رد فعلها. إذ أخذت كلامى على محمل «الهزار»، وقالت: «انها تخيلات... لا تأخذى فى بالك هذه الأشياء».. فلم أصدق أن يكون هذا موقفها، فهى لا تدرك ما تركه فعله السييء من آلام لم تمحها الأيام، بل إنه دفعنى إلى التفكير فى هذه المسألة، وظللت على هذه الحال إلى أن بلغ عمرى تسعة عشر عاما، ولك ـ يا سيدى أن تتخيل حال طفلة فى مرحلة التكوين ثم فى مرحلة البلوغ، وقد سيطر عليها هاجس كهذا سنوات طويلة،.. فلقد كرهت الدنيا بما فيها، ووجدتنى أزداد عزلة بعد موقف أمى التى لم تلق بالا لما فعله هذا الشخص لدرجة أنه تصادفت زيارته لنا، فى اليوم الذى حدثتها فيه عما فعله معي، فإذا بها تستقبله بترحاب شديد، وتتحدث معه بطريقة عفوية، وقد عاتبتها على ذلك، وبكيت أمامها من موقفها الغريب مع شخص لا ضمير له ولا أخلاق ولا دين، فقالت: «يا بنتى إحنا أكلنا معاه عيش وملح».. أى عيش هذا الذى تتحدث عنه؟.. أليست القطيعة هى الواجبة فى مثل هذه المواقف لكى يعرف خطأه، ولا يكرره مع أخريات، أو حتى يشعر بمجرد تأنيب الضمير على تصرف غير أخلاقى كان من الممكن أن يجر أى بنت إلى ما لا تحمد عقباه.



وحمدت الله أننى تخلصت من هذا الكابوس، وعاهدت ربى ألا تشغلنى هذه المسألة بعد اليوم، فلولا وجوده سبحانه وتعالى فى حياتى لانتحرت بالفعل، فلقد كرهت كل الرجال وكرهت جسمي، حتى أننى لا أطيق الحديث مع أى شاب.



ولقد مرت الأيام بحلوها ومرها، وجعلت الكتاب رفيقي، واجتهدت فى مذاكرتى وحصلت فى الثانوية العامة على مجموع كبير أهلنى لدخول الكلية التى كنت أرغب فيها، وفرحت أمى بتفوقى فرحا عارما، وهى ترانى البنت الجدعة التى لديها طموح، وقد حققت لها ما كانت تأمله فيّ، وحصلت فى الجامعة على تقديرات عالية، ولم أهتم بشيء سوى الدراسة، ورفضت كل من تقدموا للزواج منى دون مناقشة، وكان مبررى هو أننى لن أوافق على الخطبة أو الارتباط إلا فى وجود أبي، وقد ظل مسجونا عشر سنوات، ثم أفرج عنه وبدأ فى التصالح مع البنوك المدين لها.

وتصورت أن تفكيرى سيتغير بعد عودته إلينا، ولكنى وجدت أن الحياة بالنسبة لى قد توقفت تماما، وأصبح لسان حالى «محلك سر»، ولا أعلم كيف أصبحت بهذه الحال، فأنا الآن أشعر بالخوف الشديد عندما أسمع كلمة «عريس» أو «شغل»، ووجدتنى أسيرة لعالم جديد اسمه «النوم والفيس بوك».. وأكون طبيعية تماما، وأنا بمفردي، حتى إذا جاءتنى أمي، وقالت لى «جايلك عريس كويس».. أتغير فجأة وأبكي، وإذا جلست معه بضغط من أمى أرفضه تلقائيا بلا مبرر، وأحس بالخوف من مجرد الجلوس أو الحديث معه، وتعبت أمى مني، وتسألنى وهى حزينة «ما الذى يحدث لك عندما أقول لك، فيه عريس كويس؟، وعندما تتكلمين مع أقاربك أو جيرانك تكونين هادئة، وتتحدثين معهم بطريقة كلها ذوق ورقة»؟.. وأما عن العرسان فتسألني: «لماذا تخافين الغريب، ولا تخشين القريب الذى لا يريدك»؟.. فهى تتصور أننى أحب أحد أقاربي؟.. مع أننى والله العظيم لا أميل إلى أى أحد منهم على الاطلاق، وكل كلامى معهم سطحي، وأتعامل بشكل عادى مع كل من هو بعيد عن حياتي، ولكن من يحاول منهم أن يتقرب لي، أخاف منه، وأنسحب بسرعة من أمامه.. وتتغير حالى عند سماعى بوجود عريس حيث يحمر وجهي، وأصاب بالهلع، وينبض قلبى نبضات سريعة، ولا أستطيع الكلام، وأجبرتنى والدتى على أن أجلس مع شاب تقدم لى أخيرا، فجلست معه مرغمة، وقد كست وجهى علامات الحزن. ولم يكن فيه عيب لكى أرفضه، وقال لى أخوتي، وكل من حولى «أنه عريس ممتاز ولا يعيبه شيء».. وقرأنا الفاتحة، وسط سعادة الجميع إلا أنا، فبرغم أننى أراه مناسبا لى بالمقاييس المتعارف عليها إلا أن قلبى وعقلى يرفضانه، وبالفعل ظلمته وظلمت نفسي، وقلت له إننى سوف أتزوجه رغما عني، فأهلى هم الذين أجبرونى على قبوله، فلم ينطق ببنت شفة، وانسحب من حياتى بهدوء، واحترمته على هذا الانسحاب، ووبخت نفسى على طريقتى التى تعاملت معه بها خلافا لطبيعتى وتربيتى وطريقة كلامي،.. هذا ما حدث ولم أندم عليه ولو للحظة واحدة، ولم أجد تفسيرا لشعورى بالرضا والسعادة لرحيله بهدوء!!



إن حياتى مليئة بالخوف والوحدة، وأصبح كل أقاربى لا يثقون بي، ويظنون أننى على علاقة بشخص معين، أو أننى أحب شابا لم يتقدم لي، وتبكى أمى على حالي، وتدعو لى الله أن يهديني، أما أبى فهو يعيش «حالة صمت»، ومازال يعيش «دوامة المخالصات»، وباقى ما عليه من ديون، ولا يكلمنى فى موضوع خطبتى ورفضى العرسان، وإذا فتحت أمى معه الموضوع يقول «كله رزق». ويسكت وأنا لا أريد غير رضا ربنا، ولكن كيف أغيرّ نظرتى إلى الزواج، وكيف أتغلب على خوفى من الطرف الثاني؟ إننى متوسطة الجمال، ويستغرب الكثيرون أننى أرفض كل من تقدموا لى ويروننى متكبرة، لكن ربى أعلم بحالى وأدعوه ليلا ونهارا ألا يحمّلنى ما لا طاقة لى به، وأنى أسألك: هل تجد سبيلا إلى طمأنة قلبى وهدوء نفسى وسكينة روحي، فأبدأ حياة جديدة خالية من الخوف ومشرقة بالأمل؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



يبدأ الطريق الى تجاوز المحن والآلام بمواجهتها، فالاستسلام لليأس والصمت يقودان الإنسان الى طريق مسدود، ويجعله أسيراً لهواجس قاتلة تزداد ضراوتها بمرور الأيام، فإذا أطبقت عليه، لن يستطيع الخروج منها، ولن يفلح أعظم الأطباء النفسيين فى اعادته الى سيرته الأولي، ولذلك فإن الوسيلة المثلى للخلاص مما تعانينه، هو نسيان الماضى الذى لا يرضيك، فلقد مضى وانتهي، وعليك باتخاذ منهج جديد فى حياتك تؤمنين به وتبنين عليه جسرا للتواصل يمكنك الابحار من خلاله فى نهر الحياة.

