الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 ماذا عن اقلام فلسطين ؟

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الورده البيضاء
مراقب عام
مراقب عام
الورده البيضاء

انثى
عدد الرسائل : 1353
ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 1510
بلد الإقامة : فلسطين
احترام القوانين : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 111010
العمل : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Unknow10
الحالة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Mzboot11
نقاط : 7270
ترشيحات : 41
الأوســــــــــمة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 888810

ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: ماذا عن اقلام فلسطين ؟   ماذا عن اقلام فلسطين ؟ I_icon_minitime28/10/2009, 10:50


ظل الأدب على مر العصور هو الذاكرة الجمعية للشعوب وضميرها الحي
، قد ننسى في زحمة الأحداث السياسية التي تمر بها أمتنا العربية الكثير من الأحداث وأسماء الزعماء ، ولكن الأدب هو المدونة الوحيدة التي تظل في الذاكرة و الوجدان وهو الذي يؤطر الوعي و يطلق الطاقات الكامنة في الروح أكثر من البيانات السياسية التي إستنفذت اللغة على نحوٍ مسِف أغلب الأحيان وظلت طنيناً يصفع الأذن و لا يدخل إلى القلب ..

هل الأدب الفلسطيني مقتصر على الشعب الفلسطيني وحده ؟ و هل هذا الأدب نتاج الشعب الفلسطيني دون غيره من المبدعين العرب و العالميين ؟ إن كل كلمة حرة وصادقة كُتبت عن فلسطين إنما تندرج في الإبداع الفلسطيني خاصةً و القومي و الأنساني عامةً ..

فلسطين القضية المركزية للشعب العربي ، وكل شعب عربي طالتهُ حصَتهُ من الألم الفلسطيني بغض النظر عن إقترابه الجغرافي من تلك البقعة الطاهرة من الكون أو إبتعاده عنها ..لاشك أن الكثير من الأنظمة العربية قامت على أنقاض النكبة الفلسطينية ، و للأسف أن الأنظمة الشمولية العربية لازالت تمارس قمعها لشعوبها بحجة إنشغالها بالقضية الفلسطينية !!

تستوقفني بحذر و استهجان إدعاء الكثير من الفلسطينين في الأرض المحتلة أنهم يحملون وحدهم شرف الإنتماء للقضية ، كونهم يتعرضون بشكل مباشر للعدو الصيوني ، وهذا مسألة لا ينكرها أحد ، وهي مأساة يومية تغطي الفضائيات وسماء الضمير العالمي بالدخان والسخام .. و لكم ماذا عن فلسطيني الشتات وهل هم أفضل حالاً ؟

دعونا من هذه المقدمة البسيطة ..... سأولي الإهتمام للقصة القصيرة و الشعر و كل ما سيصادفني في طريقي من الأدب الفلسطيني سواء عن فلسطينيي الشتات أو عن أدب السجون للأسرى أو قصص الشهداء أو عن كل ما يتعلق بالقضية ألأم ..... فلسطين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الورده البيضاء
مراقب عام
مراقب عام
الورده البيضاء

انثى
عدد الرسائل : 1353
ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 1510
بلد الإقامة : فلسطين
احترام القوانين : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 111010
العمل : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Unknow10
الحالة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Mzboot11
نقاط : 7270
ترشيحات : 41
الأوســــــــــمة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 888810

ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا عن اقلام فلسطين ؟   ماذا عن اقلام فلسطين ؟ I_icon_minitime28/10/2009, 10:53


الجزء الأول من رواية الشتات



تأليف

رأفت حمدونة

سجن بئر السبع



الإهــــــــداء

إلى روح الحبيب المصطفى " صلى الله عليه وسلم "

وإلى الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى هذا الوطن الغالي… وإلى شهداء وجرحى ومقاومي الشعب الفلسطيني عامة … وإلى إخواني وأخواتي الأسرى خلف القضبان … وإلى والدي ووالدتي الأوفياء و زوجتي المخلصة ...وإلى كل الذين ساهموا في انجاز هذا العمل... أقدم هذا العمل المتواضع 0



كان نصر يذرف الدمع كلما نظر إلى خارطة الوطن، ويحلم كما كل العالم بالحرية والسيادة والاستقلال، يعشق القدس التي ولد فيها فيتذكر لحظات الطفولة وقبة الصخرة وأسوار القدس الشامخة الصامدة بذلك الكبرياء الأسطوري على مر التاريخ.

شعر نصر بالذنب حينما أطاع أمه التي أجبرته على الرحيل خوفاً من القتل على يد الاحتلال الذي يعادي الحياة، ويعشق رائحة الدم وينبذ السلام ويمقت الرحمة.

كانت تقول له خالك خالد استشهد لأنه رفض الخروج من المجدل في النكبة ولا أريد أن أخسرك كما خسرته هناك.

فيقول لها وأي خسارة تعادل سقوط القدس يا أم نصر ؟؟

فترد : للقدس رب يحميه يا بني، وإن أردت رضاىَّ فاذهب إلى الأردن قبل أن تُقْتل كما قتل خالد الذي لازال في ذاكرتي.

لم يستطع نصر كسر كلمة أبيه حينما تدخل، فوافق أن يرحل مع أهله إلى مخيم الوحدات في الأردن، أبو نصر الذي حلم بالمجدل، وطوال حياته تمنى العودة إليها فاحتفظ بمفتاح البيت وأوراق الأرض ولكنه توفي قبل ذلك.

عاش نصر مع والدته في غربة عن الوطن – ولكنه لم ينسَ المجدل بلد أبيه ولا القدس مسقط رأسه وذكرى طفولته.

تزوج نصر من فتاة فلسطينية عاشت ظروف الهجرة وقاست حياة الشتات، ولكنها كانت بمستوى اجتماعي أفضل وإخوانها أغنياء.

شعر نصر بالإثم وهو يرى الفدائيين الفلسطينيين يقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله والوطن- فقرر أن يعود إليه.

لم تعارض والدته القرار بعد أن أقنعها بواجب التضحية ووجد العقبة عند زوجته التي رفضت أن تترك أهلها وإخوانها فخشيت الوحدة والمصير المجهول مع زوجها بعد أن علمت بمقصده.

لم يكن بد أمام نصر إلا أن يختار ما بين الواجب المقدس وبين زوجته حيث متاع الحياة الدنيا، ما بين فلسطين والقدس وعسقلان وبين المستقبل الذي يُؤَمِّن فيه راحة الجسد مع عذابات الشتات.

سألتحق بالمقاومة وأعود للوطن يا لطيفة وعليك أن تختاري ما بيني وبين البقاء هنا فماذا ترين؟

هذا ما قاله نصر لزوجته بعد أن فشل في إقناعها ليالي طويلة.

ترددت لطيفة أياماً وهي تفكر في غيب الأيام المقبلة إذا ما عادت مع زوجها بعيداً عن أهلها وإخوانها وفي نهاية الأمر رفضت العودة متألمة على فراق زوجها فحسمت مصيرها وقالت كلمتها.

لم يكن لنصر خيار ثاني عن أبغض الحلال رأفة بها وتأميناً لمستقبلها حتى لا تبقى معلقة ووقع الفصل بينهما بالحسنى والذكرى الطيبة.

كانت أصعب اللحظات في حياته وهو يودع أمه التي سلمت بالقدر أمام عناده وإصراره وشوقه لتراب الوطن فعانقته بحرارة وضمته إلى صدرها وطالت في البكاء، كانت أم نصر تشعر أن هذا اللقاء هو الأخير بينهما في هذه الحياة، فحاول أن يهدئ روع أمه ويطمئنها عليه، وأنه لن يطيل عليها بأخباره ورسائله وخطوات حياته.

قبل نصر رأس أمه ويديها وطلب منها الرضى والدعاء.

وضعت أمه راحتيها على رأسه ودعت له بالسلامة والرعاية وختم معها اللقاء بلا اله إلا الله فردت محمد رسول الله.

عاد نصر إلى وطنه وهو يحمل في قلبه الإيمان وفي نفسه العزيمة والإرادة والهمة، وفور عودته انضم إلى صفوف المقاومة أملًا وطموحاً للعودة الحقيقية إلى المجدل- هذه المدينة التاريخية الساحرة بجمالها، الطيبة بأهلها والزاخرة بأحداثها واهتمام الدول الكبرى بها على مر العصور والأزمنة، كان يشعر بالراحة وهو يسمع بعظيم أجر المرابطين في عسقلان، وينتفض كلما تذكر نقل رأس الحسين إليها، فوجدها مدينة العلم والمعرفة برجالها وشيخها ابن حجر العسقلاني واستلهم بطولات القائد الإسلامي الكبير- صلاح الدين الأيوبي فيها.

جميلة هذه البقعة بسماءها وبحرها وبرتقالها وعنبها وتينها وزيتونها وشهرة سوقها ومسجدها وحرفة النسيج التي عمل معظم أهلها بها.

أقسم نصر على إحدى الحسينين : النصر والقدس وعسقلان وكل فلسطين أو الشهادة.

كانت القدس مسقط رأس نصر وذكريات الطفولة، رغم أنه لم يستأنس فيها بصحبة أقاربه وعائلته التي هاجرت من المجدل إلى مدينة غزة.

فاستقبلوهم أهلها استقبال الأنصار للمهاجرين وتقاسموا وإياهم لقمة العيش وقسوة الظروف ومسيرة الجهاد والتضحية والنضال.

معدودة كانت الأيام التي مرت على فراق لطيفة لزوجها حتى تأكدت من حملها من نصر وبعد شهور وضعت بنت سمتها انتصار تخليدا لذكراه.

لم يعرف نصر بخبر حمل زوجته قبل الوداع، وبعد أشهر لم يكن بد في ظروف وحدته إلا الزواج، فتزوج بتهاني ورزقها الله بولد سموه رفيق.

أمضى نصر حياته في أعمال المقاومة بصحبة الفدائيين من أبناء شعبه الذين رفضوا الذل والخنوع للاحتلال فكبدوا العدو خسائر ومادية كبيرة وأفقدوه الأمن والسلام عرف نصر بشجاعته واشتهر بجرأته فقام بعدة عمليات فدائية بصحبة مجموعة من المتطوعين أدت لقتل وجرح عدد من جنود الاحتلال ومستوطنيه.

كان على نصر في تلك المرحلة أن يهدأ ويختفي ويبعد عن الأعين الأمر الذي لم يرق له وخجل من نفسه ودموع أمه ومصيره مع لطيفة، انكشف أمر نصر لمواصلة المقاومة والجهاد وانتقل مطارداً من مكان إلى آخر.

راقبت قوات الاحتلال عبر عيونها بيت نصر الذي انغلق على زوجته وطفله رفيق.

فواصل نصر معها عبر الحاجة محبوبة بالسلامات والحاجيات.

كان إبراهيم صديق نصر ورفيق دربه في المقاومة، فتقاسما رحلة الدم ومسيرة الجهاد والألم والأمل وكانت الحاجة محبوبة زوجة إبراهيم تعد لهم طعامهم وتنظف لهم ملابسهم وأحياناً تنقل لهم أسلحتهم والرسائل.

وما هي إلا أيام حتى علم بمرض ابنه رفيق واستغاثة زوجته به لنقله إلى المستشفى، فلم يفكر حينها طويلاً لمساعدتها ومساندتها في ظروفها ونجدة مهجة قلبه الوحيد.

أسرع نصر بصحبة إبراهيم إلى بيته وانطلقا بالزوجة والطفل إلى المستشفى وما هي إلا لحظات حتى وصل الخبر للقائد العسكري في المنطقة فاعد قوة عسكرية كمنت لسيارته بين أشجار قرية إبراهيم الفقيرة والواقعة ما بين بيت نصر والمستشفى.

خرجت قوات الغدر الجبانة فجأة واعترضت طريقهم وبلا رحمة أطلقت النار العشوائي على السيارة فاحتضنت الام ابنها المريض خوفاً عليه.

أوقف إبراهيم السيارة وتناول سلاحه وأطلق النار حتى استشهد في تلك اللحظات، فتح نصر باب السيارة لزوجته لإنقاذها وابنه فتعالت صيحاتها والطفل خوفاً من صدمة الموقف- تمالك نصر نفسه وبدأ يطلق النار على الدورية العسكرية فقتل منهم اثنين وجرح آخرين قبل أن تناله رصاصاتهم.

حضنت الأم طفلها وضمته إلى صدرها وحمته من الرصاص المتطاير في كل الاتجاهات حتى أصيبت، ولم تأبه بحالها وواصلت حماية طفلها فاستشهدت والطفل بين ذراعيها.

توقف إطلاق النار بعد استشهاد الثلاثة وما هي إلا لحظات حتى أحضر قائد الوحدة مختار القرية ووجهائها للتعرف على القتلى الثلاثة، فوجد الطفل بين ذراعي أمه يتحرك ولم يصبه أذى غير أنات المرض الذي كان يعانيه، فحمله معه وتعرف على إبراهيم ابن القرية وتأكد من هوية نصر وزوجته، وفي نهاية اليوم جرت لهم مسيرة خرج فيها كل أبناء القرية بالحناجر الثورية والزغاريد وودعوا الشهداء الثلاثة التي تزينت أجسادهم بالأعلام الفلسطينية وأكاليل الزهور.

كان وقع الخبر كالصاعقة على أم نصر التي خشيت هذه اللحظة، فقام ممثلوا مكتب المقاومة بزيارتها بعد أن تلقوا خبر مقتل الثلاثة عبر مختار القرية الذي تعرف على هوية الشهداء وتفاصيل الحادث.

كان الخبر أقوى من أم نصر التي أقعدها المرض فتوفت حسرة على ابنها وزوجته.

عاش رفيق يتيما من والديه وعائلته التي ذهبت وذهب خبر حفيدها التي رأت فيه ابنها دون أن تراه أو أن تصل إليه.

كما وتركت أم نصر حفيدتها انتصار يتيمة دون أن ترى وجه أبيها أو تحظى ببسمة حب واحدة منه.

عاشت انتصار منعمة بحياة مستقرة مع والدتها لطيفة مع إخوانها في الأردن.

استقرت حالة رفيق بعد أيام برعاية زوجة المختار التي احتضنته، ولكن الطفل بات بحاجة لمن يرعاه من أقارب أمه لأن زوجة المختار كبيرة في السن ومصابة بالمرض.

لم يعرف من أخوال رفيق إلا شخص يعمل في بلد أجنبي بعيد، ولم تكن وسيلة لمعرفة عنوانه وترتيب نقل الطفل إليه فاضطر المختار أن يجمع وجهاء القرية ورجالها فأطلعهم على حال رفيق والحاجة لمن يتبناه، وأشهدهم على أمانة الطفل من وراء أبويه فقد احتفظ له بذهب والدته وثمن السيارة وبيت أهله الذي باعه بعد أن تعرف عليهم.

كان المختار يخشى تهرب أهل القرية من تبني طفل لا يعرفون عنه إلا الحادث الذي حصل.

وظروف الفقر وقلة العمل وصعوبة العيش كانت عقبة أخرى أمامهم.

لم يجد المختار بد إلا عرض مأساة الطفل على الحاجة محبوبة والتي لم تقف من صدمتها بعد استشهاد زوجها إبراهيم التي عاشت معه أجمل الأيام والذكريات.

كانت الحاجة محبوبة امرأة ذكية وقوية وحكيمة وتعادل بشهادة أهل القرية عشرة رجال هي لم تحج ولكنها كانت في بطن أمها حينما حجت فأطلقت عليها أمها والقرية الحاجة منذ ولادتها وطفولتها.

لم تعارض الحاجة تبني رفيق ابن رفيق زوجها كرامة لروحه الطاهرة وشعوراً بمأساة الطفل ومستقبله فساوته بابنها الذي يكبره بثلاث سنوات.

لم تستقبل الحاجة محبوبة من المختار سوى الوعد بمساعدة أهل القرية لها لتعارك الحياة مع طفلين ورغم أخذها أمانة رفيق من المختار إلا أنها أبت أن تقترب منه أو تفرج عن نفسها به، فتوجهت لصديقتها وجارتها أم سامي لعلها تخرج للعمل معها في حقل زوجها الذي يتعاون بزراعته مع زوجته وأخواته وأبناءه.

رحب أبو سامي بعمل الحاجة محبوبة واعتبر موقفه واجباً وليس مساعدة.

كانت تأخذ الحاجة معها للحقل ابنيها في طفولتهما إذ أنها لم تفرق بينهما بالعطف والحب والحنان والطعام والشراب والملبس، ولم يعرف رفيق له أماً غيرها كما محمد.

مرت الحياة قاسية جداً على العائلة في غياب معيل الأسرة الصغيرة وكانت الحاجة تقوم بعمل البيت لجانب رعاية الطفلين وتربيتهما.

ربت الحاجة محبوبة طفليها على الدين والخلق وحب الله ورسوله والوطن وعشق كل حبة تراب وقطرة ماء فيه.

لم يستطع رفيق استيعاب سبب اختلاف الأسماء بينه وبين أخيه الذي ظهر رسميا في سجلات المدرسة وحين عودته بكى لامه وسألها:

- لماذا اسمي يختلف عن محمد يا أمي، فينادونه بمحمد إبراهيم وينادوني برفيق نصر العسقلاني.

كانت محبوبة تنتظر لحظة الوعي لرفيق لتخبره بالحقيقة وحينما أتت الفرصة لم تخفيها عليه.

- اسمعني جيداً يا رفيق، أنت يا بني روحي التي أحيا بها ومهجة قلبي وكل سعادتي ومحمد أكثر من أخيك، ونحن لنا قصة يا حبيبي كما لك قصة ويجب أن تعرفها.

لقد كان أبو محمد صديق لأبيك، وأبوك يا حبيبي كان بطل يشهد بإخلاصه وصدقه وتضحيته ولقد استشهد أبوك وهو يدفع عنك وعن أمك خطر الموت ووقتها كانت أمك لا تأبه بنفسها لحمايتك حتى استشهدت وهي تضمك إلى صدرها وتحرسك بذراعيها وتضحي بروحها حتى لا يطالك أذى، وجميعهم يا بني استشهدوا وهم عائدون بك من المستشفى.

فهم رفيق قصة والديه وعمه واحتفظ لأمه محبوبة في نفسه عظيم التقدير والمحبة مع كل يوم يكبر فيه برعايتها.

اتفق محمد ورفيق أن يتعرفا على مكان استشهاد والديهما وأن يكتبوا شاهداً باسمهم كتذكار. فجمع الأخوان عدداً من الصخور الصغيرة ورتبوها بشكل متناسق ووضعوا عليها تذكار الشهادة الذي رسموه بأياديهم وتعاهد الأخوان على تكرار زيارة المكان وقراءة القرآن على أرواح محبيهم.

عملت الحاجة اثنتا عشرة عاماً في حقل أبى سامي وفي مساء يوم شديد الحرارة شعرت الحاجة بدوران وسقطت على الأرض، فنقلها أبو سامي وزوجته إلى المستشفى وكانت المفاجأة حينما أعلمهم الطبيب بإصابتها بمرض يستوجب راحتها التامة وكتب لها علاج لا بد من أخذه على الدوام.

تعافت الحاجة محبوبة من مرضها وهمت للعودة لعملها إلا أنها تعرضت لنفس الموقف.

فهم الطفلان محمد ورفيق حالة والدتهما ورفضا خروجها للعمل بعد ذلك.

كانت الحاجة تشفق على ابنيها التي حلمت بتعليمهما، فخشيت عليهم الأيام المقبلة – فلا زالا لم يصلا للعمر الذي يجعلهما أهلاً لمصارعة الحياة.

- قال محمد : لا عمل لك بعد اليوم يا أمي – فنحن كبرنا ونستطيع الاعتماد على أنفسنا وإذا حصل لك شيء بعد اليوم فلن نرحم ونسامح أنفسنا.

كبرياء الحاجة محبوبة يجعلها تتجرع مرارة عمل أحد أبناءها على أن لاتكون محلاً للصدقة أو أن تمد يدها لأحد، حسم الطفلان الموقف مع أمهما التي بكت شفقة عليهم.

وكانت المواجهة الحقيقية بين محمد الذي رأى نفسه رجل البيت والأولى بهذه المسؤولية لأنه الأكبر، وما بين رفيق الذي اتضحت عليه ملامح الرجولة والشهامة وحب الآخرين فمنذ سماع قصة والديه من الحاجة اكتسب أخلاق التضحية وانتظر الفرصة لاثباتها.

- كان الموقف في غير صالح رفيق فهو الأصغر ولكنه أقسم على رد الجميل لأمه ومحمد وقال لأخيه أنت متفوق في الدراسة يا محمد وأمك تحلم بأن تكون طبيباً وإذا كنت تحب أمك فعليك بتحقيق حلمها لتعالجها، ألا تريد علاج أمك؟؟

- رد محمد – بلى، سأعالجها بالمال الذي أجمعه.

- قال رفيق : إذا كنت تقصد توفيره من السوق فكلانا يستطيع، لذا عليك الاعتناء بدراستك.

رفض محمد محاولات رفيق واعتبر أن الأمر لا يحتاج للمزيد من النقاش وفي اليوم التالي تناول خرقة من القماش ووعاء وبدأ يمسح زجاج السيارات على الطرقات.

ذهب رفيق لأبى سامي وطلب أن يعمل مكان أمه في الحقل، لم يتوانى أبو سامي في الرد وهو يعلم حاجة العائلة ويقينه برفض أي مساعدة ممكن أن يقدمها للحاجة محبوبة لعزتها وكبريائها.

بعد أسبوع من العمل للطفلين عاد محمد ومعه طلبات البيت ودواء أمه، وبقدر فرح الحاجة بموقف الوفاء والحب من ابنها بقدر الحزن والشفقة على قدره في الحياة.

وبعد ساعة عاد رفيق ومعه حاجيات أخرى للبيت وعلبة دواء ثانية لأمه.

- سالت الحاجة محبوبة – ما هذا يا رفيق ولماذا تأخرت؟؟

- لقد وجدت في طريقي مبلغاً من المال فأحضرت لك الدواء وتلك الحاجيات.

- أنت تكذب يا رفيق وأنا لم اعهد عليك الكذب.

دخلت الحاجة لغرفتها وأحضرت إنذارين غياب لمدة أسابيع من المدرسة لرفيق ومحمد وقالت:

- أنت لا تذهب للمدرسة يا رفيق وإنذار الغياب باسمك يثبت ذلك.

اقتربت الحاجة من ابنها وضمته إليها ومسحت دموعه وقبلته وقالت : أنت تعمل يا رفيق أليس كذلك؟؟

نعم يا أمي، فأنا عملت مكانك في حقل أبى سامي.

تدخل محمد غاضباً وأنا لست رجلاً في نظرك يا رفيق ؟؟

بالعكس يا أخي ولكني أقسمت وعاهدت الله أن لا اذهب للمدرسة وأعمل حتى تشفى أمي التي لم تتركني عندما تركني الناس.

عانقت الحاجة محبوبة ولديها على موقفهما وشعرت بثمرة تعبها والفخر بأبنائها.

نزل محمد مكرهاً أمام عناد رفيق وإصراره وعاد للمدرسة واهتم بدراسته وطموحه بالحصول على شهادة الطب أملاً في علاج أمه.

بدأ رفيق يصارع الحياة بكل قسوتها فتارة تصرعه وأخرى يصرعها تهزمه جولة ويهزمها جولات فقد عمل مع جيرانه مكان أمه عدة سنوات كانت خلالها الحاجة محبوبة تُقَوِّى عوده وتكسبه تجربة الحياة، لم تتركه وحيداً في هذه المحنة بل تواسيه بعد عمله وتقوِّم سلوكه وتربيه على معاني التضحية والكرم ومحبة الآخرين فنشأ كريماً محباً لغيره ويشعر بهم فكان مثلاً لأبناء جيله في القرية، ولم تشهد عليه القرية مشكلة مع أحد وعُرِفَ بين الناس بحسن خلقه وسلوكه ودينه- وكلما ضاقت عليه الدنيا ذهب إلى المسجد الأقصى وفيه كان يفر إلى الله ثم إلى قلب أمه الحاجة التي تخفف عنه وتسانده.

لم يخسر رفيق فرصة التعليم بكاملها فكان يجلس مع أخيه محمد ليلاً ويدرس في كتبه ويسأله، فلم ينقطع كلياً عن التعليم والمطالعة.

كان رفيق يعطي أجرته التي يتلقاها من أبى سامي لوالدته التي تقوم بتدبير البيت والدواء واحتياجات ولديْها فلم تسأل طيلة تلك السنوات أحداً.

بدأت تظهر على رفيق ملامح الرجولة فتغير صوته واكتمل جسمه، فكان شاباً وسيماً جميلاً ناعم الشعر يميل إلى الحمرة، بعينين عسليتين وبشرة بيضاء، متوسط الطول والجسم.

وفي ذات يوم نادت عليه الحاجة محبوبة- ما شاء الله- الله يحرسك ويحميك فلقد كبرت وأصبحت رجلاً يا رفيق.

خجل رفيق واحمر وجهه وابتسم في وجه أمه وقال:

لولاك وفضلك لما أصبحت كذلك يا أمي.

أجابت أمه: بل لولاك لتصدق الناس علينا يا بني.

كان الحديث في نظر الحاجة محرجاً مع رفيق ولكنها كانت مضطرة له اضطرارها لعمله.

- تعرف يا بني لماذا عملت في حقل جارنا أبو سامي قبل مرضي؟؟

- نعم يا أمي، لأنك بصحبة زوجته وأخواته وبناته.

- وتعلم لماذا اليوم أنت بحاجة لعمل آخر؟؟

أدرك رفيق مقصدها وقال معك حق يا أمي – يجب عليَّ أن ابحث عن عمل أّخر، فبنات أبى سامي من جيلي الآن.

- يسلم فمك وعقلك يا رفيق أنا اعلم أن الأمر صعب عليك ولكن كن مع الله سيكون الله معك.

ذهب رفيق إلى جاره أبى سامي فشكره على مساندته طوال السنين الماضية واستأذنه للبحث عن عمل آخر.

شكر أبو سامي رفيق على وعيه وحسن تصرفه ودعا له. وفي صباح اليوم التالي نهض رفيق مبكراً فصلى الفجر وتناول فطوره من يد والدته التي دعت له فقبل يدها وذهب.

ذهب رفيق عشرات المحلات والمصانع باحثاً عن عمل دون جدوى، لم يهتم رفيق بنفسه أو يلتفت لتعبه في ذلك اليوم فكرر المحاولة مرات عديدة ولكن دون فائدة وأثناء تجواله في السوق التفت لبعض الباعة المتجولين والذين يبيعون الفاكهة والخضار في أماكن غير ثابتة على جوانب شارع السوق فعاد للبيت.

- يا أم محمد- الله يعطيك العافية يا بني متى رجعت؟؟ وماذا حدث معك؟؟

- لم أجد عملا يا أمي ولكني أفكر أن اخذ الفاكهة والخضار من حقل أبى سامي وابيعه في السوق.

- بالتوفيق يا رفيق- فكرة جيدة.

صنع رفيق حاملاً صغيراً واشترى ميزاناً وأكياساً وبدأ العمل في سوق المدينة.

نجح رفيق في عمله وداوم عليه أسابيع كان خلالها محمد يستعد لامتحانات الثانوية العامة وفي أحد الأيام ذهب رفيق إلى السوق وبعد ساعات معدودة قامت البلدية بصحبة الشرطة بكتابة مخالفات وفرض غرامات مالية على كل من يبيع خارج المحلات المرخصة، وهددت بسجن كل من يخالف في المرات القادمة.

لم يقتنع رفيق بفكرة ترك عمله لهذا السبب فداوم عليه، وإذا بالبلدية والشرطة تقتحم السوق وتسجن كل مخالف وقبل وصولهم إليه ترك مكانه وبضاعته وغاب عن العين حتى لا يسجن.

اعتبر رفيق أن اليوم الثاني محاولة أخيرة للبلدية والشرطة لتطبيق القانون الجديد وفي اليوم الثالث عاد رفيق لرزقه كما كل يوم وإذا بالشرطة فوق رأسه فقيدوا يديه ونقلوه للسجن.

علمت الحاجة محبوبة بسجن رفيق فلم تقوى على حمل جسدها فانهارت من مفاجأة الصدمة- اعتنى الجيران بالحاجة فأعطوها الماء والدواء حتى حضر محمد الذي أسرع إلى مركز الشرطة لرؤية أخيه.

طلب الضابط من محمد كتابة تعهد خطي على عدم العودة للعمل بهذه الطريقة واستطاع تحرير أخاه بكفالة مالية.

عاد الأخوان إلى البيت ولم يهتم رفيق بكل ما حصل فكل ما يهمه هو عمل الغد وتوفير لقمة العيش والدواء للوالدة والبيت.

اطمأنت الحاجة على ابنها فعانقته وقبلته وأعدت له الطعام.

هَدَّأَتْ الحاجة محبوبة روع ابنها على رزقه وان الله لن يتركه.

شعر رفيق بالقلق في ليلته وهو يفكر بحاله وغده فقام وتوضأ وصلى ركعتين حاجة لله عز وجل وتوكل عليه ونام.

وفي الصباح ذهب يبحث عن عمل وإذا بفتاة صغيرة تحمل في يدها عدداً من الصحف وتضع أمامها صندوقاً مليئاً بأنواع التبغ.

- توجه إليها وسألها: تسمحين لي السؤال؟؟

فأومأت له بالموافقة، فقال : يمكن أن يعيش المرء بهذا العمل؟؟

- فقالت : ليس في كل الأيام.

- فقال: وما يجبرك على هذا العمل؟؟

اجابت : أنا وحيدة لأب عاجز لا يرى وأمي توفت في مولدي وأعمل لأوفر قوت يومنا.

- وفجأة قاطعهم أباها، من هذا الذي تتحدثين معه يا منال؟؟

- شاب يريد الشراء يا أبي.

عرف رفيق اسم الفتاة وأخرج مبلغاً من المال وطلب صندوقاً من التبغ وسأل الفتاة:

- هل تعملين يومياً في هذا المكان؟؟

- أجابت منال : نعم.

لم يضع رفيق طوال حياته سيجارة واحدة في فمه، وكانت الحاجة محبوبة دوماً تنصح ولديها بمضار التدخين، وأثناء عودة رفيق لبيته سارحاً يفكر في ظروف منال المشابهة لظروفه ومكافحتها للحياة صادف رجلاً يعمل في النظافة وفي يده سيجارة فطرح عليه السلام وناوله علبة التبغ.

وفي اليوم الثاني خرج رفيق مبكراً يبحث له عن عمل، فدخل مصنعاً كبيراً للخياطة وسأل مديره:

- هل تحتاجون لعمال؟؟

- فقال المدير : مع كل الأسف، لا لأن المصنع يقتصر على البنات.

- فسأله رفيق : وإذا حضرت بنت فهل يمكن أن تعمل؟؟

- أجاب : يمكن تعليمها بأجر بسيط في البداية ثم ترتقي بقدر تقدمها.

ذهب رفيق إلى المكان الذي صادف فيه منال فوجدها بصحبة أبيها الضرير فطرح عليهم السلام ، فأجاب الشيخ :

- وعليكم السلام، من تكون؟؟

- أنا ابن الشهيدين على مفترق القرية قبل خمسة عشر عاماً وابن الحاجة محبوبة واسمي رفيق.

- أهلاً وسهلاً يا بني ، تفضل.

ماذا تأمر ؟؟

- كنت ابحث عن عمل بسبب ظروفي الصعبة فتعسرت الأمور في وجهي وعلى علمي أن ظروفكم لا تختلف كثيراً عن ظروفي ولأن عمل منال في الشارع غير لائق لها فأنا أعرف مصنعاً للخياطة يمكن أن تتعلم فيه ثم ترتقي بقدر كفاءتها ومن ناحيتي يمكن استئجار الصندوق بما فيه ، فما رأيك؟؟

- الرأي لمنال يا ولدي.

- وافقت منال على فكرة رفيق فذهب الثلاثة إلى مصنع الخياطة وهناك داومت على عملها ووسع رفيق عمله في بيع المزيد من أنواع الصحف والمجلات والتبغ وأنواع أخرى من الحاجيات المطلوبة.

شكر أبو منال صنيع رفيق وأثنى عليه واحتفظت هي في قلبها له حباً على مبادرته واهتمامه وحرصه عليها.

فكان رفيق يطمئن عليها وعلى أبيها ما أمكن له ذلك.

كانت أسعد الأيام على الحاجة محبوبة حينما سمعت بنجاح ابنها محمد في الثانوية العامة وحصوله على معدل يؤهله لدراسة الطب في جامعة أردنية.

أدرك محمد أن ظروف الأسرة لا تحتمل انتسابه لكلية الطب فتشاور مع أمه وأخيه أن يدرس في جامعة فلسطينية توفيراً للمال وتفهماً لأخيه.

- توكل على الله يا بني، الله يوفقك وينجحك.

- وقف رفيق غاضباً، أي جامعة تلك التي تتحدث عنها، فسابقاً أقسمت والآن أجدد أنك ستسجل في كلية الطب وستحقق طموحك بعلاج الحاجة أم نسيت؟؟

- أنا لم أنسَ يا رفيق ولكن...!!

- لكن لماذا، ألم تر في أخيك رجلاً ولم تثق به؟؟

- أعوذ بالله يا رفيق فأنت رجل وسيد الرجال ولكن دراسة الطب والغربة تحتاج لتكاليف عالية ومطالب كثيرة وأنا اعرف ظروفنا.

- لا تقلق يا دكتور ومن الغد اذهب إلى مكتب التسجيل وجهز أوراق السفر وستصلك كل احتياجاتك قبل أن تطلبها.

- عانق محمد أخاه على موقفه ورجولته وتضحيته واعتبر الأمر ديْن عليه طوال حياته.

تحدث رفيق مع والدته وأخيه محمد عن منال وظروفها فشعرت الحاجة محبوبة باختلاط المشاعر عند رفيق والتي حملت الحب والود والإعجاب في تقييم منال.

طلبت الحاجة من رفيق التعرف عليها فإذا بها فتاة في قمة الجمال والرقة والسحر بجانب الخلق والدين. فهي فتاة صابة ومحتسبة ومكافحة ومتحجبة ومتزنة وهادئة في كلامها.

أومأت الحاجة لمنال بأن رفيق يميل إليها وأنه طلب التعرف عليها وسألتها عنه فابتسمت وسكتت واحمرت وجنتيها وإذا بابي منال يدخل البيت.

- هل تعرف من عندنا يا أبى؟؟

- حلت البركة علينا فأهلاً وسهلاً بكل من زارنا.

- إنها أم رفيق يا أبى.

- أهلاً وسهلاً بأم الرجال فهذه هي التربية والأخلاق يا حاجة أسأل الله أن يحفظه لك ولن ننسَ معروفه معنا.

- قاطعته أم محمد قائلة : وهل يمكن أن نكون عائلة واحدة يا أبا منال.

- وهل هذا سؤال يا أم محمد وهل سنجد أفضل منكم فأنتم نعم الأهل والناس.

- وهل تعلم بقصة رفيق؟؟

- نعم وأتذكر ذلك اليوم الذي خرجنا فيه إكراماً للشهداء.

- ولكن رفيق ومنال صغار في السن، لهذا سنؤجل هذه الموافقة لميعادها في المستقبل.

قال الشيخ : على بركة الله.

عادت الحاجة محبوبة تحمل البشرى لابنها رفيق الذي استقبل الخبر بالمزيد من السعادة والفرحة والرضا من صنيع أمه التي فهمته.

في تلك الليلة أحضرت الحاجة أمانة رفيق ووضعتها أمامه،

- سأل رفيق : ما هذا يا أمي ؟؟

- أجابت : إنها حقك يا بني.

- عن أي حق تتحدثين يا حاجة؟؟

- الأمانة التي تركها المختار في عهدتي إليك حتى تكبر، فهذا ذهب أمك والمال ثمن السيارة والبيت.

- قال رفيق : إذا كان هذا حقي بعد هذه السنين، فما هو حقك أنت يا أمي ؟؟

- حقي أخذته مما تعانيه ومما ستعانيه في الأيام المقبلة يا رفيق.

- تناول رفيق ذهب أمه واخذ يقبله ويبكي وقال:

هذا لن أفرط به يا أمي وسأجعله شبكة منال حين كتب الكتاب- أما هذه النقود فاحتفظي بها معك لحاجة الأيام.

بارك محمد لأخيه وشاركه سعادته ثم أكمل أوراقه وما هي إلا أيام حتى ودع بالدموع والبكاء والحزن أمه وأخاه ثم سافر.

كانت مصروفات الجامعة في كلية الطب عالية رغم أن محمد عاش حياة تقشف تخفيفاً على أخيه فكان يذهب مسافة طويلة من سكن الطلبة إلى حرم الجامعة سيراً على الأقدام، ويكفيه الحد الأدنى من المأكل والملبس ومع هذا فالاحتياجات الأساسية من رسوم الجامعة والكتب كانت أكبر من طاقة رفيق ودخل عمله.

اضطرت الحاجة بضغط من رفيق أن تبعث لأخيه من المبلغ الذي احتفظت به حتى أوشك على الانتهاء؟

كان رفيق يخرج لعمله من فجر اليوم حتى نهايته ومع مرور الأشهر احتاج للمساعدة وشعر بالعسر وضيق الحياة.

قدمت الحاجة محبوبة لابنها الطعام بعد عودته من العمل ورأته مهموماً لعدم قدرته على توفير القسط الجامعي الذي طلبه أخوه أثناء تعليمه فشعرت بضيقه وحملت همه وقالت :

- أنصحك يا رفيق بترك بيع التبغ ليفرجها الله عليك فأنت يا بني تعمل بشيء فيه شبهة ورزقه عسير.

- لم يناقش رفيق أمه وأخذ يفكر في غده ثم صلى ركعتين لله وقرأ ما تيسر من القرآن وتوكل على الله ونام.

وفي الصباح ، أثناء بحثه عن عمل جديد عملا بوصية الحاجة محبوبة صادف عدداً كبيراً من طلاب المدارس يتجمهرون حول بائع متجول على عربة يبيع (السندوتشات) والقرطاسيات.

قرر رفيق أن يصنع عربة متنقلة وبها صندوق زجاجي فوضع فيها احتياجات الطلبة من الأدوات الدراسية وبعض الأطعمة والمشروبات والحلوى ووقف أمام مدرسة أخرى ثانوية.

توفق رفيق في عمله واستطاع أن يجمع لأخيه احتياجاته وقسط الجامعة الذي تأخر عنه قليلاً.

وما هي إلا أربعة شهور حتى تم فتح مقصف داخل المدرسة فأنزلت الإدارة على طلابها أمراً بعدم شراء شيء من غير مقصف المدرسة فتوقف عمل رفيق الذي ذهب لسوق المدينة واشترى قطعاً من التحف كالجمال والعقود والسلاسل وأشكالاً أثرية وقصد أفواج السائحين الذين يؤمون المدينة من متعبدين وزائرين من فلسطين وخارجها.

دخل الفلسطينيون بانتفاضتهم المباركة أملاً بالحرية والدولة والاستقلال، فصنعوا بالحجر معجزة التاريخ وتحدوا بإرادتهم وعزيمتهم كل إمكانيات العدو وقدراته العسكرية

شارك في الانتفاضة كل قطاعات الشعب الفلسطيني موظفيه وطلابه وعماله ونساءه وشبابه وشيوخه وأطفاله واندلعت المظاهرات في كافة أرجاء الوطن وتجسدت البطولة والأسطورة في مخيماته. قدم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني أرواحهم في سبيل الله والوطن فاستُشهِدَ واعتُقِلَ وجُرِحَ في الانتفاضة الآلاف وهُدِّمت وأُغْلِقَت مئات البيوت وعم الفقر نسبة كبيرة من أبناء الشعب الصامد والصابر والبطل دون أن يكل أو يمل أو يشكو أو يتعب وواصل انتفاضته المباركة بشموخ وكبرياء وأصبح مثلاً عالمياً للتضحية والفداء.

عاش رفيق مذبحة الأقصى المبارك في أكتوبر والتي ذهب ضحيتها أكثر من عشرين شهيداً دفاعاً عن الأقصى والحرم والصخرة وجرح المئات في المواجهات واشتعلت على أثرها كل فلسطين ناراً وغضباً فزاد عدد الشهداء والجرحى وخرج عشرات الفدائيين بأرواحهم للانتقام فلم تبقى أداة للجهاد إلا استخدموها.

أدرك العدو قيمة القدس في قلب المسلمين عامة والفلسطينيين خاصة فهي أغلى من الروح لأنها في قلب القرآن الخالد وآية من آياته التي يقوم بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في صلاتهم قلب الليل وفلق الصبح. فالقدس مهبط الأنبياء وأرض الرسالات والأديان ومركز الحضارات وفي قلب الأرض الطيبة التي باركها الله وهي أرض المحشر والمنشر وأرض الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين فنزلت فيها الآيات القرآنية وتم ذكرها في الأحاديث النبوية وبقيت معياراً لعلو القوى العظمى ومحط أنظار الطامعين والمحتلين.

خفت السياحة في المدينة المقدسة على أثر الانتفاضة الأمر الذي اضطر رفيق لتركم عمله في بيع التحف والبحث عن عمل آخر.

كانت الحاجة محبوبة تساند رفيق في كل محطات حياته ولم تتركه للحظة يأس وفقدان أمل فكانت تقويه وتشد من عزيمته وتحميه وتتفاءل له بمستقبل مشرق وتذكره بقول الله تعالى " فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " (الشرح 5+6).

كان رفيق قليل اللقاء مع خطيبته منال ولم يكن يقصدها إلا ليسأل عن حالها وحال والدها وعن عملها واحتياجاتها، لم تكن اللقاءات تحمل مشاعر عشق وحب بقدر المصارحة في أمور الحياة والهم المشترك والتغلب على قسوة الدنيا ومصارعتها.

كان يزرع في قلبها بذور الأمل في المستقبل الجميل ويردد وصايا الحاجة محبوبة بزوال ساعة العسر وأن الدنيا ستفتح اليهما بذراعيها.

عاد رفيق للبيت بعد مقابلة خطيبته التي حمَّلته أمانة السلام للحاجة فجلست معه أمه وصارحته

- هل تقابل منال يا رفيق؟؟

- قليلاً يا أمي.

- وهل تحبها بحق؟؟

- أجاب رفيق نعم.

- إذا كان كذلك ألا تخاف عليها؟؟

- من ماذا يا أمي؟؟

- من كلام الناس يا بني، نعم نحن اتفقنا مع أبيها أن تكون من نصيبك ولكنك بدون كتاب رسمي في نظر الناس، أنت غريب عليها فإما أن لاتقابلها أو تكتب عليها.

- قال رفيق : وفي مثل هذه الظروف يا أمي؟؟

- الأمر يحتاج لذلك يا ولدي فهي في المستقبل زوجتك وحمايتها من حديث الناس يهمك وحماية لك ولأبنائك.

اقتنع رفيق بحديث أمه واتفق مع منال على موعد الخطوبة فقدم ذهب أمه الذي يمثل أغلى ذكرى على قلبه مهراً لها في يوم إعلان الخطوبة.

كان هذا أجمل يوم في حياة رفيق ومن أسعد اللحظات التي مرت على الحاجة محبوبة وهي ترى ابنها رجلاً يحقق أمانيه مع من اختارها بنفسه واقتنع بها ليس إلا لأنها مكافحة ومحافظة ومن مستواهم الاجتماعي وتعيش مشاعرهم وهمهم وتتفهم حياتهم وترضى بمعيشتهم.

زادت لقاءات رفيق مع محبوبته بعد الخطوبة فتحدث عن المستقبل وتغلبا على مشاق الحياة رغم بحر آلامها.

- تعاطفت الشعوب العربية مع الانتفاضة المباركة وتضامنت مع أبطال فلسطين في جهادهم وعطاءهم، وكانت أكثر النشاطات تُقام في الجامعات بمبادرة الطلاب الفلسطيين في الشتات.

كانت انتصار تلميذة مجتهدة في الدراسة واعتنى بها أخوالها لتحقيق حلمها فكبرت على عيني والدتها لطيفة التي لم تتزوج وعاشت لها فربتها على الأخلاق الحميدة وتحدثت لها عن أبيها الشهيد الذي فضل العودة لفلسطين استجابة للواجب على متاع الحياة الدنيا.

افتخرت انتصار بأبيها وحملت رسالته بقدر استطاعتها فشاركت في مهرجان الشهداء الذي تقيمه الجامعة تضامناً مع الشعب الفلسطيني وكانت تحمل فيه صورة أبيها.

شاهد محمد انتصار في المهرجان فتبادلا بعض الكلمات كونهما زملاء في نفس كلية الطب حيث أنها تدرس العلاج الطبيعي ومتفوقة في تعليمها.

تكررت اللقاءات ما بين محمد وانتصار وتعرفا على بعضهما ومال أحدهما للآخر ولكن محمد كان يتحامل على نفسه ومشاعره ويحصر العلاقة بالزمالة في العلم لأنه كان يعرف إمكانياته ولا يريد أن يضيع أوقاته واهتمامه وتفكيره في أي شيء غير التعليم وفاءاً لأخيه الذي ضحى بنفسه وراحته وسعادته لأجله.

اضطر رفيق لأن يعمل عتالاً في سوق المدينة الضيق فحمل للتجار بضائعهم من متجر إلى آخر وللمشترين مشترياتهم الثقيلة من داخل السوق إلى موقف السيارات وكان يعمل طوال وقته لا يعرف الراحة، ويتعرض للخطر وهو يزاحم السيارات بدراجته الكبيرة.

كانت الحاجة محبوبة تبكي ليلها شفقة على رفيق الذي عاش يتيماً من الأم والأب والعائلة والذي فقد تعليمه وكل راحته فكانت تنظر لأبناء جيله الذين يهتمون بأنفسهم وملابسهم ونزهاتهم ومدارسهم ومع هذا لم تسمع من رفيق إلا ما يرضيها ويخفف عنها ولا يرى في تضحيته مناً ولا أذى بل كان يشعر بمسئوليته أمام أمه وأخيه ومنال.

- شعر رفيق بالتعب وهو يحمل حملاً ثقيلاً على صندوق دراجته في آخر اليوم وما هي إلا لحظات حتى فقد سيطرته عليها فمالت واصطدمت بسيارة مسرعة في منتصف الشارع.

لم يستطع الطرفان تلاشي الحادث فتبعثرت البضاعة التي يحملها على عرض الشارع وحذفت السيارة رفيق أمتاراً أمامها. نزل صاحب السيارة إلى رفيق مسرعا بعد أن أوقفها بصعوبة والتفت المارة حول رفيق الذي انكسرت ساقه وسال دمه من يديه ورأسه وبعض الجروح في جسده، حمل السائق رفيق مسرعاً إلى المستشفى وكانت تظهر عليه ملامح القلق والخوف على حياة رفيق.

شعر رفيق بالسائق الذي لم يتركه في محنته ولم يقصر معه بمتابعة الفحوصات والأطباء وبعد ساعات جاءت الشرطة فاستجوبت الطرفين فبرأ رفيق ساحة السائق من أي حق وشكره على جميل صنيعه معه.

تفاجأ السائق من تصرف رفيق وأخلاقه واحب أن يتعرف عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 111010
العمل : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Collec10
الحالة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 110
نقاط : 17008
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 222210

ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا عن اقلام فلسطين ؟   ماذا عن اقلام فلسطين ؟ I_icon_minitime28/10/2009, 10:58

منذ نصف ساعة وأنا أقرأ باستمتاع
شكرا لكي أختي الفلسطينية أنك قدمت لنا هذه الوجبة الثقافية الأدبية
وأرجوا أن تداومي فأنا من عشاق هذاالنوع من الأدب
دمتي بخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يسرى محمد جاد
مراقب عام
مراقب عام
يسرى محمد جاد

ذكر
العمر : 62
عدد الرسائل : 5625
ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 210
بلد الإقامة : جمهورية مصر العربية
احترام القوانين : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 111010
العمل : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 1111111
الحالة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 9710
نقاط : 10512
ترشيحات : 62
الأوســــــــــمة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 311

ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا عن اقلام فلسطين ؟   ماذا عن اقلام فلسطين ؟ I_icon_minitime29/10/2009, 04:12

اقتباس :
هل الأدب الفلسطيني مقتصر على الشعب الفلسطيني وحده ؟

سؤال وجيه جدا موجه للعرب والمسلمين فى كل مكان

أختى الكريمة الوردة البيضاء

تسجيل حضور والعودة صباحا بإذن الله

لأتمتع بقراءة القصة ولأتشرف بالرد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رنة خلخال
مرشح
رنة خلخال

انثى
العمر : 45
عدد الرسائل : 1481
ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 111010
العمل : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Unknow10
الحالة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ 8010
نقاط : 7327
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Awfeaa10

ماذا عن اقلام فلسطين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا عن اقلام فلسطين ؟   ماذا عن اقلام فلسطين ؟ I_icon_minitime30/10/2009, 02:06

وردتنا الأمورة وحشانا
انا بري إن الأدب الفلسطيني من أنضج الأداب في العرب لأأنه وليد محنة
وفيه واقعيد شديدة قوي لكن الإعلام مش بيظهر لينا الأدب ده خالص
يعني لا دراما ولا سينما ولا حاجة خالص بتتبني اقلام فلسطين كل المسألة عملية تجارية والسوق عايز كده
شكره ياورده علي موضوعك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ماذا عن اقلام فلسطين ؟
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شاهد بالفيديو ماذا يفعل جنود الإحتلال الإسرائيلى مع أطفال فلسطين
» كيف تصنع اقلام الرصاص
» اعرف فلسطين
» كل ما لا تعرفه عن فلسطين
» [شرح] فلسطين عبر التاريخ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: دولة فلسطين :: أخبار فلسطين-
انتقل الى: