(الغولة) لبهيج إسماعيل بين النص والعرض

الغولة .. لبهيج إسماعيل بين النص والعرض

بقلم : مصطفى كامل سعد

بهيج اسماعيل كاتب متجدد ومتمرد فى حياته وفنه على السواء. عاشق للحياة وعشقه وحبه للحياة هو أحد المعالم الأساسية فى العديد من مسرحياته من حلم يوسف إلى عاشق الروح ومن الأسياد ورج حر إلى الغولة مرورا بسائر مسرحياته وحبه للحياة يدفعه إلى تأكيد القيم النبيلة كالحق والجمال والحرية وهى قيم تعلى من شأن الإنسان وتؤكد وجوده الحر الخلاق.
و(الغولة) حكاية من الماضى لكن تفكير الكاتب ومعالجته الدرامية تتجه إلى الحاضر المعاصر وهو يهتم بالوجدان الشعبى، فى التراث فيضفر العادات والتقاليد القديمة، والأساطير والثقافة الشعبية (التعديد والمراثي) والأغانى الشعبية الموغلة فى الحزن من أجل إبراز رؤيته لقضية معاصرة، هى الردة فى بعض الأفكار الدخيلة التى تجاوز حد الاعتدال إلى الشطط فى الفكر والقول والفعل وتنظر إلى المرأة نظرة دونية فتجردها من إرادتها وحريتها وشخصيتها ووجودها الفعال، فهذه الدراما تناهض مثل هذه الأفكار التى تعيدنا إلى زمن مضى وانقضى وتجرفنا إلى جمود وركود فنتخلف ونصبح بمنأى عن ركب الحياة المتدفق والمتطور.
وزمن الأحداث هو تقريبا منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، أما مكانها فهو واحة سيوة وعدد المشاهد هو عشرة مشاهد ويتجلى فى النص قوة تصوير جو ومشاهد البيئة الصحراوية واللغة المسرحية المطعمة بالمنولوجات والطقوس الغنائية وأيضا التقطيع الجيد للحوار المركز المعبر عن طبائع الشخصيات البدوية وسلوكياتها.
الخطوط الأساسية للصراع
الخطوط الأساسية للصراع فى مسرحيتنا هذه هي: خط الحلم وحب الحياة والرغبة فى الفرح وتمثله شخصية وداد الشخصية الرئيسية المتعلمة الوحيدة فى الواحة والمتمردة العاشقة لفؤاد الطبيب الغريب عن الواحة والراغبة فى التغيير. وخط العنف والقتل والتخلف والموروثات البالية والشهوات والمصالح والرغبات والأطماع التى تستتر وراء قناع دينى زائف ويمثله شخصية مسعود الجاهل الذى يواجه العلم والتقدم (فؤاد الطبيب-وداد).
وخط الموت (أم السعد حارسة التقاليد القديمة ومسعود وبكر وصابر) أمام خط الحياة (وداد-فؤاد).
إن الحب والنور وحب الحياة هنا فى مواجهة العنف والقتل والتسلط والموت.
يستعين الكاتب فى نصه بثلاث تيمات:
التيمة الأولي: يقال إن الجن فى الزمن السحيق عقدوا صفقة مع أهل واحة سيوة بمقتضاها يتزين الجن بالذهب وأهل الواحة بالخرز والحلى البلاستيكية مقابل السماح لهم بالعيش فى الواحة.
التيمة الثانية: هى عزل الأرملة التى توفى زوجها فى غرفة مظلمة لمدة مائة يوم ثم اغتسالها من البئر وتطهرها وطوال تلك المدة لا ترى أحدا ولا يراها أحد حتى لا تصيبه اللعنة.
التيمة الثالثة: هى توظيف تقليد بدوى واستخدام (البشعة) وهى قطعة من الحديد توضع فى النار حتى تتوهج ويضع الشخص موضع الاستجواب لسانه عليها فيحترق إذا كان كاذبا أما إذا كان صادقا فلا يصيبه مكروه.
ومن هذه التيمات الثلاث يتولد الصراع بين مسعود حاكم الواحة من جانب وبين وداد وأمها من جانب آخر وبين شرق الواحة من جهة (بكر ـصابر ـ أمين ـ أم السعد) وبين غرب الواحة: (دومة ـ بلحة ـ حابس). ومسعود حاكم الواحة يطلب من أم السعد أن تطلب من أم وداد أن تقتلها وأن يقتل الحلاق أمين الطبيب فؤاد فترفض الأولى وتموت بطعنة طائشة وهى تدافع عن ابنتها ويخفق أمين الحلاق فى مهمته.
وتنتهى الأحداث بفرار فؤاد الطبيب الذى أكد أن موت عدوان الزوج السابق لوداد كان طبيعيا. فر فؤاد ووداد رغم حراسة مسعود ورجاله . وبقى مسعود يصرخ وحيدا فى الصحراء كأنه صوت غريب فى البرية بعد انفضاض أهل الواحة عنه. هذا فى العرض، أما فى النص فتأتى أصوات مختلطة ومجهولة تعلق على اختفاء وداد وفؤاد مثل:
(هل وداد كانت جنية؟) (هل وداد كانت إنسية؟) (الكلام فات عليه سنين وسنين.) (الشيخ مسعود اتجن ومات)(أمين انشل ومات) (أم السعد رفصها حمار وماتت) (والحال اتغير مبقاش فيها غولة!).
وكأن الفكرة ذابت واستقرت فى الجموع وهذا هو المعنى الذى يرمى الكاتب إليه لقد تم التغيير.
من النص للعرض
وفق المخرج مصطفى طلبة فى حدود قدراته فى تقديم رؤية الكاتب عبر أسلوبه الواقعى وبرز من الممثلين خليل مرسى الممثل القدير بحضوره القوى وتعبيراته بالصوت والوجه. وسعيد المغربى (المزين أمين) بأدائه الكاريكاتورى الضاحك ومثله حمدى أبو العلا (الشيخ حابس) كان ساخرا ومرحا وكان مشهد البشعة الذى قام به عاصم رأفت فى دور (العرباوي) من أقوى المشاهد فى العرض، مثله مثل الرقصة الجنائزية التى أداها الكومبارس عقب مقتل أم وداد، أما بشرى القصبى (أم السعد) فقد كانت مالكة لزمام دورها ومسيطرة على خشبة المسرح والجمهور. بقيت بطلة العرض (وداد) إيمان رجائى فبعد دقائق قليلة من بداية العرض فرضت وجودها وتأثيرها باستيعابها لنفسية الشخصية (وداد)، وساعدها شبابها وجمالها وحيويتها. إنها موهبة صاعدة بحق. أما تصميم الملابس فقد كان فى دقته وجماله وواقعيته وتناسبه باهرا وأتوقع لمصممة الأزياء السيدة جمالات عبده جائزة عن هذا العرض.
تراوح تأثير الإضاءة والموسيقى فكان هناك شبه ثبات نسبى فى الإضاءة أما الديكور فقد كان من الممكن تقليل حجمه ورغم أى ملاحظات لنا على العرض فإنه لقى قبولا واستحسانا من الجمهور وهو ما يعنى أنه وصل إلى عقل المشاهد ووجدانه. تحية لفريق هذا العرض البديع.

* جريدة العربي . العدد 1156 04-05-2009

مجهود رائع ومشاركات قيمة دائما

بــــارك الله فيكِ أستاذتنا الغالية

اصدق الدعوات بدوام العطاءالراقى

(الغولة) لبهيج إسماعيل بين النص والعرض 9c6694d44c

(الغولة) لبهيج إسماعيل بين النص والعرض 9c6694d44c

هويدا رأفت الجندى كتب:: مجهود رائع ومشاركات قيمة دائما

بــــارك الله فيكِ أستاذتنا الغالية

اصدق الدعوات بدوام العطاءالراقى

(الغولة) لبهيج إسماعيل بين النص والعرض 4efd1d2b843au

(الغولة) لبهيج إسماعيل بين النص والعرض Jarro

» (النص بين فكر كاتبه ووعي قارئه)
» الفرق بين المرض النفسي والعرض النفسي
» تحليل النص الأدبى
» تحليل النص الأدبي
» الغموض في النص الأدبي