والحقيقة ان حالة «الصمت الحزين» التى تعيشينها هى قمة الانفعال، ولكنه انفعال داخلى لا يشعر ببركانه إلا أنت وحدك. فأكثر اللحظات إثارة للانفعال هى التى يصل بنا الأمر فيها الى حد أن نلتزم الصمت، وهنا أسألك: ما الذى يدفعك الى كل هذا الحزن، ولم يحدث لك مكروه يجعلك أسيرة للأوهام؟ فى تصورى أن كتمانك عن أمك «السر الكبير» الذى احتفظت به لنفسك وأيضا غياب أبيك فى العمل، ثم الظروف التى تعرض لها بسجنه، وانصراف كل منكم الى نفسه، هذه العوامل هى التى جعلت القلق والاضطراب ينمو فى داخلك، ولو انك بحت لأمك منذ البداية بالحركة الاستفزازية التى فعلها معك هذا الشاب المستهتر لطمأنتك الى أن الأمر بسيط، ولساعدتك على تجاوز الأثر النفسى الذى خلفه عليك، وليس معنى أن يواجه المرء موقفا ما مهما بلغت قسوته. أن يستسلم له، فالفشل هو أن يبقى فى مكانه، ولا يحاول أن يتحرك إلى الأمام فى كل الظروف والأحوال، فإذا أخذ زمام المبادرة ولو بخطوة واحدة، فإن آلامه تنكشف واحدا بعد الآخر، وتتجلى رحمة الله به فى أوسع صورها وأسمى معانيها. نعم لقد ساهمت أمك دون وعى أو ادراك فى الإساءة الجسدية التى تعرضت لها على يد الشاب الذى كان يعمل لديكم فى «الأيام الموسرة» وقبل أن تحل الأزمة المادية بأبيك، فمن البديهيات أن الأم تحظر على بناتها الوجود مع أولاد كبار فى مثل عمرها، أو أكبر منها خلال فترة المراهقة وتكون دائما حريصة على متابعة تحركاتهن، ليس من باب الرقابة فحسب، وإنما أيضا وقبل كل شيء لكى تتمكن من توجيههن نحو السلوك السليم، وانتشالهن من الأخطار فى الوقت المناسب، فنفسية الطفلة أو حتى الفتاة التى تتعرض للتحرش غالبا ما تكون مرتعا للاضطرابات العاطفية، كما أنها تشعر بنقص الثقة فى النفس، ويسيطر عليها الإحباط، والخوف، والعجز عن التعبير، والإفصاح عن المشاعر، وفات أمك أيضا أن تتخذ منك صديقة لكى تروى لها ما تتعرضين له أولا بأول، فالأم الواعية هى التى تصاحب ابنتها. وتلازمها فى كل خطواتها، لأنها إذا شبت على الصمت وكتمان ما تعانيه، فإنها عندما تكبر سوف تميل إلى الكآبة، وتقل ثقتها بنفسها، وتنتابها حالة خوف لا تغادرها أبدا.

ومن المهم أن نشير فى هذا الصدد إلى ضرورة ألا يترك الآباء والأمهات التربية الجنسية لأولادهم وبناتهم للصدفة، فالأطفال يسعون إلى معرفتها إذا أخفيت عنهم، من الخدم والزملاء وأقران السوء. الذين قد يقدمون لهم معلومات خاطئة ملونة بلون مثير على غير الصورة التى نتوخاها، ويمهد بعض الأطفال المراهقين أحيانا لبعضهم فرصة الحصول على خبرة جنسية تحت ظروف تترك عادة أسوأ الآثار النفسية، ويعتبرونها سرا عظيما، يكتمونه خوفا من رد الفعل، أو إساءة الظن بهم، ولذلك فإنه من الضرورى إعطاء المعلومات للأبناء بطريقة صحيحة فى المنزل فى إطار أحاديث عادية، ولا تكون كأنها سر أو لغز عظيم الشأن.

وهنا أقول إن على الوالدين مسئولية كبرى فى تثقيف أولادهم بطريقة تتناسب مع المرحلة العمرية التى يمرون بها، وللأسف فإن كثيرات من الأمهات لا يتحدثن مع بناتهن حول التغيرات التى تحدث لهن سواء جسمية أو نفسية فى فترة ما قبل البلوغ، فتجد البنت قد بلغت سن النضج، وليس لديها أدنى معرفة بهذه الأمور، وهنا تلجأ إلى صديقاتها وقد يحدث الخطأ الذى لا يمكن علاجه. فالواجب تثقيف الأبناء ـ من السنوات الأولى بالتدرج فى إعطاء المعلومات لهم، وتهيئتهم بصورة صحيحة، وتصاحب الأم ابنتها وتشرح ما يستعصى عليها فهمه بطريقة مبسطة فتعطيها بذلك الأمان والثقة بالنفس لكى تفضى إليها بما تشعر به أولا بأول.

ويجب أيضا أن تكون تربية الأبناء مشمولة بالحياء، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحياء شعبة من الإيمان» وكان النبى أشد حياء من البكر العذراء فى خدرها. وكانت السيدة عائشة رضى الله عنها إذا أرادت أن تقسم تقول «والذى زين الرجال باللحي، والنساء بالحياء»، ومن الكلام المأثور «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أى أن الشخص الذى ليس فى وجهه نزعة لحم من الحياء، توقع منه أى شيء جيد أو غير جيد وتوقع أنه ربما يأتى بأى سلوك فى أى وقت، وأمام أى أحد بلا مبالاة أو حياء.

انك الآن أيتها الفتاة العاقلة الناضجة مطالبة بأمرين مهمين نحو استعادة نفسك: الأول هو البحث عن عمل مناسب لك، واثبات ذاتك فيه، وسوف يكلل الله خطواتك نحوه بالنجاح بكل ما تتصفين به من تفوق وحضور، ومرح، وهى صفات متأصلة فيك، والثانى قبول العريس المناسب ممن يتقدمون لك، ولا تلقى بالا لمن يستغربون أن يأتيك عرسان كثيرون مع أنك متوسطة الجمال، فمسألة الجمال نسبية، ولا تخلو امرأة من لمحة جمال، فالمرأة كيان متكامل ثقافيا واجتماعيا وحضورا لدى الرجل، وليست لوحة صماء بلا روح، وعليك أن تنسى الواقعة التى تعرضت لها وأنت طفلة، فليس كل الرجال على شاكلة هذا الصبى المستهتر الذى لم يجد من يربيه التربية السليمة.

فانفضى عنك غبار الأحزان. وودعى الصمت إلى الأبد، ولعل أباك يكون قد تعلم الدرس فلا ينجرف نحو مشروعات غير مدروسة، ويخصص لكم وقتا فيلتئم شمل الأسرة، وتعود إليك ابتسامتك المفقودة، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 110
نقاط : 17029
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime16/1/2015, 13:44


الحب الصامت


تتلخص مشكلتى فى جملة واحدة وهى «إنى لم أعد أعرف ماذا أريد فى هذه الحياة»،

فمنذ صغرى وأنا أريد أن أصبح عالما فى الرياضيات، أو بمعنى آخر أن تكون هذه المادة الرائعة تخصصي، وأن تكون شغلى الشاغل، لذلك كان حلمى منذ البداية هو الالتحاق بكلية الهندسة أو العلوم، ولا أعرف الفرق بينهما ولكنى أعرف أن معظم الشخصيات التى أحبها تخصصت فيهما وقد جذبتنى كلية الهندسة ببريقها فأصبحت حلمى الذى لا أرى سواه، وبدأت الدراسة وبداخلى هذا الحلم واجتهدت فى الثانوية العامة حتى حصلت على المجموع المطلوب ودخلت الكلية لكنى لم استسغ المواد الدراسية منذ السنة الإعدادية، ولم أحب إلا مادة الرياضيات وقليلا الفيزياء التى جذبنى القليل من موضوعاتها، ولكنى قلت لنفسى «سنة وهتعدى وهدخل التخصص»، ولكن فى أثناء الترم الأول من هذه السنة رأيت فتاة وشعرت نحوها بإعجاب وبدأت التفكير فيها وأنا لا أدرى ما أفعله فى نفسي، فبدأت تسيطر على تفكيرى ودخلت الترم الثانى وأنا مشغول بها ولم أعد أرغب إلا فى رؤيتها، فتأثر مستواى الدراسى بالطبع، ولكن بحمد الله مرت السنة وحمدت الله انى لم أكلمها فأنا بطبعى خجول كثيرا مع الفتيات ولكن مع اصدقائى أكون أكثر انفتاحا، وجاءت السنة التالية وعرفت أنها فى قسم معين فبدأت التفكير فيها بشكل أكثر من الأول، ونسيت أن أخبرك أنها رأتنى أكثر من مرة وأنا أنظر إليها لكنى لم أتكلم معها ولا مرة لأنى لا أعرف هل ما أفعله صحيحا أم خطأ، .. ومع السنة الجديدة ملكت تفكيرى وأصبحت متعلقا بها ولا أتكلم معها وأقول لنفسي: «هذا لا يصح»، ولم أذاكر فى تلك السنة إلا مادة واحدة هى الرياضيات وكانت النتيجة الطبيعية اننى رسبت، وهنا قررت أن أترك الكلية حتى لا أراها، وبالفعل حولت أوراقى الى كلية أخري، وبدأت تدريجيا أتناسى هذا الموضوع وأنا الآن فى السنة الثانية بكليتى الجديدة، والمشكلة أن عمرى الآن 21 سنة وأشعر أننى لم أفعل شيئا بحياتى ولا أعرف ماذا أريد منها، ففى كليتى الجديدة لا أهتم إلا بالرياضيات أيضا ولا أعرف ما هو مستقبلى بعد ذلك، وليس لى طموح فى هذه الكلية، فأنا لا أرى نفسى أبدا فيها، ولا أعرف من الأساس ما هى مشكلتي، هل هى فعلا فى تحديد هدف من حياتى؟.. لقد فكرت فى ترك الدراسة والعمل ولكنى لا أعرف ماذا أفعل فأنا لا أجيد عمل أى شيء.

زملائى الآن فى الفرقة الرابعة وعلى وشك التخرج، وأنا مازلت فى السنة الثانية، وقد تتساءل: أين أهلي؟ فأجيبك بأن ما يصبرنى على هذه الحياة هو حبى وثقتى فى الله بأنه لن يضيعنى لاننى مجتهد جدا، ثم أهلى الذين أعشقهم (وهم نقطة ضعفى لأنى أشعر أنى لم أفعل لهم شيئآ، فهم حتى الآن يصرفون علىّ سواء فيما يتعلق بمصاريف الكلية أو الكتب أو الملابس)، ويبقى شيء أخير وهو انى أكره الإجازة لانى لا أجد ما أفعله ولا أعرف أن أضع لنفسى هدفا فيها فهى بالنسبة لى بمثابة كابوس، فنتيجة الفراغ تأتينى أفكار سيئة وأصرف طاقتى فيما لا يفيد، بل أحيانا يضر فأنا كما قلت لك «لا أعرف ما أريده». أتمنى ألا أكون قد أطلت وأتمنى أن ترد علىّ بنصيحة ترشدنى بها الى معرفة الى أين أنا ذاهب فى هذه الحياة؟.



ولكاتب‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬أقول‭:‬

من الواضح أنك تعانى حالة تخبط شديدة، وتتصرف حسب هواك فى كل ما يعن لك من أمور، فلقد شغلتك زميلة لك، رحت تطيل النظر إليها، وتتعلق بها دون حديث معها، وبلغ تعلقك بها الى حد أنك تركت المذاكرة، وظللت تتبعها بدعوى الحب، أى حب هذا الذى ألقى بك على حافة الهاوية، وفيم قضيت كل وقتك، وأنت الذى لا تتحمل فترة الصيف لأنك تكون فيها بلا عمل، وهل علماء الرياضيات الذين تعتبرهم مثلك الأعلى صنعوا هذا الصنيع؟.. أم أنهم استغلوا ملكاتهم فى الاستزادة من المعرفة حول هذه المادة، وابدعوا فيها، ولما كانت كل العلوم متصلة ببعضها خصوصا فى كلية مثل الهندسة، فلقد كان بإمكانك أن تتفوق فيها وتحقق حلمك الذى حددته لنفسك منذ البداية، لكنك انجرفت الى اهوائك، وسيطر عليك «حب وهمي» نتيجته معروفة بكل تأكيد، وانى أتساءل فعلا عن موقف أهلك، الذين وضعوا ثقتهم فيك، لكنهم للأسف الشديد غابوا عنك، ولم ألمس وجودا لهم فى سطور رسالتك، «وكل ما قلته انك تشعر انك بلا هدف، وأن ايمانك بالله هو الذى يجعلك تستمر فى الحياة»، ولو أن كلامك صحيح ونابع من داخلك، لما تسرب اليك احساس اليأس ولالتزمت الطريق السليم، فلا يعقل أن تترك كليتك لأنك لا تريد أن ترى هذه الفتاة، فهى لم ترتكب معك إثما ولا جريرة أو تخطئ فى حقك، بل انها تستغرب موقفك الغريب بالنظر إليها دون الحديث معها مما أثار شكوكها فيك.

إن الأمل مازال موجودا لتدارك ما فات بالتركيز فى كليتك الجديدة، وانت الآن مع طلبة آخرين غير زملاء الهندسة، فإطو صفحة الماضي، وافتح صفحة جديدة، وركز فى دراستك ولا تلتفت الى أوهام الحب، وأنت مازلت طالبا، فالمشوار مازال أمامك طويلا، ويمكنك خلال الاجازة الصيفية أن تمارس هواية مفيدة، أو أن تعمل فى القطاع الخاص فى وظائف عديدة يستطيع أى شاب أن يمتهنها.. فقط تسلح بالإصرار والعزيمة ولعل أهلك يفيقون من غفلتهم، ولعلك تسترشد بهم وأنت تتطلع الى المستقبل، وفقك الله وسدد خطاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Bookwo11
نقاط : 16886
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime23/1/2015, 01:33


بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
المكالمة القديمة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 2015-635575570316657464-665


أنا فتاة فى التاسعة عشرة من عمرى، أتابع بريدك بانتظام، وأتعرف على متاعب الآخرين، وأشعر بها، وأتعايش معها. وكان بداخلى إحساس كبير بأنه سيأتى اليوم الذى أكتب إليك فيه، وها أنا أروى لك مشكلتى راجية أن ترشدنى إلى طريق الصواب،

فأنا طالبة فى إحدى الكليات العملية من أسرة متوسطة. ولى أخ وأخت وأنا الكبرى، ومضت حياتنا هادئة لا يعكر صفوها شىء، وبدأت الأزمة التى تحاصرنى حتى الآن ولا أجد حلا لها، عندما كنت فى الصف الثانى الثانوى، فلقد سمعت أبى يتحدث فى الهاتف مع زميلة له فى العمل، ويقول لها كلاما يصعب علىّ أن أذكره، كلاما لم أتصور أن ينطق به أبى وقد نزل علىّ كالصاعقة، وأسرعت إلى حجرتى وبكيت بكاء مريرا، ولم أنم ليلتها، ولا أدرى ما الذى دفع أبى الرجل الطيب الورع إلى أن يسلك هذا السلوك، ولا ما هى نتائجه، وسألت نفسى: ما الذى ستفعله أمى، وكيف سيكون رد فعلها عندما تعلم بذلك، وفكرت كثيرا فى الأمر، وقررت أن أكتم هذا السر فى نفسى، ولا أبوح به لأحد، خوفا على والدتى من شدة الصدمة إذا عرفت بما فعله زوجها، وحفاظا على أسرتنا التى كانت ستتحول فى الحال إلى أسرة مفككة، وستعرف المشاجرات والخلافات طريقها إلينا.

ومرت ثلاث سنوات على هذه الواقعة، وأنا أتحاشى الوجود فى مكان فيه أبى حتى لا أسمع كلاما مماثلا، فتنهار صورته أمامى إلى ما هو أسوأ مما علق بخيالى، ومرضت أمى، ولازمت الفراش لمدة أسبوع، ثم رحلت عن الحياة، وخلا علينا البيت من أعز الحبايب، وبكيناها جميعا أحر البكاء، وحمدت الله أننى لم أقل لها شيئا عن مكالمة أبى، ولا تصرفاته التى كنت ألاحظها من بعيد والتى تؤكد أنه على علاقة بسيدة أخرى، وبعد أن واريناها التراب فى مقابر الأسرة عدنا إلى بيتنا، وأغلقنا الباب على أنفسنا، وتغيرت حياتنا، وصرنا بلا أم تحوطنا برعايتها، ونجد لديها الحنان، ونشعر معها بالأمان، ولم يمر شهران على رحيلها حتى وجدت أبى يتحدث فى الهاتف مع سيدة بنفس الطريقة التى تحدث بها من قبل، ولما لمحنى وأنا أقترب منه، أنهى المكالمة، وترك الهاتف فى المكان الذى اعتاد أن يضعه فيه لكى يبين لى أن الأمر طبيعى، وأنه يتحدث مع شخص يعرفه، فأخذت الهاتف فوجدت أنه سجل اسم من كان يهاتفها بحروف غير مفهومة، فتركته وبعد فترة مسح الرقم من سجل المكالمات.. وقد صممت على أن أعرف من يتحدث معها، فأخذت الهاتف مرة أخرى وتمكنت من الوصول إلى الرقم الذى حاول حذفه، وتأكدت أنه يحادث زميلته نفسها، وهى سيدة متزوجة ولديها أطفال، وعاودتنى حالة البكاء المستمر، فسألنى عما يبكينى فقلت له: إننى سمعت كلامه إلى السيدة التى كان يتكلم معها فى التليفون، وتعالى صراخى لدرجة أن من يسكنون معنا من عائلتنا فى البيت الكبير الذى نقطن إحدى شققه قد جاءونا يستفسرون عما حدث، وجلست جدتى وأعمامى معنا، وسألونى عما إذا كان قد ألمّ بنا مكروه لكى أصرخ وأبكى بهذه الحرقة والمرارة، فسردت عليهم الحكاية الجديدة فقط، بعد أن فقدت أعصابى، ولم أستطع أن أتحكم فى تصرفاتى، فنظروا إلى أبى، الذى ظل يبرر لى أمامهم أنه كان يحادث زميلة له، قال لها إنه يكن حبا كبيرا لأمى، وأن صدمته فى رحيلها المفاجئ كبيرة، ولامنى أهلى على ظنى فى أبى، وعنفونى، بل واتهمونى بالجنون!.. وقال لى أحد أعمامى: «إنت أعصابك تعبانة، وكل اللى بتقولى عنه الكلام ده مجرد تهيؤات».. وانصرف الجميع إلى بيوتهم، وحدثت قطيعة بينى وبين أبى.. لا أكلمه ولا يكلمنى. وشقيقاى لا يدريان شيئا مما يحدث، وأحمد الله على ذلك كثيرا. وكم تمنيت أن تقف أحزانى عند هذا الحد، ولكن أبى تجاوز حدود المعقول، وما كنت أنتظره منه، فهو من مستخدمى الإنترنت ويقضى وقتا طويلا فى متابعة «الفيس بوك»، ويشاهد المواقع الإباحية يوميا، ولايعلم أننى أعرف ذلك، ولا يدرك أن كل صفحة يفتحها يتم تسجيلها فى المتصفح، وكلما أجده يتصفح مثل هذه الصفحات أفتح الحساب الخاص به، واحظرها، لكى أمنعه من ذنب سوف يرتكبه، ولكن زاد هذا الموضوع عن حده ولا أستطيع أن أفعل ذلك كل يوم، واحترت فى أمره ماذا أفعل معه وكيف السبيل إلى الخلاص من الكابوس الجاثم فوق صدرى؟

إننى أكتب إليك الآن، ودموعى منهمرة وحالتى أسوأ ما تكون، وقلبى «لم يبرد بعد» من وجع فراق أمى، ولا من أبى الذى يفتح «اللاب توب» على القرآن الكريم فى الصباح، ويفتح مواقع إباحية فى الليل! لقد تمنيت كثيرا أن يكون قدوتى، فألجأ إليه لأشكو إليه أوجاعى، لا أن أتحول إلى شخص آخر يلاحقه خوفا عليه، وتمنيت أن يحل محل الأب والأم معا بعد أن غابت حبيبتى إلى الأبد،. وأناديها فى كل وقت وحين أن تكون معى بروحها، فلقد كانت لى البلسم الشافى من كل داء، لكن إرادة الله فوق كل شىء، وله فى خلقه شئون، وأقول لك ياسيدى بكل أسف: إننى لا أطيق النظر فى وجه أبى، وكلما رأيته مر بخيالى شريط السيدة التى يحادثها فى التليفون، ولا أعلم إن كان يلتقى بها أم لا، كما تطاردنى صورته وهو يجلس أمام المواقع الإباحية، ثم صورة أمى وسط هذه الحال الضبابية، وهى التى كانت «نعم الناس» فى عملها وحياتها الخاصة بشهادة الجميع.

ويرمى أبى علىّ اللوم أمام أقاربنا لأننى أتجنبه، ولا أتحدث معه، فأنا المخطئة فى نظره ونظرهم أيضا، وهم جميعا لا يدرون شيئا عن حديثه القديم، الذى لايعلم حتى اليوم أننى أعرفه، وقد وجدتنى أمام الخناق الذى يضيق علىّ باستمرار ومن شدة ضيقى، فى حاجة إلى أن «أفضفض» إليه، فحكيت لعمتى عن «المكالمة القديمة». فنصحتنى أن أنسى كل شىء، وأن أبى قال لها: لن أتزوج مرة ثانية.. سمعت منها ذلك، ولم أعره اهتماما، ومازلت فى حيرتى!

وانى أسألك: هل أقول لأبى إنى أعرف ما يتصفحه بطريقة غير مباشرة، كأن أشرح له الطريقة التى يمسح بها سجل المتصفح، حتى لايترك على «اللاب توب» هذه الصفحات فيعرفها شقيقاى، أو أحد من أقاربى إذا استخدم الجهاز خلال زيارته لنا. أم ماذا أفعل، فأنا أخشى رد فعله، لكننى تعبت من كثرة التفكير ويكفينى ما أعانيه من هموم وأنا فى هذه السن، إذ أتحمل ما لا يطيقه أحد، وأصابنى العجز النفسى، وصارت فى قلبى أوجاع من كل شىء حولى، فبماذا تشير علىّ؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

مع التسليم بخطأ ما فعله والدك بمكالمته غير اللائقة مع سيدة متزوجة، والتى تنم عن وجود علاقة آثمة بينهما، ثم انصرافه معظم الوقت الى متابعة المواقع الإباحية، إلا أن ذلك لا يعنى أن تنصبى نفسك حكما على والدك، ورقيبا عليه، فتتابعين كل خطواته، وتعيشين فى هذا الجو غير السوي، والذى أدى بك الى حالة من التعب النفسى وصفتيها بأنها «عجز ووجع قلب».

وما فعلتيه بصراخك المدوى بعد مواجهتك أبيك بمكالمته الجديدة، وافتضاح أمره بين العائلة التى اجتمعت لمناقشة ما تسبب فى انزعاجك بهذا الشكل الذى فوجئ به الجميع، وجلسوا يناقشون أسبابه، هو فعل جانبه الصواب، وقد ساهمت فيه حالة التفكك التى تعانيها الأسرة، فالواضح أنه لا يوجد حوار بينكم وبين أبيكم، فهو مشغول بعالم الإنترنت، وأنت وشقيقاك مشغولون بأحوالكم ودراستكم، وغاب عنه أنك فى سن المراهقة ومرحلة التكوين النفسى والفكرى والجسدى أيضا، وهى التغيرات التى يحتاج فيها الأبناء إلى توجيه الآباء والأمهات، لكن الكثيرين للأسف يتركون أولادهم فى مهب الريح دون أن يرشدوهم الى ما يستطيعون به مواجهة العواصف والتحديات، وهذه هى النقطة المهمة التى يجب أن ينتبه إليها أبوك فى تعامله معكم.

أما ما قالته لك عمتك من أنه لن يتزوج بعد رحيل أمك، فهذه مغالاة فى القول تتنافى مع أفعاله، وخير له أن يتزوج ممن تهفو إليها نفسه زواجا شرعيا، ويضمها الى أسرتكم، فتكون لكم أما بديلة، على أن يسلك مسلكا آخر يدمر به نفسه، ويتعرض لعقاب الله فى الدنيا والآخرة، وتنعكس آثاره السلبية عليكم جميعا نفسيا واجتماعيا، ولقد كان بإمكانه أن يتزوج حتى فى وجود أمك ـ رحمها الله ـ وبرضاها، فهذا هو الحل الأمثل لمن تدعوه حالته النفسية والجسدية الى الارتباط بأخري، وليس هذا المسلك الذى لو سار فيه فإنه سيؤدى به حتما الى التهلكة، ولو بعد حين.

فليكن أبوك واقعيا فى معالجة أمر الزواج، وليبتعد عن مشاهدة المواقع الإباحية التى تجر من يتصفحها إلى الانحراف حتى لو تزوج أكثر من واحدة، لأنه لن يشبع رغبته، وسيظل يدور فى حلقة مفرغة الى أن يسقط فى بئر الرذيلة، وستكون فيها نهايته الأليمة.

ومع كل هذه المحاذير، فإننى لا أرى فيما حدث ما يجعلك تنهارين نفسيا الى هذه الدرجة التى تتحدثين عنها، ولا يعنى ذلك التقليل من حجم خطأ أبيك، ولكنى أقصد أنك ربما لو نظرت اليه بمنظور آخر لاختلفت النتيجة كثيرا، فعليك وأنت الفتاة الصغيرة أن تهتمى بأمرك من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وأن توسعى دائرة معارفك من زميلاتك الفضليات اللاتى تتوسمين فيهن السلوك السليم، والتربية الصالحة، وأحسب أن والدك قد وعى الدرس، فليتوقف عن الداء اللعين بمشاهدة المواقع الإباحية، وليدرك أن له بنتين وولدا يرجو أن ينشأوا نشأة صحيحة، وعليه أن يحتويكم، وأن يعيد بناء ما تهدم من جسور الصلة بينكم لكى تمضى بكم الحياة الى بر الأمان، وأما مسألة زواجه من أخري، فلا أرى فيها أمرا خطأ، أو ما يجعلك تخشين فقدانه على يد سيدة سوف تحتل مكانة أمك، فهذا هو الوضع الطبيعى يا ابنتي، إذ إنه فى حاجة الى من تشاركه حياته، وتكون لكم عوضا عن أمكم، والمهم هو من سيقع اختياره عليها، وتكون لكم أما بديلة.

وتبقى كلمتى الى أبيكم والى كل أب، وهى أنه لا أحد يعوض الأبناء عن أبيهم مهما بلغ عدد المربين، ومن لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوة، لا يحق له أن يتزوج، أو ينجب أبناء، ومن «شابه أباه فما ظلم»، بمعنى أن كل ابن يكون على شاكلة أبيه، يأخذ منه سلوكه، ويترسم خطاه، ولذلك يجب متابعة سلوكيات الأبناء مع ملاحظة ألا يروا من آبائهم إلا كل حسن، وأن يسهر الأهل على راحتهم، وأن يبعدوهم عن مصادر السوء، لا أن يسلكوها هم، فيصنعون صنيع أبيكم، وأتذكر ما قاله الشاعر حطان بن المعلى:

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشى على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم

لامتنعت عينى عن الغمض

نعم يا ابنتي، فقلب الأب لا يغفو إلا بعد أن تغفو جميع القلوب، وهو يحبكم بدليل أنه يريدك أن تكلميه، وأنت التى لا ترغبين فى الحديث معه، وهذا أمر لا يستقيم، فلا تنصبى نفسك حاكما وجلادا على والدك، وانما يتعين عليك أن تعالجى الأمر بواقعية، وأن تذهبى إليه، وتعتذرى له عن أى إساءة وجهتيها إليه، وقولى له إنك لم تفعلى ما فعلتيه إلا حبا فيه، وخوفا عليه، وعندئذ سوف يتدارك كل ما فات ويصبح بإمكانكم أن تفتحوا معا نافذة جديدة للأمل نحو غد أكثر إشراقا.. وفقكم الله وسدد خطاكم على طريق الصواب، ومد لكم جسور التواصل للإبحار فى نهر الحياة، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Bookwo11
نقاط : 16886
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime23/1/2015, 01:41


الانفراجة الكبيرة !


أنا كاتبة رسالة «السر الكبير» التى رويت لك فيها حكايتى، وكيف أننى تعرضت لحركة مستفزة من شاب كان يعمل فى خدمتنا، وأنا طفلة فى التاسعة من عمرى، ولم أخبر أحدا بما فعله، لكن ظلت صورته فى خيالى، وكلما تذكرته ازددت رعبا من هول الموقف مما ترك لدى أثرا سيئا،

ولما أخبرت أمى بما فعله، عندما جاء لزيارتنا، لم تعر الأمر اهتماما، وكان ذلك فى ظل انشغال أبى، والحقيقة أننى لم اكن أتصور أن افتح الأهرام ليلا، كعادتى لكى أقرأ بريد الجمعة، فأرى قصتى فيه.. ولقد أدهشتنى ياسيدى، بكلماتك الحانية، وحكمتك المدهشة فى معالجة مشكلات قرائك المنتشرين فى كل مكان، وانخرطت فى بكاء حار لمدة طويلة، ودعوت لك بكل ما أملكه من أدعية تلقائية نابعة من قلبى، وانا عاجزة عن أى كلام يامعلمى وأستاذى، فكل كلمة قرأتها سآخذها نهجا فى حياتى، وانا اعدك ان أغير حياتى، وأن أسعى للحصول على فرصة عمل، وتحقيق ذاتى وأحاول ان أنزع الخوف من داخلى، واطلب منك أن تدعو الله لى بالثبات والتوفيق.

وعندما استيقظت فى الصباح، وجدت الدموع تنهمر من عينى أمى وهى تقول لى: «هذه قصتك»، وأخذت تعتذر لى على عدم فهمها مشاعرى، وبالرغم من أننى التى يجب أن أعتذر لها عن كل تقصير فى حقها، وكل كلمة أخرجتها بقصد أو دون قصد فجرحتها وزعلت منى بسببها فهى صابرة على حياتها وربتنا تربية حسنة، والحمد لله، ووقفت معنا عند غياب أبى، وتحملتنا، وحتى أبى أخذ يسألنى عن رأيى فى القصة، وأنا فى غاية الخوف والرعب والدموع على عينى، واحسست منه أنه فهم من مرسل هذه القصة، وتكلم معى بهدوء واخذ يطمئننى، بالرغم من انه لم يسألنى اذا كنت انا من كتبتها، او انها قصة مشابهة لحياتنا.

فلك يا سيدى جزيل الشكر والعرفان، وانا ممنونة لك، ولا أملك إلا هذه الدعوات التى ارجو من الله ان يتقبلها،، ربنا ينصرك ويعليك ويسعدك ويبارك فى عمرك ويعطيك الصحة والعافية ويبارك لك فى اسرتك وعائلتك ويحقق لك «كل اللى نفسك فيه»، ويبعد عنك كل سوء وشر، ويقرب لك كل خير، و«يخليك لينا» واعذرنى على هذه الكلمات القليلة وشكرا جداااا على وجودك فى حياتنا.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

كل الشكر لأبويك اللذين استوعبا مشكلتك، وأدركا خطأهما تجاهك، فآفة بعض الآباء والأمهات أنهم لا يدركون خطورة أن يتجاهلوا ابناءهم، ولا ينصتون إليهم، بل ويعاقبونهم أحيانا اذا أباحوا بما تضيق به صدورهم.. والشكر لك على لفتتك الانسانية، وعباراتك التلقائية، وأرجو أن تسعدى بحياتك، وأن تنظرى الى المستقبل بعين جديدة يملؤها الأمل والثقة فى النفس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 3011
نقاط : 36951
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 I_icon_minitime30/1/2015, 13:12


بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
المركب المائل!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 72 2015-635581657787197764-719

شجعنى على الكتابة إليكم ما لمسته فيكم من رحابة صدر، وقدرة على علاج مشكلات قراء بابكم ذائع الصيت. وقد بحثت كثيرا عن علاج لمشكلتى.

وفشلت بعد أن تكاتفت ضدى الظروف. وسيطرت علىّ المتاعب من كل جانب، فأنا فتاة فى الثالثة والأربعين من عمرى أعمل وكيلة مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة. وقد نشأت فى أسرة ميسورة الحال لأبوين تغلبا على ما واجههما من عقبات، واجتهدا فى تربيتنا ووضع أقدامنا على الطريق السليم، ورحل أبى عن الحياة، ثم لحقت أمى به منذ سبع سنوات، ولى ثلاثة أشقاء، ولدان وبنت، والتحق أخى الأكبر بعد تخرجه بجهة حكومية، وعملت شقيقتى فى أكثر من جهة، وهى الآن بلا عمل،. وتتقاضى هى وأخى الأصغر معاشا عن والدى، وآخر عن والدتى، ونحن جميعا نتمتع بمكانة طيبة فى نفوس أقاربنا ومعارفنا، ويشهد الجميع بدماثة أخلاقنا.

وما أعانيه، ودفعنى إلى أخذ مشورتك له جوانب عديدة، وأبدأ بأخى الأكبر، فهو أساس تعبنا طوال ثلاثين عاما مضت، وعانى منه أبواى رحمهما الله، وبذلا كل ما فى وسعهما لعلاجه، لكن حالته تزداد سوءا، فهو مصاب بمرض «الفصام»، وقد صبرنا عليه، ومازال الصبر حليفنا فى التعامل معه، ونتحمل الأجواء المتوترة فى المعيشة معه، ولا أستطيع أن أصف لك معاناة والدتى الحبيبة التى ذاقت الأمرين ولم يهنأ لها بال، وهى تراه على هذه الحال، إلى أن رحلت عن الحياة، وهى حزينة عليه، ثم دخلت أختى التى تكبرنى بثلاث سنوات فى حالة اكتئاب شديدة، ولم تعد تغادر المنزل أبدا، بعد أن كانت تعمل طول الوقت، وتنقلت بين العديد من الشركات والمصانع لسنوات طويلة.



ولعلك تسألنى: ألم يطرق بابكما أحد للزواج، ومن ثم تستقران بعد طول معاناة؟.. وأجيبك بأن الكثيرين أرادوا الارتباط بنا، ولكن لم يكن لنا نصيب فى أى منهم، ومازال يطرق بابى من يرغب فى الزواج منى. لكنى لم أجد بينهم من هو قادر على أن يخرجنى من حالة الحزن والكرب التى تسيطر علىّ، وكم تمنيت أن تدخل الفرحة بيتنا طوال السنوات الماضية، ولكن هيهات أن تعرف طريقها إلينا، فلقد حوّل أخى الأكبر حياتنا إلى جحيم، وفصلته جهة عمله، وصار ملازما المنزل لا يغادره إلى أى مكان، ويعيش كل منا فى واد، وأرعى أنا وأختى شئون أسرتنا دون أن يكون له دور فى حياتنا، لكنه يقف أمامنا بالمرصاد، ويكاد يفتك بنا بلا سبب، ولا نستطيع التعامل معه بأى شكل من الأشكال.



صدقنى ياسيدى اننى برغم ارتياحنا المادى ووجود الكثيرين حولنا، لم أذق طعم السعادة الغائبة تماما عن بيتنا، وأشعر بالوحدة القاسية، ولا أجد سندا فى الحياة بعد رحيل والدتى، ويطاردنى الخوف فى كل مكان أذهب إليه، فلا أعرف سبيلا إلى الراحة النفسية، حتى وأنا بين زميلاتى فى رحلة تدريب أو فى بعثة خارجية تابعة للعمل، ولا ألمس طريقا إلى النجاة من براثن هذه الحياة القاسية.

لقد فكرنا كثيرا فى الخروج من هذا البيت، والزواج ممن يتوافر لدينا الارتياح النفسى تجاههما، وجاء أختى رجل مطلق، لم تجد مانعا من الارتباط به، لكن شقيقى رفضه، ولم يبد سببا واحدا لكى يقف منه هذا الموقف، ولم يبال بمعاناتها، ولا بأنها قد تظل بلا زواج مدى الحياة، ولم تكن هناك وسيلة أمامها للخلاص من الكابوس المخيف بعد أن بلغت هذه السن سوى الزواج العرفى من هذا الرجل على أمل أن يلين موقف شقيقنا، فيتحول ارتباطهما إلى زواج رسمى!، وهكذا فإنها تلتقى زوجها سرا بينما تقيم معنا، ولا يعلم بأمر هذا الزواج أحد سواى!!

أما أنا فلقد تمت خطبتى مرة واحدة فقط، ولم يكتمل الزواج بلا سبب واضح، وتعقد الدهشة لسان الكثيرين، فلا يجدون ما يعلقون به على ما يحدث لى، فهم يصفوننى بالسندريللا، ويروننى فتاة ملتزمة وصابرة، ولا ينقصنى شىء، وما يحدث لى ليس له تفسير، ولقد تقدم لى شاب منذ شهرين، شعرت نحوه بالحب منذ أول مرة التقينا فيها، وتمنيت من داخلى أن يكون نصيبى فى الحياة. وهو أصغر منى بعشر سنوات، ومتزوج ولديه طفلتان صغيرتان، وعلى خلاف كبير مع زوجته، لكن أسرتى رفضته، ورأت أنه غير مناسب لى، وسكت، ولم أنطق بكلمة واحدة، فبرغم ارتياحى له فإننى وجدت أن زواجى منه يتعارض مع المبادئ التى تربيت عليها بألا آخذ رزق غيرى، ولا أقطف وردا ليس من حقى أن أقترب منه.

وما استوقفنى فى حكاية هذا الشاب هو رد فعل أختى التى تلازمنا فى البيت، ولا تغادره إلا بضع ساعات للقاء من تزوجته عرفيا، فعندما علمت بقصتى معه أصيبت بتعب شديد، فهى ترفض زواجى، أو سفرى إلى مهمة خاصة بالعمل خارجية أو داخلية، وتريدنى أن أكون «بروازا خالدا» لايتحرك من مكانه، وشرحت للشاب الذى يرغب فى الزواج منى تبعات تقدمه لطلب يدى، فعرض علىّ الزواج سرا إلى أن تهدأ الأمور ولكنى فضلت السعى لدى إخوتى لنيل موافقتهم عليه، ومضت شهور وأنا فى انتظار أن يأخذوا خطوة إيجابية نحو زواجنا، ولما فاتحته فيما يعتزمه تجاهى إذا به يخبرنى بأن كل شىء نصيب.. لقد تركنى وسط الطريق بعد إحساسى بالأمان نحوه. وتغيرت نظرتى إلى الحياة بوجوده معى، وأشعر الآن بأن جبلا قد وقع فوق رأسى، وزلزالا هز كيانى.

وانى أسألك أليس الحب والسعادة من حقى بعد كل ما عانيته من متاعب لأجل أخوتى؟ وما ذنبى اننى ارتحت لهذا الشاب؟ صحيح أنه متزوج، ولكنه أزال الخوف من قلبى، واحتوانى بصدقه وحنانه، وألتمس له العذر فى الابتعاد عنى بسبب موقف اخوتى، ولقد صرت عاجزة عن اتخاذ قرار مصيرى بشأن ماتبقى لى من عمر، ودعوت ربى كثيرا أن أجد حلا يريحنى من العذاب، وأنا فى هذه السن، وأصرخ من أعماقى: كيف السبيل إلى الخلاص من المتاعب والآلام؟ فنحن الأربعة نعيش حياة غير مستقرة ويتمايل بنا مركب الحياة، ولا نعلم إن كان سيغرق بنا أم سيذهب إلى أى مرسى؟ وما هو الحل للخروج من هذه الشرنقة التى أطبقت علىّ فحولتنى إلى إنسانة حزينة، لا تفارق الدموع عينيها، ولا تعرف الابتسامة إليها طريقا؟ فأنا ـ والله ـ لم أحد يوما عن طريق الصواب، وأراعى ربى فى كل خطواتى، وأنا على يقين من أنه يختار لى الأحسن والأفضل، وأن علينا دائما أن نأخذ بالأسباب، ولذلك أبعث إليك بحكايتى، وأنتظر ما سوف تشير به علىّ لكى آخذه منهجا أتغلب به على الصعاب، واسترشد بما فيه من نصائح فى مشكلة الزواج والاستقرار، ولتكن نصيحتك لنا أنا وأختى الملاذ الأخير بعد أن تعقدت الأمور من حولنا، فلا أنا تمكنت من الارتباط بمن ارتضاه قلبى، ولا هى استطاعت أن تعيش كالآخرين.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



لعبت الظروف الحياتية التى مررتم بها دورا كبيرا فيما آلت إليه أحوالكم، فأخوكم الأكبر هو المسئول عنكم من الناحية الاجتماعية بعد رحيل أبيكم، وبدلا من أن يكون لكم سندا فى الحياة، فإنه تحول إلى عبء عليكم، نتيجة إصابته بمرض الفصام، وهو مرض يحتاج إلى أسلوب خاص فى المعاملة، وعدم التعرض للمريض أو الحديث معه طويلا، مع الحرص على إشراكه فى المناسبات الاجتماعية المختلفة حتى لاتحدث انتكاسة له، لكن ذلك لايعنى أن يكون صاحب القرار فيما يتعلق بكم من أمور كالزواج مثلا، إذ إنه لن يتفهم الأمر على صورته الصحيحة. وسيظل على عناده ورفضه من يتقدمون إليكما، ليس من باب أنه لا يوجد بينهم من يصلح زوجا مناسبا ولكن لأن طبيعة مرضه هى التى تدفعه إلى هذا الاعتقاد.

ولا يبرر ذلك لأختك أن تتزوج عرفيا ـ على حد تعبيرك ـ من رجل مطلق، أو سرا بحيث لا يعلمه أحد، حتى إنها أفضت إليك بزواجها هذا، بعد أن ارتبطت به بالفعل، فالزواج إشهار، وارتباطها على النحو الذى أشرت إليه غير صحيح، وينبغى أن تعقد زواجها من جديد بشهود وإشهار وإبلاغ العائلة كلها، وأقصد بها أعمامكم وأخوالكم وأقاربكم، وهو ما يتعين عليك أيضا أن تفعليه، وحسنا انك لم تنجرفى إلى هذا الصنيع الذى كدت أن تقعى فيه، فأغلب الظن أن هذا الشاب المتزوج الذى يصغرك بعشر سنوات ولديه طفلتان، قد أوهمك بأنه يحبك وسوف يتقدم لأخوتك بطلب يدك لعلمه بظروفكم ومرض أخيك. وتأكده من أنه سيقابل بالرفض، فيكون ذلك مبررا لكى يعرض عليك الزواج العرفى أو السرى كما حدث لأختك فى تكرار لمأساة أخرى، حتى إذا تمكن منك ونال غرضه، واستنفد ما كان يبغيه سواء كان مالا أو خلافه، فإنه سوف يلقى عليك يمين الطلاق أو الاختفاء من حياتك إلى غير رجعة.

هذا هو ما يفعله الكثيرون ممن لا ضمير لهم مستغلين الظروف التى تمر بها بعض الفتيات فيجدونهن صيدا سهلا، حتى إذا تمكنوا منهن، ونالوا أغراضهم، نبذوهن من حياتهم، وتركوهن عرضة للضياع مع ذئاب أخرى ممن لا ضمير لهم ولا أخلاق، صحيح أن من حقك أنت وأختك الحياة الطبيعية والزواج وتكوين أسرة، ولكن ليس بهذه الطريقة المحكوم عليها بالفشل، بدليل أن أختك المتزوجة عرفيا والمفروض أن تكون مع زوجها فى بيته، لانريدك أن تتزوجى لأنها موجودة فى بيتكم ليلا ونهارا، ولا تغادره إلا لعدة ساعات تكون خلالها بصحبة من تزوجته عرفيا، وهو أمر يجب تصحيحه على الفور بإبلاغ أقاربك بما حدث، وعقد قرانها رسميا أمام الجميع، ثم الانتقال إلى بيت زوجها مثل كل البنات والسيدات، وإقامة أسرة صغيرة، وعليك أنت أيضا أن تصنعى الصنيع نفسه، فإذا كان الشاب الذى يريدك جادا فى الارتباط بك، فليخبر زوجته، ويكون عقد قرانك عليه فى حضور أهله أيضا وبموافقتهم، فالخطر ليس فى انك ستكونين زوجة ثانية، ولكنه يكمن فى ضرورة التأكد من أن هذا الشخص لا يتسلى بك، وليست لديه مآرب شخصية من ارتباطه هذا حتى إذا نال ما أراده نبذك من حياته، فتعضين نواجز الندم، وتتحسرين على تفريطك فى حق نفسك، وربما تكون لهذا الزواج الوهمى تداعيات أخطر من ذلك بكثير.

أما بالنسبة لأخيك، فأرجو أن تكسبوا وده بكلمات حانية. وأن تمتصوا غضبه ولا تتخلوا عنه، فهو فى حاجة إلى العلاج النفسى المستمر حتى لا تتدهور حالته تماما، وأعتقد أنك وأختك لم تتابعا حالته من زمن بعيد، ومن هنا يجب أن تصبرا عليه، فمن المنطلق الانسانى أنت شخصية ايجابية تحاولين مساعدة من حولك، فما بالك بأخيك المريض. كما انك من الناحية الدينية سوف تنالين رضا الله وفضله على وقفتك الجادة معه، شفاه المولى عز وجل.

والحقيقة أن رسالتك تثير قضية خطيرة تتعلق بالزواج العرفى أو السرى أو ما قد يطلق عليه البعض «زواج الهبة»، فإذا لم يوافق والد الفتاة على زواجها من شخص أحبها وأحبته، وتعلقا ببعضهما، فإنها تهرب معه، ويختلى بها ويقول لها: «زوجينى نفسك»، فترد عليه: «زوجتك نفسى».. فيرد عليها: قبلت، فهذا ليس زواجا، حتى لو استدعى الشخص الذى يلجأ إلى هذا الأسلوب للتغرير بالفتاة، إثنين من أصحابه ليشهدا على هذا العقد ليكون حلالا حسب زعمه، وليعلم الجميع أن هذا العقد باطل، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن للولى الحق فى تزويج المرأة، لكنه ليس حقا مطلقا، بل له شروط منها أن تكون راضية، وألا يعضلها، وإلا تم خلعه من الولاية. ويحل آخر محله.

ويجب أن نفطن إلى ما بعد الزواج، وما وراءه فى المستقبل من إنجاب الأولاد وترتيب أمور الميراث، والزواج وخلافه، وفى الوقت نفسه لا يجوز إنكار حق من تزوج زواجا شرعيا تحققت فيه كل الشروط، فالأمر حساس وخطير، وينبغى الحذر عند الاقتراب من هذه المسائل. فلا تدخلى أنت وأختك فى مغامرات غير محسوبة. وعليكما أن تضعا النقاط على الحروف.. هى مع من تزوجته بهذه الطريقة الخاطئة وأنت مع من يحاول الايقاع بك بالطريقة نفسها، لأنه لا يصح إلا الصحيح، وسوف تتفتح لكما أبواب الحياة والأمل قريبا بمشيئة الله تعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 72 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 37 ... 71, 72, 73 ... 80 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: